صنع الغرب ديمقراطية ذات مواصفات خاصة محاولا تصديرها وفرضها على جميع شعوب العالم؛ ديمقراطية إذا لم تطبق نموذجها بكل تفاصيله تصبح متهما من قبلهم بأنك غير ديمقراطى؛ ديمقراطية لها جانب واحد فقط، وهو الجانب السياسى وبنسق واحد لا يراعى خصوصية المجتمعات؛ ديمقراطية إذا عارضتها قالوا عنك ما فى الخمر، وإذا ارتضيت بها ودمرت وطنك رفعوك إلى مصاف القديسين.
ولكن مما لا شك فيه أنه لا يوجد ديمقراطية سياسية بدون ديمقراطية اجتماعية، فالديمقراطية الأحادية الجانب التي تقوم على البعد السياسي فقط التى ينادى بها الغرب، وعرابيهم فى الداخل أصحاب الياقات البيضاء. بمثل تلك المواصفات يكون لها نتائجها العكسية عندما تطبق فى مجتمعاتنا. فما يناسب شعوبنا هو الديمقراطية الكاملة القائمة على البعدين الاجتماعي والسياسي معا؛ بتدخلات اقتصادية واجتماعية لتعزيز العدالة الاجتماعية، فكيف لبطون خاوية وعقول تحت تأثير العوز أن تطلب منها القيام بالاختيار الصحيح. فالبطون الخاوية لا تحسن التفكير أو الاختيار، وهو ما آلت إليه الديمقراطية الغربية "الفرى سايز" فى انتخابات 2012، حينما انتهى الأمر إلى تيارات دينية فاشية غير وطنية، لم يتم صعودها إلا بادعائها أنهم يحكمون بما أمر الله، بينما إذا عارضتهم كفروك، وإذا أيدتهم رفعوك لمراتب الصحابة والتابعين.
وقد أخذت الدولة المصرية على عاتقها تغيير هذا المفهوم الخاطئ، وتعديل المسار نحو العدالة الاجتماعية لأبناء هذا الوطن وإشراكهم فى البناء والتنمية بدلا من الصراعات السياسية عديمة الفائدة إلا الدمار والمزيد من الفرقة بين أطياف الشعب الواحد.
فبدأت من القضاء على العشوائيات ونقل جميع سكانها إلى أماكن تحترم آدميتهم لحين بناء مسكن آمن لهم، فقد وصل عدد المناطق العشوائية الخطرة إلى 357 منطقة عشوائية بمختلف المحافظات، بواقع 242 ألف وحدة سكنية، تحتل القاهرة النصيب الأكبر منها، وما تم تنفيذه حتى الآن نحو 177 ألف و500 وحدة سكنية في نحو 298 منطقة عشوائية، ويجرى تنفيذ نحو 34700 وحدة في نحو 59 منطقة، وتبلغ تكلفة تطوير المناطق غير الآمنة نحو 36 مليار جنيه، فيما تصل قيمة الأراضي المقام عليها الوحدات السكنية لسكان هذه المناطق نحو 23.5 مليار جنيه.
وتعد أبرز المناطق التي تم تطويرها، والتي كانت أولى بشائر القضاء على العشوائيات، مشروع نهضة المحروسة، وحي الأسمرات، وتطوير منطقة ماسبيرو، وبشاير الخير بالإسكندرية.
أما الأسواق العشوائية، والموقف التنفيذي لها، فيبلغ عدد هذه الأسواق نحو 1105 أسواق بعدد 306 ألف وحدة، وتبلغ التكلفة التقديرية لتطوير هذه الأسواق نحو 44 مليار جنيه، تم تنفيذ نحو 19 سوقا، وجارى تنفيذ عدد 44 سوقا وتم اعتماد 7.8 مليار جنيه فى الموازنة الحالية لبرنامج دعم الإسكان الاجتماعي لمحدودى الدخل بزيادة 36.2% عن العام المالى السابق، وبواقع 4.1 مليار جنيه دعم نقدي، و3.7 مليار جنيه قيمة دعم المرافق، كما تم تخصيص 3.5 مليار جنيه لدعم توصيل الغاز الطبيعى لـ 1.2 مليون أسرة.
