بعد انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع التسعينيات، كانت أوكرانيا، الجمهورية السوفيتية السابقة، تملك ثالث أكبر ترسانة أسلحة نووية في العالم، وعملت الولايات المتحدة وروسيا على نزع الأسلحة النووية الأوكرانية، وتخلّت كييف عن مئات الرءوس النووية إلى روسيا، مقابل ضمانات أمنية لحمايتها من هجوم روسي محتمل، وكانت هذه الضمانات على المحك في 2014، عندما قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية، ودعمت حركة التمرد التي يقودها الانفصاليون في إقليم دونباس شرق أوكرانيا، وأدى هذا الصراع إلى مقتل 14 ألف شخص حتى الآن.
وفي هذا الوقت كان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما متردداً في تصعيد التوترات مع روسيا، وتباطأ في اتخاذ إجراءات دبلوماسية بالتنسيق مع أوروبا، ولم يتم تقديم أسلحة هجومية لأوكرانيا بشكل فوري، وفي سياق متصل، فإن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، والذي وصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه لن يحدث في المستقبل القريب، يمثل خطاً أحمر بالنسبة للرئيس الروسي بوتين، ويرجع ذلك إلى أنه وفقاً للفصل الخامس من اتفاقية الناتو، فإن أي هجوم يتعرض له عضو في الحلف يعتبر هجوماً على الحلف بأكمله، مما يعني أن أي هجوم عسكري روسي على أوكرانيا يعني وضع موسكو في مواجهة مباشرة مع حلف الناتو بأكمله.
اختبارات بوتين ونقاط الضعف الأمريكية والأوروبية:
حاول بوتين اختبار الولايات المتحدة والغرب في الأزمة الأوكرانية مراراً، الأولى في ربيع 2021، عندما حشد بعض القوات والعتاد العسكري على الحدود، وأدى ذلك إلى لفت انتباه الولايات المتحدة، والتي سعت لإجراء مباحثات بين بوتين وبايدن، وبعد ذلك بأيام سحبت روسيا قواتها.
وفي الوقت نفسه، فإن نظرة بوتين إلى الولايات المتحدة تغيرت كثيراً، وخاصة بعد الانسحاب العسكري الفوضوي الأمريكي من أفغانستان، والاضطرابات التي تعانيها أمريكا داخلياً، في أعقاب الاستقطاب الذي شهدته بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهو ما تراه موسكو على أنها مؤشرات للضعف الأمريكي.
ويرى بوتين الغرب في حالة انقسام بشأن دور الولايات المتحدة في العالم، ولا يزال بايدن يحاول إعادة توحيد التحالف عبر الأطلسي، بعد حالة انعدام الثقة التي تراكمت خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وأدت بعض أخطاء بايدن الدبلوماسية إلى نفور الشركاء الأوروبيين، وتحديداً الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، واتفاق الغواصات النووية الذي طرحه بايدن مع بريطانيا واستراليا، وكان مفاجأة بالنسبة لفرنسا.
وعليه سيتم تناول ذلك من خلال المحاور التالية:-
- الجذور السياسية والعسكرية للأزمة الروسية - الأوكرانية.
- آثار الأزمة الروسية - الأوكرانية علي جوانب الاقتصاد العالمي.
- آثار الأزمة الروسية - الأوكرانية علي جوانب الاقتصاد المصري.
أولاً- الجذور السياسية والعسكرية للأزمة الروسية - الأوكرانية:
ترجع جذور الأزمة إلي عام 1991 بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، واستقلت أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي سابقأ، وظلت العلاقات في توتر مستمر، حتي عام 2004 عندما قامت ثورة في أوكرانيا أطلق عليها الثورة البرتقالية ذات ميول للدول الغربية، عندها تدخلت الدول الغربية وساعدت الأوكرانيين، وتم تشكيل حكومة موالية للغرب فيها، ولكن عاد الحكم بقوة مرة أخري إلي الموالين لروسيا في عام 2010.
