لا تثير سيطرة طالبان علي كابول المخاوف علي الصعيد الداخلي فى أفغانستان فحسب، بل إن المهددات تمتد للنطاق الإقليمي، سواء في اتجاه الشرق الأوسط أو حتي شرقًا وصولًا إلي روسا والصين، الأمر الذي يعزز مخاوف ظهور موجة جديدة من الفوضي بالمنطقة، خاصة في ظل ظهور الكاتب الفرنسي "برنار هنري ليفي" عراب الخريف العربي بالمشهد الأخير، عبر مجموعة من التصريحات والحوارات الصحفية والتليفزيونية المكثفة حول الأوضاع المستقبلية في الداخل الأفغاني، مما يثير القلق بل يرجح سيناريو استخدام الأيديولوجيات المتطرفة فى صراع النفوذ القائم بين الغرب والشرق، خاصة أن "ليفي" أحد أهم أعداء معسكر الفكر الشرقي. حديث ليفي يظهر كأنه تقليم أظافر لطالبان، في محاولة لترويض الجماعة التي تربطه بقياداتها علاقة مميزة، وهذا سعيا للتوظيف الأمثل لطالبان بما يخدم أهداف الصراع. تصريحات "برنار ليفي"، التي تواكبت مع تصريحات أمريكية وغربية أخري، تركز علي حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة، في حين تتجاهل مخاطر طالبان علي الوضع الأمني داخليا وإقليميا، خاصة في ظل تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية لطالبان جماعة إرهابية. ولتحقيق ما يريد " ليفي" ولتأجيج الصراع الداخلي فى أفغانستان -تنفيذاً لمنهج الفوضي المعتمد علي وكلاء الحروب- يسعي "ليفي" لتكون ولاية بنجشير هي شرارة الحرب الأهلية، تلك الولاية التي لم تسقط بعد في يد طالبان ويسيطر عليها أحمد مسعود نجل أحمد شاه مسعود الذي كانت له صولات في مواجهة الوجود السوفيتي بأفغانستان. وبالفعل، هناك تواصل مستمر بين "ليفنى" وأحمد مسعود الذي عاد من بريطانيا عام 2019 مشكلا حزب سياسيا ومسيطرا علي ولاية بنجشير. وكتب "برنارد ليفي" عبر حسابه علي تويتر "لقد تحدثت هاتفيا للتو مع أحمد مسعود على الهاتف .. وقال لي: أنا ابن أحمد شاه مسعود والاستسلام ليس جزءًا من مفرداتي .. هذه هي البداية.. بدأت المقاومة للتو".
تغريدة ليفي إعلان ببدء الاقتتال الداخلي في أفغانستان، خاصة أن حركة طالبان لن تسمح لأحمد مسعود بالانخراط معها في الحكم، وأيضا الأخير وجه دعوة للإدارة الأمريكية والأفغان في الخارج لتأييد سعيه لقيادة الحركة الأفغانية المسلحة المناهضة لحركة طالبان، في إشارة لإمكانية تكرار "ملحمة بنجشير" الشهيرة في مواجهة الاحتلال السوفيتي، ولكن هذه المرة في مواجهة طالبان التي صرحت بأنها تريد إحداث تفاهم سياسي مع أحمد شاه بعيدا عن الاقتتال، ولكن الأخير يدرك أنها مجرد مناورة تهدف لإحباط عزيمته القتالية، ومن ثم تتجه الأوضاع للتصعيد في ظل الدعم الغربي لأحمد شاه عبر الوسيط "برنار ليفي"، وبعد إطلاق الضوء الأخضر لطالبان للسيطرة علي كابول بمباركة غربية أيضا لتأكل أفغانستان نفسها في حرب أهلية ستشتعل وتؤثر تبعاتها السلبية في الشرق الأوسط.
لا يمكن فصل الأحداث بالداخل الأفغاني عن صراع النفوذ القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، والتي تعد أفغانستان إحدى أوراق اللعب القديمة به، ولهذا يعد سيطرة الجانب الغربي علي طرفي الصراع بالداخل الأفغاني ضمانة لاستمرار الحرب الأهلية التي تنمو عبرها المهددات الأمنية التي من الممكن أن تؤثر في الصين وروسيا بالتحديد، ولاسيما أن بعض الأيديولوجيات المتطرفة قد تتمدد نحو الصين وروسيا مع توافر المناخ الملائم في بعض المناطق المحيطة، ويدعم هذا كون الحرب ستظهر كونها عقائدية، الأمر الذي يتيح للولايات المتحدة الأمريكية حرية الحركة فى منطقة الشرق الأقصى وجنوبه بالتحديد، وهي نقطة صراع النفوذ الجديدة بين القوي الكبرىز لذلك، لم يكن من المستغرب أن تتزامن زيارة نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس الآن لسنغافورة وفيتنام مع تطورات الأوضاع في أفغانستان، تلك الزيارة التي تعد الثالثة لمسئول أمريكي مهم لهذا النطاق الجغرافي. فقد ذهب كل من وزير الخارجية والدفاع لدول حلفاء للولايات المتحدة هناك، مثل اليابان والهند، وهنا يمكن القول إن الولايات المتحدة حققت بالفعل مكاسب بالجولة الأولي من صراعها مع الصين وروسيا، ولكن هذا لا يعني انتهاء الصراع، فمن المتوقع أن تستخدم موسكو وبكين أوراق لعب أخرى، ربما غير متوقعة، ستكشف عنها الجولة القادمة.