تمر المنطقة منذ بداية القرن الحادي والعشرين بتحولات ونقلات جيواستراتيجية كبري، وأحداث محورية وفاصلة تركت آثارا وتداعيات في السياسة الدولية بشكل عام، وكان لهذه التداعيات تأثيرها على منطقتنا على وجه الخصوص، وكان ومازال للجغرافيا السياسية التأثير الأكبر في تشكيل سياسات الدول الاستراتيجية والاقتصادية، وتحديد مكانة وتأثير هذه الدول في الاستراتيجيات الإقليمية والدولية.
إذ تلعب الاعتبارات الجيوسياسية والجيواستراتيجية لأي إقليم دوراً كبيراً ومحورياً في تحديد ماهية العلاقات البينية لدول هذاالإقليم وأشكالها وآليات التفاعل التي تحكم هذه العلاقات وتحديد مساراتها واتجاهاتها وأهدافها الجيوبوليتيكية. فالعلاقات الدولية هي استجابة وترجمة لمتطلبات واقع جغرافي وسياسي واقتصادي معين يحدد هذه العلاقة ويرسم أنماط السلوك السياسي المتبع في علاقاتها مع الأطراف الأخرى، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي.
والمقصود بالأهمية الجيوسياسية والجيواستراتيجية هنا، تلك الاهمية الاستراتيجية للموقع الجغرافي وقيمة هذا الموقع كأحد العناصر الرئيسية في التوازن الاستراتيجي الدولي، وأبعاد توظيفه في نطاق الاستراتيجيات الكلية الشاملة للقوى الدولية الكبرى وصراعات القوى الإقليمية.
تلك التحولات المحورية والهائلة في العالم ساهمت في بروز وظهور قوى وعناصر دولية جديدة، الأمر الذي دفع في اتجاه ضرورة إعادة النظر في ترتيب الأولويات والاتجاهات، حيث ظلت منطقة الشرق الأوسط تحتل صدارة اهتمام الدول الكبرى ومراكز الفكر والأبحاث لفترات طويلة، ولكن باتت تشكل القارة الإفريقية، وهي ثاني أكبر القارات في المساحة أهمية مضاعفة بالنسبة للدول الكبرى، نظراً لمجموعة من الأسباب:
الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للقارة الإفريقية:
تتميز القارة الإفريقية بموقع جغرافي مهم يؤثر جيوبوليتكياً على حركة السياسة الدولية والإقليمية وممرات الملاحة الدولية، حيث إن الجغرافيا السياسية لها دور مؤثر في تقسيم الوحدات الإدارية داخل الدولة، أو اختيار مواقع للعواصم الجديدة أو تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية، أو للمساعدة في حل المشكلات المتعلقة بالحدود السياسية الدولية.
فإفريقيا، هي ثاني أكبر قارة في العالم من حيث المساحة والسكان، كما أن مساحتها تبلغ 6% من سطح الكرة الأرضية (30.2 مليون كيلو متر مربع)، وتمثل نحو 20,4% من إجمالي مساحة الأراضي في العالم، ويعيش فيها نحو 16.8 % من سكان العالم، وهي قارة شابة، حيث إن 50% من السكان الإفريقيين يبلغون 19 سنة أو أقل، مما يجعلها قادرة على النهوض بوتيرة أسرع مقارنةً بأي قارة أخرى.
هذا بالإضافة إلى أنها تطل علي البحر المتوسط، والمحيط الأطلسي، والمحيط الهندي، ومضيق جبل طارق، ومضيق باب المندب، وطريق رأس الرجاء الصالح، وقناة السويس.
كما تعد إفريقيا همزة الوصل بين قارات العالم المختلفة، خصوصاً الجزء الشمالي والشمالي الشرقي للقارة، فهي تسيطر على حركة المواصلات العالمية. كما أنها تقع ضمن المجال الحيوي لمنطقة الخليج العربي بما لها من أهمية إقليمية في المجال السياسي والاقتصادي والأمني، فتلعب دورا محوريا في الأمن الإقليمي، وفي الحراك السياسي والاقتصادي والثقافي للدول المحورية في هذه القارات.