وباندلاع الاحتجاجات في نهاية 2013 وبداية عام 2014، وظهور الموالين للغرب بقوة مرة أخري وتراجع تأثير الموالين لروسيا، وبحجة حماية الرعايا الروس ضمت روسيا أراضي شبه جزيرة القرم إليها في مارس 2014، ودعمت حراكاً انفصاليا في جمهورتى دونيتسك ولوجانسك ذوي العرقية الروسية واللتين يبلغ عدد سكانهما أكثر من أربعة ملايين نسمة.
ولكن يري آخرون أن سبب "الضم والحرب" يرجع إلي تخوف روسيا من التوجه الشديد للقادة السياسيين في أوكرانيا للانضمام لحلف الناتو، مما يشكل تهديداً استراتيجياً لروسيا علي أبوابها. ولذلك تسعي روسيا جاهدة إلي تحييد أوكرانيا أو علي الأقل جعلها منطقة رمادية بينها وبين القوي الغربية.
ثانياً- آثار الأزمة الروسية - الأوكرانية علي جوانب الاقتصاد العالمي:
في وقت لا يزال العالم يعاني اقتصاديا آثار جائحة كورونا، اشتدت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا مهددة بقيام حرب ستكون لها تأثيرات متعددة، ومن أهمها التأثيرات الاقتصادية التي قد تشمل جميع اقتصادات العالم، وهناك في ذلك نظريتان متناقضتان، هما:
النظرة الأولي: المتفائلة:
يشير بول دونوفان، كبير الاقتصاديين في بنكUBS السويسري، إلى عدم وجود ما يدعو للقلق، حيث يرى أن "الأسواق لا تميل إلى تسعير الأحداث المتطرفة، خاصة عندما تكون ذات طبيعة عسكرية". ويرى من وجهة نظر استثمارية أن العواقب الاقتصادية للصراع ستقتصر على منطقة الصراع فقط، رغم التأثير الهائل في أوكرانيا والتأثيرات الكبيرة في روسيا، بسبب العقوبات الاقتصادية. لكن هل تتأثر بقية العالم بسبب هذه الأزمة، أو أن التأثير لن يطول سوى الأطراف المباشرة، وخاصة إن كانت الحرب محدودة كما صرح الزعيم الروسي واقتصرت علي الإقليمين الانفصاليين فقط دون التوغل في أوكرانيا.
كما أن تأثير الاقتصاد الروسي علي نمو الاقتصاد العالمي ضعيف، لأن حجم اقتصادها يعد ضئيلاً، حيث يمثل نحو 1.7% من الناتج المحلي العالمي، وهو ما يشكل نصف حجم دولة مثل فرنسا، ونحو عشر اقتصادات الصين أو الاتحاد الأوروبي.
النظرة الثانية: المتشائمة:
لكن إذا اتسعت دائرة الحرب وامتدت إلي داخل أوكرانيا وتدخلت فيها دول أوروبية أخري، فإن الاقتصاد العالمي سيـتأثر بشدة في عدة جوانب، أهمها:
1- ارتفاع أسعار الطاقة العالمية:
مما لا شك فيه أن روسيا من أكبر دول العالم إنتاجاً واحتياطياً واستهلاكاً للنفط والغاز، فهي تنتج نحو (10-11) مليون برميل نفط يومياً، كما أن الولايات المتحدة هي أكبر دولة منتجة للغاز الطبيعي في العالم بنسبة 21.5%، وتحتل روسيا المرتبة الثانية بنسبة 18.6%، وذلك في عام 2018، كما استمرت روسيا في المرتبة الثانية بصفتها أكثر الدول المنتجة للغاز الطبيعي في العالم بنحو 678.5 مليار متر مكعب بنهاية عام 2020، تليها إيران بمقدار 250.8 مليار متر مكعب، وجاءت الصين في المركز الرابع بإنتاج 194 مليار متر مكعب بعد زيادة 9% العام الماضي، ثم قطر خامساً بنحو 171.3 مليار متر مكعب، في عام 2020، وتحتل روسيا المرتبة الأولي من بين الدول المصدرة للغاز الطبيعي في العالم، حيث قامت بتصدير نحو 190 مليار م3 أي بنسبة 18.8% في عام 2018، كما توفر روسيا ما يقرب من 40% من الغاز الطبيعي لدول الاتحاد الأوروبي، وأكثر من 80% من هذه الصادرات تسافر عبر الأراضي الأوكرانية، أما بالنسبة لتصدير الغاز فإن قطر تحتل المرتبة الأولي من بين الدول المصدرة للغاز الطبيعي في العالم بنسبة 32%، وتأتي روسيا في المرتبة السابعة بنسبة 4.5%، كما تحتل روسيا المرتبة الأولي في احتياطي الغاز في العالم بنسبة تبلغ 25.6%، كما يلاحظ أن مجموع نسب احتياطي الغاز الطبيعي في مجموع كل من روسيا وقطر وإيران يقارب نحو 56% من الاحتياطي العالمي.
