تقوم الدولة المصرية بدور ريادي وحيوي، إقليمياً ودولياً، على صعيد عمل المناخ الدولي وحشد الجهود لحماية البيئة، فضلاً عن الجهود والمبادرات الساعية لمواجهة ظاهرة تغير المناخ. وإذ تتوج هذه الجهود الحثيثة باستضافتها للدورة الـ 27 لمؤتمر أطراف تغير المناخ، المقرر انعقادها في مدينة شرم الشيخ في نوفمبر عام 2022، تأتي مشاركة السيد رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي في قمة "محيط واحد" في مدينة بريست الفرنسية " ضمن عدد محدود من رؤساء الدول والحكومات المهتمين بالعمل الدولي لمواجهة تحديات تغير المناخ، في إطار سلسلة قمم تُعني بالموضوعات البيئية ينظمها الجانب الفرنسي بمبادرة من الرئيس "إيمانويل ماكرون" منذ عام 2017. إذ تركز قمة "محيط واحد" على الموضوعات ذات الصلة بالبحار والمحيطات، ودعم مفهوم "الاقتصاد الأزرق المُستدام"، وحشد التمويل له، انعكاساً للأهمية التي باتت تحظى بها هذه الموضوعات، والجهود الحثيثة لحماية البيئة، ومواجهة تحديات تغير المناخ.
-
وقد مضت الدولة المصرية بخطوات مُتسارعة لمواجهة تحديات تغير المناخ، حيث تحقيق الريادة عالمياً في مجال التنمية المستدامة، والاقتصاد الأخضر، والاقتصاد الأزرق، والاقتصاد الدائري، من خلال التخطيط والإدارة السليمة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، والحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم الإيكولوجية من تأثيرات المناخ المتغيرة. وبالتزامن مع المعدل المتسارع للنمو السكاني تبذل الدولة المصرية قصارى جهدها لضمان جودة حياة مناسبة لكل فرد من خلال تعزيز التنمية اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا. واستكمالاً لتوحيد وتضافر الجهود، تم إطلاق "الاستراتجية الوطنية لتغير المناخ لعام 2050"، ضمن مشاركة مصر في فعاليات مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخCOP 26 بجلاسكو؛ إذ تُعد السياسات والأهداف، والإجراءات المتضمنة بهذه الاستراتيجية مُكملة لجهود الدولة التنموية، والتعافي من آثار أزمة كوفيد-19 العالمية.
تولي الدولة المصرية اهتماماً كبيراً بدعم مفهوم الاقتصاد الأزرق المُستدام، وذلك في إطار مواجهة تحديات تغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث الحفاظ على التنوع البيلوجي وخدمات النظم البيئية بها، ومكافحة التلوث البحري بشتى أنواعه، والحفاظ على التوازن البيئي في البحار والمحيطات والمناطق الساحلية؛ مما يحقق التوازن البيئي في هذه المناطق ويساهم في خفض الانبعاثات، فضلاً عن المساهمة في بناء اقتصادات مُنخفضة الكربون. وفي هذا الصدد، تعكف الدولة المصرية على تعزيز جهود خفض الانبعاثات في قطاع النقل البحري، والتي تساهم في تنفيذ أهداف اتفاق باريس لتغير المناخ، وتحقيق التنمية المستدامة.
وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم الاقتصاد الأزرق قدمه لأول مرة الاقتصادى البلجيكى جونتر باولى عقب مؤتمر «ريو 20+» عام 2012، والمقصود به الإدارة الجيدة للموارد المائية والاعتماد على البحار والمحيطات فى التنمية المستدامة، مع ضمان احترام البيئة والقيم الثقافية والتنوع البيولوجي، كما يشمل توليد الكهرباء من طاقة المياه، وأنشطة التعدين فى البحار والمحيطات، والسياحة البحرية وصيد الأسماك والكائنات البحرية، واستخراج المواد الخام من البحار، وغير ذلك من الأهداف السبعة عشر لخطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030؛ حيث ينص الهدف رقم 14 على الحفاظ وصون المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها بشكل مستدام، والحد من التلوث البحرى وتنظيم صيد الأسماك، وإنهاء الصيد الجائر وغير القانوني، والحفاظ على المناطق الساحلية والبحرية؛ وزيادة المزايا الاقتصادية للدول النامية والأقل نمواً من الاستخدام المستدام للموارد البحرية؛ وتعزيز وسائل التنفيذ بما فى ذلك زيادة المعرفة العلمية، ونقل التكنولوجيا البحرية.
