يشهد العالم حاليا تغيرات مناخية حادة بسبب عدم التزام الدول بما صدر من توصيات وقرارات المؤتمرات السابقة. فالتقارير التقييمية التى تصدرها الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) تؤكد أن العالم مهيأ لتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية من الاحترار العالمى بحلول عام 2040، وذلك بسبب حرق البشر المكثف للوقود الأحفوري، وأنه ما لم تتخذ إجراءات عادلة فى مواجهة تداعيات تغير المناخ، فسيواجه العالم بكوارث بيئية جسيمة.
يتناول المقال هذه الإشكاليات من خلال ثلاثة محاور، هى الحالة الراهنة للمناخ العالمي، ونتائج قمة المناخ 26 بجلاسكو، ومؤتمر الأطراف (COP27).. تطلعات وآمال إفريقية.
أولاً- الحالة الراهنة للمناخ العالمي:
سيتم تناول حالة المناخ العالمى عام 2022، ومبررات التقيد بهدف + 1.5 درجة مئوية.
1) حالة المناخ العالمى عام 2022.. النتائج الرئيسية للتقرير السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ:
فى أغسطس 2021، وقبل ثلاثة أشهر فقط من قمة المناخ فى جلاسكو (COP26)، نشرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) الجزءين الأول والثانى من تقريرها التقييمى السادس، وتم نشر الجزء الثالث من التقرير فى الرابع من أبريل 2022. وتقدم تقارير التقييم هذه أحدث المعارف المتعلقة بالاحترار العالمى وتغير المناخ مع إبراز مسئولية البشر عن ذلك، حيث تعد هذه التقارير حصيلة تعاون 270 عالمًا من أكثر من 60 دولة مختلفة. وفيما يلى نلقى نظرة على النتائج الرئيسية للتقريرين، مع ملاحظة أن التقرير المجمع نشر فى سبتمبر 2022(1). ويمكن أن نشير لبعض النتائج، منها:
أ- العالم مهيأ لتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2040:
فى الجزء الثالث من التقرير الذى نُشر فى الرابع من أبريل 2022، أعطى الفريق الحكومى الدولى المعنى بتغير المناخ مكانة بارزة لثلاثة جوانب ذات أهمية خاصة، هي:
- هجر استخدام الوقود الأحفوري، فمن الضرورى التخلى عن هذا النوع من الوقود فى أسرع وقت ممكن.
- التغيرات الواجبة فى عادات النظام الغذائي، حيث تعد صناعة الثروة الحيوانية من أكثر الصناعات تلويثًا، مشتملة على ما يرتبط بها من إزالة للغابات. فمن الضرورى للحصول على نظام غذائى أكثر استدامة أن نكون على استعداد لتقليل الطلب على اللحوم ومنتجات الألبان.
- مدن أكثر اخضرارًا، حيث يجب أن تتغير المنظومة الحضرية التقليدية فى أقرب وقت ممكن نحو منظومة للتخطيط الحضرى المستدام والصديق للبيئة.
فمنذ سنوات عدة وحتى الآن، يحذر العلماء من النتائج الكارثية على المناخ إذا وصل العالم إلى متوسط درجات حرارة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة. وفقًا لمعهد الأبحاث العالمي، فقد ارتفعت درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.1 درجة مئوية حتى الآن، ونشهد بالفعل زيادة فى الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات والأعاصير وغيرها من الأحداث(2).
ويأتى التقرير الأخير للجنة الدولية المعنية بتغير المناخ 2022 ليؤكد أن العالم من المقرر أن يصل إلى مستوى 1.5 درجة مئوية خلال العقدين المقبلين، وأن التخفيضات الأكثر حدة فى انبعاثات الكربون من الآن ستساعد فى منع حدوث كارثة بيئية. وقد حددت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ خمسة سيناريوهات مستقبلية، تُعرف بالمسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة، وتقارن بين تبعات اتخاذ إجراءات جذرية لتحجيم انبعاثات الدفيئة الآن مقابل عواقب عدم أو تأجيل اتخاذ هذه الإجراءات. ويوضح التقرير أن اتباع مسار الكربون المرتفع، وهو أسوأ السيناريوهات، من شأنه أن يشهد العالم ارتفاع متوسط درجات الحرارة إلى أكثر من 4 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، وهو ما لم يشهده العالم عبر أكثر من 3 ملايين سنة، حيث إن الزيادات فى درجات الحرارة المشاهدة لم تتعد 2.5 درجة مئوية ولفترات زمنية قصيرة. ومع ذلك، فإن آثار هذه الزيادة كانت وسوف تكون مدمرة.
ب- البشر المحرك الرئيسى لتغير المناخ:
فى المرة الأخيرة التى نشرت فيها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تحديثها المناخي، كان هناك ذكر للارتباط بين النشاط البشرى وتغير المناخ، حيث خلصت المجموعة إلى أن لديها ثقة عالية بأن البشر هم المحركون الرئيسيون وراء مشكلات المناخ، مثل موجات الحرارة الشديدة، وذوبان الأنهار الجليدية، وازدياد حرارة المحيطات. وقد أظهرت الدراسات أن أحداثًا، مثل موجة الحر فى سيبيريا عام 2020، والحرارة الشديدة التى شوهدت فى جميع أنحاء آسيا عام 2016، لم تكن لتقع على الأرجح لو لم يحرق البشر الكثير من الوقود الأحفوري.
ويشير تقرير الفريق الحكومى الدولى المعنى بتغير المناخ لعام 2022 إلى أنه من الواضح أن التأثير البشرى أدى إلى تدفئة الغلاف الجوى والمحيطات والأرض، ويجب أن يكون هذا تحذيرًا صارخًا بما يكفى للجميع لإجراء التغييرات التى نحتاج إليها فى حياتنا والبدء فى إعادة التدوير، والتفكير فى استخدام الطاقة الخضراء لتزويد منازلنا بالطاقة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح.
