تعتبر التغيرات المناخية ظاهرة متعددة الجوانب، بمعنى أنه سيكون لها آثار على فرص التنمية الاقتصادية المستدامة والنزاعات على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، حيث يمكن أن تؤثر فى إمكانيات الإمداد بخدمات الطاقة والمياه والغذاء، وما يرتبط بها من قطاعات عديدة لاسيما قطاع الصناعة والزراعة والنقل. ولا يمكن الفصل بين تأثيرات تغير المناخ عن التطور فى تنفيذ الأهداف الاممية للتنمية المستدامة 2030، وعلى الأخص فى الأهداف التالية والتى تتعلق بالأمن الغذائى والمتمثلة فى التالى: القضاء على الفقر بجميع أشكاله فى كل مكان (الهدف الأول)، والقضاء على الجوع وتوفير الامن الغذائى والتغذية المحسنة وتعزيز الزراعة المستدامة (الهدف الثانى)، وتعزير النمو الاقتصادى المطرد والشامل للجميع والمستدام والعمالة الكاملة والمنتجة وتوفير العمل اللائق للجميع (الهدف الثامن)، وضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة (الهدف الثانى عشر). وأخيرا اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدى لتغير المناخ وآثاره (الهدف الثالث عشر).
التغيرات المناخية هى ظاهرة عابرة للحدود، فمن الضرورى أن تكون تحليل مخاطرها فى إطار معايير للحدود من اتباع أساليب تخطيط متكاملة تستند إلى تفهم واضح المنشأ للمخاطر المتوقعة، و قد بلغت الانبعاثات العالمية فى عام 2015 ما يتعدى (51 جيجا طن/سنويا) من ثانى أكسيد الكربون، ومن المتوقع زيادتها بحلول عام 2030 اذا استمر هذا المعدل أن تزيد بنحو 110%. وتشير التوقعات إلى أن الارتفاع المستمر فى تركيزات الغازات سيؤدى إلى ارتفاع المتوسط العالمى لدرجة الحرارة بحلول عام 2050 بنحو (1- 2) درجة مئوية إلى (2٫5-3٫5) درجة مئوية بحلول عام 2100، هذا الأمر سوف يؤدى إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بنحو (61 سم الى متر) وأن 14% من شواطئ العالم معرضة للتآكل عام 2050 بسبب النحر وقد تصل إلى 25% عام 2100.
وتساهم مصر بنحو 0٫6% من الانبعاثات العالمية، ولكن تعتبر مصر من أكثر الدول المعرضة للمخاطر المناخية، حيث يهدد ارتفاع منسوب سطح البحر المناطق الساحلية بالغرق ويؤثر فى الأمن الغذائى مع احتمالية التعرض لجفاف شديد وانخفاض معدلات الأمطار بنسبة 7% على السواحل الشمالية، ونحو 9% فى وسط البلاد بحلول عام 2050، وستعانى التجمعات السكنية الساحلية من تدهور الأراضى والموارد الطبيعية الأخرى. وهذه التهديدات تصل مستوى السواحل الشرقية للبحر المتوسط فى مصر من المنزلة حتى سهل الطينة والمناطق الآمنة نسبياً وهو ما بين البرلس وخليج أبو قير وشاطئ بورسعيد، وأما ساحل البحر الأحمر يمتاز بخصائص جيولوجية تجعله آمناً، وذلك طبقا لدراسات الهيئة القومية للاستشعار عن بُعد. بينما التأثير على إيراد نهر النيل فتزيد معدلات البخر منه مما يؤثر على الأمن المائى وعلى إنتاج المحطات المائية لإنتاج الكهرباء ومنشآت الطاقة والصناعة التى تعتمد على نهر النيل فى توفير احتياجاتها من المياه.
إن التأثيرات المحتملة لتغير المناخ على الإنتاج الزراعى لن تعتمد على المناخ فى حد ذاته فقط، وإنما ستعتمد على قدرة قطاع الزراعة على التكيف مع التغيرات المناخية. ويعزى ما بين 10-100% من تفاوت الإنتاج الزراعى فى الأجل القصير إلى تقلبات الطقس حيث لوحظ إنخفاض معدلات سقوط الأمطار فى مصر، ودول شمال إفريقيا، والسعودية، والأردن، وسوريا بنسبة (20-25%) حسب تقديرات بعض الخبراء، الأمر الذى يهدد الأمن الغذائى بهذه الدول بدرجة كبيرة. كما أن تناقص كميات المياه العذبة فى البحرين، والسودان، وتونس، والجزائر، والمغرب، والأردن، وسوريا، والإمارات، ستكون له آثار جسيمة على الإنتاج الغذائى وزيادة مخاطر سوء التغذية.
1- تعريف الامن الغذائى وعلاقته بجودة الحياة:
يُعد الأمن الغذائى ظاهرة معقدة تشمل العديد من الجوانب. ويعتبر مفهوم الأمن الغذائى بحد ذاته أكثر تعقيدا من الاكتفاء الذاتى للغذاء الذى يعتمد فقط إلى مدى كفاية الغذاء الأساسى. ويعتمد مفهوم الأمن الغذائى على أربعة جوانب أساسية. ولقد شاع استخدام مصطلح الأمن الغذائى منذ بداية السبيعينات من القرن الماضى عند تفاقم أزمة الغذاء العالمية، حيث كان التركيز فى المقام الأول على مشكلات الإمداد الغذائى لضمان توافر واستقرار أسعار المواد الغذائية على الصعيدين الوطنى والدولى. وخلال مؤتمر القمة العالمى للأغذية عام 1996 تم وضع تعريف دقيق للأمن الغذائى، حيث يتحقق الأمن الغذائى عندما يتمتع كافة البشر فى جميع الأوقات بفرص الحصول من النواحى المادية والاقتصادية والاجتماعية على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبى حاجاتهم التغذوية وتناسب أذواقهم الغذائية كى يعيشوا حياة موفورة النشاط والصحة.
وقد خرج الأمن الغذائى من إطاره التقليدى ببروز مفهوم التنمية المستدامة فى أواخر القرن العشرين ليتحول اهتمام الدول إلى تحقيق أمن غذائى مستدام، ومفهوم الأمن الغذائى المستدام لا يلغى المفهوم التقليدى للأمن الغذائى، بل يأتى مكملا له مضافاً إلى عنصر الاستدامة.
ومن هنا يتبين أن الأمن الغذائى يتكون من أربعة عناصر رئيسية:
توافر الغذاء Food Availability: وهو يعالج جانب العرض للأمن الغذائى، ويعنى وجود كميات كافية من الأغذية ذات النوعية الجيدة، ويتحدد من خلال الإنتاج المحلى أو الاستيراد، أو عبر المعونة الغذائية، ويتحقق توافر الغذاء عندما تتوافر كميات كافية من الغذاء متاحة دائما لجميع أفراد المجتمع.
الحصول على الغذاء Food Access: يعنى حصول المستهلك على المواد الغذائية وتمليكها والاستفادة منها. أى الوصول من قبل الأفراد إلى الموارد الكافية للحصول على الأطعمة المناسبة لاتباع نظام غذائى صحى.
استخدام الغذاء Food Utilization: يعبر عن كيفية استخدام الجسم واستفادة الجسم البشرى من العناصر الغذائية المختلفة فى الطعام. ويشير إلى أنواع الأغذية المستهلكة وكمياتها وآثار الاستخدام البيولوجى السليم للأغذية، واتباع نظام غذائى يوفر الطاقة الكافية، وتوفير مياه صالحة للشرب ونظام صرف صحى ملائم ورعاية صحية.
استقرار الغذاء Food Stability: يشير هذا البعد إلى اتساق طويل الأجل فى الأبعاد الثلاثة. ويعنى بعد الاستقرار أن توفر الأغذية والحصول عليها واستقرار أسعارها ينبغى أن تكون قائمة فى سائر الأوقات على مستوى الأفراد والأسر المعيشية وكذلك على المستوى الوطنى والعالمى.
-
1-1 وضع مصر بمؤشر الأمن الغذائى العالمى:
يتبين من الجدول رقم (1) قيم المؤشر العام للأمن الغذائى بمصر، وذلك خلال الفترة من 2013-2018 مع التركيز على عام 2018 ومقارنة بالعام السابق له. حيث تبين تراجع وضع مصر على مستوى المؤشر العام للأمن الغذائى خلال عام 2018 مقارنة بعام 2017. حيث بلغت قيمة المؤشر العام نحو 56٫3 نقطة خلال عام 2018، وهى أقل قيمة للمؤشر خلال الفترة 2015-2018، وأقل أيضا من قيمة المؤشر العالمى البالغ 58٫4.
بالنسبة للمؤشرات الثلاثة المكونة للمؤشر العام، فقد بلغ مؤشر القدرة على تحمل تكاليف الغذاء 45٫2 عام 2018، وذلك بدون تغيير عن العام السابق له، وهى قيمة أقل من المتوسط العالمى عام 2018، البالغ 56٫3، ويعزى ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية بصفة عامة فى مصر بمعدلات تفوق الزيادة فى الدخول، ويلاحظ أن قيمة هذا المؤشر سجلت أعلى قيمة عام 2016، حيث بلغت 50٫1، نتيجة معدلات التضخم الكبيرة التى حدثت فى ذلك العام نتيجة تحرير صرف الصرف فى ذلك العام.
وسجل مؤشر الإتاحة أو توفير الغذاء خلال عام 2018 قيمة بلغت 66٫2، وهى قيمة أقل من قيمته عام 2017، ولكنها من ناحية أخرى أعلى من قيمة المؤشر العالمى البالغة 60٫3.
وفيما يتعلق بمؤشر الجودة وسلامة الغذاء يلاحظ تراجع قيمته عام 2018 إلى 56٫7 مقارنة بقيمته عام 2017، البالغة 61٫4، كما أنها أقل قيمة من المؤشر العالمى والبالغ 58٫2، ما يعكس تراجعا فى استيفاء معايير التغذية وتنوعها.
1-2 التغيرات المناخية وانعكاساتها على الزراعة ومحاور الأمن الغذائى:
تهدد التغيرات المناخية الأمن الغذائى العالمى، ففى الوقت الذى تتزايد فيه الحاجة لتوفير الغذاء يصعب تلبية الاحتياجات. حيث يحتاج العالم لزيادة الإنتاج من الغذاء بمعدل 70% على المعدلات الحالية بحلول علم 2050 لتوفير الطعام لما يفوق 9 مليارات نسمة، تأتى الزراعة كأحد المسببات الرئيسية للتغيرات المناخية، حيث تسهم فى توليد ما بين 19-29% من إجمالى انبعاثات الغازات الدفيئة فى الوقت الراهن، ويسهم إنتاج المحاصيل والماشية بنحو 10-12% منها، بالإضافة لتسبب الزراعة فى تدمير 80% من الغابات على مستوى العالم.