ونظراً لسيطرة الدول الإفريقية على الممرات الملاحية، التي تربط قارات العالم، كان لها أهمية بالغة في تأمين صادرات دول الخليج التي تعتمد بنسبة 90% على عائدات النفط إلى العالم، هذا بالإضافة إلى السلع والخدمات، إلى جانب الأهمية في مواجهة أي تحرك عسكري في المنطقة، مما جعل القارة الإفريقية ساحة للتنافس والصراع الدائم بين القوي الدولية لأسباب مختلفة، فبعض الدول تحاول المحافظة على مكتسباتها في القارة، وكيانات دولية أخري تحاول إعادة نفوذها بالتموضع على خارطة موازين القوي.
كما تتمتع قارة إفريقيا بمجموعة من المزايا الطبيعية، حيث توافر الثروات والموارد الأولية الهائلة من النفط والبترول وغابات الاخشاب والفواكه الاستوائية والمعادن والعناصر النفيسة، مثل الذهب واليورانيوم والماس والزنك والبوكسيت والكوبالت، كذلك امتلاك القارة الإفريقية لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة والغنية بالعناصر التي تجعلها قادرة على القيام بدور سلة غذاء العالم وثروة حيوانية هائلة تغطي احتياجات دول القارة وتمتد لتصدير الفائض لدول القارات الأخرى، كذلك حجم الصادرات، حيث تحتل قارة إفريقيا المرتبة الأولى في كثير من الصادرات، مثل (الكاكاو والسمسم والقطن وزيت النخيل والفول السوداني والنفط والنحاس والمنجنيز هذا بالإضافة للكثير من الحاصلات الزراعية).
وعلى الرغم من الثروة الطبيعية الضخمة إلا أنها لا تزال متراجعة بشكل كبير في شأن التنمية بسبب الفساد وسوء إدارة الموارد وانعدام السياسات المتعلقة بإدارة الثروات، كما أن ضعف تخصيص الموارد واستغلالها وعدم الاستقرار السياسي، كلها عوامل من شأنها التأثير بالسلب على موارد القارة الإفريقية.
ولعل امتلاك إفريقيا لمخزون هائل من الإمكانيات الطبيعية يتمثل في امتلاكها 91% من احتياطي العالم من الكروم والكوبالت ونصف احتياطي العالم من الذهب والماس والنحاس و20% من معادن الحديد والفوسفات والبترول، وهو السبب الرئيسي الذي جعلها مطمعا للاستعمار وخضوعها لأزمان طويلة تحت الوصاية الأجنبية حتى حصلت على الاستقلال منتصف وأواخر الخمسينيات وحتى عام 1975، مع تغييرات مفاجئة وجذرية في أنظمة القارة، حيث انتقلت من الحكومات الاستعمارية إلى دول مستقلة.
كيف كانت ثروات إفريقيا سببا للتنافس والصراع؟
تتمثل الأهمية الإفريقية من حيث إنها تملك مخزونا استراتيجيا وحيويا من الموارد المتنوعة، وعلى رأسها مصادر الطاقة والمعادن، بالإضافة إلى أنها تعتبر سوقا استهلاكية واعدة ومحفزة للقوي العالمية، وكذلك امتلاكها للعنصر البشري، وهي عناصر مهمة تجعل إفريقيا تحظي باهتمام القوي الكبرى، وتتحول في كثير من المحطات إلى ساحة تنافس وصراع، هذا إلى جانب الضعف السياسي والأمني في جميع أركان القارة الإفريقية.
كانت هذه الأسباب الدافع للقوي الاستعمارية للانقضاض على هذا الكم الهائل من الثروات، ففي جنوب إفريقيا أحكمت بريطانيا سيطرتها على هذه الدولة الإفريقية بعد اكتشافها الذهب والماس، وفي بعض البلدات في كينيا وروديسيا الجنوبية (زيمبابوي حاليا) كان التركيز على استغلال الأراضي الزراعية، فكان هدف الاستعمار في القارة على اختلاف مصادره هو استغلال ونهب مواردها.
