النفط الخام هو نوع من الوقود التقليدي أو ما يطلق عليه الأحفوري، وهو عبارة عن منتج بترولي طبيعي يتكون من سلاسل الهيدروكربون والمواد العضوية، والتي يمكن عن طريقة مجموعة من العمليات تكريرها لإنتاج مجموعة مختلفة ومتعددة من المنتجات البترولية بما في ذلك الديزل والبنزين ووقود الطائرات. وبدأت عمليات تداول واستهلاك المنتجات البترولية منذ ما قبل عام ١٩٠٠، ولا يزال يلعب الوقود الأحفوري دوراً حيوياً في الاقتصاد العالمي ومتدفقاً في شرايين دول العالم واقتصادها، وتأتي هذه الأهمية الاستراتيجية بمسئولية كبيرة متمثلة في أن سعر النفط يمكن أن يؤثر إلى حد هائل فى اقتصادات الدول بصفة خاصة وعلي الاقتصاد العالمي بصفة عامة.
تاريخ صناعة النفط:
يعود تاريخ صناعة النفط إلى سنوات عديدة مضت، ففي عام ١٨٤٧تم حفر أول بئر نفط تجارية في أذربيجان، وتم استخراج النفط في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعتبر أكبر منتج للنفط في العالم بعد نحو ١٢ عامًا من أول اكتشاف للنفط في ولاية بنسلفانيا، وفى بداية الأمر كان الطلب على النفط منخفضًا جدًا، ولكن بعد فترة قصيرة تم البدء في حفر أول بئر تجارية قادرة على الإنتاج بمعدلات كبيرة في ولاية تكساس، حيث أنتج لأول مرة في تاريخ صناعة النفط أكثر من ١٠٠ ألف برميل من النفط في اليوم، أما في منطقة الشرق الأوسط، فقد تم اكتشاف النفط لأول مرة في أوائل القرن العشرين وبالتحديد في إيران، وبعد عام ١٩٠٨توسعت مشاريع وعمليات الحفر على نطاق واسع.
كان النفط ولا يزال سلعة استراتيجية، نظرًا لاعتماد اقتصادات جميع دول العالم على قطاعات الطاقة فيها.
أصدرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تقديرات تعكس الاستهلاك العالمي من البترول والوقود السائل، فقد بلغ متوسط الاستهلاك اليومي نحو٩٦,٦ مليون برميل في ٢٠٢١، بزيادة قدرها ٥ مليون برميل في اليوم عن عام ٢٠٢٠ متأثراً بشكل كبير بوباء الكورونا، ومن المتوقع أن ينمو الاستهلاك العالمي للوقود السائل بمقدار ٣,٦ ملايين برميل في اليوم بنهاية عام ٢٠٢٢ و ١,٨مليون برميل في اليوم بحلول عام٢٠٢٣. وبلغ متوسط معدل إنتاج النفط الخام من الدول الأعضاء في منظمة الأوبك نحو ٢٦,٣ مليون برميل في اليوم في عام ٢٠٢١، ارتفاعًا من ٢٥,٦مليون برميل في اليوم في عام ٢٠٢٠، ويتوقع أن يرتفع متوسط إنتاج أوبك من النفط الخام بمقدار ٢,٥ مليون برميل في اليوم إلى ٢٨٬٨ مليون برميل في اليوم في المتوسط في العام الحالي٢٠٢٢، ومتوسط ٢٨,٩بحلول عام٢٠٢٣.
ما هي عوامل العرض لسعر النفط؟
هناك العديد من عوامل العرض المختلفة التي يمكن أن تؤثر فى السعر بما في ذلك سعر النفط. بعض عوامل العرض هي منظمة النفط (أوبك)، وعوامل أخرى غير أوبك وصدمات العرض الخارجية.