وقد قدر برنامج الغذاء العالمى أثر التغيرات المناخية على درجة تعرض مصر لانعدام الأمن الغذائى بحلول عام 2050 مقارنة بالوضع الراهن، بالاستناد إلى متغيرين، هما (1) القدرة على التكيف، (2) معدل الانبعاثات.
ففى حالة اتخاذ كافة التدابير للتكيف مع التغيرات المناخية يقلل هذا السيناريو من درجة خطورة التعرض لانعدام الأمن الغذائى لأقل درجة ممكنة (18%) مقارنة بالوضع الحالى وبافتراض معدل منخفض من الانبعاثات، ونحو 20% فى حال كون درجة الانبعاثات متوسطة، ونحو 35% فى حال كانت الانبعاثات مرتفعة.
أما فى حالة محدودية الاستعدادات والإمكانيات الموظفة للتكيف مع التغيرات المناخية، فإن خطورة التعرض لانعدام الأمن الغذائى ستصبح ملموسة لتقدر بنحو 24% مقارنة بالوضع الراهن فى حالة معدل انبعاثات منخفض، ونحو 26% فى حالة كانت درجة الانبعاثات متوسطة، ونحو 41% لو كانت درجة الانبعاثات مرتفعة.
متوقع أن تنخفض الإنتاجية الزراعية للعالم بأسره بين 3-16% بحلول عام 2080، وسوف تعانى الدول النامية من انخفاض معدلات الإنتاجية الزراعية ما بين 10-25% فى المتوسط بحلول علم 2080.
ترتبط التغيرات المناخية ارتباطا وثيقا بقضية الأمن الغذائى بمحاوره المختلفة، حيث يتبين من الشكل (1) أن التغيرات المناخية تتأثر نتيجة لمشتقات الاحتباس الحرارى، سواء كانت تلك المشتقات سكانية، أو اقتصادية، وسياسية، وتكنولوجية، أو ثقافية. وتؤدى مشتقات الاحتباس الحرارى تلك إلى تغيرات مناخية تتمثل أهم سماتها فى زيادة انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون CO2 وزيادة درجات الحرارة سواء العظمى أو الصغرى، وزيادة حدة التغيرات المناخية والأحداث الجوية. ومن ناحية أخرى تؤدى تغيرات المناخ إلى إحداث تغير فى أصول النظام الغذائى، سواء أصول إنتاج الغذاء أو التغير فى التخزين والنقل والتسويق وأصول الحيوانات المزرعية، هذا بالإضافة إلى أن الهجرة تزداد من الأماكن المتأثرة بالتغيرات المناخية إلى الأماكن التى لم تتأثر بتلك التغيرات بشكل كبير. هذا التغير فى أصول النظام الغذائى يؤدى إلى تغير فى أنشطة النظام الغذائى، مثل التغير فى إنتاج الغذاء وتخزين وتغيير الغذاء وتوزيعه واستهلاكه، هذه المكونات تؤثر وتحدث تغييرا فى محاور الأمن الغذائى، وهى إتاحة الغذاء ووصول الغذاء إلى كافة فئات المجتمع وفى كافة الأماكن فى داخل الإقليم، وكذلك فى الاستمرارية فى النفاذ إلى الغذاء، وأخيرا استهلاك الغذاء. ونتيجة للتغير فى محاور الأمن الغذائى يتغير نظام استهلاك الغذاء من خلال خفض إنتاج الحبوب المستخدمة كعلف حيوانى، وتتغير نسب الإنتاج المحلى للغذاء مما يحدث تغييرا فى أنماط استهلاك الغذاء و تغييرا فى نوعية الغذاء المستهلك، وهذه التغييرات بدورها تؤدى إلى التأثير على الصحة البشرية من خلال التأثير على نسب الاكتفاء الكلورى وتغير فى القيم التغذوية، الأمر الذى يؤدى إلى تغير فى أنواع الأمراض وشدتها الموجودة وخطورة ظهور أمراض جديدة (FAO 2000).
-
1-3 الموارد الأرضية والمائية و التغيرات المناخية فى استراتيجيات التنمية:
هناك بعض أوجه القصور فى استراتيجيات التنمية التى وضعت خلال الثمانينيات، فقد اتسمت هذه الاستراتيجيات عموما بتجاهل بعد الاستدامة فى ضوء عدم استكشاف آليات محددة لقياس معدلات التدهور فى نوعية الموارد الأرضية والمائية بالرغم من أنها أندر الموارد فى الزراعة المصرية، وطرق مواجهة هذا التدهور مستقبلا.
ويتمثل أول أوجه القصور فى تناول التنمية الزراعية دون وضعها فى إطار التنمية الريفية المتكاملة، مما أفقد تلك الاستراتيجيات السابقة ممكنات القطاع الريفى غير المزرعى فى دفع التنمية الزراعية، أما الثانى فيتمثل فى تجاهل بعد الاستدامة Sustainability، ما يشير إلى عدم اهتمام الاستراتيجيات السابقة بالبعد البيئى والتغيرات المناخية وآثارها المحتملة على الموارد الأرضية والمائية ومعدلات التدهور فيها -كما ونوعا- نتيجة لتكثيف الاستخدام، الأمر الذى ينطوى على افتقاد الآليات والسياسات الكفيلة بصيانة هذه الموارد. أما الوجه الثالث من أوجه القصور فيتمثل فى غيبة كثير من المعلومات الاقتصادية، الاجتماعية ذات الأهمية فيما يتعلق بتوزيع تلك الموارد رغم أهمية هذه المعلومات فيما يتعلق بسياسات توزيع الدخول ومكافحة الفقر. وعلى الرغم مما تتسم به الزراعة المصرية من ندرة فى موردى الأرض والمياه، فإنه لا توجد دلائل موثقة عن نوعيتهما، معدل التدهور فى هذه النوعية على مدى العقود المنصرمة، وبالتحديد منذ الحصر التصنيفى الفيزيقى للأراضى الزراعية الذى أجرى فى 1963. كما لا توجد بيانات دقيقة عن التركيب المحصولى الفعلى، ومن أكثر الأمثلة وضوحا فى هذا المجال تفاوت تقديرات مساحة الأرز بين 1٫2 – 2٫0 مليون فدان.
1-4 محاور تأثير التغيرات المناخية على الزراعة والغذاء فى مصر:
أولاً- ظاهرة التغيرات المناخية وأثرها على الأراضى الزراعية:
يقصد بالتصحر «انخفاض فى القدرة الإنتاجية للأراضى القاحلة وشبه القاحلة نتيجة للتغيرات المناخية أو ممارسات بشرية»، وتعد التغيرات المناخية أحد العوامل الأساسية التى تؤدى إلى حدوث ظاهرة التصحر. وهناك ارتباط وثيق الصلة بين التصحر والتغيرات المناخية، حيث إن التغيرات المناخية تؤدى إلى حدوث تصحر فى حين أن زيادة التصحر تؤدى بالضرورة إلى زيادة فى التغيرات المناخية، وتشير الخطة القومية لمكافحة التصحر (National action Plan for Combating Desertification) إلى أن مصر من الدول التى تعانى من حدوث ظاهرة التصحر نتيجة كل من أسباب تغيرات المناخ أو نتيجة للممارسات البشرية السيئة التى تؤدى إلى انخفاض فى القدرة الإنتاجية للأراضى الزراعية (Desert Research Canter, NAP 2002).
وهناك فى الوضع الراهن ما يشير إلى إتجاه نوعية الأرض إلى التدهور، وتتمثل مؤشرات تدهور الأراضى فى ظواهر تزايد مساحة الأراضى المصابة بالتملح وارتفاع مستوى الماء الأرضى وغيرها من ظواهر التصحر، وكلها تؤدى إما إلى خروج الارض الزراعية من عملية الإنتاج الزراعى كلية أو إلى تناقص إنتاجية الأرض.
-
وقد بدأت الأراضى القديمة ذات الخصوبة العالية فى وادى النيل ودلتاه تعانى تدهور الخصوبة خاصة بعد إنشاء السد العالى نتيجة لتوقف إضافة العناصر الغذائية الطبيعية للتربة، وقد تزامن توقف إضافة مخصبات التربة مع زيادة التكثيف الزراعى نتيجة لتنظيم الرى وبدافع الزيادة الربحية وتغطية الطلب المتزايد الناجم عن الزيادة السكانية المطردة. ومع تحرير القطاع الزراعى، اتجه المزارعون إلى تكرار زراعة المحاصيل الأكثر ربحية بغض النظر عن أثر ذلك على خصوبة التربة، هذا علاوة على ارتفاع منسوب الماء الأرضى فى مساحات كبيرة من الأراضى، وكذلك وجود مساحة كبيرة من الأراضى الجيدة الضائعة فى قنوات رى ومصارف متسعة بغير داع وتزداد اتساعا مع مرور الزمن.
ثانيا- أثر التغيرات المناخية على موارد مصر المائية:
1- موارد نهر النيل: تشير التقديرات الدوليه -على نحو ماورد بتقرير ستيرن حول التكلفة الاقتصادية للتغيرات المناخية- إلى عدة سيناريوهات تبدأ باحتمال نقص موارد النهر نتيجة لتحرك أحزمة الأمطار من فوق الهضبة الأثيوبية والتى تمثل 85% من موارد مصر النيلية، والهضبة الاستوائية والتى تمثل الـ 15 % الباقية.
هذا النقص يبدأ بنسبة 76% وتصل التنبؤات فى طرفها الأقصى إلى زيادة قدرها 30%. وفيما يتعلق بحالات النقصان أيا ما بلغت نسبته فسوف يؤدى إلى كوارث، لأن احتياجات وادى النيل الحالية تعانى من عجز قدره 9 مليارات متر مكعب.
وقد يكون من المناسب مناقشة فكرة الرى المطور بعمق أكبر يتناسب مع المؤشرات غير المشجعة والتى تقول إن تكلفة تطوير الرى للفدان الواحد تصل إلى خمسة آلاف جنيه وأن نتيجة التطوير غير واعدة فى تخفيض الاستهلاك نظرا لطبيعة التربة والملوحة ونظام الضخ المتواصل الذى قد يزيد من استهلاك المياه ولايقلله.