وقد قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش -عقب إصدار التقرير- إن «تقرير الفريق العامل الأول للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) هو خط أحمر للإنسانية وأجراس الإنذار تصم الآذان، والدليل لا يدحض: انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى من حرق الوقود الأحفورى وإزالة الغابات تخنق كوكبنا وتعرض مليارات البشر لخطر فوري».
ج- العالم بحاجة إلى رصد مستويات الميثان:
لأول مرة على الإطلاق، خصصت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فصلاً فى تقريرها لانبعاثات الدفيئة القصيرة العمر بما فى ذلك الهباء الجوى والميثان والجسيمات، حيث حدد الإصدار السابق من التقرير مستويات آمنة من الميثان، تجاوزناها كثيرا فى هذه المرحلة. فى الواقع، بلغت مستويات الميثان، التى تعتمد بشكل كبير على الزراعة، وعمليات النفط والغاز، ومناجم الفحم المهجورة، أعلى مستوياتها منذ 800 ألف عام.
فى حين يركز الكثير من مناقشات خفض الانبعاثات على انبعاثات ثانى أكسيد الكربون (CO2) -عن طريق التحول إلى سيارة كهربائية أو هجين، على سبيل المثال- فإن الميثان له فى الواقع تأثير فى الاحتباس الحرارى أعلى 84 مرة من ثانى أكسيد الكربون خلال فترة 20 عامًا. ويخلص التقرير إلى أنه يجب التركيز بشكل أكبر على انبعاثات الميثان، التى من شأنها أن تساعد فى عكس تغير المناخ وتحسين جودة الهواء فى جميع أنحاء العالم.
د- العالم على وشك الوصول إلى نقاط تحول لا رجعة فيها:
هناك حاجة إلى إجراء تخفيضات جذرية فى الانبعاثات لوقف تغير المناخ، وهو أمر نعرفه بالفعل وتعمل الحكومات والشركات فى جميع أنحاء العالم على تحقيقه. مع ذلك، حذر التقرير من أنه إذا لم يتم عمل ما يكفي، فإن العالم يقترب من الوصول إلى نقاط تحول بشأن تغير المناخ لا رجعة فيها، أى أننا سنكون قد تجاوزنا النقطة التى يمكن فيها إصلاح الضرر.
وقد سلط تقرير الفريق الحكومى الدولى المعنى بتغير المناخ لعام 2022 الضوء على مثالين رئيسيين لما يمكن أن يحدث:
- قد تبدأ الغابات فى الموت بسبب استمرار ارتفاع درجات الحرارة، حيث تلعب الأشجار دورًا رئيسيًا فى امتصاص ثانى أكسيد الكربون. لذلك، إذا أزيلت الغابات، وتوقفت عن النمو، فسيكون لذلك عواقب وخيمة على البيئة.
- ستستمر مستويات سطح البحر فى الارتفاع، لأنه مع حدوث الاحترار العالمى تذوب القمم الجليدية بوتيرة سريعة، ما يعنى ارتفاع مستوى سطح البحر، وتتعرض البلدات والمدن حول المناطق الساحلية لخطر ابتلاع المحيطات. وتشير الأبحاث المنشورة فى مجلة Nature Journal إلى أنه إذا لم يتم فعل شيء، فقد ترتفع مستويات سطح البحر بأكثر من متر بحلول عام 2100، وبنسبة 15 مترًا على مدى الـ 500 عام القادمة(3).
2- مبررات التقيد بهدف + 1.5 درجة مئوية:
استجابة لاقتناعنا بأن العالم اليوم لا يجادل فى مدى مصداقية التغيرات المناخية وضرورات مواجهتها، وأن الاختلاف هو أساسا حول سيناريوهات العمل لتطبيق اتفاقية باريس الهادفة أساسا إلى عدم تخطى حد درجتين مئويتين، مع حث الهمم لاستهداف البقاء فى إطار الـ 1.5 درجة، وهو ما أجمعت على إحيائه الدول الأطراف فى معاهدة تغير المناخ فى مؤتمر جلاسكو (COP26 / UNFCCC)، وبهدف إلقاء الضوء على المبررات العلمية لضرورة التقيد بحد 1٫5 درجة مئوية لزيادة الاحترار العالمي، نستعرض فيما يلى نتائج التقرير الخاص للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بشأن آثار الاحترار العالمى بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعى، والمسارات العالمية ذات الصلة لانبعاث غازات الاحتباس الحرارى، فى سياق دعم التصدى العالمى لخطر تغير المناخ، والتنمية المستدامة، وجهود القضاء على الفقر. وسوف نقصر اقتباسنا لنتائج التقرير على تلك الأكثر صلة بموضوع المقال(4).
ويقدم الملخص المعد لصانعى السياسات (SPM) النتائج الرئيسية الواردة فى التقرير الخاص، استنادًا إلى تقييم المؤلفات العلمية والفنية والاجتماعية والاقتصادية المتاحة والمتصلة بالاحترار العالمى بمقدار 1.5 درجة مئوية، ويقارن بين آثار الاحترار العالمى بمقدار 1.5 ودرجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعى، ويشار إلى مستوى الثقة فى كل نتيجة رئيسية طبقا لأوزان ومعايرة متفق عليها بالهيئة (IPCC).
أ- فى فهم معنى احترار عالمى بمقدار 1.5 درجة مئوية:
تشير التقديرات إلى أن الأنشطة البشرية تتسبب فى احترار عالمى بمقدار درجة مئوية واحدة تقريبا فوق مستويات ما قبل العصر الصناعى، بهامش مرجح قدره 0.8 إلى 1.2 درجة مئوية. ومن المرجح أن يبلغ الاحترار العالمى 1.5 درجة مئوية بين أعوام 2030 و2052 إذا استمر فى الزيادة بالمعدل الحالى (ثقة عالية)(5).