بعد رحيل القوي الاستعمارية عن دول القارة الإفريقية، وجدت هذه الدول نفسها فقيرة غير قادرة على الانتفاع بمواردها، لأنها ظلت لأزمنة طويلة تحت سيطرة حكومات أجنبية، فوجدت نفسها مضطرة لأن تربط نفسها من جديد في اتفاقيات مجحفة مع القوي الاستعمارية القديمة لعدم قدرتها على استغلال هذه الموارد.
التنافسالدولي، الذي أخذ طابع الصراع من أجل التغلغل داخل دول القارة وبسط النفوذ فيها، أصبحت تُكتب فصوله بصورة ملحوظة في الوقت الراهن، لاسيما على هامش الصراع التجاري -بشكله الأوسع- بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ومع ما يتسبب فيه صعود تلك الأخيرة من مخاوف لدى مختلف القوى الدولية الطامحة.
الصراع في إفريقيا، وإن اتخذ بعداً اقتصادياً تجارياً بحتاً، إلا أن ذلك البعد ينطوي ضمن أبعاد استراتيجية عامة تجعل من القارة دائماً وأبداً محط أنظار العالم، من منطلق المصالح السياسية والأمنية التي تسعى الدول المتنافسة على تأمينها في القارة الإفريقية المتخمة بالمشاكل الداخلية والمملوءة بالمخاطر التي تُهدد أمن واستقرار العالم، لاسيما ما يتعلق بقضايا مثل الهجرة غير الشرعية، والتنظيمات الإرهابية، والقرصنة التي تهدد المرور في الممرات البحرية الدولية.
القائمة تضم عديداً من الدول المتنافسة، ولكل أهدافها الخاصة التي تتصالح تارة وتتعارض مرّات أخرى عديدة لتأخذ شكلاً من أشكال الصراع الحاد، كما في حالة الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
إفريقيا أرض الصراع والتنافس بين القوي الإقليمية والدولية:
برز اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بإفريقيا، خاصة في عهد الرئيس بوش، بزيادة فرص التجارة وزيادة العون وإنشاء حساب تحدي الالفية، ومساهمة الحكومة الأمريكية في صندوق مكافحة الإيدز.
ففي سبتمبر 1993، أعلن عن ولادة نموذج استراتيجي أمريكي جديد يعتمد على "سياسة التوسع" بدلا من "سياسة الاحتواء".
فخلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي السابق "ريكس تيلرسون" إلى إفريقيا في مارس 2018، ركزت الزيارة على المراكز الرئيسية المهمة للمصالح الأمريكية، ومن بين خمس دول تضمنتها الزيارة، كانت هناك دولتان من دول القرن الإفريقي هما إثيوبيا وجيبوتي، وهو ما يعزز أهمية تلك المنطقة بالنسبة لواشنطن.
وترتبط الولايات المتحدة الأمريكية بمنطقة القرن الإفريقي بعلاقات استراتيجية ووجود استخباراتي وعسكري واستثماري، منذ فترة الحرب الباردة، حيث تمتلك واشنطن قاعدة "معسكر ليمونيه"، وهي قاعدة تابعة للبحرية الأمريكية، تقع في مطار جيبوتي هذا، بالإضافة إلى مقر "أفريكوم"، وهي وحدة مكونة من قوات مقاتلة موحدة تحت إدارة وزارة الدفاع الأمريكية، وهي مسئولة عن العمليات العسكرية الأمريكية، وعن العلاقات العسكرية مع 53 دولة إفريقية في إفريقيا عدا مصر، لهذه الأسباب زادت الولايات المتحدة من تعاونها العسكري مع عدد كبير من الدول الإفريقية، كما أن لها العديد من البرامج العسكرية تعمل في إفريقيا، ولكن هذا التوجه الأمريكي تجاه القارة الإفريقية شهد تراجعا في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، حيث زاد تركيزه على الشرق الأوسط وسياساته الخارجية، وخطاب الرئيس السابق دونالد ترامب، السياسي العنصري وتركيزه على الحرب الاقتصادية مع الصين.
