"الدولة المصرية"
باتت مصر اليوم على أعتاب أن تصبح مركزًا للطاقة بين قارات ثلاث، إفريقيا وأوروبا وآسيا، وذلك بعد أن أعادت تشكيل الجغرافية السياسية لمنطقة شرق البحر المتوسط والبحر الأحمر والقرن الإفريقي، آبار غاز طبيعي مكتشفة ومحطات إسالة، وكهرباء منتجة وكابلات تصدير لأوروبا وآسيا، برنامج طموح دشنته الدولة المصرية وتسابق الزمن لاستكماله.
بلا ريب أن الدول تنهض بتعافي اقتصادها وازدهار الصناعات الحديثة في قطاعاتها المختلفة وتنوع إنتاجها المحلي، الذي يُمثل المكون الرئيس في قوة الاقتصاد القومي، وبدوره المطور الأول في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث سعت مصر على تنمية واستغلال ما لديها من ثروات وموارد طبيعية، وسعت للتحول من بلد يكافح لتدبير نفقات استيراد الغاز الطبيعي إلى بلد مُصدر بل وربما لاعب أساسي مؤثر في سوق الغاز العالمي، ونفذت خطوات لتصبح مركزًا لإنتاج وتداول الغاز الطبيعي في المنطقة وعضوًا أساسيًّا في سوق الغاز الطبيعي العالمي، ومكنت العوامل والثروات الطبيعية مصر من المضي قدمًا في خطتها للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة.
المؤهلات المصرية:
حققت الدولة المصرية في قطاع الطاقة العديد من النجاحات على كافة الأصعدة خلال السنوات الثماني الماضية، وذلك من خلال الاستفادة من الموقع الاستراتيجي والأصول والبنية التحتية، وبفضل استراتيجية الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليصبح من أكثر القطاعات التي شهدت نهضة لا مثيل لها محليًا وعالميًا في الفترة ما بين عامي ٢٠١٤ حتى ٢٠٢٢، وذلك ما أكدته نتائج الإنجازات التي تمت على أرض الواقع خلال السنوات الماضية؛ فقد نجحت الدولة المصرية على مدار السنوات الماضية في التحول بخطى متسارعة إلى مركز إقليمي للطاقة، ولعبت العديد من العوامل دورًا كبيرًا في تعزيز دور مصر بسوق الغاز العالمية، ومن بينها تعديل التشريعات، وتعيين وترسيم الحدود، وسداد المتأخرات، والاستفادة من الموارد الغنية التي لم تكتشف بعد، مثل ثروات البحر الأحمر.
إنّ تحول مصر إلى دولة طاقة إقليمية جاء نتيجة التقاء ستة عوامل رئيسة وذلك خلال الفترة ما بين عامي ٢٠١٤-٢٠٢٢وهي:
- تعزيز العلاقات الدولية.
- الاكتشافات البحرية الجديدة للغاز الطبيعي.
- الإصلاح المالي والاقتصادي.
- تطوير مصادر الطاقة المتجددة.
- توسعات آفاق الهيدروجين الأخضر فى مصر.
- تشييد خطوط الربط الكهربائي.
أولا- تعزيز العلاقات الدولية:
وضعت مصر نقاط واضحة وأسس صحيحة وهي أن السياسة الصحيحة تنطلق من أسس الندية، والتعاون، وتقاسم المنافع، بعيداً عن النزاع والخلافات واختلاق ما يمكن تفاديه، واحترام الجيران والقوى الإقليمية الدولية لمصر ورئيسها الذي جعل من البلد ركيزة استقرار ومصدر أمان، يسعى الجميع لنسج العلاقات الفاعلة معها، فمنذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي رئاسة الجمهورية، حققت مصر نجاحات كبيرة وعظيمة في ملف العلاقات الخارجية، بعد أن عانت مصر لسنوات عجاف من صعوبات ومشكلات في هذا الملف الحيوي، نتيجة للظروف الصعبة التى شهدتها مصر خلال الفترة التى سبقت توليه رئاسة الجمهورية، حيث دخلت السياسة الخارجية المصرية مرحلة جديدة وتاريخية أكثر إشراقاً بعد الإطاحة بحكم الأخوان، وقد تمثلت السياسة المصرية في عهده في تبنى عدد من الأهداف والدوائر الحيوية، فبالإضافة إلى استمرارية الأهداف التقليدية للسياسة الخارجية المصرية، يمكننا القول أن مرحلة ما بعد ٣٠ يونيو تضمنت عدة أهداف يوجد بينها قدر كبير من الترابط والتعاون، والبعد التاريخي مع العديد من دول المنطقة والعالم، والتي أصبح لها أولوية في رؤية الدولة المصرية وتوجهاتها وعلاقاتها الخارجية والدولية، إن النشاط المكثف الذي قام به الرئيس السيسي، على صعيد السياسة الخارجية وعلاقات مصر الدولية حتى العام الثامن لتوليه المسئولية، قد أثمر تعزيز مكانة مصر الإقليمية والدولية، وساهم في تحقيق وتعزيز المصالح الوطنية للدولة في المجالات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية وفي مجال الطاقة، كما ساهم أيضًا في تحقيق متطلبات الأمن القومي المصري، وتعزيز القدرات المصرية في جميع المجالات، وتوفير الدعم الخارجي والتعاون الدولي مع جهود التنمية الشاملة التي تشهدها مصر حالياً، حيث استعادت مصر مكانتها ودورها المحوري لمصلحة شعبها والمنطقة والعالم، وذلك ما عكسته زيارات وجولات الرئيس الخارجية، والتي بلغت نحو أكثر من١٣٠زيارة خارجية.