كما سيستمر الاحترار الناجم عن انبعاثات بشرية منذ فترة ما قبل الصناعة حتى الآن لفترات طويلة، من قرون إلى آلاف السنين، وسيظل يسبب مزيدا من التغيرات الطويلة الأجل فى نظام المناخ، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وما يرتبط بذلك من تأثيرات، (ثقة عالية)، لكن ليس من المرجح أن تتسبب هذه الانبعاثات وحدها فى احترار عالمى بمقدار 1.5 درجة مئوية (ثقة متوسطة).
وتزداد المخاطر المتصلة بالمناخ التى تهدد النظم الطبيعية والبشرية مع احترار عالمى بمقدار 1.5 درجة مئوية قياسا بالوضع الحالى، لكنها أقل مقارنة بأوضاع يكون فيها الاحترار بمقدار درجتين مئويتين (ثقة عالية). وتتوقف جسامة هذه المخاطر على نطاق ومعدل الاحترار، والمكان الجغرافى، ومستويات التقدم وهشاشة الأوضاع، واختبارات خيارات التكيف والتخفيف وتنفيذها(ثقة عالية).
ب- التغيرات المناخية المتوقعة.. تأثيراتها المحتملة ومخاطرها:
تتنبأ النماذج المناخية باختلافات كبيرة فى الخصائص المناخية الإقليمية بين الوضع الحإلى وآخر يزيد فيه الاحترار العالمى بمقدار 1.5 درجة مئوية من جهة، وزيادة الاحترار العالمى بمقدار 1.5 ودرجتين مئويتين من جهة أخرى. وتشمل هذه الاختلافات زيادات فيما يلى : متوسط درجات الحرارة فى معظم المناطق البرية ومعظم المحيطات (ثقة عالية)، وموجات حرارة متطرفة فى معظم المناطق المأهولة (ثقة عالية)، وهطول غزير فى عدة مناطق (ثقة متوسطة) واحتمالات الجفاف والعجز فى الهطول فى بعض المناطق (ثقة متوسطة).
ومن المتوقع بحلول عام 2100 أن يكون المتوسط العالمى لمستوى سطح البحر أقل بمقدار 0.1 فى ظل احترار عالمى قدره 1.5 درجة مئوية منه فى ظل احترار عالمى قدره درجتان مئويتان (ثقة متوسطة)، وسيستمر مستوى سطح البحر فى الارتفاع بعد عام 2100 بفترة طويلة (ثقة عالية). يتوقف نطاق هذا الارتفاع ومعدله على مسارات الانبعاثات فى المستقبل. ويتيح انخفاض معدل ارتفاع مستوى سطح البحر مزيداً من فرص التكيف للنظم البشرية والإيكولوجية فى الجزر الصغيرة، وفى المناطق الساحلية المنخفضة، ومناطق الدلتا، (ثقة متوسطة).
كما يتوقع فى المناطق البرية أن تكون آثار الاحترار العالمى بمقدار 1.5 درجة مئوية على التنوع الإحيائى البحرى، والنظم الإيكولوجية، بما فى ذلك ضياعها وانقراضها، أقل منها فى ظل احترار عالمى قدره درجتان مئويتان، كما ينُتظر أيضا أن يؤدى حصر الاحترار العالمى فى حدود 1.5 درجة مئوية بدلاً من درجتين إلى تقليل الآثار على النظم الإيكولوجية للمياه العذبة والساحلية، وإلى الحفاظ على مزيد من خدماتها لمصلحة الإنسان (ثقة عالية).
إن حصر الاحترار العالمى فى حدود 1.5 درجة مئوية بدلاً من درجتين يمكن أن يؤدى إلى الحد من الزيادات فى درجة حرارة المحيطات، وما يرتبط بذلك من زيادة فى حموضة المحيطات وانخفاض مستويات الأكسجين فيها (ثقة عالية). لذا، يتوقع أن يقلل حصر الاحترار العالمى فى حدود 1.5 درجة مئوية المخاطر على التنوع الإحيائى البحرى، ومصايد الأسماك، والنظم الإيكولوجية، ووظائفها والخدمات التى تقدمها للإنسان، حسبما يتضح من التغيرات الأخيرة فى الجليد البحرى فى المنطقة القطبية الشمالية، وفى النظم الإيكولوجية للشعاب المرجانية فى المياه الدافئة (ثقة عالية).
أما المخاطر المتصلة بالمناخ على الصحة وسبل العيش والأمن الغذائى والإمداد بالمياه، وأمن البشر والنمو الاقتصادي، فيتوقع أن تزيد فى ظل احترار عالمى بنسبة 1.5 درجة مئوية، وأن تزيد بدرجة أكبر فى ظل احترار عالمى بنسبة درجتين مئويتين.
أما معظم احتياجات التكيف، فستكون أقل فى ظل احترار عالمى قدره 1.5 درجة مئوية قياسا بدرجتين مئويتين (ثقة عالية)، وثمة مجموعة كبيرة من خيارات التكيف يمكن أن تحد من آثار تغير المناخ (ثقة عالية). غير أن هناك حدودا للتكيف وقدرة بعض البشر والنظم الطبيعية على التكيف فى ظل احترار عالمى بمقدار 1.5 درجة مئوية. يترتب على ذلك خسائر (ثقة عالية) ويتفاوت عدد خيارات التكيف وتوافرها من قطاع لآخر (ثقة متوسطة).