2- تأثير الأزمة الروسية - الأوكرانية علي أسعار النفط والغاز:
أ- تأثير الأزمة الروسية - الأوكرانية علي أسعار النفط:
قفز سعر النفط (6) دولارات بمجرد حدوث الغزو الروسي لأوكرانيا فبلغ سعر البرميل 100 دولار، ومن المرجح كما يقول خبراء النفط أن يصل إلي 120 دولارات/برميل إذا توغلت روسيا في أوكرانيا ولم تقتصر علي الإقليمين الانفصاليين.
ب- تأثير الأزمة الروسية - الأوكرانية علي أسعار الغاز العالمية:
مما لا شك فيه أن الأزمة سوف تؤثر مباشرة علي أسعار الغاز العالمية، وخاصة إذا اتفقت أوروبا مع الولايات المتحدة على ضرورة تأجيل "نورد ستريم 2Nord Stream" خط أنابيب باستثمارات غربية لنقل الغاز الطبيعي من مدينة فيبورج في روسيا إلى مدينة جرايفسفالد في ألمانيا" إلى أجل غير مسمى.
وحيث تصل واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي إلى 40% حاليا، وستزداد مع تشغيل خط نورد ستريم 2، لكن في حال فرضت العقوبات على روسيا، أو كردة فعل روسية لمحاصرة أوروبا، فإن أسعار الطاقة "الغاز خصوصاً" سترتفع بشكل كبير وستؤثر في جميع الدول الأوروبية. ارتفاع أسعار الطاقة، إضافة إلى التضخم الذي تعانيه دول أوروبا وأمريكا، سيؤديان إلى خفض نتائج النمو في كلا الجانبين، وسيؤثران بالتالي في النمو العالمي.
3- تأثير الأزمة الروسية - الأوكرانية علي أسواق المال والنظام المالي العالمي:
تأثرت استثمارات الكثير من الشركات بسبب هذه الأزمة، إضافة إلى تأثر القطاع المصرفي والحوالات المالية، وتشكل مخاطر سداد القروض البنكية لروسيا تجاه البنوك الغربية، كما أن الأحداث تسببت خلال الفترة الماضية في إرباك سوق السندات والعملات للدولتين، وقد تزيد مخاطر ضعف الأداء لهما. سيتعرض جميع دول العالم لآثار هذه الأزمة، وقد تزيد في بعض الدول عن دول أخرى بسبب الارتباطات الاقتصادية، مما يزيد من حجم التأمينات لعدم وضوح الرؤية وزيادة درجة المخاطر، وعدم وجود أمل بحل الأزمة قريباً.
وقد انعكس ذلك مباشرة في إحداث خسائر كبيرة في البورصات العالمية، مما قد تكون هذه الأحداث نذيرا بتشكل تكتلات اقتصادية وعسكرية وسياسية عالمية جديدة تغير من خريطة العالم.