وقد حاولت بعض الدراسات التنبؤ بالآثار المستقبلية للتغيرات المناخية على نهر النيل، حيث توصلت إحداها إلى تسعة سيناريوهات مختلفة لشرح السيناريوهات الخاصة بأثر التغيرات المناخية على نهر النيل، وتشير هذه السيناريوهات جميعاً إلى توقع حدوث تراجع فى معدل تدفق المياه فى نهر النيل بنحو 20% حتى عام 2040. بينما يتنبأ سيناريو واحد فقط بحدوث ارتفاع فى معدل التدفق لمياه النهر بعد عام 2045، أما بقية السيناريوهات فتشير إلى انخفاض معدل التدفق بدرجات متفاوتة.وعلى ذلك، فإن الإنتاج الزراعى سوف يتأثر بشدة فى حال انخفاض تدفق المياه فى نهر النيل بنحو 20%، وهو ما تنبأت به ستة سيناريوهات، ومع تزايد أعداد السكان فإن ذلك يعنى الوصول إلى حالة حرجة قبل حلول عام 2025.
2- المياه الجوفية بدلتا النيل: طالما نقصت موارد النهر فسوف ينسحب هذا النقص على المياه الجوفية المتجمعة فى الدلتا نتيجة رشح النهر وهذا النقص سوف يحدث بالنسبة ذاتها التى تنقص بها مياه النهر.
3- المياه الجوفية الصحراوية: لما كانت الخزانات الجوفية الصحراوية -سواء كانت فى خزان الحجر الرملى النوبى أو الحجر الجيرى المتشقق- فى معظمها غير متجددة، وأنها مياه أحفورية فلا يتوقع تأثرها بالتغيرات المناخية إلا فى حالة الخزانات التى تتلقى تغذية من رشح النهر والتى تنحصر فى خزانات الزمن الجيولوجى الرابع (الكواتيرنرى) بمناطق البستان وما حولها، أما تأثرها الحقيقى فيكمن فى سوء الاستخدام إلى حد زراعة الموز -وهو محصول استوائى- على المياه الجوفية الصحراوية فى أكثر بقاع الأرض قحولة، والتى تقام عليها أيضا بحيرات وحمامات سباحة وسط الصحراء، فالمصريون يفعلون بالمياه حاليا ما يمكن أن تحدثه التغيرات المناخية بعد عشرات السنين. (الباجورى 2005).
4-الخزانات الجوفية: تزداد ملوحة مياه الخزانات الجوفية الساحلية نتيجة طغيان البحر إذا ماارتفع منسوب سطحه وفق السيناريوهات المتوقعه وذلك بخلاف العدسات العذبة التى تكونها مياه الأمطار الساحلية. وسوف تتعرض الخزانات السطحية لتبخر مياهها والتى تخرج بالخاصية الشعرية نتيجة شدة الجفاف (شرق العوينات)، (الباجورى 2005).
5- مياه الأمطار: قد تنقص الأمطار الساحلية نتيجة تحرك أحزمة المطر فى اتجاه الشمال، وهو مابدأ بالفعل خاصة وأن عمق المنطقة المطرية الشمالية لا يتجاوز 50 كيلومترا إلى الجنوب. كما سوف تنقص -بالتأكيد- فرص الاحتفاظ بالمياه من خلال نظام حصاد مياه الأمطار بالساحل الشمالى الغربى وزراعات المواصى (وهى التى يتم فيها سحب المياه من تحت الكثبان الرملية) بالساحل الشمالى الشرقى. أما مناطق الجنوب (مثلث حلايب - شلاتين - أبو رماد) وجبال البحر الأحمر وجبال جنوب سيناء فمن المتوقع زيادة كميات الأمطار عليها. (المفتى 2007).
وتمثل احتمالات زيادة موارد النهر بنسبة 30% مشكلات كارثية أخرى لعدم وجود المنشآت والمساحات التخزينية، ما سوف يدفع للتخلص منها بفتح السد العالى، ومن ثم يتعرض وادى النيل والدلتا إلى فيضانات كما قد يتعرض جنوب مصر للغرق. (المفتى 2007)
2- أسباب الخلل فى الأمن الغذائى المصرى وسلاسل إمداد الغذاء:
تعانى مصر أزمة غذاء كبيرة، تتفاقم من عام إلى آخر، حيث تعتمد مصر على استيراد الكثير من الأغذية وعلى الأخص غذاء الفقراء من الحبوب (القمح)، والبقوليات (الفول البلدى)، والزيوت النباتية (الذرة، عباد الشمس). ويمكن إرجاع أسباب الخلل فى الأمن الغذائى المصرى إلى عاملين أساسيين: عامل خارجى وآخر داخلى:
أولا- العوامل الخارجية:
1- أدى وجود جائحة الكورونا وانتشارها فى كثير من دول العالم، لاسيما فى الدول المصدرة للغذاء، إلى أن تقوم تلك الدول فى أخذ احتياطاتها لضمان توفير الغذاء لمواطنيها وعلى الأخص من السلع الغذائية الاستراتيجية، وذلك من خلال تقليل التصدير أو منعه لسلع غذائية معينة، مما أدى إلى تقليل المعروض العالمى من تلك السلع فى الأسواق العالمية، وبالتالى ارتفاع أسعار تلك السلع وعلى الأخص السلع الغذائية وعلى رأسها القمح، والذرة، والزيوت النباتية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل صاحب ذلك موجة من التضخم العالمى، وفى فبراير 2022 اندلعت الحرب الروسية-الأوكرانية التى أدت إلى تفاقم التضخم العالمى، وبالتالى كان لها تأثير كبير فى ارتفاع أسعار السلع الغذائية والقمح والمحاصيل الزيتية على وجه الخصوص.
2- نتيجة الأزمة العالمية المالية والنقدية التى خلفتها أزمة الكورونا والتى تمثلت فى زيادة الإنفاقات الحكومية على الصحة ودعم الصناعات الصغيرة فى اقتصاديات العالم، مع وقف عمليات الإنتاج أو تقليص الإنتاج نتيجة جائحة الكورونا، أدى هذا إلى انخفاض معدلات النمو على مستوى العالم، مما أدى إلى أزمة مالية ونقدية وحدوث ما يسمى بالركود التضخمى على مستوى العالم، والذى تمثل فى معدلات تضخم كبيرة وارتفاع الأسعار العالمية بشكل لم يحدث من قبل، حيث ارتفع المتوسط العام لأسعار الغذاء بنحو 51٫1%، وذلك خلال شهر يونيو 2022 عن متوسط أسعار 2010 وهو أكبر معدل زيادة فى أسعار الغذاء منذ 2012 حتى الآن. ومثل تلك الظاهرة مستمرة حتى الآن ومتوقع أن تستمر للفترة القادمة، وذلك نتيجة لاندلاع هذه حرب، والتى أدت إلى مزيد من الارتفاع فى أسعار الغذاء خاصة أن كلا من روسيا وأوكرانيا من الدول المصدرة للغذاء، لاسيما القمح وزيت عباد الشمس، كذلك تعتبر كل من روسيا وأوكرانيا من الدول المستوردة للمنتجات الزراعية التصديرية المصرية وعلى رأسها الموالح والبصل والثوم، وبالتالى اندلاع تلك الحرب سوف يؤدى إلى الحد أو تقليل الصادرات المصرية إلى كلتا الدولتين، الأمر الذى يوجب على مصر البحث عن أسواق أخرى للقمح والزيت والتى عادة ما ستكون أغلى من القمح الروسى أو الأوكرانى، الذى يتميز بالسعر المنخفض، وكذلك أسواق بديلة للصادرات الزراعية المصرية.
3- ارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير نتيجة ظاهرة التضخم العالمية، الأمر الذى أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز والبترول. حيث ارتفع متوسط أسعار الطاقة بنحو 71٫2%، وذلك خلال شهر يونيو 2022 على متوسط أسعار 2010، وهو أكبر معدل زيادة فى أسعار الطاقة منذ 2013 حتى الآن. حيث تعدى متوسط سعر برميل النفط المائة دولار خلال الأشهر السابقة، وبلغ سعر الغاز نحو 34٫3 دولار/مليون وحدة غاز بريطانية فى يونيو 2022. الأمر الذى يشير إلى الزيادة المستمرة فى أسعار النقل والشحن الدولية بالإضافة إلى زيادة معدلات التضخم للدول المستوردة للطاقة، لاسيما الطاقة الأحفورية وهى الدول المصدرة أساسا للغذاء.
4- نتيجة زيادة معدلات التضخم العالمية وتأثر الدول الأوروبية والولايات المتحدة بهذا التضخم العالمى، ونتيجة لزيادة العجز فى الموازنة الأمريكية على وجه الخصوص نتيجة جائحة الكورونا والتضخم العالمى الذى واكبها، فقد أدى ذلك إلى أن بعض تلك الدول قام برفع أسعار الفائدة الدولية، وكذلك إصدار سندات دولية طويلة الأمد، حيث قامت الولايات المتحدة برفع سعر الفائدة قرابة الـــ 2% على أربع مراحل، ويمكن أن تزيد فى الأشهر القادمة إذا ما استمرت معدلات التضخم، الأمر الذى أدى إلى خروج بعض الأموال الساخنة من مصر فى الآونة الأخيرة حيث تقدر تلك الأموال الساخنة الخارجة فى بعض التقديرات من 20 إلى 30 مليار دولار، الأمر الذى يمكن أن يؤثر فى السندات الدولية المصرية التى تم إصدراها فى السنوات الماضية، وحجم الاحتياطى النقدى المصرى، وبالتالى على القدرة المصرية على توفير الغذاء فى المستقبل خاصة أن مصر دولة مستوردة للغذاء.
5- العوامل المتعلقة بالتغيرات المناخية حيث توقع أن يكون للتغيرات المناخية تأثير كبير على الإنتاج الزراعى والغذائى فى مصر، سواء فيما يتعلق بالاحتباس الحرارى وأثره السلبى على الإنتاجية الزراعية ومحاصيل الغذاء وعلى الموارد المائية والأرضية، أو فيما يتعلق بالتأثيرات المحتملة لارتفاع مستوى ماء البحر وتملح مساحات واسعة من الأراضى الزراعية بالدلتا، الأمرالذى يمكن أن سيجعل الموقف الغذائي المصرى أكثر هشاشة وضعفاً تجاه الأزمات العالمية. ولا يقتصر أثر التغيرات المناخية على المستوى المحلى فقط، بل يمتد إلى العرض العالمى من الغذاء، وتضر بإنتاج الغذاء فى الدول المنتجة المصدرة للغذاء، وهو ما يجعل الدول المستوردة للغذاء ومنها مصر فى موقف أكثر حرجا عندما تتقلص مصادر الاستيراد.
