أصبح التغير المناخي ظاهرة يشهدها كوكب الأرض بمختلف أصقاعه نتيجة ارتباط المناخ ارتباطا وثيقا بالتغيرات العالمية المسجلة في درجة الحرارة من خلال الاحترار العالمي لكوكب الأرض تحت تأثير التلوث وزيادة النفايات والمخلفات الصناعية ومخاطر الكوارث الطبيعية من فيضانات وحرائق الغابات. وتتزامن هذه التغيرات المناخية المثيرة للقلق مع محاولات الدول والمنظمات الدولية لتحفيز وتوحيد الجهود المبذولة للحماية من تلك التغيرات. وقد اعتبرت تلك الأطراف العام الحالي 2022 عاما مصيريا بشأن المحادثات الجارية للتوافق حول قرارات السياسة العامة تجاه قضايا المناخ، حتى إن بعض الدوائر العلمية أطلقت عليه "عام المناخ" و"العام الأخضر". ومن أجل ذلك، يقام خلال العام الجاري العديد من الأحداث العالمية شديدة الأهمية، في مقدمتها الدورة الـ27 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، التي تستضيفها مصر نوفمبر المقبل في شرم الشيخ وتجمع نحو 30 ألف مشارك من 196 دولة حول العالم، وتعدُّ هذه القمة العالمية بمثابة الأمل الأخير لإنقاذ كوكب الأرض. فلماذا يكتسب هذا المؤتمر أهمية قصوى للعمل المناخي، وما مردوده المُتوقع على العالم والقارة الإفريقية بشكل خاص؟
تؤدي مصر دورا قياديا على المستويين الإقليمي والدولي ضمن الجهود المبذولة عالميا للتكيّف مع التغيّرات المناخية وتبني سياسات مشتركة لحماية البيئة. وتأتي استضافتها لمؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ نهاية العام الجاري تتويجا لتلك الجهود الحثيثة لتحقيق التنمية المستدامة بمفهومها المتكامل الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وقد خطت مصر من أجل ذلك خطوات متسارعة لتعزيز هذا التوجه، حيث أطلقت الاستراتيجية الوطنيّة لتغيُّر المناخ 2050 على هامش مشاركتها في فعاليات مؤتمر المناخ بجلاسكو "كوب 26" التي تُرسي تمشيا رئيسيا لقطاعات الدولة يعتمد على دمج أبعاد تغيرات المناخ في صلب عملها ويمكّنها من تخطيط وإدارة تلك التغيّرات على مستويات مختلفة ودعم أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030 بإتباع نهج مرن ومنخفض الانبعاثات. كما تسعى مصر لإقناع جميع الدول الشريكة بالفوائد التي سوف تعود على العالم من تطبيق استراتيجية جديدة لمواجهة التغيّر المناخي حتى عام 2050.
الاستراتيجية الوطنية لتغيّر المناخ:
حددت الاستراتيجية الوطنية لتغيُّر المناخ خمسة أهداف، تتمثل بالخصوص في تحقيق نمو اقتصادي مستدام يُراعى فيه خفض الانبعاثات في مختلف قطاعاته بزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة واستخدام الموارد الثرية التي تتمتع بها مصر لإنتاج الطاقة النظيفة خاصة طاقة الرياح والشمس والمياه، التي تؤهلها لتكون واحدة من أكبر منتجي الطاقة المتجددة. الهدف الثاني يتمثل في بناء المرونة والقدرة على التكيّف مع تغيّر المناخ، بالتخفيف من الآثار السلبية لتلك التغيّرات، والحد من مخاطر الكوارث عن طريق إنشاء أنظمة إنذار مبكر. الهدف الثالث هو تحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغيّر المناخ بمشاركة جميع الأطراف ذات الصلة من حكومة وقطاع خاص وأهلي بما يصب في أهداف التنمية المستدامة وتحسين مكانة مصر في الترتيب الدولي الخاص بإجراءات تغيّر المناخ. الهدف الرابع يرتكز على تحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية. أما الهدف الخامس والأخير، فيتمثل في تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعي لمواجهة التغيرات المناخية. وتكثف الحكومة حاليا جهودها أيضا للتفاعل مع مختلف الأطراف الشريكة من قطاع خاص وقوى مدنية ووسائل إعلام للتفاعل مع قضايا التغيّر المناخي، حيث أصبح ضروريا ومهما لكل أطراف المجتمع، في ضوء المخاطر المتزايدة على أمن المجتمع واستقراره وتنميته وصحة أفراده وغذائهم.
