جميل أن نتذكر ونحن نعيش في تلك الأيام الأكتوبرية العظيمة أن فكرة إنشاء جامعة الدول العربية هي وليدة توصيات للمؤتمر النسائي العربي الذي نظمته هدي شعراوي في القاهرة في أكتوبر عام 1938 للدفاع عن قضية فلسطين.
لقد كان آخر ما كتبته هدي شعراوي ونُشر بجريدة الأهرام يوم وفاتها هو تلك البرقية : " تلقت رئيسة الاتحاد النسائي العربي برقيات من رئيسات الاتحادات النسائية في الأقطار الشقيقة العراق، سوريا، فلسطين لبنان، شرق الأردن، بمناسبة انعقاد دوري لجامعة الدول العربية يفوضنها في اتخاذ القرارات الحاسمة لنصرة فلسطين وتأييد الجامعة في نضالها كما عبرت في هذه البرقية عن تنظيم جهودهن لجمع المال وإعداد الكساء وقيد أسماء المتطوعات للإسعاف، والاستعداد الكامل للجهاد مع أخواتهن العربيات جنبا إلي جنب "... .
ورغم المكاسب الهائلة التي تحققت للمرأة في الفترة الأخيرة وكان آخرها حصولها علي مناصب عليا في منظومة القضاء، وزيادة أعداد النائبات في مجلس النواب بشكل رائع، وزيادة عدد الوزيرات في تشكيل الحكومات الأخيرة، و تعيين المرأة في منصب " المحافظ "، ومكاسب أخرى تتعلق بتشريعات حديثة في مجال الأحوال الشخصية وغيرها، إلا أن المرأة وكما تذكر الدكتورة " رقية سليم " في كتابها " المرأة المصرية " لازالت تتعرض لأشكال عديدة من العنف، وتتأثر في حياتها الخاصة والعامة بتبعات التطرف الديني من جانب أهل الشر وأبناء التراجع الحضاري، وبأثر وتبعات الاتجاهات السلبية وأنماط السلوك المتخلفة السائدة في المجتمع من جانب بعض من يعتبرونها دون الرجل في القدرات الجسدية والعقلية، والتي تؤكد عليها بعض وسائل الإعلام وبعض مواد الدراما ذات التأثير المُخزي والتي تعمل علي تثبيت أفكار زمن البرقع والاحتفاء بأوامر من كنا نتصور أنه شريك حياة!وتدفع المرأة بالتالي للتصرف ضمن القوالب المتوقعة .
لقد طالب "قاسم أمين" أبناء مصر في أوائل القرن الماضي أن يصلحوا من أحوالهم، وأن يعملوا على ارتقاء شأن المرأة المصرية، وهذا هو الواجب الخطير الذي يسهل كل إصلاح نأمله لصالح الأسرة المصرية.
وهناينبغي التذكير بالمواقف الطيبة للمستنيرين والنخبة في إطار التعاطف والتأييد للمرأة المكافحة والمتميزة لدعم دورها المجتمعي والوطني، مثل موقف العالم المصري الكبير الدكتور " مصطفي مشرفة " من تلميذته سميرة موسي وتصميمه علي تعيينها إلي حد تقديم مذكرة بتلك الرغبة إلي وزير المعارف وإرفاقها بطلب استقالة من عمادة الكلية إيمانا منه بأنه لا شيء يمنع تحقيق العدالة للمتفوق .
ولكن ــ للأسف ــ وبشكل وتفهم عكسي كان قد جاء علي لسان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد في تناوله لوصف دور المرأة في بدايات القرن القادم فيقول وهو المفكر المستنير ( إن المروءة بل الضرورة تقضي علينا أن نرأف بها كما نرأف برفيق ضعيف لا غنى عنه، وإذا كان لا يحق أن تكون " سيدة " كما هو اليوم، فليس ذلك بإرجاعها " أمة " كما كانت أمس، ولا شيء من العدوان علي حريتها أو اهتضام حقوقها، فهذا المجتمع يشهد معركة ضروسًا والنساء آسيات جروحه، ومضمدات كلومه، وجابرات كسوره، فكيف به وقد طرح آسياته والمراهم واللفائف وتبدلن بها الخناجر والقذائف ثم برزت للنضال بين المناضلين . أعوذ بالله . إن المجتمع ليكون ساعتئذ كأنه قطيع من الذئاب قد أضراه الجوع والسعار. ) .
أعتقد أنه وبعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان علي كلام العقاد، هناك من يكرر هذه الدعاوى الغريبة الآن حول ضعف قدرات المرأة وأنها ليس لها من سبيل سوى اعتمادها علي الرجل الذي يجب أن يخوض عنها وعن المجتمع كل المعارك، ودورها هو التلطيف والطبطبة والحنان وتضميد الجراح . وأظن أن ما قيل مؤخرا من آراء رجعية حول عدم صلاحية المرأة لمناصب القضاء هو تكرار لحديث قديم.