6- تعتبر الواردات المصرية ذات مرونة منخفضة نتيجة أن هيكل الواردات المصرية يتكون من مواد أساسية، مثل السلع الغذائية، ومواد خام دوائية، ومدخلات الصناعة الوطنية، بالتالى فإن أى تضخم عالمى يؤدى إلى زيادة معدلات التضخم المصرية، الأمر الذى انعكس على زيادة أسعار المواد الغذائية بشكل كبير حيث بلغ معدل التضخم على مستوى الإنفاق على الطعام والشراب فى مايو 2022 (كما ورد فى النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزى المصرى يونيو 2022) نحو 130٫7% عن أسعار شهر مايو 2021، وذلك بسنة أساس (2018-2019 =100). ويعتبر التضخم على مستوى الإنفاق على الطعام والشراب هو أعلى تضخم بعد التضخم على مستوى الإنفاق على التعليم.
ثانيا - العوامل الداخلية:
1- صافى العائد لبعض الحاصلات الغذائية يكون غير مجز، على الأخص للمنتجات الزراعية الاستراتيجية، مثل القمح، والفول البلدى، وعباد الشمس، والذرة مقارنة بالخضر، والبرسيم، والبصل، حيث بلغ صافى العائد للقمح، والفول البلدى، والذرة، وعباد الشمس خلال الموسم الزراعى 2018/2019 نحو 3586، 7077، 2903، 1370 جنيه/فدان على الترتيب. بينما بلغ صافى العائد لكل من البرسيم المستديم، والبصل، والطماطم الشتوى والصيفى، والفلفل الشتوى والصيفى نحو 15573، 18065، 22154، 21073، 14269، 10037 جنيه للفدان على الترتيب. الأمر الذى يشير إلى ارتفاع العائد خاصة لمحاصيل الخضر والمحاصيل التصديرية على حساب المحاصيل الاستراتيجية الأساسية، الأمر الذى يشجع المنتجين الزراعيين وخاصة القادرين ماليا منهم لزراعة الخضر بشكل أساسى، وتفاقمت تلك المشكلة بشكل كبير عندما تخلت الدولة عن دعم مستلزمات الإنتاج الزراعى بما فيها من دعم مستلزمات الإنتاج للسلع الغذائية الاستراتيجية. وعندما تم تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر التى أدت إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل كبير للغاية وبالتالى انخفاض صافى العائد المتحقق.
2- خروج الدولة من عمليات التسويق لكثير من المحاصيل الغذائية الاستراتيجية، الأمر الذى أدى إلى وقوع كثير من المنتجين الزراعيين، وعلى الأخص الصغار منهم، تحت سيطرة التجار فى عمليات التسويق، ومع ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعى وعلى الأخص الأسمدة والتقاوى والمبيدات وتأجير الآلات الزراعية، ويوفر القطاع الخاص تلك المستلزمات بالأجل لصغار المنتجين الزراعيين ويتم خصم أسعار تلك المستلزمات من سعر الشراء للمنتجات الزراعية، وبالتالى خفض عائد اقتصادى حقيقى للمنتج الزراعى، خاصة الصغار منهم.
3- أحد أهم مشكلات الزراعة المصرية بشكل عام هو انخفاض إنتاجية عنصر العمل البشرى، الأمر الذى يعود إلى قصور التدريب وعدم معرفة المنتجين الزراعيين -لاسيما الشباب منهم- بأهم الممارسات الزراعية الجديدة التى يمكن أن تزيد من إنتاجية المحصول، وترفع من إنتاجية عنصر العمل البشرى، الأمر الذى يعود إلى عدم وجود وفعالية الجهاز الإرشادى الزراعى الذى يؤدى تلك الوظيفة، حيث كان يقوم بالتدريب والتعليم للمنتجين الزراعيين بأهم الممارسات الزراعية الجيدة التى ترفع من إنتاجية المدخلات الزراعية على رأسها عنصر العمل.
4- الانخفاض النسبى للإنتاجية الفدانية لأغلب المنتجات الغذائية على مدار فترة طويلة نسبيا وعدم تطور معدلات النمو بشكل كبير، لاسيما فى السنوات العشرين الأخيرة. وإن كان هناك فى المجمل نموا فى انتاجية، الفدان من المحاصيل الثلاثة.
-
يتبين من الجدول رقم(2) الانخفاض فى معدلات نمو الإنتاجية الفدانية للمحاصيل الثلاثة الغذائية الرئيسية وعلى الأخص فى الفترة الأخيرة للثلاثة منتجات غذائية، الأمر الذى يعود إلى ارتفاع تكلفة التقاوى المحسنة التى تستخدم فى الإنتاج الزراعى لتلك المنتجات والتى تتميز بارتفاع الإنتاجية الفدانية لتلك التقاوى، بالإضافة إلى محدودية الإنفاق على البحث العلمى، وعلى الأخص فى استنباط سلالات مرتفعة الإنتاجية ومقاومة للتغيرات المناخية والتصحر، الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى زيادة الإنتاجية الفدانية.
5- تعانى الزراعة المصرية من فراغ مؤسسى هائل، وترك الأغلبية العظمى من المزارعين من ذوى الحيازات الصغيرة فى مواجهة أسواق زراعية غير تنافسية تنطوى على كثير من مسببات الفشل السوقى Market Failure. الأمر الذى ينعكس سلبا على إنتاج الغذاء. الوضع المؤسسي للقطاع الزراعي ضعيف بشكل عام منذ تحرير الزراعة فى أوائل التسعينيات، وظلت الهياكل المؤسسية الزراعية كما كانت خلال حقبة السيطرة الحكومية على قرارات الإنتاج والتسويق والتوزيع فى الآونة الأخيرة، على الرغم من إصدار عدد من التشريعات والقوانين الزراعية الجديدة، لا سيما فيما يتعلق بالتعاونيات الزراعية، والزراعة التعاقدية، والتأمين الزراعي، وروابط مستخدمي المياه والأراضي الصحراوية. ومع ذلك، فإن معظم هذه التشريعات والقوانين إما غير كافية أو لم يتم تنفيذها بالطريقة الصحيحة أو لم يجر تطبيقها أصلا. من ناحية أخرى، فإن المؤسسات الرئيسية فى القطاع الزراعي، مثل مركز البحوث الزراعية (ARC)، ومركز بحوث الصحراء (DRC)، وهياكل الإرشاد الزراعي، والتعاونيات، والمعلومات الزراعية، تعاني من نقص التمويل ورأس المال البشري إلى الحد الذي تكون فيه غير فعالة فى تقديم الخدمات للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة.
6- تم تطبيق برنامج تحرير الزراعة المصرية فى أوائل التسعينيات، وتبنت الدولة سياسة تقوم على اقتصاد السوق، وكانت تدعم السعر لمزرعى القمح والذرة والفول وأغلب المحاصيل الغذائية، إلا أنها توقفت بعد ذلك. وتشير الدراسات إلى أن أسعار المحاصيل الأساسية تقل أسعارها المزرعية عن الأسعار العالمية (المكافئة) وعلى الأخص للقمح والفول البلدى فى الآونة الأخيرة، يشير ذلك إلى معاملات الحماية الاسمية المعروضة بجدول (3) وهى أقل من الواحد الصحيح، ما يعنى ضرائب ضمنية يتحملها المنتج، ويتحمل المنتجون الزراعيون أيضا ضرائب ضمنية على أسعار السولار المستخدم فى الزراعة. ومثل هذه السياسات السعرية تعتبر مثبطة لإنتاج الغذاء، لاسيما فى السنوات الأخيرة لكل من القمح والفول البلدى على وجه الخصوص. حيث من الأهمية أن يكون هناك أسعار توريد محفزة للمنتجين الزراعيين خاصة للمنتجات الغذائية الرئيسية التى تدخل فى فاتورة الواردات الغذائية بشكل كبير، مثل القمح، والذرة، والأرز، والفول البلدى، والعدس، وقصب السكر، والبنجر.
-
7- تؤدى الزيادة السكانية إلى تكريس الفجوة الغذائية فى مصر بتأثير مزدوج، فهى من ناحية تؤدى إلى زيادة الطلب على الغذاء، ومن ناحية أخرى تؤدى إلى التأثير سلباً على إنتاج الغذاء. فالاستهلاك القومى من الغذاء يتزايد على الأقل بمعدل النمو السكانى نفسه، فضلا عن الزيادة الناشئة عن الزيادة فى الدخول. أما فيما يتعلق بأثرها السلبى على الإنتاج الغذائي فيتمثل فى أنها تؤدى إلى نقص الرقعة الزراعية من خلال التغول العمرانى على الأراضى الزراعية المنتجة للمحاصيل الغذائية. ويتوقع أن يصل عدد السكان إلى 124 مليون نسمة فى عام 2030 (بمعدل نمو 2.2% سنويا)، وإلى 184 مليون نسمة فى عام 2050 (بمعدل نمو سنوي 2.2% سنويا)، مما يضع ضغوطا هائلة على الموارد المائية والأرضية المتاحة، ومن ثم على إنتاج الغذاء، وفى الوقت نفسه يزيد الطلب على الغذاء مما يؤدى إلى اتساع الفجوة الغذائية بشكل غير مسبوق إذا بقيت الأشياء الأخرى على ما هي عليه.
8- تعد مصر إحدى الدول المستوردة الصافية للغذاء Net-Food Importer Country، فهى تستورد جميع السلع الغذائية الأساسية وتصدر فقط الخضر والفاكهة، وفى المحصلة تستورد أكثر من 50% من احتياجاتها الغذائية (فجوة صافية)، ما يعنى أن أكثر من 50 مليون نسمة أو أكثر من عدد سكان مصر، يعتمدون فى غذائهم كلية على الخارج. وإن تم إدخال البعد الزمنى فى التحليل فسوف تتفاقم الفجوة الغذائية، ومن ثم ستظل مصر رهينة الاعتماد على الخارج فى الغذاء بصورة أكبر تنطوى على مخاطر جمة. وبافتراض وصول عدد السكان إلى 124 مليون نسمة فى 2030 كما سبقت الإشارة. وبافتراض ثبات إنتاج الغذاء على ما هو عليه، فذلك يعنى أن الفجوة الغذائية سترتفع إلى 56% بزيادة 11 نقطة مئوية عما هي عليه فى الوضع الراهن بافتراض وصول عدد السكان إلى 184 مليون نسمة فى 2050، وثبات إنتاج الغذاء على ما هو عليه، سترتفع نسبة الاعتماد على الخارج إلى 83% كفجوة صافية، أي بزيادة 38 نقطة مئوية عما هي عليه فى الوضع الراهن. وللتخفيف من هذا الوضع الكارثى، فإنه يعتمد بطبيعة الحال على مدى نجاح سياسات الأمن الغذائي فى تحقيق معدلات نمو فى إنتاج الغذاء تتطابق إلى أقصى حد مع معدلات الزيادة السكانية.