ج- مسارات الانبعاثات وتغير النظم بما يتسق مع الاحترار العالمى البالغ 1٫5 درجة مئوية:
فى نماذج المسارات غير المتضمنة الزيادات الحادة عن الـ 1.5 درجة مئوية أو المتضمنة لنسبة ضئيلة منها، تنخفض صافى انبعاثات ثانى أكسيد الكربون البشرية المنشأ بنسبة 45% عن مستويات عام 2010 بحلول عام 2030، وصولا لصافٍ صفرى عام 2050 تقريبا. وللحد من الاحترار العالمى دون درجتين مئويتين، يلزم أن تنخفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بنسبة 25 فى المئة تقريبا بحلول عام 2030، لتصل إلى صافٍ صفرى بحلول عام 2070 تقريبا. وبالنسبة للانبعاثات غير غاز ثانى أكسيد الكربون، فإنها تشهد فى كل من المسارات التى تقصر الاحترار العالمى على 1.5 درجة مئوية، أو تلك التى تستهدف درجتين مئوتين، انخفاضات كبيرة متماثلة (ثقة عالية).
أما المسارات التى تقصر الاحترار العالمى على 1.5 درجة مئوية، مع عدم التجاوز أو بتجاوز محدود، فستتطلب عمليات انتقالية سريعة وبعيدة المدى فى البنى الأساسية للطاقة والأراضى والمناطق الحضرية (بما فى ذلك النقل والمباني)، والنظم الصناعية (ثقة عالية). والعمليات الانتقالية لهذه النظم منقطعة النظير، من حيث نطاقها، ولكن ليس بالضرورة من حيث السرعة، وتنطوى على تخفيضات كبيرة فى الانبعاثات فى جميع القطاعات، وعلى مجموعة كبيرة من خيارات التخفيف وزيادة كبيرة فى الاستثمار فى هذه الخيارات (ثقة متوسطة).
أما جميع المسارات التى تقصر الاحترار العالمى على 1.5 درجة مئوية، مع عدم التجاوز أو بتجاوز محدود، فتتوقع استخدام أسلوب إزالة ثانى أكسيد الكربون (CDR) بمقدار 100-1000 جيجا طن فى القرن الحادى والعشرين. وسيستخدم هذا الأسلوب (CDR) لتعويض الانبعاثات المتبقية، وفى معظم الحالات للتوصل إلى صافى انبعاثات سلبية للعودة إلى احترار عالمى بمقدار 1.5 درجة مئوية بعد بلوغ الذروة (ثقة عالية). ويخضع التوسع فى استخدام هذا الأسلوب لإزالة بضع مئات جيجا طن لقيود متعددة تتعلق بجدوى التنفيذ ومدى الاستدامة (ثقة عالية). ويمكن للتخفيضات الكبيرة فى الانبعاثات على المدى القريب، ولتدابير تقليص الطلب على الطاقة والأراضى أن تحد من استخدام هذا الأسلوب (CDR)، ليقتصر على بضع مئات جيجا طن، دون الاعتماد على الطاقة الإحيائية، مع احتجاز الكربون وتخزينه (BECCS) (ثقة عالية).
د- تعزيز جهود التصدى العالمى فى سياق التنمية المستدامة والجهود الرامية إلى القضاء على الفقر:
يمكن لتقديرات نتائج الانبعاثات العالمية فى إطار تدابير التخفيف الطموح المعلنة حاليا على الصعيد الوطنى -على نحو ما قدمت فى إطار اتفاق باريس- أن تفضى إلى انبعاثات لغازات الاحتباس الحرارى على صعيد العالم عام 2030 تتراوح بين 52 و58 جيجا طن مقابل ثانى أكسيد الكربون (ثقة متوسطة). ولن تقصر هذه المسارات الطموح الاحترار العالمى على 1.5 درجة مئوية، حتى وإن رافقتها سنويا زيادات كبيرة فى نطاق وتطلعات خفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بعد عام 2030 (ثقة عالية). ولا يمكن تفادى التجاوز، والاعتماد على الاستخدام الواسع النطاق فى المستقبل لتدابير إزالة ثانى أكسيد الكربون (CDR )إلا إذا بدأت انبعاثات ثانى أكسيد الكربون فى التراجع قبل عام 2030 بكثير (ثقة عالية).
وسيزداد تجنب آثار تغير المناخ على التنمية المستدامة والقضاء على الفقر وتقليص أوجه عدم المساواة، إذا تم قصر الاحترار العالمى على 1.5 درجة مئوية بدلا من درجتين مئويتين، مع زيادة أوجه التآزر بين التخفيف والتكيف إلى أقصى حد، وتقليص أوجه الملاءمات إلى أقصى حد (ثقة عالية).
أما خيارات التكيف الخاصة بالسياقات الوطنية، إذا تم انتقاؤها بدقة مع مراعاة الظروف التمكينية، فستحقق منافع للتنمية المستدامة والقضاء على الفقر فى مسار الاحترار العالمي، البالغ 1.5 درجة مئوية، على الرغم من احتمال وجود أوجه تعاوض (ثقة عالية) (6).
ترتبط خيارات التخفيف المتسقة مع مسارات الاحترار العالمى بمقدار 1.5 درجة مئوية بعدد من أوجه التآزر (الصحة، والطاقة النظيفة..) والتعاوض (الفقر، والجوع، والمياه..) مع أهداف التنمية المستدامة (SDGs). وفى حين يفوق العدد الإجمإلى لأوجه التآزر المحتملة عدد أوجه التعاوض، فإن أثرها الصافى يتوقف على وتيرة التغيرات وحجمها، وتكوين مجموعة تدابير التخفيف وإدارة الانتقال (ثقة عالية).
