تصاعدت خلال السنوات الأخيرة عمليات اختطاف الرهائن من قبل التنظيمات الإرهابية داخل القارة الإفريقية، للحصول على أموال طائلة مقابل الإفراج عنهم، مما جعلها تمثل موردا اقتصاديا رئيسيا لتلك التنظيمات، فضلاً عما تحققه لها من شبكة علاقات واسعة مع العديد من أجهزة الاستخبارات المختلفة من داخل المنطقة وخارجها، إضافة الى استغلال الرهائن كورقة ضغط للإفراج عن عناصرها، وهو ما خلق حالة من التنافس بين تلك التنظيمات على تلك التجارة الرائجة بالنسبة لها.
ويعد تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى، أبرز التنظيمات التى تعمل فى هذا المجال، حيث قام خلال السنوات الماضية، بالعديد من عمليات اختطاف الرهائن الأجانب، كان من أبرزها، الرهينة الفرنسية صوفي بيترونين، واثنان من الرهائن الإيطاليين، واللذين تم الافراج عنهما فى 11 أكتوبر 2020، مقابل فدية مالية قدرها 30 مليون يورو، الى جانب الإفراج عن 200 من عناصره المحتجزين لدى السلطات المالية، وهو ما قابله التنظيم باحتفالية كبيرة، يظهر فيها عشرات من مقاتلي التنظيم المفرج عنهم يتوسطهم "إياد أغ غالي" أمير جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التى تعد المظلة الكبرى للتحالفات القاعدية فى القارة الإفريقية، الأمر الذى يطرح تساؤلاً حول الأسباب التي تشجع التنظيمات الإرهابية على التوسع في عمليات اختطاف الرهائن خلال السنوات الماضية، لاسيما أن عائدات اختطاف الرهائن قُدِّرت بـ 50 مليون دولار عام 2020.
تصاعد عمليات الاختطاف:
على مدار السنوات الماضية، وسعت التنظيمات الإرهابية من عمليات اختطاف الرهائن، طمعاً في الحصول على الأموال الطائلة التي تدفعها حكوماتهم مقابل الإفراج عنهم، فجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي أعلنت الإفراج عن الرهينة الفرنسية وايطاليين آخرين، لا تزال تحتجز ست رهائن غربيين على الأقل، وذلك لعقد صفقة جديدة تحصل فيها على مبالغ مالية ضخمة، بعد ان ذاقت شهية الأموال الطائلة التي تجنيها من تلك العمليات، لاسيما أن العديد من عمليات الاختطاف لا يتم الإعلان عنها من قبل الحكومات، التي تفضل التفاوض في سرية ودفع الفدية للإرهابيين دون حدوث ضجة إعلامية، حتى لا تتهم بالرضوخ الى التنظيمات الإرهابية ودعمها مالياً، لاسيما أن الأموال التي تدفعها مقابل الإفراج عن الرهائن تعد ضخمة للغاية.
شجع هذا الأمر مجموعات إرهابية أخرى على الدخول في عمليات اختطاف الرهائن، حتى لا تترك ذلك المصدر المهم للتمويل لتنظيم القاعدة يستفيد منه منفرداً، حيث دخلت جماعة "بوكو حرام" –ذراع تنظيم "داعش" في غرب إفريقيا- هى الأخرى على خط تجارة الرهائن، وقد قدرت وزارة الخزانة الأمريكيّة إيرادات جماعة "بوكو حرام" بعشرة ملايين دولار سنويًّا، يأتي معظمها من عمليات اختطاف المواطنين الأجانب والمحليين الأثرياء، على غرار اختطافها لرجل أعمال نيجيري، وإطلاق سراحه مقابل فديَّة مقدارها مليون دولار، هذا الى جانب محاولات اختطاف رعايا الدول الكبرى، على غرار ما اعلنته وزارة الدفاع الأمريكية في 31 أكتوبر 2020، بأن قواتها في نيجيريا نجحت في إنقاذ مواطن أمريكي، كان قد اختطف على يد مجموعة إرهابية مسلحة في النيجر للحصول على أموال مقابل إطلاق سراحه، وتم نقله الى داخل نيجيريا لقطع الطريق على تحريره، وهو ما يشير الى وجود شبكة إرهابية عابرة للحدود تعمل في هذا المجال.