3- سياسات تعزير الأمن الغذائى المصرى فى ظل التغيرات المناخية وسياسات الدول المتقدمة فى التعامل مع التغيرات المناخية فى الأمن الغذائى:
أشارت الدراسات إلى أن التغيرات المناخية سوف تؤدى إلى نقص فى إنتاجية محاصيل الغذاء الرئيسية من 11% إلى 51%، وسوف يزداد الاستهلاك المائى من 2% إلى 16%، كما سيحدث تغيير فى الدورة السنوية للأسماك حيث يطغى نوع على آخر. أما بالنسبة للثروة الحيوانية فقد يؤدى إلى فقدان الشهية ونقص إنتاج اللبن واللحوم ونقص الأعلاف، خاصة الأعلاف الطبيعية.
السياسات النقدية والمالية والسياسات الإنتاجية المحلية، بالإضافة إلى الأزمات النقدية والمالية الدولية والتوترات السياسية التى أثرت على سلاسل الإمداد ورفعت تكاليف الشحن والتأمينات، بالإضافة إلى التهديدات المناخية التى يعانى منها العالم، كل هذا يؤثر بلا شك على إنتاج الغذاء على مستوى العالم، وبالتالى على سلاسل القيمة المضافة وسلاسل الإمداد. ولمواجهة والتعامل مع التغيرات المناخية هناك نوعان من السياسات، أولا: سياسات التكيف (Adaptation Policy) التى يقصد بها حدوث التغيرات المناخية ثم اتباع سياسات تتناسب مع تلك التغيرات المناخية بحيث لا تقل الإنتاجية الفدانية أو لا تقل كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، مثل سياسات استنباط سلالات نباتية أو مقاومة للملوحة والحرارة، أو اتباع ممارسات زراعية جيدة تتناسب مع الارتفاع فى درجات الحرارة أو الملوحة والتى لا تقلل الإنتاجية الفدانية بشكل كبير. ثانيا: سياسات تخفيف حدة الأثر (Mitigation Policy) والمقصود بها اتباع سياسات للحد من التغيرات المناخية أو تقليل تلك التغيرات، مثل سياسات الحد من الارتفاع فى درجات الحرارة أو سياسات الحد من الانبعاثات الكربونية، أو سياسات التوسع والزيادة فى المساحات الخُضر والمساحات المنزرعة.
على ذلك، يمكن وضع السياسات الواجب اتباعها للحد من أثر التغيرات المناخية فى الأمن الغذائى فى النقاط التالية:
3-1 الزراعات الذكية المناخية Climate Smart Agricultural /CSA : تعد سياسة الزراعات الذكية المناخية هى إحدى الأدوات الجديدة التى تتبناها الدول والمنظمات الدولية للتكيف أو الحد من التغيرات المناخية، حيث تعتبر الزراعة الذكية مناخيا هى النهج الذى يساعد على توجيه الإجراءات اللازمة بتحويل وإعادة توجيه النظم الزراعية لدعم التنمية بصورة فعالة وضمان الأمن الغذائى فى وجود التغيرات المناخية.
وتهدف الزراعة الذكية مناخيا لمعالجة ثلاثة أهداف رئيسية: الأول، زيادة مستدامة فى الإنتاجية الزراعية وبالتالى الدخل الزراعى. الثانى، التكيف وبناء القدرة على التكيف من تغير المناخ. الثالث، خفض أو / و إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى كلما كان ذلك ممكنا.
يشير الهدف الأول إلى أن الزراعة الذكية مناخيا تعمل على تبنى الممارسات الزراعية الجيدة Good Agricultural Practicing /GAP، مثل الزراعة على مساطب أو الزراعات فى الأوقات المناسبة، والحصاد فى الأوقات المناسبة، والتسوية بالليزر، ومثل تلك الممارسات التى تساعد على زيادة الإنتاجية الفدانية، وبالتالى زيادة الدخل المزرعى الناتج، الأمر الذى يؤدى إلى الحد من الفجوة الغذائية، وبالتالى تحقيق الهدف الأول من الزراعة الذكية مناخيا.
بينما يتمثل الهدف الثانى وهو التكيف وبناء القدرة وذلك من خلال تشجيع المجتمعات المحلية الزراعية على بناء قدراتها الإنتاجية والتسويقية من خلال تشجيع الأفراد فى المجتمعات الزراعية على تكوين المؤسسات والاتحادات التعاونية وروابط المنتجين الزراعيين ومنظمات المجتمع الأهلى، وتطوير عملية الإرشاد الزراعى، الذى بدوره يمكن أن ينظم هؤلاء المنتجيين الزراعيين ويطور النظم الزراعية من خلال الدورات التدريببة، والحقول الإرشادية والمجموعات الحوارية، كل هذا يساعد فى بناء قدرات المجتمعات المحلية الزراعية وتطوير تلك القدرات وتنمية وعيهم بأخطار التغيرات المناخية، وكيف يمكن مواجهة تلك التغيرات المناخية أو التكيف مع تلك التغيرات المناخية من خلال الممارسات الزراعية الجيدة التى تتناسب مع تلك التغيرات.
أما الهدف الثالث والأخير، فهو خفض و/أو إزالة الانبعاثات لغازات الاحتباس الحرارى، وذلك من خلال المؤسسات الزراعية التى تم إنشاؤها وتفعيلها يمكن أن يتم تدريب المنتجين الزراعيين على ممارسات زراعية يمكن أن تحد من الانبعاثات الكربونية، مثل حرق فضلات المزرعة فبدلا من الحرق يمكن أن يتم عمل كومبوست كأعلاف لحيوانات المزرعة الأمر الذى يؤدى إلى توفير جزء من تكاليف الأعلاف المزرعية والحد من حرق مخلفات المزرعة التى تؤدى إلى تكوين السحابة السوداء والتى تزيد من انبعاث غازات الاحتباس الحرارى وعلى رأسها غاز ثانى أكسيد الكربون، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة الدخل المزرعى وزيادة الإنتاجية، وهى مرتبطة بالهدف الأول، فضلا عن أن الحيوانات المزرعية يصدر منها غاز الميثان الذى يعتبر من غازات الاحتباس الحرارى المسبب للتغيرات المناخية، بالتالى من خلال المؤسسات والإرشاد الزراعى الذى هو فى الهدف الثانى يمكن أن يتم التدريب للمنتجين الزراعيين والمربين للحيوانات المزرعية على التعامل مع تلك الفضلات وعمل السماد العضوى، وذلك بهدف زيادة الإنتاجية الفدانية وتقليل الإعتماد على السماد الكيميائى الذى يؤدى كثرة استخدامه إلى التأثير على سلامة الغذاء وبالتالى التأثير على الأمن الغذائى بشكل سلبى، بالإضافة إلى زيادة التكاليف، وانخفاض العائد الفدانى.
من هنا يتبين أن الزراعات الذكية مناخيا (CSA) تؤدى إلى الحد من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية من خلال الحد من الانبعاثات لغازات الاحتباس الحرارى وزيادة الإنتاجية والدخول وتنظيم المجتمعات الزراعية المحلية وزيادة وعيهم من أخطار التغيرات المناخية من خلال الربط بين هذا الوعى وزيادة الإنتاجية والدخول الزراعية، وبالتالى نجاح مثل تلك السياسة، لأن المنتج الزراعى سيشعر بعائد اقتصادى له.
3-2 الاهتمام بالبحوث العلمية والتنمية Research Development and: يعد البحث العلمى هو أحد العمليات المهمة جدا للتعامل مع التغيرات المناخية، سواء من خلال سياسة التكيف مع التغيرات المناخية، أو سياسة الحد من آثار التغيرات المناخية. حيث إن أحد آثار التغيرات المناخية والناتجة من إنبعاث غازات الاحتباس الحرارى، هى ارتفاع منسوب البحار، مما يؤدى إلى زيادة ملوحة الأراضى الزراعية فى شمال الدلتا وارتفاع درجات الحرارة بنحو 2-3 درجة مؤية، الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى انخفاض الإنتاجية الفدانية، وبالتالى انخفاض الدخل المتولد والتأثير السلبى على معدلات الأمن الغذائى. وعلى ذلك تعتبر سياسة البحوث العلمية فى علاقاتها بالتغيرات المناخية فى استباط سلالات نباتية تكون مقاومة للحرارة والملوحة. الأمر الذى يؤدى إلى الحد من التأثيرات السلبية الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع معدلات الملوحة فى الأراضى الزراعية على الإنتاجية الفدانية خاصة فى أراضى شمال الدلتا. هذا إلى جانب أن البحث العلمى يمكن عن طريقه اكتشاف أنواع من النباتات المتحملة للملوحة، لاسيما المحاصيل العلفية التى يمكن ان تساهم فى رفع معدلات الاكتفاء الذاتى من المنتجات الحيوانية (اللحوم الحُمر والألبان).
وهذا لن يتأتى إلا من خلال زيادة الإنفاق على البحث العلمى والتكنولوجيا الحديثة، حيث لابد من العمل على رفع معدلات الإنفاق الحكومى فى هذا المجال بحيث يصل إلى قرابة 3% من إجمالى الناتج المحلى حيث يبلغ الآن أقل من 1% من إجمالى الناتج المحلى.
3-3 الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية: يعتبر عنصر المياه والأراضى من العناصر الطبيعية المهمة فى العملية الزراعية والتى تعتمد عليها الزراعة بشكل عام. وتتميز مصر بندرة فى عنصر المياه، حيث تعتمد مصر على مياه النيل بشكل أساسى فى العملية الزراعية، بالإضافة إلى المياه الجوفية ومياه الصرف الزراعى المعالجة والقليل من مياه حصاد الأمطار. حيث إن للتغيرات المناخية فى أحد سيناريوهاتها تأثيرها السلبى فى موارد نهر النيل وعلى كمية المياه الواردة إلى النيل من مناطق هطول الأمطار على الهضبة الإثيوبية، وكذلك التأثير السلبى للتغيرات المناخية على المياه الجوفية بدلتا النيل، بالإضافة إلى ارتفاع ملوحة مياه الخزانات الجوفية الساحلية نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر، الأمر الذى يؤدى إلى تغلغل الملوحة تحت التربة وتدهور نوعية المياه. الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى نقص فى مورد المياه من حيث الكمية أو النوعية وبالتالى مزيد من تملح الأراضى وانخفاض الإنتاجية والتأثير السلبى على معدلات الأمن الغذائى.