بالتوازي مع هذه الجهود الداخلية، تكثف اللجنة العليا المعنية بالتحضير لاستضافة مصر مؤتمر "كوب 27" استعداداتها محليا ودوليا بهدف خروج المؤتمر في أفضل صورة ممكنة، وبالصورة المشرفة التي تعكس مكانة وقيمة مصر، وتظهر للعالم جهودها الجادة في الوفاء بالتزاماتها تجاه الإنسانية نحو حماية البيئة وتحقيق تنمية مستدامة للأجيال القادمة.
مشروعات الطاقة المتجددة:
اعتمدت مصر في بناء جمهوريتها الجديدة على الطاقة المتجددة تماشيا مع أول خطاب للرئيس عبدالفتاح السيسي، عند توليه السلطة في يونيو 2014، والذي أكد فيه على أن توفير الكهرباء مسألة أمن قومي، وتشديده على أن مصر غنية بطاقة الرياح والطاقة الشمسية التي تؤهلها لتكون واحدة من أكبر منتجي الطاقة المتجددة في العالم. ولن يكون ذلك فقط لتنويع مصادر الطاقة وتحسين كيفية استخدام موارد مصر لتحقيق النهضة الحديثة، وإنما لأنها جزء رئيسي ضمن حزمة الحلول للمشكلات التى تواجه الدولة، كما أنها عنصر أساسي فى مشروعات تحلية المياه وإنتاج الهيدروجين الأخضر والتخلص الآمن من النفايات المشعة. وقد أطلقت مصر من أجل ذلك 17 مشروعا عملاقا للطاقة المتجددة، تم الانتهاء من تنفيذ عدد منها يوفر قدرات إضافية بنحو 5303 ميجاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية وبتكلفة 51. 8 مليار جنيه، بينما يبلغ إجمالي تكلفة مشروعات الطاقة المتجددة 92.3 مليار جنيه، وذلك وفقا لتقرير هيئة الطاقة المتجددة. وقد ارتفع إنتاج مصر من الطاقة المتجددة المنتجة من مشروعات هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة بأكثر من 22% على أساس سنوي خلال العام المالي الماضي 2020/2021، ليصل إلى 4.5 ألف ميجاوات ساعة، وفق ما أعلنته الهيئة التي عزت الزيادة إلى تحسن كفاءة أعمال التشغيل والصيانة للمشروعات.
كما نفذت الحكومة مبادرة للتحول نحو الغاز الطبيعي، من خلال تسليم 300 ميكروباص يعمل بالغاز الطبيعي شهريا اعتبارا من أغسطس العام الماضي.
وتعطي مصر الأولوية حاليا لتعظيم الاستفادة من الثروة الغازية التي اكتشفتها في السنوات الأخيرة، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في مشروعات توليد الكهرباء في المرحلة المقبلة، وتشجيع البحوث المرتبطة بتحول الطاقة، مع المضي قدما في وضع التعديلات القانونية الضرورية من أجل إرساء أرضية جديدة لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وتسريع التحول إلى المركبات الكهربائية، وحشد التمويل اللازم لذلك.
