أثارت العمليات التي تقوم بها "شبكة حقاني" في الأيام الأخيرة داخل الأراضى الأفغانية العديد من التساؤلات عن حقيقة هذه الشبكة وأهدافها العسكرية والسياسية، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تتهمها بالمسئولية عن العديد من العمليات المسلحة داخل الأراضي الأفغانية ، خاصة الهجمات الأخيرة، ومنها الهجوم الشهير الذى عرف إعلاميا باسم "حصار كابول"، وأسفر عن مقتل سبعة من موظفى الاستخبارات الأمريكية عام 2009.
وتتهم الولايات المتحدة الأمريكية باكستان بدعم شبكة حقانى وتمويلها، كي تقاتل الشبكة -بالنيابة عنها- إسلام آباد فى أفغانستان لتحقيق أهداف سياسية لمصلحة إسلام آباد.
أولا- ما هي شبكة حقاني؟
تنسب هذه الشبكة إلى قائدها الأول جلال الدين حقانى الذى كان أحد قادة المقاومة المسلحة للاحتلال السوفيتي لأفغانستان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى. وترتبط الشبكة بصلات وعلاقات قوية مع حركة طالبان الأفغانية، وشاركت معها بقوة فى القتال ضد القوات الأجنبية والأفغانية، وكان جلال الدين حقانى وزيرا فى حكومة طالبان قبل سقوطها.
وتتكون الشبكة من عدة آلاف من المقاتلين، وتتخذ من شمال وزيرستان الباكستانية المتاخمة للحدود الأفغانية قاعدة لها، وتدير هناك مدارس دينية ومعسكرات لتدريب المقاتلين، وفقا لتقارير استخبارية ، وتركز معظم نشاطها العسكرى فى شرقى أفغانستان، خاصة في ولايات بكتيا وخوست، وامتد إلى ولايات أخرى مثل وردك.
شبكة حقاني أقل عددا من حركة طالبان، ولكن رجالها أكثر تدريبا، ولهم أسلوبهم الخاص فى الحركة والقتال يدل على قدرتهم العالية فى هذا المجال، حيث إن مقاتلي الشبكة يتسربون من باكستان إلى أفغانستان، عبر ممرات جبلية قديمة. ويقاتل أعضاء الشبكة بشكل عام فى أفغانستان، وكل فرقة منهم تقاتل لعدة أسابيع، ثم تعود إلى باكستان مرة أخرى .
وفى أثناء قتالهم على الأراضى الأفغانية، يتبع أعضاء الشبكة دائما أسلوب التنقل الدائم من قرية إلى قرية، ولا يبيتون في أي مكان أكثر من ليلة واحدة، كما أنهم نادرا ما يستخدمون الهواتف النقالة، حتى لا يتم رصدهم، كما أنهم يتمتعون بالبراعة فى استخدام المنطقة العازلة على الحدود الباكستانية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الشبكة تتبع أسلوب " التنظيم الخيطي" ، حيث لا يعلم كل تشكيل أى شىء عن التشكيل الآخر، وحتى المقاتلون لا يعرفون قادتهم فى باكستان.
وتتكون قيادة الشبكة فى الوقت الحالى من الأبناء الثلاثة الكبار لمؤسسها جلال الدين حقانى، ويتزعمها سراج الدين حقاني، الذي تصفه القوات الأمريكية فى أفغانستان بأنه "أحد أخطر أعدائها" . و قد رصدت واشنطن جائزة قيمتها خمسة ملايين دولار لاعتقاله، ومنهم ناصر الدين حقانى، وخليل أحمد حقاني.
وتشير بعض التحقيقات إلى أن شبكة حقاني تحصل على مواردها المالية من التبرعات التى تأتيها من الخليج، أو الأموال التي كان يقدمها لها تنظيم القاعدة، أو من خلال الدعم الذى يأتيها من خلال الاستخبارات الباكستانية.
ثانيا- علاقة "حقاني" بإسلام آباد:
ثمة دلائل على أن هناك علاقة بين شبكة حقانى والمخابرات الباكستانية، حيث ترغب إسلام آباد فى أن يكون لها حليف قوى موثوق فيه، له وجود قوى على الأراضى الأفغانية، بعد سقوط حكومة طالبان التى كانت تلعب هذا الدور فى السابق، حيث يستطيع هذا الحليف ملء الفراغ الذي يمكن أن تتركه القوات الأجنبية، إذا رحلت، وتكون هناك حكومة موالية لباكستان، كما كانت طالبان فى السابق.