هذا الأمر يلزم معه الحفاظ على الموارد المائية والأرضية من خلال زيادة العائد على وحدة المياه والأرض من خلال تطبيق سياسات نقدية ومالية (أسعار توريد، دعم مستلزمات الإنتاج الزراعى للمحاصيل الغذائية) تتناسب مع تكاليف الإنتاج ومع معدلات التضخم، بالإضافة إلى الاعتماد على المحاصيل الزراعية خاصة محاصيل الأمن الغذائى التى يكون المقنن المائى لها قليل والاعتماد عليها بشكل كبير وكذلك المحاصيل المتحملة للملوحة، مثل المحاصيل غير التقليدية مثل الكينوا والجوتروفا والأعلاف المتحملة للملوحة مثل البانيكم والكانولا وهى منتجات زراعية غير تقليدية، لكنها يمكن أن تساهم فى سد الفجوة الغذائية ورفع معدلات الاكتفاء الذاتى من مجموعات الحبوب والزيوت والأعلاف.
3-4 التكامل فى السياسات بين الأراضى القديمة والجديدة: اتجاه الدولة المصرية فى السنوات الماضية بشكل مكثف إلى التوسع الأفقى الذى أدى إلى زيادة المساحات المنزرعة فى الأراضى الجديدة والأراضى الصحراوية. هذا التوسع الكبير فى الأراضى الجديدة أدى إلى إضافة ما يقرب من 1٫5 إلى 2 مليون فدان من أراضى الاستصلاح الحديثة، حيث بلغت المساحة المنزرعة فى مصر الآن نحو 9 ملايين فدان (نحو 5٫9 مليون فدان أراضى قديمة ونحو 3٫4 مليون فدان أراضى جديدة وصحراوية). بالتالى، العمل على تكامل السياسة الزراعية فى الأراضى القديمة مع السياسة الزراعية فى الأراضى الجديدة والصحراوية، وذلك بخروج المحاصيل التى يمكن زراعتها فى الأراضى الجديدة والصحراوية من الأراضى القديمة، وعلى الأخص الخضر والفاكهة، حيث تحتل مساحة كل من الخضر نحو 1٫1 مليون فدان، والفاكهة والنخيل 567 ألف فدان فى الأراضى القديمة، حيث بخروج تلك المساحة المنزرعة والتوجه بها إلى الأراضى الجديدة والصحراوية سوف يتم توفير تلك المساحة وعلى الأخص فى الوجه البحرى، الأمر الذى يمكن زيادة مساحات الفول البلدى، والقمح، والذرة، والقطن على وجه الخصوص. بالإضافة إلى أنه فى الأراضى الجديدة والصحراوية يمكن زراعة منتجات عذائية متكيفة مع هشاشة مورد الأرض وندرة المياه ونسب تملح عالية للمياه فى بعض الأماكن، مثل الكينوا والكانولا والتين الشوكى وبعض الأعلاف غير التقليدية، حيث إن بعض تلك المنتجات يمكن أن تساهم فى سد الفجوة الغذائية (الكينوا والكانولا) وبعضها ذو طبيعة تصنيعية وتصديرية يمكن أن تزيد العائد والدخول للمنتجين الزراعيين فى أراضى الاستصلاح الجديدة وتتكيف مع التغيرات المناخية مثل ارتفاع ملوحة المياه الجوفية أو هشاشة القدرة الإنتاجية للأراضى.
3-5 التجميع الزراعى: العمل على إحياء فكرة التجميع الزراعى مع عودة الدورة الزراعية، حيث يعمل التجميع الزراعى على أن تكون هناك زراعات متشابهه لمساحات كبيرة نسبيا. وتعمل الدورة الزراعية على تحسين خصوبة التربة وبالتالى زيادة الإنتاج، وبالتالى الحد من التغيرات المناخية السلبية التى يمكن أن تؤثر على انخفاض الجدارة الإنتاجية للمنتجات الغذائية، وكذلك فى المقاومة الجماعية للحشائش والأمراض التى يمكن أن تصيب النباتات وكذلك فى عمليات إضافة الأسمدة الكيماوية او العضوية فى وقت مناسب. الأمر الذى يسهل على المنتجيين الزراعين إجراء العمليات الزراعية وخفض تكاليف الإنتاج. ويقلل النزاعات التى يمكن أن تحدث نتيجة اختلاف الممارسات وعلى رأسها اختلاف مواقيت الرى بين المنتجين لمحاصيل مختلفة تختلف فى الممارسات وفى المعاملات الزراعية.
هذا الأمر يؤدى إلى زيادة الإنتاجية الفدانية وبالتالى الحد من التأثيرات السلبية التى يمكن أن تحدث على الإنتاجية الفدانية نتيجة التغيرات المناخية، مثل زيادة ملوحة الأراضى خاصة فى شمال الدلتا أو سيناريو انخفاض كميات مياه الرى نتيجة التأثير السلبى على كميات سقوط الأمطار على الأخص على الهضبة الإثيوبية.
3-6 نظم إنذار مبكر Early Warning System: المقصود بهذا هو تكوين قاعدة بيانات دقيقة عن العوامل المسببة للتغيرات المناخية، مع وضع نماذج رياضية وإحصائية للتنبؤ بالتغيرات المناخية التى يمكن أن تحدث، وتأثير تلك التغيرات فى القدرة الإنتاجية للموارد الطبيعية وفى الهجرة الداخلية التى يمكن أن تحدث نتيجة تلك التغيرات المناخية، وبالتالى اتخاذ الإجراءات والتدابير سواء الإنتاجية أو النقدية والمالية التى لابد من اتباعها للحد من تلك التأثيرات السلبية فى إنتاج الغذاء وعلى المنتجات الزراعية بشكل عام.
3-7 التأمين الزراعى على المنتجات الزراعية: يعرف التأمين عموما بأنه: وسيلة لتعويض الفرد عن الخسائر المالية التى يتعرض لها نتيجة وقوع خطر على المؤمن ضده، وذلك عن طريق توزيع هذه الخسارة على عدد كبير من المؤمن لهم، ويكون جميعهم معرضين للخطر نفسه، وذلك بمقتضى اتفاق سابق. ويعتبر التأمين على المحاصيل الزراعية نظاما جماعيا يقوم على تعويض المزارعين عن الخسارة المالية لتلف المحصول التى تحل بهم نتيجة حدوث الخطر الزراعى المؤمن ضدة. ومما لاشك فيه أن تحديد الأخطار الزراعية فى مراحل الإنتاج وحصرها وتحليلها وإيجاد الوسائل الملائمة للتحكم فيها وتقليل معدل تكرار حدوثها والاحتياط لنتائجها وموجهة خسائرها يحقق العديد من الفوائد على الأطراف المنتفعة بالإنتاج الزراعة والغذائى وهى الحكومة والمنتجين والمستهلكين.
التغيرات المناخية تحدث أخطارًا على إنتاجية المحاصيل التى يمكن أن تصل إلى تدمير المحصول او القضاء على المحصول أو الماشية، بالتالى للحد من تلك التأثيرات السلبية على المنتجات الزراعية والغذائية منها لابد من تفعيل نظم التأمين على المنتجات الزراعية سواء الحيوانية أو النباتية، لأن مثل هذا الإجراء يحد من المخاطرة واللايقين التى تتميز بها النظم الزراعية، ويعطى نوعا من الطمأنينة للمزارع خاصة الصغار منهم والذين يتأثرون بشدة نتيجة التغيرات المناخية التى لا يوجد دخل لهم فى إحداثها، وبالتالى العمل على استمرار هؤلاء المنتحيين الزراعيين فى إنتاج الغذاء فى السنوات المقبلة وعدم ابتعادهم عن الزراعة، وعن إنتاج الغذاء.
بعض سياسات دول العالم فى التعامل مع التغيرات المناخية والأمن الغذائى بها:
أما بالنسبة إلى السياسات التى تتبعها بعض دول العالم فى الحد من التغيرات المناخية وتأثيرها على الأمن الغذائى فيمكن توصيفها فى النقاط التالية:
• تطبيق الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، مثل (الحد من الفاقد والمهدر من الأغذية، وتجنب إزالة الغابات والصيد الجائر للأسماك).
• تحسين إدارة التربة وخصوبتها.
• زيادة الممارسات التي تعزز احتباس ثاني أكسيد الكربون فى الغابات، والحد من استخدام الوقود الأحفورى.
• إدارة أفضل تكاملية للمياه.
• تحويل الفضلات الحيوانية إلى غاز حيوى كمصدر بديل ومتجدد للطاقة.
• منع الصدمات المتعلقة بالمناخ و/أو الاستعداد لها.
• إنشاء مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية القادرة على الصمود فى وجه تغير المناخ من خلال أقفاص وبرك الأسماك المقاومة للعواصف، وإدارة مصايد الأسماك القابلة للتأقلم.
4- السياسات المصرية المتبعة للحد من تأثيرات التغيرات المناخية فى منظومة الأمن الغذائى المصرى:
4-1 الاستراتيجية المحدثة للتنمية الزراعية المستدامة مصر 2030:
قامت الحكومة المصرية ممثلة فى الوزارات المختلفة، ومنها وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى بوضع استراتيجيات تأخذ فى اعتبارها البعد البيئى الذى منه التغيرات المناخية. حيث قامت وزارة الزراعة بوضع الاستراتيجية المحدثة للتنمية الزراعية المستدامة مصر 2030، بما تتضمن من برامج المشروعات فى الخطة التنفيذية لتلك الاستراتيجية، حيث تضمنت الخطة التنفيذية الاستراتيجية المحدثة للتنمية الزرعية المستدامة مصر 2030 مجموعة من البرامج والتى تتضمن مجموعة من المشروعات تستهدف زيادة كفاءة استخدام الموارد الطبيعية أو التوسع الأفقى فى الأراضى الزراعية وزيادة المساحات الخضراء، أو مشروعات وبرامج تستهدف العنصر البشرى وزيادة وعيه وتحسين ممارساته الزراعية للتكيف مع التغيرات المناخية، أو مشروعات وبرامج لتطوير تكنولوجيا المعلومات والبيانات للتنبؤ بالتغيرات المناخية المحتملة والاستعداد لها أو برامج ومشروعات تعمل على تطوير البحث العلمى فى الزراعة واستنباط سلالات من المنتجات الزراعية والغذائية التى تعمل على تحمل الملوحة والحرارة. وفى هذا الجزء سوف يتم التعرض إلى البرامج والمشروعات التى وردت فى الاستراتيجية والتى تتعامل مع التغيرات المناخية والتى تقوى أو تدعم الأمن الغذائى المصرى.ومن تلك البرامج والمشروعات التالى:
4-1-1: البرنامج القومي للاستخدام المستدام للموارد الزراعية: حيث يحتوى هذا البرنامج على أربعة مشروعات جميعها لها علاقة مباشرة بالتغيرات المناخية وآثارها على الأمن الغذائى.