وساعدت العلاقات الدولية وبالأخص مع دول الجوار فى منطقة المتوسط على سهولة المفاوضات فى عمليات ترسيم الحدود ومما أدي إلي تهيئة وتمهيد الطريق أمام تلك الاتفاقات الدولية والتي ساعدت الدولة المصرية علي التنقيب عن الثروات الطبيعية فى منطقة شرق المتوسط، حيث تكمن أهمية ترسيم الحدود البحرية بين الدول في إمكانية الاستفادة من الثروات الطبيعية في قاع البحار في المناطق الاقتصادية الخالصة للدول، ولا يحق للدول التنقيب أو استخراج تلك الثروات إلا بعد ترسيم حدودها البحرية مع الدول المجاورة، وتعد منطقة حوض شرق البحر الأبيض المتوسط، من المناطق الغنية بالثروات، خاصة الغاز الطبيعي، وتُمثل خطوات القيادة السياسية في هذا الملف مناورة استراتيجية مهمة حيث كانت أقرب لإعادة ترتيب رقعة شطرنج من جديد فى منطقة شرق المتوسط وبالإخص فيما يتعلق بحقول النفط والغاز الطبيعى فى المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية، فمن أجل التوسع في عمليات البحث والاستكشاف والتنقيب عن الغاز الطبيعي والثروات الطبيعية، تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص في سبتمبر عام ٢٠١٤، فيما تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية في أبريل عام ٢٠١٦، لتسمح ببدء مزاولة نشاط البحث عن البترول والغاز لأول مرة في هذه المنطقة البكر الواعدة، بينما تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان في أغسطس عام ٢٠٢٠.
الرؤية الصحيحة وقراءة الأحداث:
مما لاشك فيه أنه بعد مراجعة البيانات وترتيب الأحداث يتبين بكل وضوح أن مصر فى سياساتها الجديدة بعد عام ٢٠١٤ لا تترك الظروف الدولية تتلاعب بها، بل أن الدولة المصرية تخطط وتعمل وفق قراءات حقيقية تستبق الأحداث لتكون جاهزة لأى متغيرات فى اللحظة الحاسمة، واليوم يُرى أن البحر المتوسط يعاني من نزاع جغرافي واقتصادي ديناميكي واستراتيجي بسبب الممرات المهمة وموارد الطاقة (النفط والغاز الطبيعي...إلخ) المكتشفة في السنوات الأخيرة، حيث حولت هذه المصادر الجغرافية، السياسات المتوسطية إلى مركز جديد للصراع العالمي والإقليمي على السلطة، وتتزايد الأهمية الجيوسياسية لشرق المتوسط يومًا بعد يوم، وذلك لثلاثة أسباب:
- بالإضافة إلى احتياطي النفط والغاز الطبيعي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا زاد الصراع على الطاقة في احتياطي الغازالطبيعي الجديد المكتشف في شرقي البحر الأبيض المتوسط من الأهمية الجغرافية السياسية والجيولوجية لحوض البحرالمتوسط.
- تُمثل منطقة شرق المتوسط نقطة تقاطع مهمة كطريق لنقل وعبور صادرات الطاقة إلى الغرب من الشرق الأوسط، ومنطقة بحر قزوين وتتمتع المنطقة بموقع استراتيجي بفضل خطوط أنابيب النفط والغاز الحالية وكذلك المخطط لها، وتلعب المنطقة دوراً مهماً في نقل الطاقة العابرة ويتم نقل ملايين براميل النفط الخام إلى الأسواق الغربية من خلالهذه الجغرافيا.