هذا التراجع الأمريكي أطلق الفرصة للصين للبحث عن موطئ قدم في إفريقيا، حيث استطاعت الحصول على صفقات تعدين لاستخراج الذهب، والألماس، واليورانيوم، والبلاديوم، في دول، مثل زامبيا، وناميبيا، وجنوب إفريقيا، والنيجر.
كما أعلنت الحكومة الصينية سابقا في عام 2006 انه "عام إفريقيا"، وتشير دراسة بعنوان "التنافس الاستراتيجي على قارة إفريقيا"، أعدت في كلية الحرب الأمريكية، الى أن من تأثيرات الوجود الصيني في القارة، إلى جانب تأثيرات أخرى، إضعاف قدرة المجتمع الدولي على التأثير في بعض الدول الإفريقية، وذلك بسبب لجوء تلك الدول إلى الصين لتتلقي الدعم السياسي والمالي.
كما أن بكين اعتمدت على آلية من آليات الاستراتيجية غير العنيفة، وهي "الحرب السياسية"، وتشمل تقديم العون الاقتصادي والتنموي، كما تتضمن تدريب وتجهيز القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وتمتاز "الحرب السياسية" مقارنة بوسائل تحقيق الاستراتيجيات الكبرى الأخرى، خاصة العسكرية، باهتمامها بالأبعاد الاقتصادية، الأمر الذي يجعلها آلية مفضلة لبسط النفوذ، وتعمل الحرب السياسية على مدى أطول في تحقيق اهدافها، وقد قامت الصين سابقاً بإعفاء ما قيمته عشرة مليارات دولار من الديون الإفريقية.
فعلى الصعيد الاستراتيجي، عملت الصين، بالإضافة إلى خدماتها التنموية والاقتصادية على توقيع معاهدة أمنية ودفاعية في فبراير 2014 بينها وبين جيبوتي في قاعدة الشيخ عمر، المعاهدة التي تضمنت إضافة إلى تأهيل القوات المسلحة والأمنية الجيبوتية وبناء قاعدة بحرية عسكرية صينية في جيبوتي مقابل إيجار سنوي 20 مليون دولار بعقد لمدة عشر سنوات ويجدد لفترات مماثلة بعد انتهائه.
واستمرت الشركات الصينية في تنفيذ مشروعاتها وخططها الاقتصادية لتثبيت أقدامها في منطقة جغرافية استراتيجية، ففي جيبوتي، مولت الصين عددًا من المشاريع العامة، ومنذ اليوم الأول لتدشين منتدى التعاون الصيني - الإفريقي عام 2000، قدمت بكين 16.6 مليون دولار لتمويل المشروعات التنموية في جيبوتي، وقامت بشراء حصص في ميناء دوراليه مقابل 185 مليون دولار، وتنفق شركات حكومية صينية مبلغ 420 مليون دولار على رفع كفاءة تجهيز الميناء.
ومن أحد أهم أسباب الاهتمام الصيني المتزايد بالقارة الإفريقية قربها من شبه الجزيرة العربية التي تستورد منها الصين نصف نفطها الخام. وهنا يذكر أن الصين في السنوات الأخيرة امتلكت ربع ميناء جيبوتي، كما أنها شريكة في إنشاء البنية التحتية للموانئ ومنشآت الطاقة والقطارات، ومسئولة عن التجارة الحرة في جيبوتي وإثيوبيا أيضاً.
إلا أن الولايات المتحدة حاولت التصدي للنفوذ الصيني المتنامي في دول شرق إفريقيا، مثل إثيوبيا والسودان، والتي هي عادة منفتحة على سياسات واشنطن، نظرا لقربها من الشرق الأوسط، من خلال ردود فعل دبلوماسية وسياسية.
فمثلا، دعمت واشنطن جنوب السودان الغني بالبترول دوليا للانفصال عن السودان، وساهمت في خلع الرئيس السوداني السابق عمر البشير، في إطار محاولاتها للتقليص من نفوذ الصين المقلق.
