إن إعادة تحديد موقع التجارة الدولية فى المجال السيبرانى والانتقال إلى اقتصاد عالمى مستند إلى "شبكات الإنترنت" تمثل واحدة من التحولات الكبيرة فى مختلف المؤسسات.وإن الحقيقة المرتبطة بجوهر التقنية، التى تجعل العلاقات الاجتماعية، صفة بارزة للإنتاج فى اقتصاد المعلومات المترابطة، تتمثل فى أن جميع المدخلات الضرورية للأنشطة الاجتماعية، تكون فى متناول المستخدمين.
إن الخاصية الأساسية للأعمال التجارية فى المجال السيبرانى هى "الارتباطية والشبكات الإلكترونية" بسبب طبيعتها التى تتخطى الحدود. وعلى خلاف موقع السوق الجغرافية للعصر الصناعى، التى كانت مستندة إلى فكرة بائعين ومشترين مستقلين ومهيمنين منهكين فى تعاملات منفردة وكل منها مستقلة عن الأخرى، فإن اقتصاد المجال السيبرانى يجمع مختلف المشروعات فى شبكات عميقة من العلاقات المعتمدة على بعضها بعضا حيث تشارك فى الفعاليات والاهتمامات.
يعبر كيفن كيللى (Kevin Kelly) محرر مجلة وايرد (Wired) نيابة عن العديد من المتحمسين عندما يقترح: "إن العمل المركزى للعصر المقبل هو "ربط كل شىء بكل شىء". ويرى كيللى مستقبلا حيث "ستكون جميع أنواع المادة صغيرة وكبيرة مرتبطة فى شبكات واسعة على مستويات عدة"، وتقوم الأعمال التجارية الآن بالربط مع المنتجين والزبائن للمشاركة فى الموارد المادية مع قناعتهم بأن تجميع مصادر قوتهم فى جهد مشترك سيمكِّن كل شركة من تطوير أهدافها نحو الأفضل.
التكنولوجية الرقمية:
أضحت نظم المعلومات information systems وإمكانات الفضاء السيبرانى جزءا لا يتجزأ من جميع الشركات والشخصيات العامة، والجزء الأكثر أهمية فى الفضاء السيبرانى قد تحول بشكل أساسى من معدات حصرية تابعة للحكومة والمؤسسات الأكاديمية إلى جزء أساسى من مجتمعنا الافتراضى.
نشأت بداية الإنترنت internetبشكل أساسى فى وكالة مشروع البحث المتقدم (Research Project Agency ARPA)، وهى وكالة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، وتسمى اليوم وكالة الأبحاث الدفاعية المتقدمة (Defense Advanced Research Project Agency DARPA )، وتهدف إلى تطوير التقنيات الناشئة للاستخدامات العسكرية.
فى عام 1969، أنشأت الوكالة شبكة مشروعات الأبحاث المتقدمة (Advanced Research Project Agency Network ,ARPANET)، وكان الهدف منها يتمثل فى توفير بنية تحتية لشبكة الحاسب لكى تمكِّن الجامعات المختلفة من الاتصال ببعضها بعضا، وتسهيل الاتصال فيما يتعلق بالأنشطة البحثية، وقد نجحت هذه الشبكة وانضم إليها المزيد من النقاط الشبكية nodesعلى مدار السنوات التالية.
فى عام 1973، بدأت الدول الأوروبية فى الانضمام إلى تلك الشبكة، وكانت المملكة المتحدة والنرويج أول دولتين منضمتين. فى عام 2004، انتشر التكامل الشديد للمحتوى التفاعلى لصفحات الويب، وتم تدشين ويب web 2.0فى مؤتمر أورلى ميديا ويب2.0، حيث عزز مفهوم ويب 2.0 التفاعل والتعاون بين المستخدمين، وجعل المحتوى الذى يولده المستخدم رائج الاستخدام. لهذا، تم تغيير فهم الأدوار؛ لأن مستخدمى الإنترنت لم يعودوا مجرد مشاهدين للمحتوى، ولكن أصبحوا فاعلين فى إنشاء المحتوى.
إن دخول التكنولوجيا الرقمية على المشهد الاقتصادى كقوة دافعة، غيَّر المفاهيم الاقتصادية التقليدية وقواعد التجارة والقدرات التنافسية، وعكس آثارا عميقة وهائلة على مستقبل الاقتصاد العالمى واستقرار الشعوب والمجتمعات.
صياغة المصطلح:
يعد اقتصاد الانتباه هو أحد الفروع الحديثة لعلم الاقتصاد، ويعنى التعامل مع انتباه الأفراد "كسلعة ثمينة ونادرة"؛ وهو المفهوم الذى صاغه لأول مرة عام 1971 هربرت ألكسندر سيمون؛عالم الاقتصاد الأمريكى الفائز بجائزة نوبل فى الاقتصاد، عندما كتب عن ندرة الانتباه فى عالم غنى بالمعلومات، وأوضح أن التدفق المفرط للمعلومات ينتج عنه بالضرورة ضعف فى الانتباه؛ ما يستدعى ميل المخ إلى تحديد الأهم؛ ومن ثم التركيز على معلومة محددة.
