(رجعت ريما لعادتها القديمة) هو أحد الأمثال العربية الشهيرة، والذي بقي إلى يومنا هذا، ويُضرب للشخص الذي يعود إلى عمل بعد أن قرر التوقف عنه، وأصل المثل هو: (عادت حليمة إلى عادتها القديمة) ثم تم تحريفه.. و"حليمة" هي زوجة حاتم الطائي الذي اشتهر بالكرم، كما اشتهرت هي بالبخل، فكانت إذا أرادت أن تضع سمناً في الطبخ ارتجفت الملعقة في يدها، فأراد حاتم أن يعلمها الكرم فقال لها: إن الأقدمين كانوا يقولون إن المرأة كلما وضعت ملعقة من السمن في طنجرة الطبخ زاد الله بعمرها يومًا، فأخذت حليمة تزيد من ملاعق السمن في الطبخ، حتى صار طعامها طيبًا وتعودت يدها على السخاء! ولما مات ابنها الوحيد الذي كانت تحبه أكثر من نفسها، جزعت حتى تمنت الموت، وأخذت لذلك تقلل من وضع السمن في الطبخ حتى ينقص عمرها وتموت فقال الناس: "عادت حليمة إلى عادتها القديمة".
والمثل يفهمنا ما أصبح من المألوف والمعتاد لدى المصريين أن يستقبلوه من ردود أفعال أهل الشر من تنظيم (ريما) أو (حليمة) الإخوان، تجاه كل ما هو وطني ومصري صميم، حتى لو كان عملا فنيا دراميا، بعدوانيتهم الفاضحة، فهم يستشعرون الخطر دوما من نبضات الوطنية التي تنبعث من أي صوب أو حدب، يرونها جيشًا مدججًا بالسلاح يرفعه في وجوههم ليطيح بهم بعيدًا عن مرمى الوطن، ليعيدهم إلى أسيادهم وأولياء نعمتهم في قطر وتركيا وغيرها يجرون أذيال الخيبة والفشل في النيل من مقدرات مصر، فهم مدفوعون تجاه مكمن قوة مصر الحقيقية، وهو جيشها العظيم.
وبنظرة سريعة لما يبثه الإعلام المعادي نجد الرغبة الانتقامية المحمومة المسيطرة على برامجهم، بغية النيل من تاريخ خير أجناد الأرض، وما ينطوي عليه من أمجاد وبطولات وسير ووقائع موثقة، فكيف بالله عليكم لا ينتفضون رعبا وانزعاجا من الأعمال الفنية التي تكذب أضاليلهم وتسقط سلاحهم الإعلامي المغرض، لذا نراهم يحاربون هذه الأعمال وهي في مهدها، ويشنون سيلا من الحملات المقللة من شأن نجوم هذه العروض الدرامية ووصفهم بما ليس فيهم بمنتهى الدونية والتطاول، وذلك بمجرد بدء الإعلان عنها ووضعها على المائدة الرمضانية بالتليفزيون، أكثر الشهور التي تكثف فيها المشاهدة لهذا النوع من الوجبات الشهية التي تغذي الروح والوجدان الشعبي الوطني لدى المواطنين، وتكشف أمامهم نضالًا خاضه الجيش للدفاع عن مصرنا المحروسة بأمر الله، وقواتنا المسلحة القوية، فكيف يتحملون ما تقوم به القوى الناعمة المصرية الممثلة في الفن الأكثر تأثيرًا بين الفنون، وهو الدراما التليفزيونية؟!.
