معلوم أن المعجزة هى عمل خارق لقوانين ونواميس الطبيعة، فقد يعتقد الكثير من البشر أن زمن المعجزات انتهى، وهناك البعض لا يؤمن بها على الإطلاق؛ لكن هل تتصور أن تكون حياة شخص ما معجزة حقيقية؟!، هناك نماذج بشرية هي في حد ذاتها تمثل معجزات، نسمع عنها أو نعيش معها قصص نجاحها، وقد نشاركها تحدياتها للمصاعب والمعوقات أو نسمع عنها عن بعد، سواء في زمن فات أو في حاضرنا وفي مستقبل الأيام .. وتتوالى المعجزات ويستمر تحقيق الأحلام والمستحيلات بفضل الله الذى منح جميع خلقه حقهم فى الحياة بشكل متساوٍ، ومن لديه خلل أو نقص فى شىء عوضه بغيره، فجميع البشر وهبهم الله الحق فى الحياة رغم الاختلاف والتنوع هم بالفعل أقوياء فى حالة تحدى دائمة لأنفسهم قبل أى شىء آخر هم متحدو الإعاقة الذين عوضهم الله عنها بنبوغ في مجال ما.
وفى عالم المعجزات البشرية، هناك كثير من المشاهير فى مجال الأدب والكتابة نجد عميد الأدب العربى د. طه حسين الذى دعى إلى نهضة أدبية، وعمل على الكتابة بأسلوب سهل واضح مع المحافظة على مفردات اللغة وقواعدها، ولقد أثارت آراؤه الكثيرين كما وجهت له العديد من الاتهامات، ولم يبال طه حسين بهذه الاتهامات ولا بهذه المعارضات القوية التي تعرض لها، ولكن استمر في دعوته للتجديد والتحديث. وفى الموسيقى والتلحين كنا نغوص فى أعماق بحر النغم مع الفنان الراحل عمار الشريعي،والذى اعتبروه نموذجا في تحدى الإعاقة، وكانت له علامات وبصمات في الموسيقى الغنائية المصرية، وألف الكثير من الموسيقى التصويرية للأفلام والدراما.
ويشهد العالم على إنجازات الكثيرين من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين أبهروا العالم بما قدموه، وكم كانت لديهم إرادة قوية في تحقيق ما يتمنون، ووجدوا لهم هدفًا في الحياة يحيون من أجله، ويسعون بكل طاقتهم لتحقيقه، فهل كنت تتخيل يومًا ما أن يدخل ذلك البطل موسوعة جينس، وهو أول لاعب لتنس الطاولة بلا يدين فى العالم، وهو المصرى إبراهيم حمدتو!؛ أو أن تقوم أميرة أبوطالب الفتاة الكفيفة صاحبة الـ 28 عاما بالتعامل مع الكاميرا على أنها جزء منها تتحسسها لتلقط الصورة ومدى فرحتها بنجاحها حين تلتقط الصورة وأملها فى التقدم للمسابقات العالمية.
كل هؤلاء وغيرهم حول العالم لا يسعنا إلا أن ننحنى لهم تبجيلًا واحتراما على أرادتهم القوية وعزيمتهم الفولاذية التى لم تقهرها الظروف، ونحن نحتفل بهم فى الثالث من شهر ديسمبر كل عام. ويهدف هذا اليوم إلى زيادة الفهم لقضايا الإعاقة، وضمان حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، كما يدعو هذا اليوم إلى زيادة الوعي في كيفية دمجهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، والعمل على تمكينهم تحقيقًا لمبدأ المساواة فى المجتمع بعد سنوات كثيرة ضاعت بسبب التهميش.
وعلى الرغم من مؤازرة الحكومة لهم، لكن لا تبدو البنية التحتية والمواصلات مهيئة بشكل كافٍ لتيسير ممارسة ذوى الاحتياجات الخاصة حياتهم اليومية كالتنقل والحركة. أما على المستوى المجتمعى، فإن النظرة لهم، وفقا لمختصين، تتراوح بين الإشفاق أو السخرية في كثير من الأحيان، وهو ما يدفع إلى مزيد من تهميش هذا القطاع الحيوى من المجتمع؛ لذلك نحتاج إلى الاستمرار فى توعية وتأهيـل المجتمـع للقبول بذوى الهمم كأفرد لهم خصوصية معينة؛ وإعداد عملية دمج ذوى الهمم في حياة المجتمع هي بمثابـة مسـألة وطنية تتطلب المآزرة المجتمعية الأهلية والمؤسسـاتية، وأيضًا الجهـود المالية بدعم من رجال الأعمال ومؤسساتهم؛ إضافة إلى المؤسسات القانونية والقرار السياسي.
هذا الأمر سعى إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى بعاطفة أبوية خالصة لتمكين ذوى الهمم ودمجهم في جميع المبادرات التي تقوم الدولة بتنفيذها، حيث لم يبخل لحظة واحدة فى الاستجابة لهم، مُحققًا رغباتهم، وكان حاضرا فى كل مناسباتهم وتبادل معهم الحديث الأبوى منذ عام ولايته الأول إلى وقت خروج قانون يدعم كل حقوقهم فى الدولة، وحرصه على تكريم الأبطال والبطلات المتوجين بميداليات بطولة العالم للمعاقين ذهنيا باستراليا، واستضافة مصر لأول دورة ألعاب إفريقية للأولمبياد الخاص، ثم التوسع فى مظلة الحماية الاجتماعية لذوى الهمم، وتوفير كل السبل اللازمة لهم للحصول على جميع حقوقهم، ولتكون جهود التمكين جزءا لا يتجزأ من الأولويات التى تستهدف الارتقاء بحياة المواطنين بوجه عام، ترسيخا لمفهوم تكافؤ الفرص بين الأصحاء والمعاقين بهدف تعامل مجتمعي أفضل. فقد غرس الرئيس الأمل فى نفوس أبنائنا من ذوى الهمم ودعّمه بمحفزات للتحمل وبناء أحلام طموح، فنجح فى أن يعيدهم للحياة المجتمعية والتمسك بأحلامهم، ليكونوا طاقة أمل لمن حولهم .. وفى اعتقادى الشخصى أن المعجزات لا تزال تتحقق ما دمنا قررنا تحديد أهدافنا والعمل بجد وعزم وهمه وأمانة وضمير ووعي طالبين التوفيق من الله عز وجل.