- أدت الحرب في سوريا والصراعات والخلافات المستمرة، خاصة في منطقة ليفياثان، إلى تحويل البحرالأبيض المتوسط إلى مركز جذب عسكري مما أدى إلى جلب الجهات الفاعلة الدولية لقواها العسكرية وأصبح البحرالمتوسط أحد أكثر المناطق كثافة في تواجد القوى العسكرية.
ثانيا- الغاز الطبيعي المصري:
تم اكتشاف الغاز الطبيعي في مصر بكميات تصلح للاستغلال التجاري في مياه البحر الأبيض المتوسط في عام ١۹۹۸ وفي الدلتا في عام ١۹٦٧ وبلغ الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي في عام ١۹۹۹حوالي ٣٦ تريليون قدم مكعب وارتفع في عام ٢٠٠٦ إلى ٦٧ تريليون قدم مكعب وهو ما ساعد على تحويل مصر إلي دولة مصدرة عام ٢٠٠٥، حيث بلغت أقصي معدلاتها حوالي ٢٠ مليار متر مكعب ثم تراجعت جراء توقف الاستثمارات مع عدم وجود اكتشافات جديدة بالإضافة إلى تدني السعر والذي بلغ حوالي 2,65 دولار/مليون وحدة حرارية وحتي توقف التصدير نهائيا في عام ٢٠١١ نتيجة لعمليات التخريب التي تعرضت لها خطوط النقل، وتم إغلاق معامل التسييل وأرصفة التصدير مما عمل علي تراكم مستحقات الشركاء الأجانب ووقوع أزمة شديدة اختلت معها واردات الطاقة حوالي خُمس فاتورة الاستيراد والتهم دعمها خُمس الإنفاق العام، وبصفة عامة مرت رحلة الغاز المصري بمحطات كثيرة، فبعد أن كانت القاهرة تستورده سنويًا بمليارات الدولارات، باتت تستهدف الآن أن تصبح مركزًا للطاقة خلال السنوات المقبلة، وعامًا بعد عام، يظل قطاع الغاز الطبيعي من أهم القطاعات التي تحظى باهتمام وتطوير مستمر، سواء في زيادة معدلات الإنتاج، أو في زيادة عدد الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعي والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، حيث مرت مصر برحلة مهمة في تحولها الكبير من دولة مستهلكة للغاز الطبيعي ولديها عجز في توفير تلك الوسيلة المهمة للطاقة لتصبح دولة مصدرة للغاز الطبيعي، وأصبحت اكتشافات الغاز الطبيعي التي شهدتها الدولة المصرية في الفترة من ٢٠١٤-٢٠٢٢قادرة على تغيير المشهد المصري للطاقة بشكل كامل وفي منطقة شرق المتوسط، وهو ما ساهم بتحويل مصر من بلد مستورد إلى مصدر للغاز، مما أدى لتغيير وضع مصر على خريطة الطاقة العالمية فبرزت كقوة كبيرة في إنتاج الغاز الطبيعي ليس على مستوى المنطقة بل العالم بأسره، وهو ما ساهم فى انطلاق مسيرة البناء والتنمية داخل الدولة المصرية.
ملخص العجز فى مدخل من أهم المدخلات فى البنية التحتية لتوليد الطاقة حتى عام ٢٠١٣:
الغاز الطبيعي يُعد من أهم المدخلات الهامة في البنية التحتية لتوليد الطاقة في مصر. بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كان الغاز الطبيعي يمثل في عام ٢٠١٣ نسبة حوالي 51,5٪ من مجموع الطاقة الأولية التي يتم إنتاجها في مصر، وكان يُستخدَم في إنتاج حوالي76,8٪ من التيار الكهربائي الذي يتم توليده، لم يكن هذا الاعتماد على الغاز الطبيعي يطرح مشكلة عندما كان هناك فائض، وفقًا للمراجعة الإحصائية التي وضعتها شركة بي بي عن الطاقة العالمية لعام ٢٠١٥ حيث بلغ الإنتاج المحلي للغاز الطبيعي الذروة مع ٦ مليارات قدم مكعب في اليوم في عام ٢٠٠۹، عندما كان معدّل الاستهلاك لا يتعدى حوالي 4,11 مليارات قدم مكعب في اليوم، ولكن بحلول عام ٢٠١٣، كان إنتاج الغاز المحلي قد تراجع بنسبة حوالي ٢٢٪ ليصبح حوالي 4,17 مليارات قدم مكعب في اليوم، ويُعتبر النقص الحاد في الغاز الطبيعي من الأزمات الأكثر إلحاحًا والتي واجهها الاقتصاد المصري في تلك الفترة. وفي المقابل، دفع النمو السكاني المتزايد والسريع في مصر، والمصحوب بتهافت شديد على استعمال الأدوات الكهربائية والإلكترونية ومكيفات الهواء، بالاستهلاك إلى بلوغ الذروة مع 5,09 مليارات قدم مكعب في اليوم في عام ٢٠١٢ (ومع العلم بأنه شهد هبوطًا شديدًا في عامي ٢٠١٣ و٢٠١٤، بسبب محدوديات التموين)، وتزامن ذلك مع التباطؤ الشديد في إنتاج الغاز الطبيعي وتوقف الحكومة عن إبرام عقود جديدة للتنقيب عن الغاز في فترة أحداث يناير عام ٢٠١١ وحتي نهاية عام ٢٠١٣ وكانت النتيجة انتهاء الفائض في الغاز الطبيعي المصري، وخسارة مصر لمكانتها كمصدرة صافية للطاقة، ومن هنا نلقي الضوء على أهم مظاهر العجز فى تلك الفترة:
- تحولت مصر إلى مستورد للغاز الطبيعي كنتيجة طبيعية لما حدث في الفترة ما بين ٢٠١١ و٢٠١٤، حيث وصل معدل العجز لحوالي 0,2 مليار متر مكعب، بعدما سجل حجم الإنتاج 46,8 مليار متر مكعب، ومعدل الاستهلاك حوالي ٤٧ مليار متر مكعب.
- بلغ العجز في عام ٢٠١٥ نحو 7,1 مليار متر مكعب، حيث سجل حجم الإنتاج نحو 41,6 مليار متر مكعب، ومعدل الاستهلاك نحو 48,8مليار متر مكعب، بينما بلغ العجز 8,9 مليار متر مكعب في عام ٢٠١٦، حيث سجل حجم الإنتاج حوالي 46,3 مليار متر مكعب، والاستهلاك نحو 55,2مليار متر مكعب.
- إن حجم إنتاج الغاز الطبيعي في مصر في عام ٢٠١٣سجل 52,2مليار متر مكعب، والاستهلاك نحو ٥٠ مليار متر مكعب، والفائض 2,2 مليار متر مكعب، في حين سجل الإنتاج نحو 58,8 مليار متر مكعب في عام ٢٠١٢، والاستهلاك نحو 52,1 مليار متر مكعب، والفائض 6,7 مليار متر مكعب، بينما سجل حجم الإنتاج 61,3 مليار متر مكعب في عام ٢٠١١، والاستهلاك 51,8 مليار متر مكعب، والفائض 9,5مليار متر مكعب.
الجهود المصرية وبداية سنوات الازدهار:
وضعت الدولة المصرية نصب أعينها خطة طموحة للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز الطبيعي، والمساهمة في تأمين احتياجات الأسواق العالمية من الطاقة، لاسيما مع تنامي الطلب في الأسواق الأوروبية على الغاز المسال، وذلك بعد نجاحها في تحقيق الاكتفاء الذاتي منه في سبتمبر من عام ٢٠١۸، بما تمتلكه من بنية تحتية قوية تتمثل في شبكات ومصانع إسالة وموانئ تؤهلها للقيام بهذا الدور الهام، فضلًا عن إطلاقها استراتيجية قومية تقوم على جذب الاستثمارات الأجنبية في مجال البحث والاستكشاف والتنقيب عن البترول والغاز، وتكثيف عمليات طرح المزايدات العالمية وتوقيع الاتفاقيات، بالإضافة إلى تأسيس منتدي شرق المتوسط والذي مثل نقطة محورية وفاصلة في جهود مصر لتعزيز قدراتها الإنتاجية والتصديرية، لتصبح بذلك لاعبًا أساسيًا في سوق الغاز الطبيعي، والعمل علي تخفيض مستحقات الشركات الأجنبية والتي هدد البعض منها بسحب الاستثمارات فى الفترة ما بين عامي ٢٠١١ و٢٠١٣.