فكما حالة السعادة والسرور التي استقبل بها المصريون التنويه عن "السرب" الذي يدور حول العملية التي تحمل هذا الاسم ثأر بها سلاح الطيران المصري ضد مواقع لتنظيم "داعش" في مدينة درنة الليبية ردًا على ذبح التنظيم لمواطنين مصريين، هللوا فرحًا لعرض الجزء الثاني من مسلسل "الاختيار" الذي عرض الجزء الأول منه في رمضان الماضي، و(القاهرة كابول)، و(هجمة مرتدة)، كل هذه الأعمال الفاضحة لكل أفعال الخيانة والدنس التي مورست على مصر ليصل هذا الفصيل المتأسلم إلى حكم البلاد، ليبقى خمسمائة عام كما خطط له، لكن هيهات مع شعب يملك مقدراته وجيشا عظيما يستطيع أن يبيد الأعداء من (فوق وش الأرض)، وقيادة سياسية محنكة، استطاعت تفويت الفرصة على التنظيمات الإرهابية كافة وكشفها حتى لرجل الشارع العادي، فأصبح يلفظهم ويزدريهم كل مواطن شريف يقدس تراب هذا البلد الطاهر. وقد لعب الفن دورًا بارزًا في نشر حقائق كثيرة غمضت علينا في حينها، لكننا استطعنا إدراكها من خلال تلك الأعمال الذكية. لقد تعلق الجماهير بنجوم تلك الأعمال، ليس فقط لبراعتهم في تجسيد أدوارهم على الشاشة، لكن كانت هناك رغبة أيضا في الشد على أيديهم ومنحهم الثقة في استكمال هذه النوعية من الدراما التليفزيونية، وألا يسقطوا في شرك محاولات (التطفيش) و(التشهير) بعد الهجوم الممنهج للنيل منهم وإحباطهم من قبل تنظيم الدنس والفجور كعادته في رمي الكرسي في الكلوب.
لقد تم استخدام الفن كسلاح فتاك ضارب كاشف كما ينبغي له أن يكون، وهنا استوقفتني مقولة لكونفوشيوس يؤكد فيها دور الفنون، حين قال: "ضع الألفاظ موضعها، فحين لا تضع الألفاظ موضعها تضطرب الأذهان وتفسد المعاملات، وحين تفسد المعاملات لا تُدرس الموسيقى وﻻ تؤدى الشعائر الدينية، وحين لا تدرس الموسيقى وﻻ تؤدى الشعائر الدينية، تفسد النسبة بين العقوبة واﻹثم، ولا يدري الإنسان على أي قدميه يرقص، ولا ماذا يفعل بأصابعه العشرة!".
لقد وضعت هذه الأعمال في مواضعها، وأدت دورها على الوجه الأكمل، والتف جموع الجماهير في الشارع المصري والعربي حولها يستعيدون الأحداث ويبكون على شهداء ضحوا بأرواحهم ورحلوا في عزة وكرامة لنحيا في سلام وأمان. لقد رأينا ما تحملوه من أهوال ولم تخفت لهم عزيمة ولم تخر لهم قوة، إنها تقدم للأجيال الصاعدة القدوة والمثل العليا في كيف نحب وطننا وندافع عنه باستبسال فهو الشرف والعرض، لقد تركنا ريما الإخوان تعيد سلوكها المكرور المستهجن دون طائل ولا نتيجة ترتجى بعد يقظة شعب استطاع في وقت وجيز لملمة شتاته، والمضي قدما بوثبات رشيقة ترسم خطى المستقبل المأمول الذي يستحقه بلد بحجم مصر، وكان لحفل نقل المومياوات إلى المتحف الحضاري ما أكد واستكمل دور الفنون في محاربة الفكر الأسود الفاسد. لقد رفع رأس مصر وشعبها عاليا، فلم نعد نرى هؤلاء الأقزام الموتورين، فليذهبوا إلى الجحيم ولتحيا مصر دائمًا وأبدًا.
فلم تفلح محاولات تشويه مفتعلة لفنون مصرية وتاريخ عريق أبهر العالم أجمع، فليعودوا إلى كهوفهم لماذا يزاحمون مدنيتنا؟! وليمارسوا جاهليتهم بعيدًا عن ثوب مصر الحضاري وفكرها التنويري الحكيم.