ومما يدل على أن هناك علاقة بين شبكة حقانى وحكومة إسلام آباد هو أن الشبكة لم تقوم بأى عمليات داخل الأراضى الباكستانية، مع أن كل التيارات الجهادية فى المنطقة تتفق على أن حكومة إسلام آباد "علمانية" وليست "إسلامية"، وكان من الأولى القيام بعمليات ضدها من قبل شبكة حقانى، ولكن هذا الأمر لم يحدث.
أضف إلى ذلك أن جلال الدين حقانى، مؤسس الشبكة، رحل إلى باكستان بعد سقوط حكومة طالبان، ووفرت له الحكومة الباكستانية المأوى والدعم، وسمحت له بإقامة المدارس الدينية له، وغضت الطرف عن معسكرات التدريب التى أنشأتها الشبكة ، وكذلك عدم قطع طرق الدعم المختلفة للشبكة، سواء كان دعما ماليا أو لوجيستيا.
كما أن التدريب العالى الذى يتمتع به أفراد شبكة حقانى، والذي فاق تدريب أفراد حركة طالبان وتنظيم القاعدة لافت للنظر، لابد أن يكون أفراد الشبكة قد تلقوه على أيدى خبراء ومتخصصين، وهذا ما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن هذا الدور قامت به الاستخبارات الباكستانية، مما أدى إلى قيام أفراد الشبكة بعمليات كبيرة ومؤثرة ضد القوات الأجنبية.
وفي هذا الإطار، يصف أحد القادة العسكريين الأمريكيين شبكة حقاني بقوله: إنها أكثر الشبكات مرواغة فى أفغانستان. ورغم أنها أقل عددا من طالبان، وأقل شهرة من القاعدة، فإنها تمثل مشكلة كبيرة للقوات الأمريكية، وذلك لأسلوبها الخاص فى القتال والتنقل والاتصال، مما يدل على أنها تلقت دعما وتدريبا من أجهزة استخبارات، لأن هذا الأسلوب من القتال غير معروف لدى التنظيمات الموجودة فى المنطقة ، بما فيها طالبان والقاعدة.
كما أن كثيرا من المسئولين الأمريكيين يتهمون الاستخبارات الباكستانية بدعم شبكة حقانى، ويدعونها للتوقف عن هذا الدعم ، ومساعدة القوات الأمريكية وحلفائها الغربيين في القضاء على شبكة حقانى. وقد نفت باكستان أكثر من مرة هذه الاتهامات جملة وتفصيلا.
ثالثا- "الحقانيون" وتراجع طالبان والقاعدة:
تعد شبكة حقاني في الوقت الحاضر أخطر من تنظيم القاعدة وطالبان، خاصة في داخل الأراضي الأفغانية ، وذلك لأنها في تنام مستمر، وتزداد قوتها يوما بعد يوم، فى الوقت الذى يضعف فيه تنظيم القاعدة يوما بعد يوم بسبب الضربات المؤلمة التى تعرض لها التنظيم بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 من قتل وأسر العديد من أفراده وقادته ، وكان آخرها قتل أسامة بن لادن، مؤسس التنظيم والقائد الروحى له ، ومطاردة ما تبقى من قادة التنظيم فى كل مكان، حتى أصبح كل ما يستطيع فعله قادة القاعدة الأن هو الاختباء والهروب، بخلاف شبكة حقاني التي يتوافر لها المأوى الآمن، بالإضافة إلى وجود الدعم بشتى صوره وأشكاله.
أضف إلى ذلك أن شبكة حقاني تنظيم موحد ومتماسك، وله قيادة واحدة تقوده تنظيميا وروحيا بخلاف تنظيم القاعدة الذى صار الآن يتشكل من ثلاثة أشكال، هي:
1- القاعدة الأم (المركزية) ، والتي أسسها أسامة بن لادن فى منتصف فبراير 1998 تحت مسمى "الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين" ، والتي تكونت من عدة تيارات جهادية من مناطق مختلفة فى العالم ، وقامت بالعديد من العمليات الكبيرة، والتى كان أشهرها أحداث 11 سبتمبر.