ويبدو أن تأثير نظرية «الدومينو» أكثر خطورة وأسرع تأثيرا في المجال المالي، فالموجة الأولى من الهزة التي ضربت الاقتصادات الناشئة لم تصب روسيا، بل نالت من دول، مثل تركيا، وجنوب إفريقيا، والبرازيل، فالاحتياطات الضخمة من النفط والغاز مكّنت روسيا من الحفاظ على مصادر مالية ضخمة، واحتفاظ موسكو بنحو 500 مليار دولار احتياطي نقدي – ثالث أكبر احتياطي مالي في العالم- ساعدها كذلك على مواجهة الموجة الأولى من الاضطراب الاقتصادي في الاقتصادات الناشئة، ومع هذا فإن الأمر لم يمض بلا خسائر بالنسبة لموسكو، فقد أنفق البنك المركزي الروسي 200 مليار للحفاظ على قيمة الروبل، الذي تراجع الآن أمام الدولار بنحو 10%، بينما تراجعت المخرجات الصناعية العام الماضي والاستثمارات الثابتة انخفضت بنحو 7%، فإذا أخذنا في الاعتبار أن إجمالي حجم الدين الخارجي لأوكرانيا يبلغ نحو 60 مليار يورو، أغلبها للبنوك الروسية فإن الأزمة الأوكرانية ربما تؤدي إلى انفجار أزمة مالية عالمية جديدة،
فبنكاSber وVTB أكبر حاملين لسندات الخزانة الأوكرانية، وإذا عجزت أوكرانيا عن سداد ديونها لروسيا فإن النظام المالي الروسي سيتأثر وسيأخذ معه عديدا من المصارف الأوروبية والعالمية، ويجب الأخذ في الحسبان أن الاحتياطي النقدي الأوكراني تراجع لمستويات حرجة.
والذي أبقى الاقتصاد الأوكراني في حالة «طوفان» ومنعه من الغرق هو القرض الذي قدمته موسكو لكييف بقيمة ثلاثة مليارات دولار، كجزء من قرض بقيمة 15 مليار دولار، لكن موسكو جمدت الآن باقي القرض، وأوكرانيا ليست دولة مؤثرة اقتصاديا لكنها إذا سقطت فستأخذ روسيا معها، وهنا تكمن الكارثة، فالاقتصاد العالمي لن يتحمل انهيار الاقتصاد الروسي.
ويتخوف البعض أن تؤدي الحسابات السياسية الخاطئة إلى كوارث اقتصادية، فاقتراحات البعض بفرض عقوبات وحظر اقتصادي على روسيا، بل ومغالاة آخرين بطلب طردها من مجموعة الثماني يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي، فعدد من الاقتصاديين المحافظين يؤكدون أن زيادة الضغط الاقتصادي على روسيا، وسيلة ردع أساسية لإجبارها على إعادة النظر في الاستيلاء على شبه جزيرة القرم.
وتعتمد روسيا بشكل كبير على الغرب وتحديدا بلدان الاتحاد الأوروبي، فنصف التجارة الخارجية لروسيا يذهب إلى الاتحاد الأوروبي، وموسكو تعتمد على السلع الغربية للحفاظ على ارتفاع مستوى المعيشة الذي تحقق في السنوات الماضية، والضغط على هذا سيردع موسكو، كما أن طرد روسيا من مجموعة الثماني أو تجميد عضويتها سيحمل رسالة اقتصادية قوية لها بضخامة التكلفة الاقتصادية لسياستها تجاه أوكرانيا.
ولكن تلك النظرة تواجه باعتراض شديد من قبل البعض، والذين يعتبرون أن طرد روسيا أو فرض عقوبات اقتصادية عليها يعني إشعال حرب اقتصادية على المستوى العالمي، في وقت لم يتعاف فيه الاقتصاد الدولي بعد، وتتعرض فيه اقتصادات البلدان الناشئة لهزة لم تتكشف كامل أبعادها حتى الآن.