فى عام 1997، حذر الفيزيائى "ميشيل جولدهابر" من أن الاقتصاد الدولى يتحول من "الاقتصاد القائم على المواد إلى الاقتصاد القائم على الاهتمام"، مشيرا إلى العديد من الخدمات المقدمة عبر الإنترنت مجانا؛لأن الوظائف الناشئة تعمل بالمعلومات.
تعرف جمعية علم النفس الأمريكية الانتباه بأنه "حالة تركز فيها الموارد المعرفية على جوانب معينة من البيئة بدلا من الجوانب الأخرى". الانتباه يأتى فى عدة أشكال، على الرغم من أنه غير قابل للقياس الكمى من الناحية النظرية، فإن العديد يستمدون قيمة الانتباه من مقدار الوقت الذى نركز فيه على شىء معين.
اقتصاد الانتباه:
بزغ مفهوم "اقتصاد الانتباه" مع ظهور وسائل الإعلام "السمعبصرية"، غير أنه بقى محدود النطاق والتأثير زمانيا ومكانيا، حتى جاءت الحالة الرقمية لتقلب كل شىء رأسا على عقب، فالجميع أضحى على اتصال دائم وفى كل مكان، ما أسهم فى ازدهار وانتعاش "اقتصاد الانتباه"، لقد تم الاستحواذ على كل أوقاتنا وحياتنا الإنسانية كليا؛ لأن هواتفنا الذكية أصبحت لا تفارقنا، فكل إشعار يصدر منها أينما كنا يسترعى انتباهنا، فاستعمال الهاتف تداخل مع باقى انشغالاتنا والتزاماتنا.
إن استعمال البيانات الشخصية تحول إلى عملة تباع وتشترى من قبل الشركات الكبرى، ما أضفى على هذا الاقتصاد فاعلية أكثر، وأصبح الفرد ببياناته وخصوصياته هدفا دعائيا سهلا من دون رقابة ولا حماية ولا تنظيم.
يعد الانتباه أحد الموارد القيمة؛ إذ يستحوذ على أهمية كبيرة فى عالم الاقتصاد والسياسة، وخاصة مجاللا: المال والأعمال والحملات الترويجية والدعايات الانتخابية والأعمال التطوعية، وفى عدد كبير من المؤسسات العامة والخاصة.
الاقتصاد المعلوماتى:
يسعى الاقتصاد إلى تحديث أداوته وآلياته باستمرار؛ لذلك يُعد جذب انتباه الأفراد ومحاولة الاستحواذ على أكبر قدر من عقولهم والاستحواذ على اهتمامهم، من مهام الاقتصاد الحديث؛ لأن الأفراد فى الماضى عانوا كثيرًا ندرة الوصول إلى المعلومات، بينما الأمر اليوم متاح للجميع وفى مختلف المجالات فى ظل شبكة الإنترنت.
إن النظرة المباشرة إلى الجانب الاقتصادى للمعلوماتية لا يمكن أن تقود إلى الفهم الصحيح إلا من خلال العولمة وعصرها الجديد والأرقام التى يعكسها اقتصاد المعلوماتية فى ظلها، فمن أبرز مفاهيم العولمة الاقتصادية هى أنها تقوم على "اندماج أسواق العالم فى حقول التجارة والاستثمارات المباشرة وانتقال الأموال والقوى العاملة والثقافات والتقانة ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق وماليا خضوع العالم لقوى السوق العالمية، وإن العنصر الأساسى فى هذه الظاهرة هى الشركات الرأسمالية الضخمة متخطية الحدود، أما آلية العولمة تقنيا، فإنها تستخدم ثورة تكنولوجيا الاتصالات الجديدة ومنها الإنترنت.
لقد أودعنا العالم الافتراضى وفضاءه السيبرانى فى هواتفنا وحواسيبنا، وانكفأ الزمان والفضاء على أنفسيهما، لقد أصبح البعيد قريبا مع الإنترنت، وأصبح (الما بعد) هو (الآن) بمساعدة الأجهزة الذكية؛ وأصبح اللامرئى مرئيا!
إن سيادة النزعة المعلوماتية أسهمت فى تفعيل مظاهر تبنى شبكات المعلومات، بوصفها إحدى أكثر النسق قدرة فى ترسيخ أشكال السيطرة، وبلورة عالم موحد من الأفكار والأذواق والأحكام.
وختاما، من يمتلك القدرة على إدارة تكنولوجيا المعلومات، هو من يستطيع أن يُحكِمَ السيطرة على أذهان الجماهير، ما يستلزم من مختلف وسائل الإعلام والجهات المعنية، سرعة العمل على إعداد برامج وحملات توعية حول تحويل دفة الاستثمار فى الفضاء السيبرانى إلى الصناعات الوطنية، ومدى إمكانية توظيف الفضاء السيبرانى فى التقدم العلمى والتجارة الإلكترونية، وكذا تشجيع الكوادر البشرية وشباب الباحثين على توظيف تقنيات الثورتين الصناعيتين الرابعة والخامسة فى دعم الاقتصاد الوطنى، إلى جانب التوعية بالمخاطر السيبرانية، ما يعوق من مسيرة التنمية التكنولوجية، وذلك فى ضوء الصراعات والأيديولوجيات التى تنضوى تحت مظلة الحروب السيبرانية.