تخفيض مستحقات الشركات الأجنبية:
أدى تخفيض مستحقات الشركاء الأجانب فى قطاع البترول لأرقام غير مسبوقة إلى استعادة ثقة الشركات الأجنبية وتشجيعهم على ضخ المزيد من الاستثمارات الجديدة، مما أسفر عن التوسع فى أنشطة البحث والاستكشاف البترولى بشكل كبير، مما فتح شهية الشركات العالمية للعمل فى مصر وسرعة إنجاز المشروعات وضخ استثمارات جديدة، وجاء نجاح وزارة البترول والثروة المعدنية ومن خلال برنامج سداد مستحقات الشركاء الأجانب المتراكمة عن فترات سابقة إلى تخفيض حجم المستحقات إلى رقم غير مسبوق ليصل إلى ٨٥٠ مليون دولار فى نهاية يونيو ٢٠٢٠ ومقارنة بما وصلت إليه عام ٢٠١٣ وبنسبة خفض نحو ٨٧٪حيث كان يبلغ حوالى أكثر من ٦٬٣ مليار دولار، والتى كانت أحد التحديات الرئيسية التى أثرت على استثمارات ومشروعات البحث عن البترول والغاز وزيادة الإنتاج حينها.
تعزيز المناخ الاستثماري:
أدى تعزيز المناخ الاستثماري في أنشطة البحث والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في الدولة المصرية إلى نجاحها في جذب كبرى الشركات العالمية العملاقة، ودخولها في العمل داخل مصر لأول مرة في مجالات البحث والاستكشاف والإنتاج، وتأكيدًا لثقة العالم في قطاع البترول، تم تنفيذ حوالي ٣٢ مشروعًا في تنمية حقول البترول والغاز الطبيعي، بإجمالي حجم استثمارات يقدر بنحو ٥٦١ مليار جنيه.
توقيع اتفاقيات بحث واستكشاف:
نجحت الدولة المصرية منذ عام ٢٠١٤ في إحراز تقدم هائل؛ بهدف دفع عجلة الاستثمار في مجالات البحث والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في مصر، من أجل تنمية الثروات البترولية، والعمل على تحقيق الاكتشافات الجديدة. مما انعكس على زيادة عدد شركات البترول العالمية العاملة في مصر إلى نحو ٥٠ شركة، وتم إبرام أكثر من ١٠۸ اتفاقيات بترولية جديدة مع كبرى الشركات العالمية والمحلية.
الحقول المصرية:
تمتلك مصر عددا كبيرًا من اكتشافات الغاز الطبيعي الهائلة فى مياه البحر المتوسط سواء فى المياه الضحلة أو العميقة، مثل حقول الإسكندرية وحقول آتول ويأتي اكتشاف حقل ظهر والذي يُشكل قصة نجاح متميزة فى تاريخ صناعة البترول والغاز المصرية ويحظى بفخر واهتمام المصريين جميعًا، وغيرها من الحقول والنجاحات الهائلة في ملف التنقيب والبحث عن الغاز الطبيعي، ومنها:
حقل ظهر؛ أعلنت شركة إينى الإيطالية في ٣٠ أغسطس من عام ٢٠١٥ عن توصلها لأهم كشف للغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، ويقع على مسافة حوالي ١۹٠ كيلو متر من سواحل مدينة بورسعيد وفى عمق مياه ٤١٠٠ متر فى منطقة امتياز شروق بالمياه العميقة بالبحر الأبيض المتوسط، وعلى مساحة تصل إلى حوالي ١٠٠ كيلو متر مربع، وقدرت احتياطات الحقل بنحو ٣٠ تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، جعلته الأكبر في منطقة البحر المتوسط، بما يعادل ١٣٥٪ من احتياطيات مصر من الزيت الخام.
حقل آتول؛ تم اكتشاف الحقل فى مارس من عام ٢٠١٥ ويعد واحدًا من أهم الاكتشافات الغازية التى حققتها الدولة المصرية، ويقع على بعد نحو ۹٠ كيلومتر شمال مدينة دمياط ونحو ٥٠ كيلومتر من تسهيلات الإنتاج الخاصة بحقل التمساح بمنطقة امتياز شمال دمياط البحرية فى شرق دلتا النيل بالبحر المتوسط، فى مياه عمقها نحو ۹٢٣ مترًا، ويضم حقل آتول ٣ آبار بحرية بالمياه العميقة لإنتاج ٣٥٠ قدم مكعب غاز ونحو ١٠ آلاف برميل مكثف يوميًا.
حقل شمال الإسكندرية؛ يعد من أهم الحقول المصرية فى البحر المتوسط، حيث يقع على بعد حوالي ٦٥ كيلو مترًا من ساحل مدينتي إدكو ورشيد، وعلى عمق يتراوح ما بين ٣٥٠ إلى ۸٥٠ مترًا من سطح البحر، وتقدر احتياطيات الحقل نحو ٥ تريليونات قدم مكعب من الغاز من المرحلة الأولى فى حقلي تورس وليبرا، وتولى تنفيذ المشروع تحالف مكون من شركة بي بي الإنجليزية وديا الألمانية.