كما أن الدخول في مواجهة اقتصادية مع موسكو يعني فشل خطة مجموعة العشرين أخيراً بضخ تريليوني دولار على مدار خمس سنوات لتعزيز النمو العالم.
4- ارتفاع أسعار الحبوب الغذائية والتأثير علي دول العالم الثالث المستوردة لها:
إن روسيا وأوكرانيا من أكبر دول العالم إنتاجاً وتصديراً للقمح في العالم، فأسواق الحبوب العالمية وتحديداً القمح تراقب عن كثب ما يحدث في أوكرانيا، فكييف إحدى أكبر مصدري القمح والذرة في العالم، ويمكن أن تشهد الأسعار ارتفاعاً حاداً خلال الشهور المقبلة إذا أخذت الأزمة منحنيات دموية.
وتعرف أوكرانيا بأنها سلة خبز أوروبا، وتوقعات مجلس الحبوب العالمي تشير إلى أنها ستكون ثاني أكبر مصدر للحبوب هذا العام، وإدارة الزراعة الأمريكية تتوقع أن تبلغ صادرات أوكرانيا من الحبوب لهذا العام عشرة ملايين طن، ونعتقد أنه لن توجد مشكلة حادة فيما يتعلق بالإنتاج والصادرات الأوكرانية من القمح والذرة هذا الموسم.
ويعتقد البعض أن المزارعين في أوكرانيا يتعمدون تخزين المحصول حالياً جراء تراجع قيمة العملة الأوكرانية، وبمجرد ارتفاع قيمتها فإنهم سيقومون ببيع المخزن لديهم من الحبوب، وقبل عشرة أعوام كانت أوكرانيا وروسيا تمثلان معا 3% من تجارة القمح العالمية، بينما الآن تسيطران على 17% من تلك التجارة الحيوية، وتعد كييف خامس أكبر مصدر للقمح في العالم وثالث أكبر مصدر للذرة، ويتوقع أن تصدر 16% من صادرات الذرة العالمية.
وتشبه التداعيات الاقتصادية للأزمة الأوكرانية نظرية «الدومينو» ومفادها أن انهيار جزء من النظام يؤدي إلى انهيار النظام كله، فربما لا تتأثر أسواق الحبوب العالمية بشكل كبير وحاد بالصراع في أوكرانيا، ولكن المصاعب التي ستتولد في بلد كالصين جراء هذه الأزمة ستفجر حتما أزمات في مناطق أخرى، فالصين ستتأثر حتماً إذا تدهور الوضع، لأن أوكرانيا أحد الموردين الرئيسيين للقمح والذرة للصين، والتأثير ربما يكون محدودا لأن كييف ليست المصدر الأساسي للصين، ولكن بكين ستعوض النقص بزيادة الطلب من استراليا، مما سينعكس بالطبع على صادرات استراليا لباقي الدول الآسيوية، التي ستزيد من وارداتها من بلدان وسط آسيا، ما يعني أن بلدان الشرق الأوسط التي تستورد القمح من بلدان وسط آسيا قد تواجه مشكلة فيما يتعلق بتوفير احتياجاتها، أضف إلى ذلك أنه إذا شهد جنوب الولايات المتحدة جفافاً هذا العام، فإن العالم قد يواجه أزمة حادة في سوق الحبوب، فالصين استوردت كميات قياسية من الذرة في ديسمبر الماضي أغلبها من أمريكا، مع زيادة وارداتها من أوكرانيا بعد توقيع اتفاقية عام 2012 منحت بمقتضاها قرضاً لأوكرانيا مقابل الذرة، وتسد أوكرانيا نحو 8% من احتياجات الصين في مجال الذرة، وهذه نسبة لا بأس بها بالنسبة لدولة في حجم الصين.