ومن هنا، نجد أن الوجود الصيني يستهدف بالأساس ضمان المصالح الاقتصادية لبكين في المنطقة، بالإضافة إلى تأمين طريق الحرير "الحزام والطريق"، مقابل السياسة الأمريكية التي تستهدف بالأساس خلق توازنات سياسية وأمنية جديدة في المنطقة، هدفها تحجيم النفوذ الصيني بالأساس. كما أن هناك دورا أوروبيا محدودا حتى الآن في المنطقة، فباستثناء فرنسا، يبقى الدور الأوروبي هامشياً، في ظل انكفاء السياسة الأوروبية الراهنة في مشكلاتها الداخلية.
وبالنظر إلى الوجود الفرنسي في القارة الإفريقية، نجد أن العوامل الرئيسية التي تتحكم في العلاقات الفرنسية - الإفريقية عوامل تاريخية تتعلق أساسا بالتاريخ الاستعماري لعدد من الدول الإفريقية كالجزائر وتونس والمغرب، وفي غرب إفريقيا في ساحل العاج وبنين وغينيا وموريتانيا والنيجر والسنغال وغيرها.
فهناك العامل الجغرافي، حيث تعد القارة الإفريقية العمق الاستراتيجي والحديقة الخلفية لفرنسا، والعامل السياسي الذي يكمن في التأثير السياسي لفرنسا على الأنظمة السياسية الإفريقية وولاء الأخيرة لها عبر دعم القادة السياسيين، أما العامل الثقافي، فيترجم في الثقافة الفرانكوفونية الفرنسية التي تأثرت بها النخب والقادة الإفريقيين، ناهيك عن العامل الاقتصادي الذي يتمثل في الاستثمارات الاقتصادية والشركات الكبرى الفرنسية التي تعمل فى عدة دول إفريقية، وأخيراً العامل العسكري، وهو الأبرز على اعتبار أن القارة تشهد نزاعات أهلية، فحضور فرنسا واضح في النزاع الليبي، والذي قادت فيه الحلف الأطلسي للإطاحة بنظام الرئيس الليبي معمر القذافي عام 2011، أو حتى في منطقة الساحل الإفريقي وتدخلها في مالي في إطار الحرب على الإرهاب.
أدوات فرنسا للتغلغل في القارة الإفريقية:
ثقافيا: فقد سخرت البعد الثقافي لخدمة سياستها الخارجية، بحيث استخدمت الفرانكوفونية لتوطيد علاقتها مع عدة دول إفريقية، منها بروندي، والكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى، والنيجر، ورواندا، وتشاد، والكونغو، والجابون، وساحل العاج، ومالي ، وموريتانيا، والسنغال، وبوركينافاسو، وتوجو، والكونغو الديمقراطية، والجزائر، وتونس، والمغرب عبر إقامة مراكز ثقافية، ومعاهد وجامعات في تلك الدول الإفريقية واستقدام الطلبة الأفارقة للدراسة فيها.
اقتصاديا: تعد إفريقيا أكبر سوق اقتصادية لفرنسا وأكبر شريك مستثمر فيه، فالدور الفرنسي في شمال إفريقيا وغربها وصولا إلى البحر الأحمر والساحل الإفريقي يتمركز في مصادر الطاقة، حيث تمثل موريتانيا مخزونا معتبرا من الحديد المهم لصناعة الصلب في أوروبا، وتأتي النيجر في المرتبة الرابعة في إنتاج اليورانيوم بنسبة 8.7% من الإنتاج العالمي، والذي يغطي 12% من احتياجات الاتحاد الأوروبي، فضلا عن المخزون الاستراتيجى من البترول الموجود في موريتانيا والنيجر ومالي.
أمنيا وعسكريا: تعد إفريقيا، خاصة منطقة الساحل والصحراء، منطقة عمليات عسكرية لفرنسا في مالي ضد الجماعات الإرهابية التي من شأنها أن تؤثر على دول الجوار الواقعة تحت النفوذ الفرنسي، مثل النيجر والتشاد وبوركينافاسو، وموريتانيا، فالقراءة الفرنسية للتهديدات تذهب لمنع قيام " دولة إرهابية" على أبواب فرنسا وأوروبا.