كما يتطلب الحد من مخاطر الاحترار العالمي، البالغ 1.5 درجة مئوية فى سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، تغيير النظم عن طريق زيادة الاستثمارات فى التكيف والتخفيف، وأدوات السياسات، وتسريع الابتكار التكنولوجى والتغيرات السلوكية (ثقة عالية). ويتوقع أن تشمل المسارات النموذجية العالمية التى تقصر الاحترار العالمى على 1.5 درجة مئوية المتوسط السنوى للحاجة إلى الاستثمار فى نظم الطاقة، ويقدر بنحو 2.5٪ من إجمإلى الناتج المحلى العالمى (ثقة متوسطة).
كما تدعم التنمية المستدامة الانتقالات والتحولات المجتمعية والنظم الأساسية التى تساعد فى قصر الاحترار العالمى على 1.5 درجة مئوية. وتسهل هذه التغيرات اتباع مسارات تطوير القدرات على مقاومة المناخ التى تحقق تدابير طموحًا للتخفيف والتكيف، بالاضافة إلى القضاء على الفقر وجهود تقليص أوجه عدم المساواة (ثقة عالية)
كذلك، فإن تعزيز قدرات الأنشطة المناخية والحوكمة على مستوى السلطات الوطنية ودون الوطنية والمجتمع المدنى والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية يمكن أن يدعم تنفيذ الأنشطة الطموح اللازمة لقصر الاحترار العالمى على 1.5 درجة مئوية (ثقة عالية). ويمكن للتعاون الدولى أن يوفر بيئة تمكينية لتحقيق ذلك فى جميع البلدان، ولجميع الشعوب، فى سياق التنمية المستدامة. ويعد التعاون الدولى عاملاً ممكنًا للبلدان النامية والمناطق ذات الأوضاع الهشة (ثقة عالية).
والخلاصة هنا أن حل أكبر التحديات البيئية التى نواجهها سيتطلب تغييرات عميقة فى سياسات وممارسات الأعمال، فهل نحن مستعدون لتغيير نظمنا العالمية والمحلية لوقف تغير المناخ؟
Climate Change -or- System Change
ثانيا- نتائج قمة المناخ 26 بجلاسكو:
تبنت وفود من 200 دولة اجتمعت فى جلاسكو -اسكتلندا (COP26) عام 2021 وثيقة ختامية، تعكس، وفقًا للأمين العام للأمم المتحدة، المصالح والتناقضات وحالة الإرادة السياسية فى العالم آنذاك(7).
وفيما يلى نجمل الملامح الرئيسية لاتفاق جلاسكو للمناخ، فقد كان هدف (COP26)خفض الانبعاثات إلى النصف بحلول نهاية عام 2030، بحيث لا يتجاوز ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية + 1.5 درجة مئوية بنهاية القرن. وقد سادت المحافل البيئية قبيل انعقاد المؤتمر الدعوة إلى ضرورة أن تسود روح الطموح والتآزر بين أطراف معاهدة تغير المناخ لتحقيق هدف الحفاظ على الاحترار العالمى فيما لا يتجاوز متوسطه الدرجة والنصف درجة مقارنة بوضعه قبل الثورة الصناعية، تواكبا مع نتائج تقارير اللجنة الحكومية المعنية بالتغير المناخى (IPCC)، ما يعنى خفض 25 مليون طن سنويًا. وقد عكست فعاليات الأسبوع الأول للمؤتمر هذا الطموح فيما تم إعلانه من تعاهدات واتفاقات. إلا أن نهاية المؤتمر جاءت محبطة لكثير من الطموحات. فرغم جميع الالتزامات المعلنة بجلاسكو، فقد بلغ التخفيض 65٪ فقط من المستهدف، ما يعنى الوصول إلى درجة 2.7 درجة مئوية. ولا تزال الدول الأكثر انبعاثا لغازات الدفيئة مثل الصين، تخطط للوصول إلى ذروة انبعاثاتها فى عام 2030، ثم تبدأ فى الانخفاض حتى تصل إلى صافى الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2060. فى حين تخطط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى للوصول إلى صافٍ صفرى بحلول 2050 والهند بحلول عام 2070. ودعت الوثيقة الختامية 197 دولة للإبلاغ عن تقدمها نحو المزيد من الطموح المناخي، فى (COP27)، الذى سيعقد فى مصر أوائل نوفمبر 2022، كما تم تعزيز الاتفاق العالمى لتسريع العمل بشأن المناخ مع الدعوة لتقديم مواعيد نهائية أكثر صرامة لتحديث الدول لخططها للحد من الانبعاثات(8).
فى تقرير نشر بنهاية مؤتمر جلاسكو لمؤسسة (CAT-ClimateAction Tracker)، تم تقدير درجة الاحترار المتوقعة فى ظل افتراضات مختلفة للانبعاثات العالمية. وقد أظهر التقرير أن استمرار العمل المناخى العالمى طبقا للسياسات المطبقة حاليا سوف يقفز بمتوسط درجة الحرارة إلى 2٫7 مئوية بنهاية القرن، وأنه لو تم تحقيق جميع الإسهامات الموثقة بخطط الدول الطوعية لخفض الانبعاثات بحلول عام 2030، فإن متوسط درجة الحرارة سوف يصل إلى 2٫4 درجة بنهاية القرن. حتى لو تم التنفيذ الكامل لكل الأهداف المقدمة والملزمة الطويلة المدى (2050 إلى 2070)، وتلك المتضمنة خطط الإسهامات الطوعية المستهدفة حتى 2030، فإن درجة الحرارة سوف تصل إلى متوسط 2٫1 درجة مئوية فى نهاية القرن. وفى ظل أكثر السيناريوهات تفاؤلا، حيث يتم فرض تنفيذ كامل لكل ما أعلن من أهداف، سواء تلك الخاصة بالأهداف الصفرية، أو ما جاء باستراتيجيات الدول البعيدة المدى أو ما قدم من خطط طوعية للإسهامات، يصل متوسط درجة الحرارة إلى 1.8 درجة مئوية وهو أقل من أهداف اتفاقية باريس، ويؤكد ما انتهت إليه مجموعة العمل الثالثة للجنة الحكومية لتغير المناخ فى تقريرها المنذر والمعلن فى أبريل 2022، حيث يذهب إلى القول إن «الانبعاثات تتجه إلى وجهة خاطئة وإنه ينبغى أن تكون عكس اتجاهها قبل عام 2025» IPCC WGIII report(9).
