تواجه بلدان القارة الإفريقية مستويات متفاوتة من المخاطر جراء جائحة فيروس كوفيد-19، مما يتطلب معه الموائمة بين مجموعة متنوعة من استراتيجيات التعامل مع هذه الجائحة علي المستوي الاقتصادي والاجتماعي والصحي في البلدان الإفريقية، هذا إلي جانب تزايد الحاجة لوجود تحرك دولي استباقي لتعزيز قدرات القارة الإفريقية للاستجابة لتداعيات هذا الوباء ومنع انتشاره في القارة، حيث تتزايد خطورة تداعيات جائحة كوفيد-19 علي القارة الإفريقية لارتفاع مستويات الفقر وضعف الأنظمة الصحية بها. فعلي الرغم من تمكن البلدان الإفريقية من إبقاء تفشي فيروس كورونا تحت السيطرة في ظل انخفاض حالات الإصابة نسبياً مقارنة بدول العالم، مازالت الجائحة تلحق خسائر في الأرواح وتؤثر سلباً على الاقتصادات الإفريقية، لاسيما مع تزايدت حالات الإصابة، حيث سجلت القارة الإفريقية نحو 3.5 مليون حالة إصابة ونحو 89 ألف حالة وفاة جراء هذا الفيروس.
ففيما يتعلق بالمنظومة الصحية ومعدل انتشار كوفيد 19 بالقارة الإفريقية؛ توضح الإحصاءات عدم وجود رابط قوي بين انتشار فيروس كوفيد -19 وقوة أو ضعف المنظومة الصحية بدول القارة. فوفقاً لإحصاءات منظمة الصحة العالمية يتضح أن الدول الأكثر إصابة بفيروس كوفيد- 19 في إفريقيا هي جنوب إفريقيا، ثم المغرب وتلتهما تونس، وجاء ذلك علي الرغم من أن كلاً من جنوب إفريقيا والمغرب وتونس من ضمن الدول الأقوى في المنظومة الصحية بإفريقيا.
إلا أن هناك عدد من العوامل الأخرى التي توضح أسباب أنتشار الفيروس وتشكل عوامل خطورة تهدد بتفشي هذا الفيروس، حيث يشير تقرير صادر عن المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية إلي عدد من العوامل الأخرين التي تؤدي لانتشار فيروس كوفيد- 19 بإفريقيا، ومن أبرزها: "الانفتاح علي العالم الخارجي، حيث تعد دول المعابر أكثر عرضة للتعرض لمستويات الإصابة بفيروس كوفيد- 19،
وتزايد نسب السكان في المناطق الحضرية، هذا إلي جانب تأثير الصراعات المتواصلة ببعض بلدان القارة الإفريقية، وتزايد تجمعات اللاجئين والمشردين داخلياً"، ومع ذلك تظل احتمالية تفشي وباء كوفيد- 19 في الدول الأكثر ضعفاً في منظومتها الصحية والأكثر هشاشة اقتصادياً أزمة تهدد بكارثة إنسانية بهذه الدول، وهو ما يتطلب وضع الدول الإفريقية لاستراتيجيات للتصدي لفيروس كوفيد–19، أهمها اتخاذ تدابير الاحتواء الرامية إلى إبطاء تفشي فيروس كوفيد-19، وتعزيز التباعد الاجتماعي، وتطبيق إجراءات الوقاية، ووضع حلول لأوضاع اللاجئين والنازحين، وتبني خطوات مع المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار والنزاعات خلال جائحة كوفيد -19.
وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادي؛فقد تضرر الاقتصاد الإفريقي إلي حد كبير جراء تداعيات جائحة كوفيد-19، حيث يشير صندوق النقد الدولي إلي أن جائحة كوفيد -19 أثرت سلباً في التقدم الاقتصادي الذي حققته القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة، وتوقع أن يتراجع النشاط الاقتصادي لإفريقيا بنحو 3.3% عام 2020، ودخول المنطقة في أول ركود اقتصادي منذ 25 عاماً، حيث سيكلف هذا التراجع الكبير في النشاط الاقتصادي خسائر في إجمالي ناتجها المحلي هذا العام لا تقل عن 115 مليار دولار. كما يشير صندوق النقد الدولي إلي أن قارة إفريقيا تحتاج لنحو 1.2 تريليون دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة للتعافي من التكاليف الاقتصادية والصحية الناجمة عن انتشار فيروس كوفيد-19.