تأسست منظمة الدول المصدرة للنفط الأوبك (OPEC) في عام ١۹٦٠ في مؤتمر بغداد بدولة العراق، وهي عبارة عن منظمة حكومية دولية دائمة تضم ١٣دولة مصدِّرة للنفط بهدف تنسيق وتوحيد السياسات البترولية لدولها الأعضاء. تسيطر منظمة أوبك على ما يقرب من ٤٠٪ من إمدادات النفط العالمية، وتهدف إلى توحيد وجهات النظر عالمياً فيما يتعلق بحصص إنتاج النفط لمنع فائض الإنتاج والهبوط السريع في أسعار النفط العالمية، مما يعمل على ضمان استقرار الأسعار، ولكن لا تزال أوجه القصور في سياسة أوبك قائمة، بما يتعلق بمسألة الانقطاعات غير المتوقعة، أو السياسات الإقليمية التي تدفع للحصول على حصة في السوق العالمية، أو عدم التزام الدول الأعضاء بالحصص المتفق عليها. ويمكن للدول التي ليست أعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط مثل الولايات المتحدة الأمريكية أن يكون لها تأثير واضح فى أسعار النفط العالمية، فعلى سبيل المثال، انتقلت الولايات المتحدة الأمريكية من دولة من أكبر مستهلكي الطاقة في العالم إلى واحد من أكبر منتجي الطاقة في العالم، ولم تتوقف عند هذا الحد، بل هي الآن من أكبر دول العالم إنتاجاً للنفط والسبب في هذا إلى حد كبير هو إنتاجها للنفط الصخري في العقد الماضي وتطورها واحتكارها لتلك الصناعة، مما منحها الكثير من القوة والهيمنة على أسعار النفط.
ومن الممكن أن تتأثر أسعار النفط بالأحداث التي لا تتعلق بصورة مباشرة بعمليات العرض، بدءًا من الأحداث الجيوسياسية، مثل الأحداث المناخية الكبرى إلى حالات عدم الاستقرار الإقليمي أو الجيوسياسي، قياساً على ذلك بما حدث في الصدمة النفطية الأولي، التي أطلقت على الحظر النفطي العربي عام ١۹٧٣، والتي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل مبالغ بنحو٢٣٠٪وأيضاً عندماقررت منظمة الأوبك عام ٢٠١٧ تقليص إنتاجها من أجل الحفاظ على أسعار النفط عالمياً، مما أدى أيضًا إلى ارتفاع أسعار النفط بنسبة بلغت٧٪ تقريبًا.
لا تقتصر الآثار المترتبة على أحداث الطقس القوية على تدمير البنية التحتية والأسواق فحسب، بل من الممكن يمكن أن تؤثر أيضًا فى أسعار النفط بصورة مباشرة. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك عندما ضرب إعصار كاترينا سواحل الولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠٠٥، مما ألحق أضرارًا جسيمة في البنية التحتية لإمدادات النفط في المنطقة، وانعكس على عمليات العرض التى أدت إلى حدوث صدمة عرض في الأسواق العالمية.
ما عوامل الطلب لسعر النفط؟
هناك العديد من عوامل الطلب المختلفة التي من الممكن أن تؤثر فى أسعار النفط، منها مؤشرات أداء أكبر الاقتصادات في العالم، ومعنويات السوق، أيضاً الطاقة غير التقليدية أو الطاقة المتجددة، الاقتصادات التي توفر سوقاً وطلبًا كبيرًا على النفط في العالم هي الصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وبصفة عامة فإن الاقتصادات السليمة تؤدي عادة إلى زيادة فرص الطلب على النفط، في حين أن عمليات الطلب الاقتصادات الضعيفة والراكدة على النفط عادة ما تكون محدودة، فالعلاقة طردية فإذا كانت هناك أية عوامل تؤثر فى الاقتصادات السليمة، فمن المؤكد أن سوق النفط سيتأثر بها على شكل صدمة طلب، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك ما حدث من تداعيات لجائحة الكورونا، حيث شهدت دخول جميع دول العالمفي فترات اغلاق وعزلة اقتصادية في بداية عام ٢٠٢٠ وأيضاً نتيجة لتقييد السفر المحلي والدولي، فقد حدَّت الشركات والصناعات من عملياتها، مما كان له تأثير مباشر وواضح فى معدلات الطلب العالمي على النفط.
