فيأول خطاب رئيسي لوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بعنوان"سياسة خارجية للشعب الأمريكي" أعلن عن" التوجيه الاستراتيجي المؤقت"، الذيستتبعه إدارة بايدن بشأن أمنها القومي وسياستها الخارجية خلال الفترة المقبلة لحين استكمال وضع الإدارة الأمريكية لاستراتيجية متكاملة للأمن القومي خلال الأشهر القادمة، فما هو هذا التوجيه، وما هيأولويات عمل إدارة بايدن؟
يتمحور التوجيه الاستراتيجي المؤقت حول إعطاء توجيه أولي لوكالات الأمن القومي الأمريكية لتتمكن من القيام بمهامها خلال الأشهر القادمة. ووفقاً لخطاب وزير الخارجية الأمريكي تحدد هذه التوجيهات المؤقتة المشهد العالمي كما تراه إدارة بايدن، وتشرح أولويات سياستها الخارجية وكيفية تجديد أمريكا لمواطن قوتها فيمواجهة التحديات واغتنام الفرص.
وتناول وزير الخارجية الأمريكي كيفية تنفيذ "الدبلوماسية الأمريكية" وفقاً لاستراتيجية الرئيس بايدن، حيث تم تحديد أولويات السياسة الخارجية لحكومة بايدن، من خلال طرح بعض الأسئلة، مثل: "ماذا ستعني السياسة الخارجية الأمريكية للعمال الأمريكيين ولأسرهم؟ ما الذي ينبغي أن تفعله أمريكا في جميع أنحاء العالم لتقوية الداخل الأمريكي؟، وما الذي يجب أن تقوم به أمريكا فيالداخل لتقوية مكانتها فيالخارج؟. وهي التساؤلات التي توضح عدم فصل الرئيس بايدن لسياسته الداخلية عن سياسته الخارجية ورؤيته بتأثير وتأثر كل منهما على الآخر.
نهج مختلف عن أوباما وتجاهل إرث ترامب، حيث أكد"بلينكن" أن السياسة الخارجية الامريكية الحالية تنظر للعالم برؤية واستراتيجية ونهج مختلف، لذا، هيلا تعد استكمالا لسياسة أوباما من حيث توقف "وكأن الأربعة سنوات الماضية لم تحدث"، فيإشارة إلى النجاحات التي حققتها السياسة الخارجية لإدارة أوباما، مثل الاتفاق النووي مع إيران، والتعاون مع العالم لمعالجة التغير المناخي متجاهلاً بذلك حقبة ترامب، وأنها شهدت تراجعاً لدور أمريكا الخارجي وتدهورا لعلاقات أمريكا مع حلفائها والذي اتضح في إشارته لأهمية القيادة والمشاركة الأمريكية، "وسعادة أصدقاء أمريكا بعودتها".
وفيهذا السياق، تتضح رؤية بايدن لإعادة تقوية تحالفات أمريكا وسعيه لإعادة دور أمريكا العالمي والذياتضح في إشارة بلينكن بأن العالم لاينظم نفسه، وأن تراجع الولايات المتحدة الأمريكية فيالغالب يحدث أحد أمرين: " إما أن تحاول دولة أخرى أن تأخذ مكانها، ولكن ليس على نحو يعزز مصالح وقيم أمريكا، أو ما هو أسوأ بنشر الفوضى والتيتحدث مخاطر مما لايعود على أمريكا بالخير.
كما أكد بلينكن على مبدأ ثابت لسياسة بايدن الخارجية، وهو"التعاون" وخاصة في مواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي وغيرها، حيث أشار إلى أن "أمريكا بحاجة لتعاون دول العالم أكثر من أي وقت مضي، وأن أي دولة حتى لو كانت قوية مثل الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع أن تواجه التحديات العالمية منفردة".
الدبلوماسية لها الأولوية والقوة الرادعة تمنحها الفاعلية، حيث عكس خطاب وزير الخارجية الأمريكيالجمع بين"الدبلوماسية" في السياسة الخارجية الامريكية و"القوة الرادعة"، مع منح الأولوية للدبلوماسية كأفضل طريقة للتعامل مع أيتحديات، واعتبار أن القوة الرادعة للجيش الأمريكي تمنح الدور الدبلوماسيالفاعلية.