كما توقع البنك الدولي أن يواجه نحو43 مليون إفريقي خطر الوقوع في براثن فقر مدقع نتيجة الوباء، حيث انخفضت مصادر الدخل للأسر الأفريقية بنسبة 12%؛ وهو ما سيمحو خمس سنوات على الأقل من التقدم الذي تحقق في مكافحة الفقر بالقارة الإفريقية. وعلى نحو مماثل، يمكن للجائحة أن تؤدي إلى انتكاسة في التقدم الذي تحقق على صعيد بناء رأس المال البشري، حيث سيؤثر إغلاق المدارس على نحو 253 مليون طالب، مما قد يتسبب في خسائر في نواتج التعلم بالقارة.
وعلي الرغم من انتهاج العديد من الحكومات الإفريقية سياسات للتخفيف من تداعيات كوفيد-19، كلفت 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لها، هذا إلي جانب منح صندوق النقد الدولي البلدان الإفريقية حوالي 26 مليار دولار لتخفيف تداعيات الأزمة، لا يزال هناك عجز كبير في التمويل ومازالت الآثار الاقتصادية السلبية للجائحة تهدد الاقتصاد الإفريقي، وفي هذا الشأن تشير مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا إلي أن "الحد من الآثار الاقتصادية السلبية للفيروس يتطلب اتخاذ إجراءات جادة وسريعة، وأن العالم يجب أن يقدم المزيد من الدعم لإفريقيا للتعافي من هذه الأزمة" في هذا الإطار، دعت "مجموعة العشرين إلى تمديد وقف سداد الديون، وإتاحة المزيد من الأموال للإقراض"، خاصة أن "بعض الدول الإفريقية تواجه أعباء ديون كبيرة تجبرها على الاختيار بين دفع فوائد الديون أو الإنفاق الإضافي على القطاعين الاجتماعي والصحي".
إن جائحة كوفيد -19 تعد أزمة عالمية تتسم بالغموض وعدم اليقين فيما يتعلق بفترة استمرارها أو كيفية القضاء عليها، وكذلك مدي انتشارها، وهو ما ينعكس بكل تأكيد علي العالم وبالطبع القارة الإفريقية سواء اقتصادياً أو صحياً أو اجتماعياً. وعلي الرغم من أن انتشار وباء كوفيد-19 في قارة إفريقيا لايزال محدود مقارنة بمناطق أخرى من العالم، فإن هناك مخاوف كبيرة من خطورة انتشار هذا الوباء في القارة في ضوء ما تعاني منه من ضعف كبير في بنيتها التحتية الصحية وما تعانيه من أزمات أمنية وسياسية واقتصادية، وهو ما يبرز الحاجة لوجود تحرك دولي استباقي لتعزيز قدرات القارة للاستجابة لتداعيات هذا الوباء ومنع انتشاره في القارة، أو التصدي له في حالة حدوث سيناريو كارثي. فعلي الرغم من الجهود التي بذلت حتى الآن على المستويين القاري الإفريقي والدولي لتعزيز قدرات القارة على الاستجابة للوباء، فإن هناك مزيدا من الحاجة لزيادة هذا الدعم وتقديم المساعدة لإفريقيا للخروج من هذه الأزمة بأقل الأضرار، خاصة فيما يتعلق بتوفير اللقاحات للقارة الإفريقية، لاسيما مع تحذير أنطونيو جوتيريش- الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة- من أن الفجوة في توزيع لقاحات كورونا على مستوى دول العالم تعرض الجميع للخطر، وإشارته "لعدم التوزيع العادل للقاحات على الدول، حيث تم توفير أكثر من 70 مليون جرعة لقاح كورونا حتى الآن، وأقل من 20 ألف لقاح فقط كانوا في القارة الإفريقية".