ومن أبرز بنود موازنة قطاع الحماية الاجتماعية هذا العام تخصيص 180 مليار جنيه مساهمات فى صناديق المعاشات بزيادة سنوية 5.9%، بالإضافة إلى 87.2 مليار جنيه لدعم السلع التموينية بزيادة سنوية 3.2%، فضلاً عن 12.1 مليار جنيه للدعم والمنح للأنشطة الاقتصادية، وكذلك تخصيص250 مليون جنيه لدعم تنمية الصعيد. وتم تخصيص 2.5 مليار جنيه لدعم الأدوية وألبان الأطفال بزيادة سنوية 42.9%، و178 مليون جنيه إعانات الشئون الاجتماعية والبرنامج القومى لتنمية الطفولة المبكرة، و70 مليون جنيه معاش الطفل، ليبلغ عدد المستفيدين 55 ألف مستفيد. ومن المستهدف زيادة المعاشات بداية من يوليو القادم بنسبة 13%، وسيتم ضخ 75 مليار جنيه لتمويل مبادرة القرى الريفية، فضلاً عن تخصيص 19 مليار جنيه لمعاش الضمان الاجتماعى وتكافل وكرامة ومبادرة حياة كريمة التى تستهدف 60 مليون مواطن فى 20 محافظة، أى نحو 5000 قرية ومركز حيث تستهدف الأسر الأكثر احتياجا في التجمعات الريفية، وكبار السن وذوي الهمم والنساء المعيلات والمطلقات، والأيتام والأطفال والشباب القادر على العمل، حيث تهدف إلى التخفيف عن كاهل المواطنين بالمجتمعات الأكثر احتياجا في الريف والمناطق العشوائية في الحضر. وتعتمد المبادرة على تنفيذ مجموعة من الأنشطة الخدمية والتنموية التى من شأنها ضمان “حياة كريمة” لتلك الفئة وتحسين ظروف معيشتهم.
وقد تم تقسيم القرى الأكثر احتياجا المستهدفة وفقاً لبيانات ومسوح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالتنسيق مع الوزارات والهيئات المعنية؛ بحيث تشمل المرحلة الأولى من المبادرة القرى ذات نسب الفقر من 70% فما أكثر، وهى القرى الأكثر احتياجا إلى تدخلات عاجلة، وتستهدف المرحلة الأولى عدد 377 قرية الأكثر احتياجا والأكثر تعرضا للتطرف والإرهاب الفكري، بإجمالي عدد أسر 756 ألف أسرة (3 ملايين فرد)، فى ١١ محافظة،أما المرحلة الثانية من المبادرة فتشمل القرى ذات نسب الفقر من 50% إلى ٧٠%، وهى القرى الفقيرة التي تحتاج لتدخل ولكنها أقل صعوبة من المجموعة الأولى، بينما تستهدف المرحلة الثالثة من المبادرة القرى ذات نسبة الفقر أقل من 50%، وهى ذات تحديات أقل لتجاوز الفقر.
وتشمل محاور عمل المبادرة: توفير سكن كريم، ورفع كفاءة المنازل، وبناء أسقف، وبناء مجمعات سكنية في القري الأكثر احتياجًا، ومد وصلات مياه وصرف صحي وغاز وكهرباء داخل المنازل، وبنية تحتية، ومشروعات متناهية الصغر، وتفعيل دور التعاونيات الإنتاجية في القرى، وخدمات طبية من بناء مستشفيات ووحدات صحية وتجهيزها من معدات وتشغيلها بالكوادر الطبية، وإطلاق قوافل طبية، وتقديم خدمات صحية من خلالها، مثل الأجهزة التعويضية (سماعات ونظارات وكراسي متحركة وعكازات ... إلخ)، وخدمات تعليمية من بناء ورفع كفاءة المدارس والحضانات وتجهيزها وتوفير الكوادر التعليمية، وإنشاء فصول محو الأمية، وتمكين اقتصادى بتدريب وتشغيل من خلال مشروعات متوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر، ومجمعات صناعية وحرفية وتوفير فرص عمل.
وتدخلات اجتماعية تشمل بناء وتأهيل الإنسان، وتستهدف الأسرة والطفل والمرأة وذوي الهمم وكبار السن. ومبادرات توعوية، وتوفير سلال غذائية وتوزيعها مُدَّعمة، وزواج اليتيمات بما يشمل تجهيز منازل الزوجية، وعقد أفراح جماعية، وتنمية الطفولة بإنشاء حضانات منزلية لترشيد وقت الأمهات في الدور الإنتاجي وكسوة أطفال.وتدخلات بيئية: كجمع مخلفات القمامة مع بحث سبل تدويرها ... إلخ.
أخيرا، فإذا رصدنا تقارير وآراء بعض المؤسسات الدولية فى هذا الصدد، منها تعليق "بلومبرج" بأن إصلاح منظومة الدعم قد ساهم فى زيادة النفقات الاجتماعية لحماية الفئات الأولى بالرعاية، وإشادة البنك الدولى ببرنامج تكافل وكرامة للتحويلات النقدية المشروطة وغير المشروطة، والذى يعد من بين أكبر استثمارات الحكومة المصرية فى تنمية رأس المال البشري، وأيضا إشادة معهد التمويل الدولى بقدرة الحكومة على التوسع فى الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية لدعم الفئات الأكثر احتياجاً والتركيز على احتواء الأزمة الصحية الطارئة، وكذلك تأكيد "موديز" على أن الإنفاق الحكومى قد استهدف فى السنوات الأخيرة توفير الموارد اللازمة لزيادة الإنفاق الاستثماري والاجتماعي، فإننا أمام الديمقراطية الحقيقية التى تتحقق فيها العدالة الاجتماعية أولا بين المواطنين الذين يتحررون بها من استغلال المستغلين ويتمكنون بها ومن خلالها من امتلاك حريتهم وممارسة إرادتهم دون جبر أو إكراه، أو ضغط الحاجة الناتجة عن الفقر والبطالة والعوز.