حقل سلامات والقطامية الضحلة؛ يقع كشف القطامية على بعد نحو ٦٠ كيلومتر شمال مدينة دمياط فى منطقة امتياز شمال دمياط البحرية بمنطقة شرق الدلتا، وتم حفر البئر الاستكشافية القطامية الضحلة 1 حتى عمق ١۹٦١ مترًا فى مياه عمقها حوالي ١٠۸ مترًا، ليكشف عن وجود طبقة حاملة للغاز سمكها حوالي ٣٧ مترا فى صخور رملية عالية الجودة فى تكوين البليوسين، بالإضافة لاكتشاف بئر الغاز بالمياه العميقة سلامات، منطقة امتياز شمال دمياط، وهو الكشف الأول فى نطاق شمال دمياط البحرية.
حقل نورس؛ يقع بمنطقة الدلتا وتم الإعلان عن اكتشافه فى يوليو من عام ٢٠١٥، ويصل معدل إنتاجه حاليًا إلى ١٬٢ مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي، فيما يبلغ إجمالي احتياطي الحقل حوالي ٢ تريليون قدم مكعب من الغاز.
كماتم اكتشاف الغاز بمنطقة غرب الدلتا العميق بالبحر المتوسط؛ وبدأ الإنتاج من المرحلة الأولى بالمشروع فى أبريل من عام ٢٠١٥، بمعدلات إنتاج يومي ٤٠٠ مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و٢٥٠٠ برميل يوميًا من المتكثفات بحجم استثمارات حوالي ١٬٦ مليار دولار والتابع لشركة البرلس للغاز، فيما تسعي شركة شل على ربط المرحلة الثانية من المشروع قبل نهاية عام ٢٠٢٢ بطاقة إنتاجية حوالي ٣٥٠ مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز.
زيادة عدد الاكتشافات الضخمة من الغاز الطبيعي:
من العوامل التي ساعدت مصر في التحول من دولة مستوردة إلى مُصدرة للغاز المسال لمختلف الأسواق العالمية، تكثيف عمليات البحث والاستكشاف وتنمية حقول الغاز الطبيعي، حيث تم تنفيذ أكثر من ٣٠ مشروعًا لتنمية حقول الغاز الطبيعي وذلك منذ يوليو عام ٢٠١٤ حتى سبتمبر من عام ٢٠٢١، وذلك بإجمالي حجم استثمارات بلغ حوالي ٥١٤ مليار جنيه، وكان نتيجة لتلك الجهود وتكثيف مشروعات البحث والتنمية؛ وصول القدرة الإنتاجية الحالية للدولة المصرية من الغاز الطبيعي سنويًا إلى حوالي ٧٣٬٤ مليار متر مكعب.
ومن أهم وأبرز تلك المشروعات هي مشروع تنمية حقل ظهر في منطقة شروق بالبحر المتوسط والذي شكل يُمثل نحو ٤٠٪ من مستوي الإنتاج الكلي لمصر من الغاز الطبيعي وبقدرة إنتاجية سنوية تبلغ ٢۸ مليار متر مكعب، ومشروع تنمية حقل ريفين بسعة إنتاجية سنوية نحو 8,7 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى مشروع تنمية حقل نورس بسعة إنتاجية سنوية نحو 4,6 مليار متر مكعب.
تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط:
بينما كانت الأنظار كلها تتجه صوب منطقة شرق المتوسط وما تحمله من ثروات للغاز، جاءت مبادرة مصر بتأسيس منظمة غاز شرق لمتوسط، لتكون بمثابة سوق إقليمية تعمل على استغلال ثروات الغاز وتأمين احتياجات الدول الأعضاء، واعتبرت مصر هذه المنظمة، نقطة فاصلة في جهودها للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، بما لديها من بنية تحتية هائلة وقوية قادرة على استقبال الغاز المكتشف في البحر المتوسط، وإسالته وإعادة تصديره، حيث بادرت بفكرة إنشاءه خلال قمة جزيرة كريت بين زعماء مصر وقبرص واليونان في أكتوبر عام ٢٠١۸، كما تم توقيع ميثاق المنتدى في سبتمبر عام ٢٠٢٠، ودخل حيز النفاذ في مارس عام ٢٠٢١، والذي بمقتضاه أصبح منظمة دولية حكومية، وتعد المنظمة مظلة للتعاون والتكامل الإقليمي لاستغلال موارد الغاز التي تزخر بها منطقة شرق المتوسط لتحقيق أقصى فائدة للمنطقة.