الهيدروجين الأخضر:
الهيدروجين الأخضر هو الموضوع الأبرز الآن على ساحة الاقتصاد الأخضر العالمي وتكمن أهميته في أنه عند احتراق الهيدروجين بالأكسجين داخل خلية وقود ينتج طاقة صفرية الكربون، مما ينتج عنه حرق صديق للبيئة. وقد وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي في يوليو الماضي بإعداد استراتيجية وطنية متكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر. وأطلقت الحكومة مرحلة أولية من المشروعات تستهدف ما قيمته 4 مليارات دولار، وتنكب حاليا المصرية حاليا على تحديث استراتيجية الطاقة 2035 لتشمل في مرحلة أولى إنتاج الهيدروجين الأخضر كمصدر للطاقة بالتعاون مع شركات عالمية، وصولا إلى التوسع في الإنتاج وإمكانية التصدير في مرحلة تالية. وتم في هذا الإطار توقيع العديد من الاتفاقيات مع شركات عالمية لإقامة مشروعات إنتاج الهيدروجين. ويتولى صندوق مصر السيادي حاليا دورا مهما في تعزيز الاستثمار في مشروعات الهيدروجين الأخضر بالشراكة مع القطاع الخاص. وتتعاون مصر مع شركاء التنمية الدوليين لدعم هذا المسعى، من ذلك فرنسا، التي أعلن سفيرها لدى القاهرة "أن مصر هي الدولة الوحيدة التي تتطلع فرنسا حاليا للتعاون الدولي معها في مجال الهيدروجين بهدف مساعدة لجنة الهيدروجين المصرية في تحديد المشاريع التجريبية، وكذلك تحديد مساهمة تكنولوجيا الهيدروجين الأخضر في استراتيجية الهيدروجين الشاملة للبلاد وتدريب الخبراء".
نظرة على العالم:
بدا خلال السنوات الأخيرة وكأنّ العالم يستيقظ عاقدا العزم هذه المرة ومسارعا الخطى لإصلاح ما أفسدته الدول الصناعية الكبرى بعد أكثر من قرن ونصف القرن من الصناعات المدمرة للبيئة، مع زيادة الانبعاثات الملوثة والنفايات الخطيرة، إضافة إلى إزالة الغابات التي كانت تمثل رئة الأرض، والتوسع في الزراعة باستخدام مفرط للأسمدة والمبيدات، إلى جانب الصيد الجائر دون مراعاة للتنوع البيئي. وقد أدت تلك السياسات السابقة لمعظم الدول المتقدمة إلى ارتفاع كميات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية لم تشهدها منذ ثلاثة ملايين عام، وفقا لتقرير حديث صادر عن منظمة الأمم المتحدة.
وتهدد هذه التأثيرات السلبية البيئة والمناخ على نطاق واسع وتؤدي إلى تراجع الإنتاج الغذائي وتنذر بالمجاعات وتداعيات الفيضانات الكارثية نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحار. وسيكون التكيّف مع هذه التأثيرات السلبية مُحمّلا بتكلفة إضافية على منوال التنمية في المستقبل، خاصة للدول النامية، إذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة ودون تأخر. وقد حذر تقرير صدر حديثًا عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وشركائها عن حالة المناخ في إفريقيا 2020، من أنه بحلول عام 2030، سيتعرض ما يصل إلى 118 مليون مواطن إفريقي إلى مخاطر الفقر جراء الجفاف والفيضانات وارتفاع درجة الحرارة، وهذا بدوره سيؤثر سلبياً فى الجهود المبذولة للتخفيف من حدة الفقر ودفع النمو الاقتصادي، مما يوسع رقعة الفقر. وتشير التقديرات إلى أن الاستثمار الذي سيضخ من أجل التكيّف مع ظروف المناخ في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى سيتراوح بين 30 إلى 50 مليار دولار كل عام على مدى العقد المقبل، أو ما يقرب من 2 إلى 3 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي. ويعول متخذو القرار في الدول النامية والفقيرة، ومنها الدول الإفريقية، على الوعود المقدمة من الدول الغنية والمؤسسات الدولية بتوفير تمويلات بنحو 100 مليار دولار سنويا من أجل المساهمة في جهود التكيّف والحلول البديلة لتحقيق التنمية المستدامة، ومنها التنمية البيئية ومكافحة التغيرات المناخية.
وفي ضوء تلك الصورة القاتمة لتداعيات تغيّر المناخ، خاصة على الدول النامية والفقيرة، من المتوقع أن يكون مؤتمر الأمم المتحدة في شرم الشيخ نوفمبر المقبل بمنزلة الوقفة الحاسمة لدفع محادثات المناخ العالمية، وتعبئة الجهود للمزيد من العمل الجاد، وتوفير فرص حقيقية للنظر في آثار تغيّر المناخ، وكذلك تبني الحلول الناجعة لإنقاذ الأجيال المقبلة من تلك التداعيات الخطيرة التي تهدد صحتهم وحياتهم وفرصهم في التنمية المستدامة.