تتنامى المخاوف العالمية من آثار الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا، سواء السياسية أو الاقتصادية، وذلك لما يحويه الصراع من مواجهة بين القوى العظمى المتمثلة في روسيا والغرب، وهو الأمر الذي سيؤثر فى توازنات القوى عالميا، ومن المؤكد أن هذا الصراع سيكون له عواقب كبيرة على الاقتصاد العالمي الذي يحاول أن يستعيد عافيته بعد عامين من أزمة كوفيد-19 وتبعاتها الاقتصادية، إلا أن التنبؤ بالنتائج الاقتصادية لهذا الصراع مازالت مبكرة لأن أمد الصراع وقوته والعقوبات التي ستفرض على روسيا ستؤثر مجتمعة فى حركة الاقتصاد العالمي.
ومن أهم التداعيات الاقتصادية للأزمة بين روسيا وأوكرانيا الهبوط الحاد في البورصات العالمية، وارتفاع أسعار الذهب، وارتفاع أسعار البترول والغاز الطبيعي، وكذلك كون روسيا وأوكرانيا أكبر مصدر للقمح والغلال عالميا، وهو ما سيؤثر أيضا على إمدادات المواد الغذائية عالميا.
وقد أعدت الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية حزمة من العقوبات الاقتصادية على روسيا وذلك ردا على الهجوم الروسي لأوكرانيا، أهمها الاتفاق على إزالة البنوك الروسية الرئيسية من نظام السويفت وتجميد أصول الأفراد والكيانات الاعتبارية الروسية لدى الولايات المتحدة وبريطانيا وعده دول أوروبية، وكذا حظر البنوك الروسية ومنع المستثمرين الروس من تداول السندات الأمريكية والأوروبية، وتشمل العقوبات أيضا قيوداً على الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي الروسي، وتمتد العقوبات إلى حظر تجاري للتعاملات مع روسيا، خاصة في مجال النفط والغاز الطبيعي، وهو الأمر الذي يقدر انخفاضا في الناتج المحلى الإجمالي الروسي يقارب 3%، إلا أن كون روسيا أكبر منتج للبترول والغاز الطبيعي يجعلها تملك خيارات عديدة في توجيه صادراتها النفطية إلى دول أخرى بديلة.
وكان البنك المركزي الروسي قد اتخذ قرار في الأيام الأولى من الأزمة الاقتصادية برفع معدلات الفائدة لتصل إلى 20% مع الإبقاء على أسعار الفائدة على القروض والتمويل العقاري كما هي وذلك لحماية الروبل الروسي من الانهيار، وحتى لا يقوم المودعون بسحب أموالهم.
ولن تكون التداعيات الاقتصادية للغزو الروسي لأوكرانيا قاصرة فقط على روسيا، بل ستمتد وستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم عالميا وبالتالي انخفاض معدلات النمو بشكل عام.
وفيما يخص الاقتصاد المصري، فقد كان هناك انعكاسات مباشرة للأزمة على أسواق المال المصرية، إذ شهدت هبوط في أول أيام الهجوم الروسي، حيث خسر رأس المال السوقي نحو 24.4 مليار جنيه من قيمته خلال جلسة يوم الخميس الماضي، وهبط مؤشر EGX70 EWIالأوسع نطاقا بنسبة 7.28%، وارتفعت أسعار الذهب بشكل ملحوظ كما ارتفعت أسعار النفط لتصل إلى قرابة الـ 100 دولار لبرميل خام برنت، وهو ما سيؤثر على الموازنة العامة للدولة والتي حددت سعر البرميل ليكون 60.1 دولار، مما سيؤدي إلى حدوث عجز في الموازنة خاصة في بند دعم المحروقات. وكان البنك الدولى قد قدر ارتفاع نسبة العجز في الناتج المحلي الإجمالي لمصر بنحو 0.2% إلى 0.3% الأمر الذى سينعكس بالعجز في الموازنة. كما أن واردات مصر من القمح ستتأثر بشكل ملحوظ وذلك رغم كفاية محصول القمح المحلى والذي ينتظر موعد حصاده في أبريل المقبل وتقدر كفايته الاحتياطية بأربعة أشهر حاليا إلى جانب 5 أشهر من الإنتاج المحلى أي بإجمالي احتياطي 9 أشهر، إلا أن طول مدة الصراع واستمراريته ستزيد من أسعار القمح، وذلك لنقص حصة روسيا وأوكرانيا، والتي تشكل ربع الإنتاج العالمي من القمح كما أنها تسيطر على 29% من تجارة القمح عالميا، وهو الأمر الذي يتطلب أن تنوع مصر مصادر استيرادها للقمح مع مراعاة الجودة والتكلفة، وبالفعل فإن مصر لديها 14 دولة مُصدرة للقمح لتحل محل روسيا وأوكرانيا.