2- فروع القاعدة: وهى التنظيمات التى نشأت بأمر مباشر من بن لادن فى إحدى البلدات ، ولكنها لا تتلقى منه أى تعليمات أو أوامر، وإنما لها قادتها المحليون ، وتعمل على ضوء التطورات داخل الدولة الموجودة فيها ، والمثال الوحيد لهذا الشكل هو تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب.
3- نماذج القاعدة: وهى التنظيمات الجهادية المتناثرة فى كل مكان، والتى ليس لها علاقة بأسامة بن لادن أو القاعدة الأم ، ولكنها تستلهم فكر القاعدة، وتعد بن لادن زعيما روحيا لها. ومن أهم أمثلة هذه النماذج هو "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".
إن تلك المستجدات على تنظيم القاعدة جعلت التنظيم غير موحد تحت قيادة واحدة، بل إن التنظيم أصبح مبعثرا فى الوقت الذى يجتمع فيه كل رجال شبكة حقانى حول قائد واحد يدينون له بالسمع والطاعة.
الأمر لم يتوقف عند تنظيم القاعدة فقط ، فشبكة حقاني الآن تعد أقوى من حركة طالبان، نظرا لقدرتها القتالية العالية، إضافة إلى قدرتها على الحشد والتعبئة والتجنيد من خلال المدارس الدينية التى تشرف عليها شبكة حقانى.
اللافت للنظر أن شبكة حقانى فى تطور مستمر وازدياد مطرد، الأمر الذى جعل الحقانيين الآن فى أفغانستان يحاولون أن يثبتوا أنفسهم كحكومة ظل تتولى مقاليد الأمور فى البلاد، فى حالة ربحوا الحرب. هذا الأمر بطبيعة الحال سوف يجعل شبكة حقانى تقاتل بكل قوة من أجل تحقيق هذا الهدف، مما ينذر في الأيام القادمة بدوامة كبيرة من العنف المسلح، تجتاح تلك المنطقة التى لا تعرف الهدوء أصلا، وتجعل أمن القوات الأجنبية والأفغانية فى مهب الريح.
رابعا- مواجهة "الحقانيين":
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة فى هذه الفترة هو: كيف يمكن مواجهة شبكة حقانى، والتى يمكن أن تصبح مثل إعصار يدمر كل ما يقف فى وجهه، ما لم يتم التعامل معه مبكرا؟.
إن مواجهة تنظيم كبير وقوى مثل شبكة حقانى يحتاج إلى ثلاثة محاور أساسية :
1- وقف الدعم المالى واللوجيستى عن شبكة حقانى ، وهذا يتوقف على مدى تعاون إسلام آباد فى هذا الشأن ، إضافة إلى ضرورة تجفيف منابع الدعم المالى الذى يأتى من أطراف خارجية لهذه الشبكة.
2- ضبط الحدود الباكستانية – الأفغانية قدر المستطاع، والتعاون الجاد مع زعماء قبائل المنطقة المناهضين لشبكة حقانى.
3- لابد من الترويج لفكر المراجعات الفكرية الجهادية، والتي قامت في العديد من بلدان العالم الإسلامى، ونشرها في هذه المناطق بشتى الطرق والأشكال، ذلك أن هذه المراجعات الفكرية، إذا لم تقض على هذا الفكر المتطرف الموجود فى هذه المنطقة، فسوف يحدث، على الأقل، نوع من التشكيك فى هذا الفكر، مما يؤدى إلى تقليل عملية التجنيد لهذه الشبكة. كما أنه يمكن أن يكون هناك نوع من التواصل بين قادة شبكة حقانى وقادة فكر المراجعات الجهادية، وهذا طبعا يكون بالتنسيق مع الحكومة الباكستانية .
وإذا حدث هذا التواصل بين الطرفين، وتمكن قادة المراجعات من إقناع قادة حقانى بالأخطاء الشرعية الموجودة لديهم، فإن هذا سوف يكون له أعظم الأثر فى تحجيم شبكة حقانى ومخاطرها المستقبلية. ولكن بشكل عام، فإن كل طرق المواجهة لشبكة حقانى تمر عبر إسلام آباد.