وفي شهري فبراير ويوليو ٢٠٢٠، تعرضت مجموعة من العمال الصيينون الموجودين في نيجيريا لعمليات اختطاف من قبل المجموعات الموالية لجماعة بوكو حرام، للحصول على الأموال مقابل الإفراج عنهم، وهو ما أدى إلى خسارة ٢٠ مليار دولار أمريكي للمشروع الصيني، خاصة أنه إذا لم تتم الاستجابة لمطالب الخاطفين غالباً ما يتم إعدام الرهائن، حتى تعلم الدول والحكومات جدية تلك التنظيمات فى تنفيذ تهديداتها، وبالتالى تضطر الى دفع الفدية المطلوبة.
من جهة أخرى، فإن تصاعد عمليات الاختطاف قد أدى الى بروز شبكة من الوسطاء في المناطق التي تنشط فيها المجموعات الإرهابية التي تقوم بتلك العمليات، منها شيوخ قبائل ورجال أعمال لهم علاقات بقيادات التنظيمات الإرهابية، لاسيما في ظل وجود ما يعرف بالإرهاب القبلي والعرقي، على غرار حركة تحرير ماسينا التي تعد أحد مكونات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، حيث إن كل عناصرها تقريباً من عرقية الفولاني، وهو ما جعل عددا من شيوخ تلك العرقية مرتبطين بعلاقات مع قادة الجماعة، تمكنهم من لعب دور فى الإفراج عن الرهائن، مقابل الحصول على نسبة من قيمة الفدية، مما جعل عمليات الاختطاف تمثل بالنسبة لهم تجارة رائجة تدر عليهم أموال ضخمة، فضلاً عن توثيق علاقاتهم بأجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية.
عوامل محفزة:
يمكن القول إن هناك مجموعة من العوامل قد شجعت التنظيمات الإرهابية على التوسع في عمليات اختطاف الرهائن، لاسيما بعد أن أصبحت تمثل مصدر تمويل رئيسيا لتلك التنظيمات، ويمكن تحديد أبرزها في النقاط التالية:
سهولة عمليات الاختطاف: تعد عمليات اختطاف الرهائن من أسهل العمليات التي يمكن أن تقوم بها التنظيمات الإرهابية، في ظل انتشار العديد من الشركات والمنظمات الأجنبية العاملة في المناطق التي تنشط بها تلك التنظيمات، خاصة عند مقارنتها بالعمليات العسكرية التقليدية التي تشنها ضد القوات الحكومية، حيث لا تحتاج تلك النوعية من العمليات سوى لمجموعة مسلحة صغيرة تقوم برصد أحد المواطنين الأجانب، ثم إجباره تحت تهديد السلاح على التوجه معهم نحو المنطقة التي يرغبون في الذهاب اليها، خاصة أن ذلك المواطن غالبا ما يكون غير مسلح وبعيد عن المناطق التى تتمتع بحماية أمنية، ثم يتم احتجازه لفترة زمنية حتى تقوم حكوماته بدفع الفدية المالية، التي غالبا ما تكون ملايين الدولارات، على خلاف عمليات التهريب عبر الحدود والهجرة غير الشرعية، التي كثيراً ما تفرض على العناصر الإرهابية الدخول في مواجهات مسلحة مع القوات الحدودية، أو عصابات الجريمة المنظمة المنافسة لها في هذا المجال، دون أن تحقيق الأرباح.