زيادة احتياطيات مصر من الغاز الطبيعي:
يُشكل البحر المتوسط منبع زيادة احتياطي مصر من الغاز الطبيعي سواء في المياه العميقة أو الضحلة، خاصة بعد الاكتشافات العملاقة التي تم تحقيقها خلال الفترة الماضية، ويأتي علي رأسها حقل ظهر العملاق باحتياطات تقدر بحوالي ٣٠ تريليون قدم مكعب غاز جعلته الأكبر في منطقة البحر المتوسط، ومع استمرار زيادة الاستثمارات المكثقة في عمليات البحث والاستكشاف والتي ساعدت فى زيادة مستويات ومعدلات الإنتاج اليومي المصري والتي تراوحت بين مستويات ٦ و٧مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي ووضع الحقول علي الإنتاج يزداد حجم الاحتياطيات المصرية من الغاز الطبيعي، وعلي مدار السنوات الماضية حققت مصر أكثر من ٩۸ اكتشافًا للغاز الطبيعي حيث ساهمت تلك الاكتشافات في إضافة احتياطيات بلغت حوالي ٣۸ تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، مما انعكس علي ترتيب مصر عالميًا فى صناعة الغاز الطبيعي، ودخولها ضمن قائمة أكبر الدول التي تمتلك احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي، باحتياطيات تُقدر بحوالي 18,852 تريليون قدم مكعبة قابلة للاستخراج ومؤكدة.
تشغيل مصنع إسالة الغاز بدمياط:
مع إعادة تشغيل مصنع إسالة الغاز بدمياط بعد توقف دام لأكثر من ۸ سنوات، والذي يعد نجاحًا يضاف لجهود الدولة المصرية وقطاع البترول في نجاحه في تسوية قضية التحكيم الدولي الخاصة بهذا المشروع، حيث ستشهد صادرات الغاز المسال المصرية انتعاشًا كبير خلال الفترة القادمة وهو ما سيعمل علي فتح آفاق جديدة نحو تعظيم الدور المصري علي المستوى الإقليمي والدولي في التحول لمركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز والبترول، كما سيساهم فى تحقيق عائدات لمصلحة الاقتصاد المصري وتأمين إمدادات الطاقة للسوق المحلي ومشروعات التنمية والتصدير للخارج، وتلك الخطوة ساهمت بقوة في تحول مصر إلى دولة مصدرة للغاز المسال، مصنعي الإسالة والبنية التحتية القوية والتي تتمتع بها الدولة المصرية في صناعة الغاز الطبيعي، حيث بلغت إجمالي السعة والقدرة الإنتاجية لمصنعي الإسالة بإدكو ودمياط نحو ١٢ مليون طن سنويًا، بالإضافة إلي عودة مصنع دمياط للتصدير بعد توقف عن العمل دام لأكثر من ۸ سنوات، حيث قامت مصر بتصدير أول شحنة من الغاز المسال من المصنع في مارس من عام ٢٠٢١، مما انعكس علي زيادة حجم صادرات الغاز المسال بنسبة نحو 123,3٪، لتصل إلى نحو 6,7 مليون طن عام ٢٠٢١، مقارنة بنحو ٣ ملايين طن وذلك عام ٢٠١٣.
الاكتفاء الذاتي والتحول إلى تصدير الغاز الطبيعي:
نجحت الدولة المصرية في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي في سبتمبر من عام ٢٠١۸، ومن ثم عادت إلى الخريطة العالمية لتصدير الغاز الطبيعي والمسال، حيث سجلت عام ٢٠١۸/٢٠١۹ إنتاجًا بحجم 66,1 مليار متر مكعب، وحجم استهلاك 61,8مليار متر مكعب، وفائضًا نحو 4,3 مليار متر مكعب، وجدير بالذكر أن مصر قد تحولت إلى مستورد للغاز الطبيعي منذ عام ٢٠١٤، حيث وصل العجز 0,2 مليار متر مكعب، بعدما سجل حجم الإنتاج 46,8 مليار متر مكعب، والاستهلاك ٤٧ مليار متر مكعب.