ومن العوامل المهمة في عمليات الطلب النفطي العالمي، ما يسمى بمعنويات السوق والمضاربة فيها، من المتعارف عليه أن سوق النفط شديد الحساسية لعمليات المضاربة والتي تحركها عوامل مثل المؤشرات الاقتصادية أو الإشاعات بصفة عامة، وهذا يشمل أي مضاربات تتم تحت مسمي الأحداث المستقبلية، مثل قرارات فرض عقوبات وشيكة على دولة منتجة للنفط بمعدلات كبيرة، مما يعادل نظريًا قطع إمداد النفط وبالتالي فرص ارتفاع سعره،كمثال، فإن أي أنباء عن إعلان منظمة الأوبك عن زيادة الإنتاج من شأنه أيضاً أن يؤدي إلى زيادة العرض في السوق وبالتالي انخفاض سعر النفط.
وأيضا مع بداية عصر الدعوة إلى الانتقال إلى الطاقة الخضراء أو المتجددة أو الطاقة النظيفة، بدأت الطاقة المتجددة في تقديم نفسها كعامل رئيسي ومنقذ للبشرية، فأدى إلي تأثر عمليات الطلب على النفط. فخلال السنوات القليلة الماضية، شقت الطاقة النظيفة طريقها إلى مركز الصدارة، حيث تتطلع جميع حكومات دول العالم بشكل متزايد وسريع إلى الانتقال إلى الطاقة المستدامة، وذلك نظرًا لأثرها الإيجابي على البيئة، وأيضاً فإن التطورات الهائلةفي تكنولوجيا الطاقة المتجددة تجعلها خيارًا قابلاً للتطبيق بشكل متزايد وقوي مستقبلاً.
ما خام برنت؟
خام برنت Brent Crudeهو التصنيف التجاري الرئيسي للنفط الخام الخفيف الحلو الذي يستخدم كمعيار رئيسي لأسعار شراء النفط عالمياً، يوصف هذا التدريج كخفيف بسبب كثافته المنخفضة نسبياً، والحلو بسبب محتواه المنخفض من الكبريت، ونفط برنت يستخرج من بحر الشمال ويتكون مزيج برنت الخام المستخرج من حقول فورتيس، أوسبرج وإكوفسك التي تعرف أيضاًBFOE Quotation صانع نفط برنت يعرف أيضاً بمزيج برنت، مزيج لندن.
ماذا يعني ارتفاع أسعار خام برنت؟
إن ارتفاع أسعار النفط يؤثر بالضرورة فى موازنات جميع دول العالم، التي تم إقرارها عند مستوى ٧٠ دولارا للبرميل منتصف العام الماضي، وبالتبعية ستعيد بعض الدول، خاصة التي تعتمد بشكل كلي على استيراد النفط النظر في معادلات التسعير الخاصة بالمشتقات والمنتجات البترولية، مثل البنزين والسولار وخلافه، ما سينعكس سلبياً على أسعارها الفترة المقبلة، كما تكمن أوجه الخطرفي احتمال استمرار ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، خصوصا إذا قررت روسيا الحد من صادرات النفط والغاز، ردًا على العقوبات.
زيادة المفهوم الخاص بالعرض والطلب:
سيطرت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي على أسواق النفط العالمية لفترة طويلة، ولكن انتقل النفوذ إلى منظمة أوبك، كما ساعدت الظروف المحيطة بحرب أكتوبر عام ١۹٧٣، والأحداث المرتبطة بها، وظهور ميزة للنفط كسلاح استراتيجي قوى، عندما قرر أعضاؤها فرض حظر النفط على الدول الداعمة لإسرائيل في الحرب (خاصة الولايات المتحدة الأمريكية)، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار من معدل ٢,٤۸ دولار للبرميل عام١۹٧٢ إلى ١١,٥۸ بحلول ١۹٧٤ (وبلغت الأسعار أكثر من ذلك في بعض المناطق في الولايات المتحدة الأمريكية)، ولتلك الفترة مميزات أخري، أهمها اكتشاف حقول النفط في بحر الشمال، وهي المناطق التي تسيطر عليها النرويج والمملكة المتحدة.