ماذا أيضا عن العلاقات الروسية – الإفريقية؟
بالنظر إلى مستقبل العلاقات الروسية - الإفريقية، سنجد أن هناك عدة اتجاهات متباينة، فهناك اتجاه يرى أن المستقبل السياسي والاقتصادي والعسكري لعلاقات روسيا بإفريقيا يشهد تطورات إيجابية مهمة من خلال تصريحات القادة الروس والأفارقة.
ففي أكتوبر 2019، تم عقد منتدى الأعمال الروسي - الإفريقي في مدينة سوتشي الروسية بمشاركة العديد من الشركات الدولية والحكومية، بالإضافة إلى رؤساء الدول والحكومات، وعلقت مؤسسة روسكونجرس الروسية على لسان مساعد رئيس المؤسسة "أنطوان كوبياكوف" خلال لقائه رئيس مجلس إدارة البنك الإفريقي: "إن تطوير العلاقات بين روسيا وإفريقيا مهم من الناحية الاستراتيجية ومفيد للجانبين، حيث تعتبر الإمكانات الاقتصادية للتعاون بين الدول ذات أهمية خاصة وواعدة، وستكون الأحداث القادمة فريدة في تاريخ العلاقات بين روسيا وبلدان القارة الإفريقية".
أما رئيس مجلس إدارة البنك الإفريقي "أفريكسيم" بنديكت أوراما، فعلق قائلا: "لقد كانت روسيا تاريخيا شريكة قوية جدا ودعمت إفريقيا لنيل الاستقلال. ولقد استمرت هذه الشراكة لسنوات عديدة، ونحن سعداء بوجود قوة جديدة لاستئناف التعاون مع حكومة الاتحاد الروسي. ولذلك، نحن بالطبع سعداء للغاية بأن موسكو ستستضيف الاجتماع السنوي وستعطي هذه الأحداث دفعة جديدة لتنمية الفرص التجارية والاستثمارية لبلداننا مع روسيا".
وهناك اتجاه يرى بأن العلاقات الروسية - الإفريقية ستبقى كما هي دون تسجيل تغيرات كبيرة، بحيث يبقى هناك سعي روسي لتطوير العلاقات الروسية - الإفريقية وتبقى معها الضغوط الأطلسية عبر العقوبات لمنع تطوير أي علاقة بين روسيا وإفريقيا تخوفا من ازدياد نفوذ موسكو في حلبة الصراع على إفريقيا.
الالتفاف الإسرائيلي حول إفريقيا:
إن الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي الموجه لإفريقيا استخدم منذ بداية نشأة الدولة العبرية المصطنعة قضية المقارنة بين تجارة العبيد ومحرقة اليهود كإحدى أدوات الاختراق الإسرائيلي لكسب عقول وقلوب الشعوب الإفريقية. ففي أبريل 2014، نشرت صحيفة هآرتس مقابلة مع ماركوس ريديكر مؤلف كتاب "سفينة تجار العبيد: تاريخ إنساني"، والذي تحدث فيه عن معسكرات الاعتقال العائمة وضرورة تذكر المجتمع الإفريقي لهذه المأساة الإنسانية دائماً. وبالطبع استغلت الصحيفة الإسرائيلية هذه المناسبة للترويج لقضية المحرقة التي تعرض لها اليهود بما يعني المشابهة بين التاريخين اليهودي والإفريقي. وتعطي علاقات إسرائيل ورواندا مثالاً آخر على محورية التوظيف السياسي لخبرات الإبادة الجماعية المشتركة. ومن اللافت للانتباه حقاً أن ثمة جهودا أخرى يمارسها المجتمع المدني الإسرائيلي لدعم الروابط الثقافية المشتركة بين الكيان الإسرائيلي وإفريقيا. لقد قامت امرأة يهودية تعيش في جنوب إفريقيا بتكريس كل حياتها لدعم الروابط بين إسرائيل ورواندا، فأنشأت مؤسسة المحرقة والإبادة الجماعية بغرض نشر الوعي بين طلاب المدارس وتبادل الخبرات المشتركة بين الضحايا.