5- الآثار السلبية علي سلاسل الإمدادات:
كانت الفترة من التسعينيات إلى الأزمة المالية العالمية 2008-2009 ذروة التوسع لسلاسل القيمة العالمية، يطلق عليها عصر العولمة المفرطة،فنمت التجارة العالمية بسرعة خاصة عندما انضمت جمهورية الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وتحولت أكثر الدول النامية إلى استراتيجيات مفتوحة، مع نمو إجمالي الصادرات العالمية في متوسط 8.7٪ سنويا، والصادرات غير المباشرة عند 9.7٪ خلال الفترة 2000-2010، ولكن تباطأت الصادرات غير المباشرة بشكل كبير في العقد 2010-2019.
وفي الفترة من عام 2000 إلى عام 2010، طالت السلاسل بالنسبة لجميع القطاعات المتداولة تقريبا، لقد كان هذا الكسر فى عملية الإنتاج التي أدخلت كفاءات جديدة ومكاسب الإنتاجية، و جعل من الممكن للبلدان النامية أن تدخل في الإنتاج الصناعي، على وجه الخصوص، من خلال إيجاد مكانة في سلسلة الإنتاج، لم تعد الدول النامية تضطر إلى إنتاج منتجات كاملة؛ يمكنها توسيع ميزتها النسبية من خلال اتخاذ بعض المهام في سلسلة الإنتاج، من 2010 إلى 2019م، مع إمكانية تقسيم عملية الإنتاج لمنتجات محددة، وتعرض العالم لصدمة غير مسبوقة من وباء COVID-19الذي أدى إلى حدوث صدمة كبيرة من التغيرات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، على وجه الخصوص،مما خلق سلسلة من الاضطرابات في"سلاسل القيمة العالمية" في كل من المدى القصير "مثل التأمين"، وعلى المدى الطويل "مثل الحجر الصحي" على سبيل المثال، ناهيك عن حظر السفر والقيود المفروضة عليه.
ومما لا شك فيه أن هذه الأزمة سوف تؤثر بالسلب علي سلاسل الإمدادات العالمية، لأن معظم هذه السلاسل مرتبطة بالدول المتقدمة، وهذه الأزمة مرتبة بالدول المتقدمة خاصة بالاتحاد الأوروبي.
ثالثاً- آثار الأزمة الروسية الأوكرانية علي بعض جوانب الاقتصاد المصري:
سوف يكون للأزمة الروسية - الأوكرانية آثار سلبية مباشرة علي الاقتصاد المصري، تتمثل في الآتي:
1- ارتفاع أسعار القمح والذرة:
أكد وزير المالية المصري أن التوتر بين روسيا وأوكرانيا أدى بالفعل إلى ارتفاع أسعار القمح العالمية، حيث ارتفعت بنسبة7% في بورصة شيكاغو التجارية خلال الأسابيع الأخيرة. وتعتبر مصر من أكبر دول العالم استيراداً للقمح، فالإنتاج المحلي لا يكفي سوي 40% فقط من الاستهلاك، حيث تستورد مصر سنوياً أكثر من 10 ملايين طن، وتعتبر روسيا وأوكرانيا من أهم الدول المصدرة لمصر.
2- معدلات التضخم والبطالة والفقر:
انعكست الآثار السلبية للأزمة علي أسعار الطاقة مباشرة بمجرد بدايتها، والتي أدت إلي ارتفاع أسعار النفط ليتجاوز سعر البرميل 90 دولارا. والمشكلة سوف تزداد سوءاً إذا ارتفع سعر السولار لأن ذلك سوف يؤدي إلي زيادة التكاليف في شتي المنتجات، مما يدفع بإحداث موجات تضخمية والتي هي موجودة بشكل أو بآخر من بعد عام 2016، بعد تعويم سعر الصرف، مما يؤدي إلي تراجع معدلات الطلب لضعف القدرة الشرائية للمواطن المصري، والذي سيؤدي بدوره إلي زيادة معدلات البطالة، ومن ثم زيادة معدلات الفقر.