يعزو التقرير فجوة الانبعاثات إلى غياب السياسات اللازمة للعمل فى مسار واضح للوصول إلى الأهداف الطويلة الأمد 2050. يضيف التقرير أن كل الدول الكثيفة الانبعاثات لم تضمن أهدافها الصفرية الانبعاث بخططها الطوعية للإسهامات 2030 والمقدمة لسكرتارية اتفاقية المناخ، برغم أن بعض هذه الدول تضمّن ذلك استراتيجياتها البعيدة الأمد. ويخلص التقرير إلى ان تعهدات الحكومات الراهنة (نهاية مؤتمر جلاسكو) تؤدى إلى تثبيت انبعاثات الدفيئة بحلول عام 2030، ما يعنى أن العالم سوف يبث بحلول عام 2030 ضعف حجم الانبعاثات الواجب الالتزام بها إن كنا نتبع مسارا يؤدى إلى متوسط درجة حرارة 1٫5 بنهاية القرن. من هنا، حثّت اتفاقية جلاسكو الدول على تقديم مزيد من الطموح المصحوب بسياسات التنفيذ ومشروعاته قبل مؤتمر المناخ القادم بشرم الشيخ بمصر الذى سوف يتطلع إليه العالم لبدء التنفيذ الفعلى للعمل نحو مسار 1٫5 درجة مئوية.
وفيما يتعلق بالمسألة الشائكة المتعلقة بالتمويل من البلدان المتقدمة لدعم العمل المناخى فى البلدان النامية، يؤكد النص الحاجة إلى تعبئة التمويل المتعلق بالمناخ «من جميع المصادر للوصول إلى المستوى المطلوب لتحقيق أهداف اتفاقية باريس، بما فى ذلك زيادة الدعم بشكل كبير للأطراف من البلدان النامية وبما يتجاوز الـ 100 مليار دولار فى السنة والسابق الاتفاق عليها».
يدعو نص الاتفاقية إلى تسريع الجهود للحد (وليس لهجر) من استخدام الفحم لتوليد الطاقة وإلغاء استخدام الإعانات غير الفعالة (فقط) للوقود الأحفوري، والإبقاء على هدف 1.5 درجة على قيد الحياة، لكن مع «نبض ضعيف».
أ- إنجازات مؤتمر المناخ (COP26) الرئيسية الأخرى غير الرسمية:
تردد فى أرجاء المنطقة الخضراء بالمؤتمر، والمخصصة للفاعليات غير الرسمية، العديد من الإعلانات المشجعة، أهمها:
- إعلان قادة أكثر من 120 دولة، تمثل نحو 90٪ من غابات العالم، بوقف إزالة الغابات بحلول عام 2030.
- تعهد بشأن الميثان، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وافقت بموجبه أكثر من 100 دولة على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى بحلول عام 2030.
- موافقة أكثر من 40 دولة على الابتعاد عن استخدام الفحم، أحد أكبر مولدات انبعاثات ثانى أكسيد الكربون.
- مشاركة القطاع الخاص مع ما يقرب من 500 شركة خدمات مالية عالمية وافقت على مواءمة 130 تريليون دولار -نحو 40٪ من الأصول المالية العالمية- مع الأهداف المنصوص عليها فى اتفاقية باريس، بما فى ذلك الحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى إلى 1.5 درجة مئوية.
- تعهد الولايات المتحدة والصين بتعزيز التعاون المناخى خلال العقد المقبل.. (انبعاثات الميثان، والانتقال إلى الطاقة النظيفة، وإزالة الكربون). كما أكدتا مجددًا التزامهما بالحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية على قيد الحياة.
- فيما يتعلق بالنقل الأخضر، وقعت أكثر من 100 حكومة ومدينة ودولة وشركات سيارات كبرى إعلان جلاسكو بشأن السيارات والشاحنات الخالية من الانبعاثات لإنهاء بيع محركات الاحتراق الداخلى بحلول عام 2035 فى الأسواق الرائدة، وبحلول عام 2040 فى جميع أنحاء العالم، كما التزمت 13 دولة على الأقل بإنهاء بيع المركبات الثقيلة التى تعمل بالوقود الأحفورى بحلول عام 2040.
- أنشأت 11 دولة تحالف ما وراء النفط والغاز (BOGA)، حيث أطلقت أيرلندا، وفرنسا، والدنمارك، وكوستاريكا من بين دول أخرى أول تحالف من نوعه لتحديد موعد نهائى للتنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما.
ب- ردود أفعال ممثلى الدول والمتخصصين على نتائج اتفاقية جلاسكو:
قالت السيدة إسبينوزا، الرئيس التنفيذى لسكرتارية اتفاقية تغيير المناخ، بعد الاعتراف بالتطورات فى مجال التكيف، من بين أمور أخرى «إنها خطوة مهمة.. دعونا نستمتع بما أنجزناه، ولكن أيضًا نستعد لما هو قادم».
أما نيكلاس هون، مؤسس معهد المناخ الألمانى الجديد، فقد صرح بأن «نية البلدان الطويلة الأجل جيدة، لكن تنفيذها على المدى القصير غير كافٍ». كما وصف كبير المفاوضين من نيوزيلندا نتائج مؤتمر جلاسكو بأنها «النتيجة الأقل سوءًا..».