ولكن ومنذ أكثر من نصف قرن من الزمان نجد مقالًا رائعًا للكاتب الكبير توفيق الحكيم تحت عنوان " المرأة بعد سنة 2000 " في 10يوليو1946يستهله بقوله " أردت يومًا أن أتخذ مهنة الفلكي لحظة، وأن أسدد المنظار إلي النجوم وأطالع الغيب، لأرى ما سوف يحدث للمرأة من تطور في مستقبل الأيام . وأستطيع أن أؤكد للناس إني أبصرت الذي سوف يقع علي وجه الدقة والتحقيق . ويسترسل الحكيم في عرض عدد من التوقعات بشكل غاية في الطرافة والرؤية الثاقبة . أتوقف عند بعضها:
· في سنة 2000 ميلادية تظفر المرأة بحلمها، وتنال المساواة بالرجل في كافة الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية، فلم يعد هنالك ما يحول بينها وبين المناصب التي استأثر بها الرجل . فهي تتولي الآن رئاسة الوزراء وتؤلف وزارات بعض أعضائها من الرجال والبعض من النساء، وهي تشترك في الأحزاب وترأس بعضها.
· في سنة 2100 ميلادية يصبح للمرأة الحق في أن تعين قاضية في المحاكم العليا وأن ترأس محاكم النقض، وأن تكون في منصب النائب العام . في سنة 2200 ميلادية تحتل المرأة المراكز العليا في الجيش، فهي تستطيع أن تكون قائدة ورئيسة لأركان الحرب. وهكذا مع مرور السنين يري الحكيم أنه من الممكن أن تُمحى الفروق تمامًا بين الرجال والنساء في الوظائف العامة والخاصة . وأنه نظرًا لتعميم الخدمة العسكرية والألعاب الرياضية للجنسين فقد أدي الأمر إلي ظهور العضلات في جسم المرأة، وقسوة النظرة في العينين.
ويستأنف الحكيم ليؤكد أنه مع دوران حركة التاريخ تعود المرأة إلي البيت، ويراها وقد عادت إلي ارتداء البرقع وقد تم الفصل بين مجالس النساء والرجال . . إلخ .
وينهي مقاله أنه فضل أن يطرح المنظار جانبًا ولا يمضي في مطالعة الغيب حتي لا يتعرض لسخط الأحزاب النسائية المنادية بالتقدم والتحرر والتجديد، والعودة فورا إلي عام 1946 !
والحقيقة أنه بالإضافة لاستمتاعي بقراءة المقال، وإعجابي بمتابعة الكاتب لحركة دوران الزمن بالناس وعرضها ببساطة، وأيضا جمال عرضه للمتغيرات التي تطرأ علي الإنسان، وكيف يتفاعل مع الحضارات، وتوالي تعاقب أطروحاتها سلبًا وإيجابًا، صعودًا وهبوطًا، فقد بهرتني هذه الرؤية الإبداعية في مجال استشراف الكاتب لأمور مستقبلية يكاد يجزم بحدوثها . فإذا بنا نراها وقد حدث الكثير منها بالفعل قبل وأثناء وبعد ثورة 30 يونيو، ومشاركة المرأة المصرية في إنجاح كل التفاعلات الثورية، وتقدمها الصفوف بروعة وأداء عظيم.
ولعل مثل تلك الأفكار والمعتقدات السلبية من جانب بعض النخب هي التي تم التركيز على إشاعتها في عام السواد الإخواني عندما دان لهم حكم البلاد ليعودوا بنا وبتاريخنا مئات السنين إلى الخلف .
وعليه، كانت المرأة القائد في ثورة 30 يونيو، وتحملت عبء المشاركة في الثورة ومواجهة التنظيم الظلامي وتحملت من قبلها عنف الجماعة ضدها عندما كان خطابهم السائد أن المرأة عورة ومكانها المنزل، وقام أعضاؤها بالاعتداء على المتظاهرات ضد فكرهم المتخلف بالضرب والسحل أمام مقر الجماعة بالمقطم، فقد كان من الأسباب الرئيسية للمواجهة مع الإخوان ومشاركة النساء بقوة خوفهن على مكتسباتهن اللاتى عانين لعقود طويلة من أجل الحصول عليها .
وامتدت مشاركة المرأة للاستفتاءات والانتخابات التي شهدتها مصر في أعقاب 30 يونيو . وشكلت النساء 54% من مجموع الأصوات التي حصل عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفق بيان سابق للمجلس القومي للمرأة.