مع قرار إيران بالبدء في خفض الإنتاج والتصدير، خلال ثورتها، وبداية الحرب الإيرانية العراقية، ارتفعت الأسعار بصورة سريعة وبالتحديد بين عامي ١۹٧۹ و١۹۸٠ ولكنها لم تستمر طويلاً فعادت إلى الانخفاض نظراً للصدمات المتتالية بخصوص الطلب مع زيادة الإنتاج لاسيما الاتحاد السوفيتي والذي أصبح في ذلك الوقت أكبر من منتج للنفط في العالم عام ١۹۸۸، وبحلول عام ١۹۹٠ واشتعال حرب الخليج بين العراق والكويت مما تسبب في صدمة العرض التي تسببت في زيادة سعر البرميل من ١٤ دولار إلى ٤١ دولار للبرميل.
ظلت أسعار النفط في الأسواق العالمية في التقلب بين الصعود والهبوط ومع سقوط الاتحاد السوفيتي عام ١۹۹١ سقطت صناعة النفط الروسية، وصاحب ذلك انخفاض الإنتاج إلى النصف على مدى العقد التالي وذلك لانخفاض حجم الاستثمارات وتوابع سقوط إمبراطورية النفط الروسية، وأيضاً نتيجة طبيعية للازمة المالية الآسيوية والتي أدت إلى انخفاض الطلب على النفط حتى عام ١۹۹٧، لكنه عاد للتعافي عام ١۹۹۹.
تاريخ سعر برميل النفط من الهبوط إلى الصعود:
يقترب سعر برميل النفط الذي كان يساوي أقل من دولارين عام ١۹٧٠، اليوم من سعر ١٣٠دولار، بعد ٥٣ عاماً من الصعود رغم تقلبات سعر الدولار، وبالرجوع إلى تاريخ أسعار النفط عالمياً على مر السنوات الطويلة الماضية، نجد أن أسعار النفط شهدت استقرارًا ملحوظاً حتى سبعينيات القرن الماضي، بمعدل ٢٠ دولاراً للبرميل، ومنذ ذلك الوقت أدى مزيج من السياسات الحكومية والصراعات وعمليات التحكم بالعرض إلى تقلب الأسعار.
الحظر النفطي العربي عام 1973:
كانت أسعار ما قبل عام١۹٧٣نحو ٣,٦ دولار للبرميل الواحد، وهي الحقبة التي ظهرت بها محاولات تحالف الأخوات السبع (اكسون وموبيل وشيفرون والخليج وتكساكو وشركتا شل وبي بي) في تحديد سعر الوقود الأحفوري من خلال تنسيق جماعي بينهم لكمية العرض وبالتالي ينعكسعلى استقرار الأسواق معظم الوقت، ولكنها لم تبق طويلاً وتحطمت تلك المحاولات في عام ١۹٧٣وما عرف بعام الصدمة النفطية الأولي وتغيرت الأسعار رأسًا على عقب مع الحظر النفطي العربي في ذلك التوقيت، عند استخدم العرب في سابقة تاريخية بنجاح سلاح النفط في حربها ضد إسرائيل، ومتضمنا في ذلك التوقيت الإجراءات الجزائية أيضًا مقاطعة الصادرات إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا، احتجاجاً على الدعم غير المشروط لإسرائيل، وشهدت أسعار النفط زيادة بأكثر من ٣ أضعاف انتهت عند ١٢ دولاراً للبرميل في عام١٩٧٤. وما بين عامي ١٩٧٤ و١٩٧٨ ظلت الأسعار تعيش حالة من التقلب بين ١٢,٥ و١٤ دولارا للبرميل مدعومة بوصول إنتاج دول منظمة الأوبك لنحو٣٠ مليون برميل يومياً، أدى ارتفاع الأسعار من ناحية أخرى إلى زيادة تدريجية في الدول خارج أوبك المنتجة من ٢٥ مليون برميل يوميا إلى ٣١ مليون برميل يوميا خلال نفس الفترة، مما أدي إلي إن الحقول الهامشية أصبحت ذات جدوى مع ارتفاع الأسعار السائدة في تلك الفترة.