وفيسياق ما سبق، تعكس الأولويات التي طرحها وزير الخارجية الأمريكي لسياسة إدارة بايدن خلال الفترة القادمة أو كما أطلق عليها " التوجيه الاستراتيجيالمؤقت"؛ الجمع بين القضايا الداخلية والقضايا الخارجية وعدم التفرقة بينهما، وإعادة التأكيد على ما طرحه في تصريحات سابقة بأن التطوير والإصلاح على المستوى الداخلي، وقوة ودور أمريكا الخارجي مرتبطان ومتشابكان تماماً، لذا سيعكس إسلوب عمل إدارة بايدن هذا الأمر، وفيهذا السياق طرح وزير الخارجية الأمريكي أولويات عمل إدارة بايدن خلال الفترة القادمة كما يلي:
أولاً: العمل على احتواء فيروس كورونا وتعزيز الأمن الصحيالعالمي؛ وذلك من خلال العمل مع شركاء وحلفاء أمريكا للحفاظ على تقدم جهود التطعيم العالمية، هذا إلى جانب توظيف المزيد من الاستثمارات فيالأمن الصحيالعالمي– بما فيذلك أدوات التنبؤ بالأوبئة ومنعها ووقفها، والالتزام العالميالراسخ بتبادل المعلومات الدقيقة، وفيالوقت المناسب– حتى لا تتكرر أزمة كهذه أبدا.
ثانيًا: تغيير اتجاه الأزمة الاقتصادية، وبناء اقتصادًعالمى أكثر استقراراًوشمولية، وتحديد سياسة تجارية لأمريكا تعمل على تنمية الطبقة الوسطي؛ وذلك عن طريق تمرير السياسات الصحيحة فيالداخل الأمريكي، مثل حزمة الإغاثة، ووضع سياسة تجارية محددة وصحيحة تعمل عليتنمية الطبقة المتوسطة، بالتوازي مع إدارة الاقتصاد العالمي بما يحقق الفائدة الفعلية للشعب الأمريكي، والذي لا يتمثل فقط في تحقيق ناتج محلي إجمالي أكبر أو سوق أسهم متصاعد فقط، بل أيضاً توفير وظائف جيدة ذات دخول جيدة، وتكاليف معيشية أقل للعمال الأمريكيين وأسرهم. هذا إليجانب تغير النهج الأمريكي بالبناء علي الدروس المستفادة من سلبيات اتفاقيات التجارة الحرة، والمناضلة من أجل كل وظيفة أمريكية وحقوق جميع العمال الأمريكيين وحمايتهم ومصالحهم، واستخدام كافة السبل والأدوات لمحاربة الفساد ومنع البلدان من سرقة الملكية الفكرية الأمريكية أو التلاعب بعملاتها للحصول على ميزةغير عادلة.
ثالثًا: تجديد الديمقراطية؛ وذلك من خلال إصلاح الديمقراطية الأمريكية وتقديم نموذج للعالم بالتعاون مع الديمقراطيات الأخرى، والترويج له بأسلوب مختلف عن الماضي، في إشارة لاستخدام الدبلوماسية في هذا الأمر والتأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تروج للديمقراطية من خلال التدخلات العسكرية المكلفة أو بمحاولة الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية بالقوة، وهو الأسلوب الذي اتبعته أمريكا فيالماضي إلا أنه فشل.
رابعًا: إنشاء نظام هجرة إنساني وفعال؛ من خلال ضبط الحدود وفقاً للقانون للحفاظ على الأمن القومي الأمريكي، بالتوازي مع إيجاد حل دبلوماسيلهذه الظاهرة بالتعاون مع الدول الأخرى وخاصةً دول أمريكا الوسطي لمساعدتهم على توفير أمن مادي وفرص اقتصادية أفضل، حتى لا تكون الهجرة هي الطريقة الوحيدة لتوفير حياة أفضل للأشخاص وذويهم، مع التأكيد على الهوية الوطنية الأمريكية بأنها بلد مهاجرين، وأهمية العودة لهذا الأمر الذي تم الابتعاد عن هذا الأمر خلال السنوات الماضية في إشارة لإدارة ترامب.
خامسًا: تنشيط العلاقات الأمريكية مع الحلفاء والشركاء؛ حيث تم التأكيد رؤية إدارة بايدن لأهمية عودة أمريكا لحلفائها وشركائها وتقاسم تكاليف وأعباء التحالف معاًدون أنيتحملها أحد دون الآخر، وإعادة صياغة الشراكات التي تم بناؤها منذ سنوات للتناسب مع تحديات الحالية والمستقبلية، والتأكيد على رؤية القوات المسلحة الأمريكية بأن التحالفات الأمريكية تمثل "عوامل مضاعفة للقوة الأمريكية".