ووفقاً للتقرير الصادر عن "الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ" في عام 2019؛ امتصت المحيطات ما يزيد على 90% من الحرارة الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري بوتيرة مُتسارعة منذ سبعينيات القرن الماضي، الأمر الذي ساهم في ارتفاع مستوى حموضتها، وانخفاض نسبة الأكسجين بها، وتدهور الحياة البحرية، فضلاً عن التهديد المستمر الذي يمثله ارتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات على المناطق الساحلية في العديد من دول العالم. إذ تمثل البحار والمحيطات نحو 70% من مساحة كوكب الأرض، وتساهم في حركة التجارة والملاحة الدولية، إلى جانب كونها مصدراً مهماً للغذاء والموارد الطبيعية، ومُحفزاً للنشاط الاقتصادي. ووفقاً لما جاء في تقرير البنك الدولي، يولد الاقتصاد الأزرق 83 مليار دولار للاقتصاد العالمى سنوياً، ويعمل به أكثر من 3 مليارات شخص حول العالم، وهناك توقع بمضاعفته بحلول عام 2030؛ حيث إن الاستخدام المستدام للموارد المائية يساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي، ومكافحة الصيد الجائر، وتغير المناخ، والتوسع فى أنشطة السياحية البحرية والساحلية، بالإضافــة إلى تجريم التلوث البحرى الناشئ عن أنشطـــة استخراج المعادن والنفط والغاز، وأنشطة النقل والشحن البحرى.
تمتلك الدولة المصرية ثروة مائية ذات مزايا تنافسية عالية بفضل موقع مصر الجغرافي المتميز؛ إذ تمتلك أربعة آلاف كيلومتر شواطئ على البحرين الأحمر والمتوسط، وقناة السويس أهم ممر ملاحى ساهم في دفع حركة التجارة الدولية كونه أحد أهم الممرات الملاحية على الصعيد العالمي، ونهر النيل، وتسع بحيرات، بالإضافة إلى 60 ميناءً، الأمر الذي يجعل الاقتصاد المصري في مقدمة الاقتصادات التي تعتمد على الاقتصاد الأزرق في تحقيق التنمية المستدامة من خلال الاستغلال الأمثل للموارد المائية.
بات الاقتصاد الأزرق من بين المحركات الرئيسية للتنمية الاقتصادية المستدامة. إذ تعددت جهود الدولة المصرية محلياً ودولياً لتحقيق التنمية المستدامة البيئية. فعلى الصعيد المحلي، تم وضع الأُطر القانونية المُنظمة لدعم الاقتصاد الأزرق المستدام، حيث تنظيم وتنمية الأنشطة الاقتصادية ذات الصلة بالبحار والمحيطات بما يضمن استدامة الموارد البحرية والحفاظ عليها، ومنع تعرض البحار للتلوث بشتى أنواعه وتُجرم مرتكبيه، بالإضافة إلى تحويل الموانى المصرية إلى موان لوجستية، للشحن والتفريغ وخدمات وتعبئة وإعادة تصدير وتصنيع وصيانة وتمويل السفن والصناعات البحرية الثقيلة والخفيفة، فضلاً عن الاهتمام بالسياحة الشاطئية وسياحة «الكروز» من القاهرة إلى أسوان ورشيد ودمياط فى نهر النيل أو الموانى، وربطها بالرحلات العالمية، واستغلال الساحل الشمالى ومطروح، وسياحة اليخوت والغوص والصيد، إلى جانب الاكتشافات الثمينة بالمياه البحرية الإقليمية المصرية لاستخراج البترول والغاز الطبيعي؛ مما ساهم في تحقيق طفرة اقتصادية كبيرة. والجدير بالذكر أنه قد تم اختيار ميناء الإسكندرية لتنظيم المؤتمر الدولى لمنتدى الاقتصاد الأزرق؛ الأمر الذي يعزز من زيادة فرص تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في الموارد المائية، ومن ثم تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد المصري.