حرب الخليج الأولى:
وفي عام ١٩٧٩ كافحت إيران للمحافظة على مستوى إنتاج ما قبل الشاه عند مستوى ٦ ملايين برميل يوميًا، عندما انهار القانون والنظام، مما أدى إلى محو مليوني برميل من النفط يومياً، مع استمرار الاتجاه التصاعدي للأسعار في ذلك التوقيت عند ٢٥ دولاراً للبرميل، وكانت أعلى قيمة اسمية للبرميل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفى عام١٩٨٠ وبداية اندلاع القتال بينها والعراق وبداية حرب طويلة استمرت ٨ سنوات، مما تسببت في العديد من الأضرار المادية لمنشآت النفط والبنية التحتية النفطية في البلدين، نتيجة لذلك تم حرمان السوق مما يقرب من مليون برميل يوميًا، وهو ما سمى حرب الخليج الأولى، التي أدت إلى زيادات مجدداً في الأسعار إلى أن بلغت ذروتها عند ٣٧ دولاراً للبرميل نهاية عام ١۹٨١.
سوء إدارة أوبك وسنوات من الانهيار:
شهدت الفترة بين ١۹٨٢ و١۹٨٥انخفاضا ملحوظا في أسعار النفط، كانعكاس لسوء إدارة العرض من منظمة الأوبك وجشع أعضائها في محاولات منهم لتعظيم انتفاعهم من سوق النفط، مما أدىارتفاع أسعار النفط إلى تدمير الطلب والتحول نحو الحفاظ على الطاقة وتعزيز وسائل الطاقة البديلة، شهدت تلك الفترة أيضاً قمة في إنتاج نفط بحر الشمال مدعومة بارتفاع الأسعار التي كانت حتى ذلك الحين تعتبر مكلفة للإنتاج، وهبطت الأسعار من مستوى ٣٥ دولاراً للبرميل عام١۹٨١ إلى ٣١ دولارًا للبرميل عام١٩٨٢، واستمرت في مسلسل الهبوط إلى ٢۹ دولاراً عام١۹٨٣، و28 دولاراً عام١۹٨٤، و26 دولاراً عام١۹٨٥، ووصلت الأسعار إلى أدنى مستوى لها في عام١۹٨٦ عند ١٤ دولاراً للبرميل.
نتيجة سوء إدارة المنظمة والتباطؤ في الطلب والزيادات الإضافية للمنتجين من خارج الأوبك، خفضت حصتها في سوق النفط إلى نصف مستوى إنتاجها من ٣٠ مليون برميل يوميًا، لوضع حد لانخفاض الأسعار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحاولت الأوبك فرض نظام الحصص دون جدوى للدفاع عن سعر ١٨ دولاراً، وكان الدور الجديد الذي لعبته المملكة العربية السعودية كمنتج متحرك أدى إلى انخفاض إنتاجها إلى ٢ مليون برميل يوميًا انتهى في منتصف عام ١٩۸٦، وإقالة مفاجئة لوزير البترول السعودي الشيخ أحمد زكي يماني.