كما أعرب العديد من قادة البلدان عن أسفه، لأن مجموعة القرارات المتفق عليها لم تكن كافية، ووصفها بعض المفاوضين بأنها «مخيبة للآمال»، لكنهم عادوا فقالوا «إنهم أدركوا أنها كانت متوازنة لما يمكن الاتفاق عليه فى هذه اللحظة، وبالنظر إلى خلافاتهم».
وقال المبعوث الأمريكى للمناخ، جون كيري، إن النص «بيان قوي»، وأكد للمندوبين أن بلاده ستشارك بشكل بناء فى حوار حول «الخسائر والأضرار» والتكيف، وهما قضيتان ثبت أنهما من الصعب على المفاوضين الاتفاق عليها.
لا نجد أكثر من هذه الكلمات لوصف نتائج مؤتمر جلاسكو (COP26)، هذا المؤتمر الذى عقد فى ظروف عالمية اقتصادية وسياسية أقل ما توصف به أنها كانت أكثر مواءمة من الظروف التى سوف ينعقد فى كنفها مؤتمر شرم الشيخ (COP27).
ثالثاً- مؤتمر الأطراف (COP27).. تطلعات وآمال إفريقية:
فى نوفمبر 2022، سيعود مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بتغير المناخ إلى إفريقيا ليتيح لها فرصة لاستخدام قوتها الجماعية، مثلما سبق لها لأول مرة فى مفاوضات باريس 2015 (COP21)، لتحقيق الكثير من الآمال الإفريقية وتطلعات الدول النامية كافة. لقد فشل ميثاق جلاسكو للمناخ فى تحقيق إنجاز ملموس فى العديد من القضايا الحرجة لإفريقيا، لكنه قدم فرصًا للعمل نحو مؤتمر برئاسة إفريقية، ويركز على قضاياها.
ما أهمية ذلك لإفريقيا والعالم النامي؟
تسهم البلدان الإفريقية بنسبة 4٪ فقط فى الانبعاثات العالمية من غازات الدفيئة، لكنها تتحمل العبء الأكبر من آثارها، ما يعيق التنمية المستدامة الطويلة الأجل لإفريقيا ويشكل تهديدًا مباشرًا لشعوبها ويخلق الصراع ويدمر الأرواح وسبل العيش من شواطئ السنغال إلى السافانا فى كينيا.
من الأهمية بمكان أن توحد البلدان الإفريقية قواها للضغط من أجل التزامات جريئة على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية للمساعدة فى مكافحة أسوأ آثار تغير المناخ وخلق مساحة للابتكار والتنمية الإفريقية. لقد سبق أن اتفقت الدول الإفريقية وتحدثت بصوت واحد فى مؤتمر باريس (COP21) وكذا فى مؤتمر جلاسكو (COP26) فى عدد من القضايا الحرجة من خلال مجموعة المفاوضين الإفريقية وقادتها ووزرائها وممثليها، حيث تُرجم هذا الصوت المشترك إلى قوة جماعية أسهمت فى تحقيق العديد من المكاسب العادلة للبلدان الإفريقية.
فيما يلى نعرض -على سبيل المثال لا الحصر- لبعض القضايا ذات الأولوية القصوى، هى:
1- رفع سقف الطموح المناخى وزيادة التمويل المناخى وشفافيته:
فمن أجل الوصول إلى أهداف الصفر الصافي، تشير التقديرات إلى أن العالم يحتاج إلى استثمار ما يقرب من 1-2 تريليون دولار سنويًا فى عملية الانتقال، وأنه بحلول عام 2030، ستكون هناك حاجة إلى 300 مليار دولار إضافية سنويًا لمواصلة بناء المرونة العالمية ضد تغير المناخ. فى حين أن أحدث تقرير عن حالة تمويل المناخ، صادر عن مبادرة سياسة المناخ، قدر تمويل المناخ بما يتراوح بين 608 و 622 مليار دولار عام 2019، (يبلغ نصيب إفريقيا من التمويل المناخى 5.5٪)(10). إن هذا الفارق الصارخ بين الاحتياجات المالية للعالم والتمويل المتاح دعوة عاجلة للعمل. فمن ناحية، لن تكفى مصادر التمويل العام (من خلال الدول) لتغطية طلب التمويل المناخي، وهناك ضرورة لمشاركة ضخمة من القطاع الخاص، ما يستلزم ابتكار برامج وآليات مالية جديدة أكثر ملاءمة لطبيعة المشروعات المناخية وظروف الدول النامية والبازغة التى تعانى مشكلات مالية وتضخما للمديونية. تبرز هنا آليات التمويل الميسرة والتمويل المختلط التى يمكنها سد الفجوة بين الأموال العامة ورءوس أموال القطاع الخاص على نطاق أوسع، شريطة أن يتم تطوير دور التمويل الميسر نفسه أيضًا. فحتى الآن نادرًا ما يُنظر إلى التمويل الميسر للمناخ كمصدر عائد من قِبل مصدر التمويل. مع ذلك، ومع بدء المشروعات الطويلة الأجل فى الانتقال إلى مرحلة النضج، يوجد الآن دليل يمكن إثباته على الكيفية التى قد تنظر بها الصناديق التمويلية فى هيكلة وتقييم تدفقاتها الداخلية لتمويل المزيد من البرامج والأولويات الاستراتيجية المناخية(11).
من ناحية أخرى، وللاستفادة من زيادة تمويل المناخ، يجب على البلدان الإفريقية إدماج خططها المناخية وبناء القدرات ونشر الموارد بشكل فعال للتأكد من أن الأموال تتدفق إلى الابتكارات المناخية والزراعة الذكية مناخيا، والنظم البيئية الخضراء والزرقاء، والطاقة المتجددة، مع تبنى التمويل المناخى الذى يراعى نوع الجنس ويمكّن النساء من قيادة العمل المناخي، ويعزز قدرتهن على الصمود فى مواجهة تأثيرات المناخ كأمر ضرورى للتوزيع الفعال لهذه الموارد. أخيرًا، هناك حاجة أيضًا إلى إجراء فحص دقيق للأموال للتأكد من إنفاقها على النحو المأمول.