-
وعلى الصعيد الدولي، عملت الدولة المصرية خلال رئاستها لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي على إطلاق مسار تفاوضي للتوصل إلى أهداف جديدة لحماية الطبيعة، وفي مقدمتها حماية البحار والمحيطات. بالإضافة إلى المشاركة الفعالة للدولة المصرية في المشاورات الجارية تحت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وذلك من أجل التوصل إلى أداة قانونية جديدة لحماية التنوع البيولوجي في المناطق البحرية خارج نطاق الولاية الوطنية، إلى جانب الإعلان خلال قمة "محيط واحد" عن انضمام الدولة المصرية إلى الإعلان المُقرر صدوره عن قمة "حماية المحيط: وقت العمل"، وكذلك إلى مبادرتي "التحالف العالمي للمحيطات"، و"التحالف عالي الطموح من أجل الطبيعة والبشر"، مع الأخذ في الاعتبار التعاون والتنسيق مع كافة الأطراف لضمان تحقيق النتائج المرجوة.
وفي ضوء رئاسة الدولة المصرية لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، سوف يتم العمل على دعوة الدولة إلى تضافر وتكثيف الجهود الدولية الرامية إلى حماية البحار والمحيطات من تلك الآثار، والحفاظ على استدامتها وتنوع الحياة البحرية بها. إذ تشهد الدورة القادمة للمؤتمر حواراً بناءً حول المسألة التي تستند إلى أفضل الممارسات العالمية والعلوم المُتقدمة، على أن تُسفر الدورة عن نتائج ومبادرات جادة تساهم في تعزيز جهود الدول في تخفيف آثار تغير المناخ على البحار والمحيطات، فضلاً عن حشد التمويل الذي تحتاج إليه الدول النامية والإفريقية منها على وجه الخصوص، للقيام بهذا الجهد.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن "الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ لعام 2050" سوف تعمل على تحقيق خمسة أهداف رئيسية: تحقيق نمو اقتصادي مستدام؛ وبناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، بالتخفيف من الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ؛ وتحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ؛ وتحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية؛ وتعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعي لمكافحة تغير المناخ، وزيادة الوعي بشأن تغير المناخ بين مختلف أصحاب المصلحة (صانعي السياسات/القرارات، والمواطنين).
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، هناك مجموعة من السياسات والأدوات لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ، ومنها:أدوات التمويل المبتكرة، مثل السندات الخضر، وأدوات التمويل التقليدية، مثل القروض الميسرة ومنح من بنوك التنمية متعددة الأطراف، وإعداد وتقديم مشروعات في إطار الصندوق الأخضر للمناخ وآلية التنمية المستدامة الجديدة لاتفاقية باريس، وبناء نظام وطني للمراقبة والإبلاغ والتحقق يساعد في متابعة وتخطيط العمل المناخي، وتطبيق الوزارات لمعايير الاستدامة في تحديد المشاريع التي سيتم تقديمها إلى وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية ووزارة المالية، وإشراك أصحاب المصلحة في مختلف مراحل تطوير الاستراتيجية، واستخدام الخريطة التفاعلية كأداة تخطيط لتحديد المناطق المعرضة لمخاطر تغير المناخ المحتملة، وتحديد واستخدام الحلول الرقمية التي تعزز/تمكّن من تنفيذ الحلول منخفضة الكربون والمرنة مع التغيرات المناخي، ودمج الجوانب المتعلقة بتغير المناخ في دراسات تقييم الأثر البيئي (EIA).
ختاما، تتبع الدولة المصرية النهج التشاركي في التخطيط الذي يتمثل في القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، كما أن رؤية مصر 2030 تضمنت أن يكون البُعد البيئي محوراً أساسياً في كافة القطاعات التنموية بشكلٍ يحقق أمن الموارد الطبيعية، ويدعم عدالة استخدامها والاستغلال الأمثل لها والاستثمار فيها، وبما يضمن حقوق الأجيال القادمة، ويعمل على تنويع مصادر الإنتاج والأنشطة الاقتصادية، ويساهم في دعم التنافسية، وتوفير فرص عمل جديدة، وتخفيف حدة الفقر، ويحقق عدالة اجتماعية مع توفير بيئة نظيفة وصحية وآمنة لكل مواطن المصري ومواطنة مصرية. الجدير بالذكر أن الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، ستمكّن مصر من تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة، ودعم تحقيق غايات التنمية المستدامة وأهداف رؤية مصر 2030 باتباع نهج مرن ومنخفض الانبعاثات، من خلال التصدي بفاعلية لآثار وتداعيات تغير المناخ بما يساهم في تحسين جودة الحياة، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، والحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم البيئية، مع تعزيز ريادة مصر على الصعيد الدولي في مجال تغير المناخ.