عام السقوط الكبير:
بعد أن أوقفت المملكة العربية السعودية دورها كمنتج متحرك، بدأت بالدفاع عن حصتها في سوق النفط العالمية، وحذت العديد من البلدان الأعضاء حذوها، وقامت المملكة كصانع ملك، بعرض خصومات هائلة لعملائها، إضافة إلى زيادة كبيرة في سقف الإنتاج الكلي لإغراق السوق بإمدادات ضخمة في الوقت الذي كانت فيها الدول الصناعية أعضاء منظمة التعاون والتنمية، تترنح تحت نتيجة للركود الكبير، وانعكس ذلك على الأسعار فانخفضت بحدة إلى مستوى أقل من ١٠ دولار للبرميل، ومع أواخر عام ١٩٨٦، قررت منظمة الأوبك الدفاع عن عتبة سعر ١٨ دولار للبرميل، ووافقت على عمليات خفض الإنتاج اليومي من ١٧ مليون برميل إلى ١٥,۸ مليون برميل، مما أدي إلي تذبذب الأسعار حول مستوى ١۸ دولارًا للبرميل في الفترة بين ١٩٨٧ و١٩٨٩، وأدى العدوان العراقي على الكويت في أغسطس ١٩٩٠، إلى ارتفاع سعر برميل النفط الذى وصل إلى ٢٣ دولاراً للبرميل، ومن ثم أدى إلى التوقف الكامل لإنتاج النفط في البلدين، والذي قدر في ذلك الوقت بمعدل ٥ ملايين برميل يوميًا.
الأزمة المالية الآسيوية:
خلال النصف الأول من التسعينيات تأرجحت أسعار النفط حول معدل٢٠دولاراً للبرميل،ومع ذلك، فإن الأزمة المالية الآسيوية في عام ١٩٩٧ قادت أسواق النفط إلى السقوط، وتزامن ذلك مع قرار سيئ من منظمة الدولة المصدرة للنفط الأوبك التي اجتمعت في العاصمة الإندونيسية، جاكرتا، متخذين قراراً بزيادة سقف إنتاج المنظمة غافلة في ذلك حالة الركود الاقتصادي الذي يجتاح ما يسمى النمور الآسيوية، مما أدى إلى زيادة انهيار عمليات الطلب النفطي الذي تزامن مع عودة صادرات النفط العراقي إلى السوق تحت رعاية الأمم المتحدة، فيما يسمى برنامج النفط مقابل الغذاء، وهو قرار تندم عليه الدول الأعضاء إلى اليوم.
أدت تلك العوامل والقرارات غير المدروسة إلى هاوية غير مسبوقة في تاريخ صناعة النفط العالمية، مع هبوط سعر برنت ليصل إلى الهاوية عند أقل من ١٠ دولارات، وتعلمت المنظمة بالأسلوب الصعب عندما أدى الانخفاض في أسعار النفط إلى إقرار تعهد بين الأعضاء للالتزام بحصص الإنتاج المخصصة لكل منها، وأدى إلى تفاهم بين منتجي النفط خارج الأوبك، خاصة النرويج والمكسيك لتنسيق سياساتها، من ناحية أخرى، ذلك وغيره أدى إلى زيادة طفيفة في الأسعار ووصلت إلي١٦ دولاراً للبرميل في عام ١٩٩٩، واستقرت أسعار النفط مطلع القرن الواحد والعشرين عند سقف٢٧ دولاراً للبرميل.
الأزمة الاقتصادية العالمية:
شهدت الفترة بين عامي ٢٠٠٠ و ٢٠٠٨ زيادة غير مسبوقة في الطلب، تقودها شهية مفتوحة تجاه المنتجات النفطية في الاقتصادات الناشئة، وعلى رأسها الهند والصين، وهو الأمر الذي فاجأ الأوبك، مع عدم وجود إمدادات كافية من النفط، مما أدى زيادة غير مسبوقة في الأسعار التي وصلت إلى مستوى ١٤٧ دولاراً في صيف عام٢٠٠٨، ولكن لم يستمر الحال طويلاً وشهد نهاية عام ٢٠٠٨بداية الأزمة المالية في الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة اليورو، وهبطت الأسعار إلى أقل من ٤٠ دولاراً. وبدلًا من الجلوس والتفاوض، التقت الدول الأعضاء في منظمة الأوبك في مدينة وهران الجزائرية واتخذت قرارًا تاريخيًا بخفض معدلات الإنتاج بمقدار ٤٬٢مليون برميل يوميًا، وكان لتلك الخطوة تأثير فوري وقوي فى أسواق النفط العالمية وعودة أسعار النفط الخام إلى العتبة السابقة عند ١٠٠ دولار للبرميل.