أولا: المشروع القومى لاستصلاح الأراضي وهو المشروع الذى يستهدف استصلاح الأراضى والتوسع فى الأراضى الجديدة فى الصحراء المصرية، وذلك باستخدام المياه الجوفية، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة المساحات الخضراء وبالتالى انخفاض وجود غاز ثانى أكسد الكربون وهو أحد غازات الاحتباس الحرارى الخطيرة أو الحد منها على اقصى تقدير. المساهمة فى تحقيق الأمن الغذائى بزيادة الإنتاج فى المحاصيل الاستراتيجية وتقليل الفجوة الغذائية والحد من الاستيراد، حيث من المتوقع زيادة الصادرات الزراعية لتصل إلى نحو 30% من إجمالي الصادرات السلعية بحلول عام 2030، ونحو 26% بحلول عام 24/2025، حيث بلغت 20% خلال عام 2018/2019.
ثانيا: المشروع القومى لتطوير الري الحقلي وترشيد استخدام مياه الري فى الزراعة، ويستهدف هذا المشروع تحسين الري ورفع كفاءة نظم الري الحقلى، من خلال علاج مشكلة قلوية الأراضى المتدهورة من خلال إضافة الجبس الزراعى وزيادة الإنتاجية من 10-15% من خلال التسوية بالليزر، وزيادة الإنتاجية الفدانية من 10-15% من خلال الحرث العميق تحت التربة للأراضى الزراعية، وترشيد إستخدام مياه الرى وتحسين جودة مياه الرى من خلال تطهير المسافة الحقلية والمصارف. الأمر الذى يؤدى إلى وقف تدهور التربة وكفاءة فى استخدام مورد المياه على مستوى الرى الحقلى، وبالتالى زيادة فى الإنتاج الزراعى وعلى الأخص الأمن الغذائى.
ثالثا: المشروع القومى لتحديث خرائط الأراضى الزراعية وتحسين خصائص التربة، حيث يستهدف هذا المشروع تحديث خرائط التربة الزراعية، الأمر الذى يساعد على معرفة الأراضى المهددة بالتدهور وأسباب هذا التدهور هل هو ناتج عن تغيرات مناخية أم من ممارسات بشرية خاطئة، تساعد فى وضع نظم إنذار مبكر وبناء قاعدة بيانات جغرافية تساعد على تطوير الإنتاجية الفدانية، وبالتالى المساعدة فى تقليل الفجوة الغذائية.
رابعا وأخيرا: المشروع القومى للتنمية المتكاملة للمناطق المطرية، حيث يستهدف هذا المشروع الاستفادة من مياه الأمطار فى المناطق المطرية فى مصر، مثل الساحل الشمالى الغربى ووسط سيناء من خلال حصاد مياه الأمطار وبالتالى الاستفادة من تلك المياه فى زيادة المساحات الخضر والحد من تدهور التربة التى يمكن أن تنتج من انجراف التربة والحفاظ على الموارد الرعوية فى تلك المناطق، وبالتالى التأقلم مع التغيرات المناخية التى يمكن أن تؤثر فى كميات مياه الأمطار المتساقطة والاستفادة من تلك الكميات فى توفير الغذاء وزيادة معدلات الأمن الغذائى المصرى.
4-1-2: البرنامج القومى لتنمية المحاصيل البستانية: حيث يحتوى هذا البرنامج على أولا: المشروع القومي لتنمية محاصيل الفاكهة المتحملة للجفاف، حيث يحتوى هذا المشروع على تطوير إنتاج التمور، والزيتون، والرمان، والتين العادى، والتين الشوكى، وكل تلك المنتجات البستانية هى من المنتجات التى تتحمل ملوحة المياه و تزرع فى الأراضى من الدرجة الثالثة والرابعة، وهى المناطق التى تكون اكثر تعرضا لخطر التغيرات المناخية وبالتالى تتلاءم وتتكيف مع التغيرات المناخية، هذا بالإضافة إلى أن لمصر ميزة تنافسية فى تصدير تلك المنتجات إلى الأسواق العالمية وهى أيضا منتجات تصنيعية يمكن أن يقام عليها صناعات غذائية وبالتالى توفر فرص عمل دائمة، بالإضافة إلى دعم الأمن الغذائى المصرى. ثانيا: المشروع القومي لتنمية النباتات الطبية والعطرية والأشجار الخشبية، حيث يستهدف هذا المشروع زيادة المساحة المنزرعة من 70 إلى 90 ألف فدان، ورفع الإنتاجية بمقدار 10%، والتوسع فى زراعات النباتات الطبية باستخدام طرق الزراعة البيولوجية، وحماية البيئة من التلوث بالتوسع فى تشجير المدن والقرى الرئيسية المجاورة لمحطات المعالجة، تحسين مناخ المناطق المقام بها الغابات الشجرية، ويسهم ذلك فى خفض معدلات غاز ثانى أكسيد الكربون، خاصة فى المدن، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة فرص العمل، خاصة أن النباتات الطبية والعطرية من النباتات التصنيعية المهمة.
4-1-3: البرنامج القومي للتنمية المناطقية والإنعاش الاقتصادى والاجتماعى: أحد المشروعات التى فى هذا البرنامج هو : أولا: المشروع القومي لتنمية الموارد البشرية العاملة فى مجالات التنمية الزراعية (خاصة الشباب الريفى والمرأة الريفية): حيث يحتوى هذا المشروع على تطوير وترقية المعارف والمهارات للكوادر البشرية العاملة فى مختلف المجالات الزراعية -خاصة الشباب الريفي- التي يناط بها التنفيذ الميداني لمشروعات وخطط التنمية الزراعية. وتطوير وإعادة تأهيل مراكز التدريب الزراعي للنهوض بدورها فى إعداد عناصر فاعلة فى مجالات التنمية الزراعية. تحسين الممارسات الزراعية فى مجال الإنتاج النباتي، والحيواني، والسمكي، والبيطري من خلال دور حيوي وفعال لجهاز الإرشاد الزراعي. الأمر الذى يؤدى إلى تنمية الوعى لدى شباب المزارعين والمرأة الريفية وتنمية مهاراتهم وتدريبهم على أفضل الطرق التى يمكن بها مواجهة مخاطر التغيرات المناخية فى مختلف الأنشطة الزراعية، وبالتالى الحد من مخاطر الأمن الغذائى التى يمكن أن تتأثر بالتغيرات المناخية، هذا بالإضافة إلى تنمية القدرات لدى الشباب الريفى والمرأة الريفية على وجه الخصوص فى التعامل مع التغيرات المناخية. ثانيا: المشروع القومى للإدارة المتكاملة للمخلفات الزراعية فى الريف، حيث تشير التقديرات إلى أن مخلفات المزرعة بلغت فى عموم الجمهورية نحو 75٫8 مليون طن خلال عام 2019، الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى إحداث انبعاثات لغازات الاحتباس الحرارى وعلى رأسها ثانى أكسيد الكربون. بالتالى يهدف هذا المشروع إلى الاستغلال الأمثل للمخلفات الزراعية فى توفير الأسمدة العضوية من تلك المخلفات الزراعية، أو عمل أعلاف للحيوانات المزرعية من المخلفات وتدريب المنتجيين الزراعيين على الاستفادة من تلك المخلفات المزرعية، وبالتالى زيادة العائد الاقتصادى من خلال خفض التكاليف، وزيادة الإنتاجية للمنتجات الزراعية، وعلى رأسها المنتجات الغذائية وبالتالى تقليل أو الحد من الانبعاثات الكربونية والغازات المسببة للاحتباس الحرارى.
4-1-4: البرنامج القومي لدعم وتطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتحول الرقمي: حيث يهدف هذا البرنامج إلى إنشاء وتطوير البنية التحتية المعلوماتية لوزارة الزراعة بمختلف روابطها وتشابكاتها الأفقية والأسية على المستوى الوطني. بناء نظم معلومات زراعية متطورة وإتاحة خدماتها ومخرجاتها لمختلف المعنيين بالشأن الزراعي، لترشيد اتخاذ القرارات ورفع كفاءة الأداء فى مختلف الأنشطة والمجالات. ويعتبر إنشاء نظم إنذار مبكر لمواجهة التغيرات المناخية هى أحد مجالات اهتمام وزارة الزراعة، حتى يمكن التعامل مع التغيرات المناخية التى تؤثر فى إنتاجية المحاصيل، وفى كفاءة استخدام الموارد الطبيعية. حيث يعتبر المشروع القومي لبناء وتطوير قواعد البيانات ونظم المعلومات الزراعية هو المسئول فى أحد أهدافه عن توفير بناء نظم إنذار مبكر تعتمد على البيانات والمعلومات المتاحة.
4-1-5: البرنامج القومي لدعم البحوث الزراعية ونقل التكنولوجيا والإرشاد الزراعي: وهو أحد المشروعات المهمة فى استراتيجية الزراعة المصرية التى تتعامل مع التغيرات المناخية من ناحية التكيف مع التغيرات المناخية حتى لا يقل الإنتاج الزراعة أو الغذائى نتيجة زيادة الأملاح فى التربة الزراعية أو الحرارة. فمن أحد أهم المشروعات فى هذا البرنامج والمرتبط بالتغيرات المناخية، هى: أولا: المشروع القومي لاستنباط أصناف وسلالات وهجن نباتية وحيوانية جديدة محسنة عالية الإنتاجية ومتحملة للظروف البيئية المعاكسة ومقاومة للأمراض والآفات الزراعية الذى يستهدف استنباط سلالات سواء نباتية أو حيوانية متحملة للملوحة (النباتات) أو متحملة للحرارة فى حالة النباتات والحيوانات حتى لا تتأثر الوحدة الإنتاجية بالحرارة أو بتملح التربة الزراعية والتى تنتج من التغيرات المناخية والانبعاثات لغازات الاحتباس الحرارى، وبالتالى لا تتأثر كميات الغذاء، وبالتالى الدخل المتولد من النشاط الزراعى. ثانيا: المشروع القومى لتطوير أداء المراكز الإرشادية كمدخل لتطوير أداء الإرشاد الزراعى فى مصر، وكذلك ثالثا: المشروع القومي لتطوير قدرات المرشدين الزراعيين للتعامل مع التطورات التكنولوجية فى مجال التنمية الزراعية، حيث يعتبر تطوير العمل الإرشادى وتطوير المؤسسات الإرشادية هى أحد محاور تطوير العمل المؤسسى فى مصر الذى تعانى منه الزراعة المصرية بشكل كبير، حيث يلعب الإرشاد الزراعى دورا كبيرا فى تطوير وإدراك المنتجين الزراعيين كيفية التعامل مع التغيرات المناخية وكذلك فى بناء القدرات لدى المؤسسات التى تعمل فى المجال الزراعى وبناء قدرات المرشدين الزراعيين فى التعامل مع التغيرات المناخية من حيث الممارسات الزراعية التى يجب أن تتم، والأصناف التى يجب أن يتم زراعتها ومواعيد زراعة تلك الأصناف حتى يمكن تقليل الأثر من التغيرات المناخية على الإنتاجية الفدانية، وبالتالى على الدخل وزيادة وعى وقدرات المجتمع المحلى الزراعى فى التعامل مع التغيرات المناخية حتى يمكن التكيف مع الأثر أو تقليل حدة الأثر بشكل كبير. ويعتبر هذا البرنامج هو أحد البرامج المهمة التى يمكن أن تطور الزراعة الذكية مناخيا (CSA).