تنويع وفتح أسواق جديدة للغاز المسال المصري:
ساعدت محاولات فتح وتنويع أسواق الغاز أمام الغاز المصري المسال الدولة المصرية على التحول السريع لدولة مصدرة، حيث أن هناك نحو ٢٠ دولة استوردت الغاز المصري المسال منذ بدء عودة عمليات التصدير، ومن ضمنها نحو ٤ أسواق جديدة تم افتتاحها أمامه في كل من كرواتيا وبنجلاديش وتركيا وباكستان، بالإضافة إلى أنه يتم تصدير الغاز الطبيعي للأردن، بينما يتم تصدير الغاز المسال لكل من فرنسا والهند وباكستان وسنغافورة والصين واليونان والمملكة المتحدة وتايوان وتايلاند وبلجيكا وكرواتيا وبنما والكويت وتركيا وإسبانيا اليابان وسنغافورة، وفرنسا، والهند، وباكستان، والصين، وتركيا، واليونان، وإيطاليا، والكويت، وبنجلاديش، والمملكة المتحدة، وإسبانيا، وتايوان، وكوريا الجنوبية، وبلجيكا، وبنما، والإمارات، وتايلاند، وكرواتيا، وجارٍ تنفيذ الآن مشروع مشترك (خط) بين قبرص ومصر لإعادة التصدير، حيث يبلغ طول الخط المزمع إنشاؤه من قبرص حتى مصنع الإسالة بإدكو حوالي ٣۸٠ كيلومتر، بالإضافة إلى إنه تجري حاليًا عمليات استئناف تصدير الغاز الطبيعي للبنان.
وحققت الدولة المصرية قفزة عالمية في حجم ومعدلات صادرات الغاز الطبيعي المسال خلال عام ٢٠٢١، وحسب تقرير منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أوابك فإن مصر احتلت المستويات المرتفعة من صادرات الغاز الطبيعي المسال العربية خلال الربع الرابع من عام ٢٠٢١، إلى جانب كل من الإمارات والجزائر وقطر، حيث بلغت صادرات الغاز المسال المصرية خلال عام ٢٠٢١ نحو 6,5 مليون طن مقابل 1,5 مليون طن عام ٢٠٢٠، بمعدل نمو سنوي ٣۸٥٪، وهي نسبة النمو الأعلى عالميًا مقارنة بباقي الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال خلال عام ٢٠٢١، وتفوق على اللاعبين الكبار عالميًا الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وقطر، ويعد هذا أعلى رقم للصادرات تحققه مصر منذ عام ٢٠١١، لتؤكد بذلك أهميتها ودورها الرئيس في الأسواق العالمية للغاز الطبيعي المسال.
تزايد أهمية مصر كنقطة عبور لتسييل وتصدير الغاز الطبيعي:
تأتي الدولة المصرية ضمن البدائل الأوروبية المناسبة لتنويع بدائل إمدادات الغاز الروسي وتعويضه فى حال نقص الإمدادات أو توقفها، وفي ظل الارتفاعات المستمرة فى أسواق الغاز الطبيعي عالميًا، ونظراً لأن مصر هي الدولة الوحيدة فى منطقة شرق المتوسط التي تمتلك محطات لتسييل الغاز في شرق المتوسط مع تمتعها بوجود بني تحتية قوية، بالإضافة إلي أنه يمكن زيادة قدرة استيعاب هاتين المحطتين، وأيضًا من الممكن تحويل غاز شرق المتوسط إلى مصر عبر أنابيب صغيرة نسبيًا ثم بيعه كغاز مُسال (LNG)إلى القارة الأوروبية بواسطة السفن، هذا كله، بالإضافة إلى أن أكبر الحقول المكتشفة في شرق المتوسط موجودة في المياه المصرية وهو حقل ظهر، بالإضافة إلي إمكانية زيادة حصيلة تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى القارة الأوروبية على المدى القريب، وذلك بسبب الدور الذي تلعبه القاهرة ضمن منتدى غاز شرق المتوسط، بالإضافة إلي الاستفادة من خطوط الأنابيب المزمع تدشينها لاحقاً بين مصر من جهة، واليونان وقبرص من جهة ثانية، لزيادة كميات الغاز المصدرة للقارة الأوروبية.
ختامًا، تمضي الدولة المصرية قدمًا نحو بناء جمهوريتها الجديدة، وتولي اهتمامًا بالغًا وكبيرًا بقطاع الطاقة؛ إيمانًا منها وإدراكًا بدوره الحيوي والفعال كمحرك أساسي ومؤشر للنمو الاقتصادي، واضعة أمامها أن تطبيق استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة هو أحد أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وبصفة عامة، فإن الدولة المصرية تسير بخطوات جادة وسريعة لأن تصبح لاعبًا اساسيًا في لعبة الطاقة العالمية وبالأخص بعدما قدمت نفسها كمحور استقرار في المنطقة في سوق الطاقة العالمية، وشريك يمكن التعويل عليه، فى المقال التالي نتناول الجهود المصرية على المستوي الخارجي والدولي فى صناعة الغاز الطبيعي وفتح أسواق وآفاق جديدة.