أحداث ما سمى "الربيع العربى":
مع نهاية عام ٢٠١٠، وبداية الاضطرابات السياسية التي اجتاحت عددًا من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمعروفة باسم ثورات الربيع العربي تسببت فى عدة اضطرابات في أسواق النفط العالمية مع الاعتقاد السائد بعدم إمكانية ضمان أمن الإمدادات وحرية الحركة النفط الخام، ولاسيما بعد إغلاق حقول النفط الليبية وحرمان الأسواق من ١٬٦ مليون برميل يوميًا من النفط الخام (الخفيف) ذي الجودة العالية، ومتزامناً مع فرض المزيد من العقوبات على إيران أدى أيضاً إلى فقد السوقلمليون برميل أخرى، مع خطر إغلاق مضيق هرمز الذي يلوح في الأفق، تلك العوامل الجيوسياسية، إلى جانب ارتفاع الطلب من قبل، أبقت الأسعار فوق حاجز ١٠٠ دولار للبرميل.
عام الاستقرار:
أطلق على عام ٢٠١٣ عام الاستقرار، حيث استقرت أسعار النفط الخام ضمن متوسط ١١٠-١١٣ دولاراً للبرميل خلال تلك الفترة، وحتى النصف الأول من عام ٢٠١٤، كانت خلاله الدول النفطية تحقق إيرادات مالية طائلة، مكنتها من بناء احتياطات كبيرة من النقد الأجنبي واستثمارات نفطية متزايدة.
عام ٢٠١٤ وبداية رحلة الهبوط مجدداً:
ومع بداية الربع الثاني من ٢٠١٤، بدأت الأسعار مرة أخري تسجل تراجعات متتالية، مدفوعة بظهور بوادر تخمة عالمية في معروض النفط الخام، وفي وقت كان فيه المنتجون يملكون الحرية الكاملة في ضخ المزيد من كميات النفط للأسواق العالمية للحفاظ على حصتها السوقية. وبلغ مطلع عام ٢٠١٥، سعر برميل خام برنت ٦٠ دولاراً للبرميل، ولكن كان الهبوط الأكبر والسقوط الصعب مطلع عام ٢٠١٦ ببلوغ سعر خام برنت ٢٧ دولاراً للبرميل، مسجلا أدنى مستوى له منذ عام ٢٠٠٢، مدفوعاً بظهور بيانات تشير إلى تخمة هائلة في المعروض، وفي ذلك العام، لم تكن آبار النفط ومخازنه المملوكة للدول المنتجة والمستهلكة معا، قادرة على استيعاب مزيد من النفط الرخيص، الأمر الذي دفع إلى مطالبات بالتكتل بين منتجي المنظمة للخروج باتفاق يعيد للنفط وأسعاره بريقه في الأسواق العالمية.