ومن الأهمية بمكان أن نذكر أن دول القارة الإفريقية كانت من الدول الداعمة للعرب في صراعهم مع إسرائيل، فحاولت الأخيرة دراسة كيفية اختراق القارة، فاستغلت حالة الضعف الاستراتيجي التي تتسم بها المنطقة العربية، وراحت تبحث عن أدوات جديدة لإحياء وتدعيم أدوارها الإقليمية، فكانت الجاليات اليهودية في إفريقيا مدخلاً للتغلغل والجالية اليهودية في جنوب إفريقيا تعد واحدة من أغنى الجاليات في العالم.
وطبقاً لأحد التقديرات، فإن مساهمة يهود جنوب إفريقيا في خزانة الدولة العبرية تأتي في المرتبة الثانية بعد مساهمة يهود الولايات المتحدة. قد شهدت العلاقات الإسرائيلية - الإفريقية تطوراً، ففي عام 1997 بلغ عدد الدول الإفريقية التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل 48 دولة.
كما أن إسرائيل تخطط للاستفادة من الثروات الهائلة المملوكة لإفريقيا، حيث يمكن لإسرائيل استيراد العديد من السلع والمواد الخام مباشرة من الدول الإفريقية، فضلا عن قيامها ببيع منتجاتها الصناعية لإفريقيا وقدراتها التكنولوجية في مجال الزراعة، وهو ما يعني زيادة نطاق وحجم التبادل التجاري بين إسرائيل وإفريقيا. وتنظر إسرائيل إلى الدول الإفريقية باعتبارها سوقا استثمارية مهمة للشركات الإسرائيلية العامة والخاصة، وذلك في العديد من المجالات الاقتصادية والفرص الاستثمارية.
هذا بالإضافة إلي الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لمنطقة القرن الإفريقي، لاسيما إثيوبيا وإريتريا، حيث إنها مناطق بحكم الجغرافيا قريبة من باب المندب الذي يتحكم في مدخل البحر الأحمر الجنوبي، فضلا عن الأهمية بالنسبة للممرات البحرية والجوية المتجهة إلى شرق وجنوب إفريقيا.
أيضا، رغبة إسرائيل في تحييد المتغير الديني في الصراع العربي - الإسرائيلي، فالإسلام الأكثر انتشارًا في إفريقيا، فالدول الإفريقية إما أن تكون ذات أغلبية مسلمة أو أنها تمتلك أقلية مسلمة كبيرة. فإسرائيل ترى أن التعاون مع إفريقيا المسلمة يعني إمكانية استبعاد الصدام بين إسرائيل والعالم الإسلامي.
كما كان لتطور النظام الدولي تأثيرا ملموسا على حركة العلاقات الإسرائيلية - الإفريقية. ففي زمن الحرب الباردة كانت الدول الموالية للغرب، لاسيما الولايات المتحدة، مثل كينيا وكوت ديفوار تحافظ على علاقات وثيقة مع إسرائيل. أما الدول الموالية للاتحاد السوفييتي، مثل أنجولا وموزمبيق، فإنها كانت أكثر عداءً لإسرائيل، ويلاحظ أن مدى عمق الروابط الإفريقية مع العالم العربي، لاسيما خلال حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قد مثل قيداً حديديا على تطور العلاقات الإسرائيلية - الإفريقية.
ختاما، تبرز الأحداث التي تجري في منطقة الشرق الأوسط بأن الصراع والتنافس هو القائم حالياً بعد الخروج من منظومة الأحادية القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب وبروز الصين وروسيا كأبرز اللاعبين على الساحة الدولية، وبأن جميع الأنظار تصب على القارة الإفريقية بعد الانتهاء من التسويات وإعادة التمركز والتموضع بحل القضية السورية وغيرها من القضايا العالقة و"خطوط أنابيب النفط"، وتوزيع وتقسيم المناطق والنفوذ، وبعد ذلك سنرى بأن البوصلة الإقليمية والدولية تتجه نحو القارة الإفريقية، حيث بدا الخوف من صناعة "شرق أوسط جديد على الأرض الإفريقية" لم تتضح معالمه بعد، ولكن نرى فيه الاستخدام النشط للتنظيمات الإرهابية، وهى جماعات وتنظيمات وظيفية تولى وجهها متي صدرت الأوامر وأينما حان وقت استنزاف ثروات الشعوب.