2- الخسائر والأضرار والتعويضات المناخية للمجتمعات المتأثرة:
كان النقاش حول الخسائر والأضرار مثيرا للجدل لسنوات. فقد فتح مؤتمر الأطراف 26 الباب أمام الالتزامات فى هذا المجال، لكن البلدان والمجتمعات الإفريقية التى دمرها تغير المناخ فى الوقت الحإلى تحتاج إلى أكثر من الكلمات بالنسبة لأولئك الذين يواجهون الآن -وليس غدا- حالات الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة التى يسببها المناخ اليوم بسبب انبعاثات متراكمة منذ عقود. فالثابت أن الالتزام بالحفاظ على الاحترار العالمى أقل من 1.5 درجة مئوية، أو الدعوة لخفض الانبعاثات يعد قليلًا ومتأخرًا جدًا بالنسبة لهم. إنهم بحاجة إلى المساعدة للتعافى من الكوارث والتقدم إلى الأمام بشكل عاجل ومخِتلف وأفضل. والجلى أن هذا سوف يتطلب استثمارات ضخمة، حيث تشير التقديرات إلى أن تكاليف تقليل الخسائر والأضرار فى البلدان النامية ومعالجتها سترتفع من 50 مليار دولار عام 2022 إلى ما بين 300 و 428 مليار دولار بحلول عام 2030، وتقفز إلى 1٫67 تريليون دولار بحلول عام 2050. من هنا، يجب على البلدان العمل معًا وتطوير مطالب طموح حول الخسائر والأضرار كنقطة محورية. وعليه، يجب أن تكون قصص المجتمعات والأشخاص الأكثر تأثرًا فى مقدمة هذه المناقشات ومحورها(12).
3- أسواق الكربون التى تعمل لمصلحة إفريقيا، وعوائد تجارتها:
تتميز القارة الإفريقية بأن لديها إمكانات كامنة هائلة فى أسواق الكربون رغم نصيبها المتواضع الراهن، البالغ 2٪ فقط من حجم التجارة فى هذا السوق، حيث تحصل جنوب إفريقيا وشمال إفريقيا على الجزء الأكبر من تمويل آلية التنمية النظيفة بموجب بروتوكول كيوتو للاستفادة من هذه الفرصة. وستحتاج معظم البلدان الإفريقية إلى تعزيز بيئاتها التنظيمية والسياساتية للاستفادة من أسواق الكربون، والتأكد من أن الناس يفهمون كيف يمكن أن تعود تجارة الأوفست بالفائدة على مجتمعاتهم. وتحتاج البلدان أيضًا إلى القيام بالعمل الشاق لفهم كمية الكربون التى تمتلكها داخل حدودها -التى قد تكون مكلفة وتستغرق وقتًا طويلاً، والتأكد من استفادة المجتمعات من مشروعات التعويض.
على الدول الإفريقية وسائر الدول النامية التحرك اليوم لضمان امتلاكها جدول أعمال مؤتمر (COP27) لتعرض بوضوح قضاياها وطموحاتها. فلا تغير للمناخ بدون تغير عدالة تقسيم أعباء العمل المناخى تنفيذا لنص معاهدة المناخ واتفاقيتى باريس وجلاسكو «أعباء مشتركة ومسئوليات متباينة».
الهوامش:
1 ) https://www.ipcc.ch/report/sixth-assessment-report-working-group-3/
2) https://www.wri.org/
3) https://www.nature.com/articles/nature17145?TB_iframe=true&width=914.4&height=921.6
4) www.ipcc.ch/sr15
5- التعاوض الكربوني Carbon Offsetting: يقصد به أي عملية أو نشاط يتضمن خفضا أو استخلاصا لأكاسيد الكربون (أو أي أنواع أخرى من انبعاثات الدفيئة) ما يُبث إلى المجال الحيوي، وذلك بهدف تعويض/ مقابلة انبعاثات دفيئة أخرى بُثت من مكان آخر إلى المجال الحيوي (أو دولة أخرى). https://chapterzero.org.uk› carbon-offsetting-explain
6- تتبع التقارير الصادرة عن اللجنة الحكومية للأطراف التى وقعت معاهدة التغير المناخي، فى سردها لنتائج جهودها وأبحاثها العلمية، تصنيفا لدرجة الثقة بالتعامل مع هذه النتائج، فتصنف النتائج بحسب قوة الأدلة ومدى اتفاق ممثلي الدول الأطراف إلى خمس درجات من الثقة: ضعيفة للغاية، وضعيفة، ومتوسطة، وعالية، وعالية للغاية، ويتم إدراج درجة الثقة فى المتن مع وضعها داخل قوسين.
IPCC_AR6_WGII_Summary For Policy makers. pdf
7) https://www.thenationalnews.com/world/cop-26/2021/11/13/world-inches-towards-climate-deal-as-cop26-talks-drag-on/
8) https://www.ipcc.ch/sr15
9) The Intergovernmental Panel on Climate Change,IPCC, https://www.ipcc.ch/sr15/%20https:/climateactiontracker.org/global/cat-thermometer/
10) https://climateactiontracker.org/global/cat-thermometer/
- https://www.reuters.com/article/uk-energy-transition-idUKKBN2670OA
- https://www.wri.org/insights/costs-climate-adaptation-explained-4-infographics
11) https://www.weforum.org/agenda/2022/05/beyond-pledges-inclusive-partnerships-to-move-towards-climate-resilience.
12) https://acetforafrica.org/research-and-analysis/insights-ideas/article