اتفاق أوبك التاريخي ورحلة صعود تحطمت على أعتاب كوفيد -١٩:
نجحت منظمة الأوبك في نوفمبر ٢٠١٦ على الاتفاق بتنفيذ عملية خفض يومي في الإنتاج بمعدل بلغ ١,٢ مليون برميل يومياً، ودخلت دول من خارج المنظمة بقيادة الدب الروسي في ديسمبر ٢٠١٦ للاتفاق بحجم خفض ٦٠٠ ألف برميل يومياً. ومع بداية عام٢٠١٧، تنفيذ اتفاق تاريخي لخفض إنتاج النفط، مما ساعد في صعود سعر البرميل إلى٦٠ دولاراً، إذ تواصل الاتفاق في عام ٢٠١۸، إذ بلغ سعر البرميل مطلع ذلك العام ٦٥ دولاراً للبرميل، واستقر عند تلك القيمة حتى عام٢٠١٩، مع تجديد الاتفاق بخفض إنتاج كلي يبلغ ١٬٥ مليون برميل يومياً، لكن مع بداية عام ٢٠٢٠، وبالتحديدمنذ بداية شهر فبراير، شهدت أسعار النفط ضغوطات كبيرة ناتجة عن تراجع عمليات الطلب والمزاج العام للاقتصاد العالمي، مدفوعاً بتفشي فيروس كورونا في أكثر من ١٦٠دولة، ليصل سعر البرميل ٢٥,٦ دولار للبرميل، وخلال منتصف عام ٢٠٢١ارتفعت أسعار النفط العالمية، بعد أن شهد الاقتصاد العالمي حالة من التعافي المبدئي من تداعيات جائحة كورونا، لتقترب من معدلات۸٠ دولاراً للبرميل من جديد، ولكن تداعيات انتشار المتحور الجديد لفيروس كورونا أوميكرون أدت إلى تراجع نسبي للأسعار خلال بداية عام ٢٠٢٢ وتقلبها في مستوى السبعينيات للبرميل، قبل أن ترتفع بشكل تدريجي لتقترب من معدل۸٠ دولارا مع انحسار المخاوف بشأن المتحور.
هل تكون الحرب الروسية الأوكرانية المسمار الأخير في نعش سوق النفط:
الحرب الروسية - الأوكرانية وتداعياتها على أسواق النفط:
الطلب العالمي على النفط ربما تجاوز ذروته ولن يعود إلى ما كان عليه، هكذا قالها الرئيس التنفيذي لشركة شل في يوليو ٢٠٢٠، فان بوردن، وقال للصحفيين بعد أن أعلنت شركته الإنجليزية الهولندية للطاقة انخفاضًا حادًا في أرباح الربع الثاني تعافي الطلب سيستغرق وقتاً طويلاً هذا إذا تعافى على الإطلاق، لم يكن فان بوردن وحيدًا في رأيه المتشائم، فقد كان ما يمر به سوق النفط العالمية غير مسبوق شأنه شأن كثير من الأحداث خلال جائحة الكورونا، كان الطلب قد انخفض انخفاضًا حادًا مع توقف عمليات السفر، ولم تستطع صناعة النفط تقليص الإنتاج بالسرعة الكافية لمجاراة الانخفاض، وما لبث النفط ينفض غبار الكوفيد، إلا وتعثر في تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، غير أنه بعد أقل من عامين يبدو أن تنبؤات بوردن وغيره من كبار رجال الطاقة عن نهاية عصر النفط كانت سابقة لأوانها، وتسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في دفع أسعار البترول إلى مستويات قياسية لم تصل لها منذ ١٤ عاماً، ليتخطى سعر برميل النفط حاجز ١٣٠ دولار، وسط توقعات بتخطي ٢٠٠ دولار في سابقة لم تشهدها أسواق النفط العالمية التي لم تتخط من قبل ١٤٧.
ختاماً، قد يستغرب الجميع من الحديث عن انتكاسات وانهيارات سوق النفط في وقت تخطت فيه الأسعار حاجز ١٣٠ دولاراً للبرميل ولأول مرة منذ ١٤ عاماً، الوقت الحالي هو التوقيت الأنسب، لأن من المتعارف عليه في صناعة النفط أن الارتفاعات الكبيرة تبعتها دائماً انخفاضات كبيرة، وتؤكد الدروس التاريخية كما يتبين من أحداث أكثر من ٥٣ سنة مضت، ما يقوله العديد من المطلعين على النفط أنه مثله مثل غيره من السلع، يخضع لدورة أعمال يبلغ ذروتها، ثم ينخفض إلى أدنى مستوياته قبل أن يتعافى.
الارتفاعات والأرقام الكبيرة تبعتها دائماً انخفاضات كبيرة....لذا، فإن السؤال الأهم كيف يتم منع الانخفاض المقبل؟