كما سيتأثر قطاع السياحة في مصر بالأزمة، سواء بسبب انخفاض أعداد السائحين الأوكرانيين الذي يمثل حاليا نسبة لا تتجاوز الـ 5%، أو انخفاض أعداد السائحين الروس الذين يمثلون نسبة كبيرة تقارب 60% من السياحة في مصر، خاصة في البحر الأحمر، وبعد تحسن الأوضاع في القطاع السياحي في مصر وعودة الرحلات الروسية إلى مصر في نوفمبر الماضي التي كانت قد توقفت منذ عام 2015، بل ومن المتوقع أن تنخفض أيضا أعداد السائحين الأوروبيين بشكل عام بسبب التداعيات الاقتصادية المحتملة للصراع على معدلات التضخم والرفاهة الاقتصادية.
كل ما سبق من تحديات تواجه الاقتصاد المصري كجزء من الاقتصاد العالمي لا تعني أن مصر ليست مستعدة لمواجهة تداعيات هذه الأزمة، بل إن مصر لديها الكثير من الفرص، خاصة في مجال تصدير الغاز الطبيعي الذي من المتوقع أن يرتفع سعره لتعويض إنتاج روسيا وهو ما سيقلل من أثر زيادة أسعار المواد النفطية على مصر.
وقد كان لمصر تجربة رائدة في مجابهة وإدارة أزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية على كافة المجالات، وذلك بتضافر جميع أجهزة ومؤسسات الدولة، وعلى رأسها القطاع المصرفي المصري، الذي اضطلع بدور مهم في إدارة أزمة كورونا. وقد كان البنك المركزي المصري الذي تبنى سياسات الإصلاح الاقتصادي في مصر في نوفمبر 2016، هو الأقدر على دعم الاقتصاد من خلال العديد من البرامج التمويلية والمبادرات التي دعمت الاقتصاد المصري، وهي أيضا التي ستدعم مصر في حال وجود تداعيات للصراع الروسي-الأوكراني.
وكان المركزي المصري قد قدم عده مبادرات مهمة في ظل تداعيات أزمة كورونا، سواء للأفراد بتأجيل دفع أقساط القروض أو للقطاعات المتضررة، وعلى رأسها قطاع السياحة من خلال مبادرة دعم قطاع السياحة، خاصة التسهيلات الائتمانية لتمويل رواتب العاملين في القطاع السياحي، وإحلال وتجديد المنشآت السياحية، وكذلك دعم الشركات الأكثر تأثرًا فوفقًا لهذه المبادرة، تقوم البنوك بشكل فوري بإتاحة الحدود الائتمانية اللازمة لمقابلة تمويـل العمليات الاستيرادية للسلع الأساسية والاستراتيجية، وعلى وجه الخصوص السلع الغذائية لتغطية احتياجات الأسواق.
ومن المؤشرات الايجابية أيضا لدور البنك المركزي المصري وجود احتياطي وفير للنقد الأجنبي الذي واصل ارتفاعه على مدار 22 شهر ليصل إلى 41 مليار دولار، ويرجع ذلك إلى ارتفاع صادرات مصر، حيث حققت مصر أعلى حجم صادرات في تاريخها بلغت 45.2 مليار دولار خلال العام الماضي، إضافة إلى تحويلات العاملين بالخارج، وإيرادات السياحة، إلى جانب ما قام به البنك المركزي المصري من إعادة تقييم لأصول مكونات الاحتياطي الأجنبي. وسيبقى التضخم العالمي أبرز التحديات التي يجب أن يتم التعامل معها بحذر، ومن المتوقع أن يقوم البنك المركزي المصري أيضا برفع معدلات الفائدة وذلك لتقليل أثر التضخم ومنع زيادة الطلب على شراء الدولار، إلا أن ذلك قد يؤدي لارتفاع في حجم الدين عن المخصصات الواردة بالموازنة، كما يقلل من معدلات النمو.