الحصول على الأموال الطائلة: يدرك المتابعون لنشاط التنظيمات الإرهابية، التي تقوم بعمليات الاختطاف للحصول على الفدية، أنها تختار المستهدفين بعناية، حيث تركز على مواطني الدول الغنية، مثل فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وانضمت اليهم مؤخراً الصين، بعد أن بدأت تتوسع فى مشروعاتها داخل القارة الإفريقية، وذلك دون الالتفات الى مواطني الدول الفقيرة، حيث يعلم قادة تلك التنظيمات أن هذه الدول لديها القدرة على الدفع بسخاء من أجل تحرير مواطنيها، لتجنب الضغوط الداخلية من ناحية، وحفظ هيبتها على الساحة الدولية من ناحية أخرى، مما يفسر حرص تلك الحكومات على التفاوض بسرية مع التنظيمات الإرهابية، وهو ما تستغله تلك التنظيمات في رفع سقف مطالبها المالية، حيث يمكنها أن تحصل في الصفقة الواحدة على عشرات الملايين من الدولارات، وهو ما يفوق ما تحققه خلال سنوات من التجارة غير الشرعية، مما يجعل عمليات اختطاف الرهائن تمثل مصادر تمويل غير تقليدية.
تواطؤ بعض المسئولين المحليين: تشير العديد من التقارير الى أن قادة بعض المسئولين فى حكومات دول الساحل والصحراء تستغل عمليات الاختطاف في التربح والحصول على أموال طائلة لنفسها، مما يجعلهم يحرصون على أن يتولوا التفاوض مع التنظيمات الإرهابية، وعدم حدوث لقاءات مباشرة بين حكومات الرهائن والمختطفين، على غرار الرئيس البوركيني المخلوع "بليز كامباوري"، الذى كان يحرص على التدخل في عمليات التفاوض مع الحركات الإرهابية في شمال مالي، حيث كان يتسلم فدية الرهائن الغربيين، ويحتفظ لنفسه بثلثي المبالغ المقدمة، ويسلم الإرهابيين الثلث المتبقي، وهو ما يفسر حرص الفرنسيين في عملية التفاوض الأخيرة مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، على تنحية الوسطاء من الحكومة المالية، والتفاوض بشكل مباشر مع الجماعة، وهو ما أسفر عن حصول الجماعة على ما يقرب من 25 مليون يورو نقداً، ومن ثم فإن عملية الاختطاف صارت تمثل مصدر مالي مهم، ليس للإرهابين فقط، وإنما أيضاً لبعض القيادات الحكومية.
استعراض القوة والنفوذ: تحتاج التنظيمات الإرهابية الى الكثير من الأموال من أجل الجذب والتجنيد، وهو ما يجعلها تتوسع في عمليات اختطاف الرهائن الغربيين، خاصة أن المناطق التي تنتشر فيها غالبا ما تتسم بالفقر الشديد وتدهور الأوضاع الاقتصادية. وتكشف الصور التي نشرتها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عن الاحتفالية الكبيرة بعناصرها المفرج عنهم، عن رغبة الجماعة في إيصال رسالة، مفادها أنها لديها الكثير من الأموال التي تمكنها من الإنفاق على عناصرها بشكل جيد، وهو ما يمكن أن يشجع العديد من المتطرفين في تلك المناطق على الانخراط في صفوفها، مما يوفر لها موارد بشرية تحتاجها خلال المرحلة القادمة، في ظل رغبتها في توسيع نفوذها في مناطق جديدة داخل القارة على غرار غينيا وساحل العاج، وذلك لترسيخ المشروع القاعدي الهادف الى تحويل منطقة الساحل والصحراء إلى معقل تنظيم القاعدة.
أخيرا، على ضوء ما سبق، يمكن القول إن الفترة القادمة قد تشهد المزيد من عمليات اختطاف الرهائن في المناطق التي تنشط فيها التنظيمات الإرهابية، في ظل ما تجنيه من أموال طائله لا يمكنها على الحصول عليها من مصادر أخرى، وهو ما يفرض على المجتمع الدولى ضرورة المبادرة بالتصدى لتلك الظاهرة بطرق جذرية، خاصة داخل القارة الإفريقية التي بدأت تشهد تنافسا بين التنظيمات المختلفة على اختطاف الرهائن.