4-1-6: إطار العمل الاستراتيجيى للمخاطر والتكيف مع التغير المناخى فى قطاع الزراعة: تولى وزارة الزراعة اهتماما شديدا بالتغيرات المناخية وتأثيرها على قطاع الزراعة بشكل عام وقضايا والأمن الغذائى بشكل أساسى. حيث تم تخصيص برنامج خاص فى الاستراتيجية المحدثة للتنمية الزراعية المصرية مصر 2030، يتناول التغيرات المناخية (أول استراتيجية زراعية تضع برنامجا خاصا للتغيرات المناخية) تحت عنوان إطار العمل الاستراتيجى للمخاطر والتكيف مع التغير المناخى فى قطاع الزراعة، حيث تناول هذا البرنامج السياسات المطلوب تنفيذها فى وزارة الزراعة، ويحتاج قطاع وزارة الزراعة إلى تنفيذ العديد من السياسات التى من شأنها أن تساعد فى التكيف مع تغير المناخ نذكر منها ما يلى :
1 ــ استنباط أصناف المحاصيل المقاومة للتقلبات المناخية المختلفة.
2 ــ وضع نظام للتأمين على المحاصيل الزراعية.
3 ــ زيادة القدرة على مقاومة الآفات والأمراض.
4 ــ التحول إلى محاصيل أخرى، وتغيير مواعيد الزراعة وفقاً للتغيرات الحالية والمستقبلية.
5 ــ تحسين نظم كفاءة استخدام المياه.
6 ــ زراعة أصناف تتحمل الإجهاد الحراري، والتحسين الوراثي للأصناف طويلة وقصيرة المدة، وثقافة زراعة الأمثل أو الأكثر احتياجاً من المحاصيل.
7 ــ التوسع فى استخدام التكنولوجيات البسيطة.
8 ــ تعزيز نظم الإنذار المبكر والتنبؤ بالمناخ الموسمى للحد من المخاطر.
9 ــ تنويع الدخل من خلال دمج الأنشطة الزراعية الأخرى مثل تربية الماشية.
10 ــ توحيد الحيازات الزراعية.
11 ــ زيادة الوعي العام وتحسين مفهوم المناخ وعلاقته بالنظم البيئية والبشرية.
ختامـــًا:
لا شك فى أن التغيرات المناخية تعتبر ظاهرة مناخية يتأثر بها كافة دول العالم، ومصر من الدول التى تتعرض لتلك التغيرات فى كافة القطاعات الاقتصادية. ويعتبر قطاع الزراعة من القطاعات التى سوف تتأثر بتلك التغيرات المناخية، وبما أن قطاع الزراعة هو المسئل الأساسى عن محور الإتاحة للغذاء فى محاور الأمن الغذائى، فلا شك أن هذا المحور يتعرض أيضا للخطر من جراء التغيرات المناخية.
وتعتبر مصر مستوردا صافىا للغذاء، لاسيما مجموعات الحبوب (القمح، الذرة)، والزيوت النباتية، والبقوليات (الفول البلدى)، حيث تعتبر تلك المجموعات هى غذاء الفقراء، الأمر الذى يشير إلى انخفاض مرونة الواردات المصرية، وبالتالى اعتماد مصر على الخارج فى توفير الغذاء. وإن كانت هناك بعض المجموعات الغذائية التى تحقق فيها مصر معدلات جيدة من الاكتفاء الذاتى، وعلى رأسها مجموعة الفاكهة والخضراوات واللحوم البيضاء، وهناك مجموعات تحقق فيها مصر معدلات آمنة من الاكتفاء الذاتى، مثل مجموعة اللحوم الحمراء والأسماك والألبان ومنتجاتها.
وقد تنبهت منظمة الأغذية والزراعة الدولية (FAO) لأخطار التغيرات المناخية وخطرها على الأمن الغذائى العالمى، وبالتالى تم وضع السياسات التى تشجع دول العالم على اتباعها للحد أو تخفيف حدة الأثر للتغيرات المناخية، حيث أشارت منظمة الفاو إلى أهمية تبنى برنامج الزراعة الذكية مناخيا (CSA) والتى تتحدد أهدافها فى: (1) الزيادة المستدامة فى الإنتاجية الزراعية وبالتالى الدخل الزراعى. (2) التكيف وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ. (3) خفض و/أو إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى حيثما كان ذلك ممكنا. هذا بالإضافة إلى التأمين على المنتجات الزراعية ضد أخطار التغيرات المناخية، والعمل على تقوية سلاسل القيمة المضافة للمنتجات الزراعية والغذائية.
كما تنبهت الدولة المصرية لخطر التغيرات المناخية وعلى قطاع الزراعة والغذاء بشكل أساسى، الأمر الذى يمكن ملاحظته فى الاستراتيجية المحدثة للتنمية الزراعية مصر 2030، والتى صدرت فى عام 2020، حيث تحتوى الاستراتيجية المحدثة على برامج ومشروعات تتعامل فى أغلبها على الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية وعلى الأخص المياه والأراضى وعلى كيفية زيادة الإنتاجية الفدانية والتدريب المستمر للمنتجين الزراعيين من خلال رفع كفاءتهم وتشجيعهم على تبنى ممارسات زراعية تؤدى إلى زيادة الجدارة الإنتاجية وعدم انخفاضها نتيجة لتدهور الأراضى أو تملح المياه، بالإضافة إلى تشجيع إنشاء مؤسسات ومنظمات زراعية من أجل تنظيم المجتمع المحلى وزيادة وعى المجتمعات المحلية (فى أحد أهدافها) بأخطار التغيرات المناخية فى تبنى ممارسات زراعية جيدة (GAP)، بهدف التكيف مع التغيرات المناخية وعلى الأخص فى إنتاج الغذاء حتى لا تتأثر المجتمعات المحلية، والدولة الوطنية من انخفاض فى معدلات الاكتفاء الذاتى من الغذاء، وبالتالى تعرُّض منظومة الأمن الغذائى إلى للخطر.
المراجع:
أولا- مراجع باللغة الإنجليزية:
Cline, William, 2005. Global Warming and Agriculture: Impact Estimates by Country, Peterson Institute for International Economics.
Desert Research Center, 2002. “National Action Plan for Combating Desertification” United Nation Committee for Combat Desertification , June 2002.
Fayyad, Sherif M.S, 2009. “Impact of Population and Climate changes on Food Crisis in Egypt” Afro-Asian Journal of Rural Development vol. XXXXII No. 1, January- June 2009
Food and Agricultural organization of the Nuited Nation (FAO), 2008.Climate change and Food Security a framework Document, Rome.
El-Marsafawy, Samia, 2008. “Vulnerability and Adaptation of Climate Change on The Agricultural Sector in Egypt” Impact of Climate change on Egypt and other Arab Countries.
ثانيا- مراجع باللغة العربية:
حسنى حسن مهران (دكتور) وآخرون، «تداعيات التغيرات المناخية على الأمن العذائى المستدام فى ضوء استراتيجية التنمية فى مصر 2030»، المؤتمر الدولى التغيرات المناخية التنمية المستدامة، معهد التخطيط القومى، مارس 2022، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
جمال صيام (دكتور)، «الآثار المحتملة للتغيرات المناخية والزيادة السكانية على الأمن المائى والأمن الغذائى فى مصر والسياسات المقترحة»، ندوة علمية بالجمعية المصرية للاقتصاد الزراعى – مارس 2022.
جمال صيام (دكتور) وآخرون، «أثر التغيرات المناخية على وضع الزراعة والغذاء فى مصر»، مؤتمر التغيرات المناخية وأثرها على مصر، شركاء التنمية، نوفمبر 2009، القاهرة، جمهورية مصر العربية
شريف فياض (دكتور)، «أزمة الغذاء فى مصر، بعض جوانب الاقتصاد السياسى والحلول على المستوى المحلى والإقليمى والإطار الدولى»، مؤتمر الأمن الغذائى المصرى فى ظل مخاطر الأسواق العالمية 30 -31 أكتوبر 2013، الجمعية المصرية للاقتصاد الزراعى.
شريف فياض (دكتور)، «سبل تعزيز الأمن الغذائى المصرى الفرص والتحديات»، مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، الملف المصرى، مايو 2022، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
محمود محمد فواز (دكتور) وآخرون، «دراسة اقتصادية للتغيرات المناخية, آثارها على التنمية المستدامة فى مصر» المجلة المصرية للاقتصاد الزراعى، المجلد الخامس والعشرون، العدد الثالث، سبتمبر 2015.
محمد الدمرداش الخشن (دكتور)، «تهيئة القطاع الزراعى المصرى للتأقلم مع التغيرات المناخية»، مؤتمر الجمعية المصرية للاقتصاد الزراعى، أكتوبر 2021.
الاستراتيجية المحدثة للتنمية الزراعية مصر 2030، الخطة التنفيذية، وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، جمهورية مصر العربية.
الإدارة المركزية للاقتصاد الزراعى، قطاع الشئون الاقتصادية، وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، جمهورية مصر العربية، أعداد متفرقة.
المعهد القومى للتخطيط، «تقرير أوضاع الأمن الغذائى فى مصر» 2019، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
توجهات مستقبلية «التغيرات المناخية أبرز المخاطر العالمية التداعيات المحلية والعالمية حتى عام 2050»، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء، العدد الثالث، مارس 2020.
التقرير المعلوماتى «ماذا يأكل المواطن المصرى»، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء، أغسطس 2007.