إن الحروب المعلوماتية قديمة قدم النزاع البشري، وظلت الدوافع الكامنة وراء هذه الحروب على حالها عموما، وتشمل هذه الدوافع السعي لتقويض ثقة الخصم، وتعطيل خطوط اتصالاته وإرباكها، وخلق الأوهام في نفسه بشأن طبيعة النزاع ومكانه.
أما ما استجد في القرن الحادي والعشرين الذي تشيع فيه البنى التحتية المعلوماتية الإلكترونية بصلاتها الرقمية، هو شراسة الهجمات المعلوماتية التي يمكن أن تمزق النسيج الاجتماعي للبلد المستهدف وتكررها والقدرة البالغة على إلحاق أضرار مادية واسعة نتيجة انتشار وتوغل التجارة الإلكترونية والتواصل الرقمى بين البلاد وبعضها، وهو ما يمكن أن يُطلق عليه اسم الحرب الباردة السيبرانية.
وأدى الاستخدام المكثف لتكنولوجيا المعلومات الجديدة إلى تعزيز القدرات القتالية للأسلحة التقليدية والتكنولوجيات العسكرية الأخرى. ولهذا السبب، فإن العسكريين ينظرون إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على أنها سلاح وهدف في آن معاً، كما يعتبرون الفضاء السيبراني ميداناً لخوض الحروب مثله مثل الجو، والفضاء، والبر، والبحر.
الثورة الصناعية الرابعة:
شهد العالم عدة ثورات عالمية صناعية أثرت فى البشرية بالإيجاب وزادت مع معدلات التقدم والرفاهية وضمنّت عدة سلبيات، ودائما ما تكون السلبيات سبيلاً لابتكار حلول وظهور اختراعات أخرى وتعديلات لقوانين، وأيضاً تغيرات إجتماعية.
"فقدرة الإنسان والعالم على التكيف مع التطورات هى الضامن الوحيد لإستمرار الحياة، وقدرة الإنسان والعالم على التطور مع حركة العلم والصناعة والتكنولوجيا بشكلها القديم والحديث هى الضامن الوحيد لاستمرار حركة التقدم والتعلم والريادة".
فى عام 1760، كانت الثورة الصناعية الأولى مع ظهور الآلة فى شكلها الأولي مجسده فى محرك البخار، وما طرأ على العالم من تغيرات فى البنية الصناعية والاجتماعية عقب هذه الثورة.
وفى عام 1840، كانت الثورة الثانية مع ظهور الكهرباء، والتى ساهمت بشكل كبير فى الزيادة الكمية لمعدلات الصناعة والإنتاج وزيادة أيضاً فى معدلات الرفاهية الإنسانية بدرجة متفاوتة.
أما فى العام 1960 كانت الثورة الثالثة الناقلة الى آفاق غيبية كبيرة فاقت التوقعات وكانت مع ظهور الحواسيب، وما تلاها من حالات ازدهار علمى وتقنى وثقافى ومعرفى بما أسهم فى تسارع حركة كوكب الأرض التجارية والثقافية أيضاً.
وجاءت الثورة الرابعة معانقة للعالم بكل مدخلاته عام 2000، ممُثلة فى دخول الإنترنت وخليط من التطور التكنولوجى، مما سمح بالوصول الى ما بعد الغيبيات العلمية الى بعد لا محدود يسمح بتنفيذ كل ما يطرأ على العقل من أفكار حتى وإن كانت شبة خيالية، وأصبح للعالم اليوم ما يسمى بانترنت الأشياء تصنيع الشخوص الألية والطباعة ثلاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعى وتطبيقات لا حصر لها .
وساهم فى دعم الثورة الرابعة انتشار وسائل التواصل، وكانت الإيجابيات الناتجة عن إزدهار الثورة الرابعة هى تسريع معدلات النمو الإقتصادى، وتخفيض التكاليف، وتحسين الجودة، وتقديم خدمات أوسع للناس.
وكانت السلبيات منحصرة فى تقليص فرص العمل واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء وظهور ما يسمى الطفل الرقمى، والحياة الرقمية، والواقع الافتراضى، علاوة على اختفاء سبعة ملايين وظيفة سوف تختفى عام 2020، وظهور اثنين مليون وظيفة جديدة متعلقة بالبرمجيات والكمبيوتر، وما يعمق تقارير مكنزى الاستشارية العالمية هو ازدهار التجارة الإلكترونية الى ما يفوق الـ 22 مليون تريليون دولار عام 2016 .
ما قامت به الثورة الرابعة هى خلق مفاهيم جديدة وحديثة لم نظن يوماً أن تكون مثل الاقتصاد الرقمى والحروب الرقمية والمعرفة الرقمية والسلطة الرقمية، والتى أقرها إعلان بارلو فى عام 1996، والتى خولت للجمهوريات الرقمية الحديثة السلطات المُطلقة فى التفكير والاستخدام، وكان لظهور الذكاء الإصطناعى أكبر الأثر فى دعم الثورة الرابعة، حتى إننا من الممكن أن نرتفع بسقف الظنون والتطلعات إلى أن الثورة الخامسة قد تكون ثورة رقمية بالكامل لا دخل للبشر بها، ثورة ذكاء اصطناعى سيكون البشر والحياة الطبيعية من ضحايها.
الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات والسياسية:
فى ظل المتغيرات الحديثة فى كافة الأصعدة استحدثت تهديدات لم تكن من قبل، مثل الحروب السيبرانية والتجنيد الإلكترونى والحرب النفسية الإلكترونية. و يشمل مفهوم الحرب السيبرانية الاستهداف للقدرات والأنظمة العسكرية وأيضاً استهداف البنية التحتية الحيوية للمجتمع، والشبكات الذكية وشبكات حيازة البيانات التي تسمح لها بالعمل والدفاع عن نفسها.
رغم أن الحرب السيبرانية يمكن أن تُشبه الحرب التقليدية من عدة جوانب إلا أنها أبعاد جديدة وغير متوقعة. ونظراً لأن الأنظمة في الفضاء السيبراني ترتبط بالحواسيب وشبكات الاتصال فإن الاضطراب الذي ينشأ عن الهجوم باستعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يتجاوز تعطل نظام وحيد، بل ويتجاوز الحدود الوطنية في كثير من الأحيان.
ومن هنا أتى تعريف القوة السيبرانية: وهي القدرة على استخدام الفضاء السيبراني لخلق المزايا والتأثير على الأحداث في البيئات المختلفة عبر أدوات القوة، وهي مجموعة الوسائل، والطاقات، والإمكانيات المادية وغير المادية، المنظورة وغير المنظورة التي بحوزة الدولة وتمثل الموارد المتعلقة بالتحكم والسيطرة على أجهزة الحاسبات والمعلومات، والشبكات الإلكترونية، والبنية التحتية المعلوماتية، والمهارات البشرية المدربة للتعامل مع هذة الوسائل ، ويستخدمها صانع القرار في فعل مؤثر يحقق مصالح الدولة.
ونرى تأثير تلك القوى دولياً على العديد من عمليات نقل البيانات على أكثر من بلد واحد وتستند خدمات كثيرة في الإنترنت إلى خدمات تأتي من الخارج، وعلى سبيل المثال، تعرض مواقع استضافة تقديم الخدمة فضاءً في شبكة الويب للإيجار في بلد على أساس العتاد الموجود في بلد آخر، علاوة على أن الأعطال القصيرة في الخدمات يمكن أن تسبب أضراراً مالية ضخمة في شركات أعمال التجارة الإلكترونية، وشبكات الاتصالات المدنية ليست هي الأنظمة الوحيدة المعرضة للهجوم، إذ إن الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمثل عنصر مخاطرة كبيراً أيضاً للاتصالات العسكرية.
على عكس المقاتلين التقليديين، لا يحتاج المهاجمون السيبرانيون إلى الوجود في المكان الذي يحدث فيه أثر الهجوم أو حتى في المكان الذي يظهر أن الهجوم ينشأ فيه. ويستطيع المهاجمون أثناء القيام بالهجوم استعمال تكنولوجيا اتصال مجهول الهوية والتشفير لإخفاء هويتهم عبر البلاد .
ويواجه زعماء العالم تحديات هائلة لا مثيل لها. ويتعين عليهم إعطاء الاهتمام السياسي لقضايا الفضاء الجيوسيبراني العالقة بين الإنترنت والجغرافيا والديمجرافيا والاقتصاد والسياسة للدولة وسياستها الخارجية.
والسعى نحوالاستقرار الجيو سيبراني لابد أن يصبح غاية قومية تتبناها الأمم المتحدة فى العصر الحالى وقبل فوات الآوان، فأصبحنا نرى تمرد التكنولوجيا على رؤساء دول وتحجم آرائهم وأفكارهم لصالح رؤساء آخرون أو دول أخرى. فالقوة السيبرانية الآن تشكل خطرا داهما على الحياة، ونرى اختراقات للبيانات وقرصنة معلواتية مابين الدول الكبرى، تنزر بمستقبل غامض ومريب من العلاقات الدولية، وسنكون أمام إنهيار كامل لأمم دون إراقة نقطة دماء واحدة.
دائما ما يتم الترويج للاختراعات الحديثة بكل العناصر الإيجابية التى يتضمنها الاختراع أو الاكتشاف، والأن نحن أمام حالة من كشف الغطاء عن الوجه القبيح لكل ما تضمنة التكنولوجيا وكل ما أتت به ثورة الإنترنت، وهذا لا يعنى شن الحرب على التكنولوجيا إنما يعنى وضع الضوابط اللازمة للحيولة دون فناء البشرية بين عشية وضحاها.
وأخيرا، تتخذ العديد من الدول إجراءات لمجابهة التهديدات الموجهة إلى الأمن المعلوماتي، ومع ذلك فإن طابع هذا التهديد العابر للبلدان والهوية المغلفة للمعتدين تقلل من كفاءة حتى أشد هذه الإجراءات صرامة، وفي مثل هذه الظروف فليس بمقدور أي دولة أن تتمتع بالسلامة إذا ما حاولت التصدي بمفردها للتهديدات المعلوماتية، ولا يمكن الحد من انتشار الأسلحة المعلوماتية وتقليل خطر نشوب حروب معلوماتية، وعمليات إرهابية معلوماتية، وجرائم سيبرانية، إلا بإرساء نظام دولي للأمن المعلوماتي، يبذل المشاركون فيه جهوداً دءوبة في هذا الصدد.