سادسًا: التعامل بفاعلية مع أزمة المناخ وقيادة ثورة للطاقة الخضراء؛ وذلك من خلال التعاون بين واشنطن والمجتمع الدولي كله لحل هذه الأزمة المهددة للعالم كله، إلى جانب العمل عليتخفيض نسبة الانبعاث الكربونيالصادر من الولايات المتحدة الأمريكية البالغ نحو15% من تلوث الكربون فيالعالم. وبالتوازي مع ذلك، ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية علي تطوير قطاع الطاقة المتجددة بها لقيادة السوق العالميللطاقة المتجددة ومحاولة اللحاق بركب الدول التي سبقتها فيهذا الشأن والتفوق عليها، مما يحقق المصالح الأمريكية ايضاً فيما يتعلق بتوفير ملايين فرص العمل ذات الدخل الجيد للأمريكيين فيمجال الطاقة المتجددة.
سابعًا: تأمين المركز الريادي لأمريكا في مجال التكنولوجيا؛ تطرق وزير الخارجية الأمريكي في خطابه لأهمية تأمين الريادة الأمريكية في مجال التكنولوجيا في ظل وجود ثورة تكنولوجية عالمية، وتسابق العالم على تطوير ونشر التقنيات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الحكومية، التي يمكن أن تعيد صياغة كل شيء يتعلق بالحياة من مصادر الحصول على الطاقة إلى كيفية تأدية العمل، وكذلك خوض الحروب، وهو الأمر الذي يتطلب معه التأكد من أن التقنيات الجديدة التي ستستخدمها أمريكا تحمي خصوصيتها وتجعل العالم أكثر أمناً لأنها تجعل النظم الديمقراطية أكثر متانة وأكثر قدرة على التكيف، إلي جانب العمل علي تقوية التقنيات الدفاعية الأمريكية وخاصة بعد تعرض شركةSolarWinds وهو أكبر اختراق لشبكات الحكومة الأمريكية العام الماضي، والذيعكس مدى تصميم خصوم الولايات المتحدة الأمريكية على استخدام التكنولوجيا من أجل تقويضها، وهي ما تعد إشارة غير مباشرة لكل من روسيا والصين.
ثامنًا: إدارة العلاقات الأمريكية مع الصين، والتيتمثل أكبر اختبار جيوسياسي لأمريكا في القرن الـ21: وقد أوضح بلينكن أن الصين تشكل تحديا جادا للنظام الدولي المستقر فهي الوحيدة التي لديها مقومات القوة الاقتصادية، والدبلوماسية، والعسكرية، والتكنولوجية لذلك، ووفقاًلإشارة بلينكن، ستكون العلاقات الأمريكية مع الصين" تنافسية عندما ينبغي أن تكون كذلك، وتعاونية عندما ينبغي أن تكون كذلك، وعدائية عند الحاجة لذلك".
على أن تتضمن الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصين التعامل من موقع قوة، عبر الاستثمار فيالعاملين والشركات والتكنولوجيا الأمريكية، والإصرار على تكافؤ الفرص، وذلك بتعاون أمريكا مع حلفائها وشركائها والتعاون مع المنظمات الدولية، فيإشارة إلى تراجع الدور الأمريكي خلال فترة حكم ترامب مما أدي إلى ملء الصين لهذا الفراغ، هذا إلى جانب الدفاع عن قيم أمريكا المتعلقة بحقوق الانسان والديمقراطية حيث انتقد "بلينكن" انتهاك حقوق الإنسان فيشيانجينج والانتقاص من الديمقراطية فيهونج كونج.
وختاماً: طرح أول خطاب رئيسي لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بعنوان"سياسة خارجية للشعب الأمريكي" الإعلان عن" التوجيه الاستراتيجي المؤقت"، وهو التوجيهات والأولويات الاستراتيجية المؤقتة التي ستتبعها إدارة بايدن بشأن أمنها القومي وسياستها الخارجية خلال الفترة المقبلة لحين استكمال وضع الإدارة الامريكية لاستراتيجية متكاملة للأمن القومي خلال الأشهر القادمة، والتيمن أبرز سماتها الجمع بين القضايا المحلية والقضايا الخارجية وعدم التفرقة بينهما، فيإعادة للتأكيد على ما طرحته إدارة بايدن خلال الفترة الماضية بأن ستعمل وفق استراتيجية تجمع بين التطوير والإصلاح على المستوى الداخلي، وعودة أمريكا لقيادة العالم انطلاقاً من أن قوة أمريكا ودورها الخارجي مرتبطان ومتشابكان تماماً، هذا بالإضافة عليالتأكيد علي مبدأ "الدبلوماسية أولاً"، مع الإشارة إلي أن قوة أمريكا الرادعة هي من تمنح الدبلوماسية الفاعلية.