تشهد الساحة السياسية في إسرائيل عدة تحولات بعد الدعوة لانتخابات مبكرة في ٩ أبريل ٢٠١٩، حيث كان من المفترض أن تجرى الانتخابات العامة في نوفمبر ٢٠١٩. ويرجع السبب وراء هذه الدعوة إلى الخلافات التى شهدها حزب الليكود مع الأحزاب الدينية حول قانون التجنيد الذى يستثنى اليهود الأرثوذوكس من أداء الخدمة العسكرية، فضلا عن بعض المتغيرات الداخلية، خاصة قضايا الفساد والتحقيقات المتعلقة بأفراد الحكومة الحالية، ورئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو). فقد أظهرت نتائج استطلاع للرأى، نشرتها قناة "كان" للتليفزيون الإسرائيلى، أن ١٦٪ من أصحاب حق الاقتراع في إسرائيل قالوا إن قرار المستشار القانونى للحكومة "افيحاى مندلبيت" بشأن ملفات الفساد المنسوبة لنتنياهو سوف تؤثر فى تصويتهم. وحتى الآن، لا توجد أنباء حول موعد إصدار الحكم النهائى. وعلى ذلك، من الممكن أن تحسم نتيجة الانتخابات قبل الإعلان عن موقف نتنياهو في القضايا المنسوبة إليه.
تجدر الإشارة إلىِ أن انتخابات الكنيست تجرى كل أربع سنوات، وتعتمد على مرشحى الأحزاب والقوائم الحزبية المشتركة، لا على الترشيح المستقل. ويقدم كل حزب أو كل مجموعة أحزاب لائحته المرشحة، مرتبة حسب أهميتها.
أولاً- النظام الانتخابى في إسرائيل:
يتم انتخاب أعضاء الكنيست بشكل غير مباشر، من خلال قوائم تمثيل الأحزاب. وحسب البند الرابع من قانون الأساس، يتم انتخاب أعضاء الكنيست في انتخابات عامة، قطرية، مباشرة، متساوية، سرية، ونسبية، وأنه على أى قائمة تشارك في الانتخابات أن تجتاز نسبة الحسم، التى تمثل 3.25%.
أما الأصوات الفائضة التى حصلت عليها قائمة، ولم يصل عددها إلى العدد المطلوب للحصول على مقعد واحد، فيتم تحويلها بين القوائم التى توجد بينها اتفاقيات فائض أصوات. وإذا لم يكن هناك اتفاق فائض أصوات بين القوائم التى حصلت على فائض أصوات، فيتم منح هذه الأصوات للقوائم التى حصلت على أكبر قدر من الأصوات المطلوبة لنيل مقعد. وهذه الطريقة تعرف أيضاً باسم "طريقة بدر عوفر" على اسم عضوي الكنيست يوحنان بدر، وأبراهام عوفر، اللذين اقترحا العمل بها. ويدخل المرشحون إلى الكنيست حسب ترتيبهم في قائمة الحزب. وإذا توفى أحد المنتخبين أو استقال من عضوية الكنيست لأى سبب، فسوف يدخل مكانه المرشح التالى في قائمة المرشحين.
أما عن لجنة الانتخابات المركزية، بحسب قانون انتخابات الكنيست (نص مدمج) لسنة ١٩٦٩، فيتم الإعلان عن إقامة لجنة انتخابات مركزية خلال ٦٠ يوماً من عقد أول اجتماع للكنيست الجديدة، بهدف أداء مهامها، والاستعداد لإجراء انتخابات الكنيست القادمة. ويقف على رأس اللجنة قاض من المحكمة العليا، والذى ينتخب من قبل قضاة من المحكمة ذاتها. أما ممثلو اللجنة، فهم ممثلو الكتل المختلفة في الكنيست. ويحق لكل كتلة ممثلة من أربعة أعضاء أو أكثر أن تنتدب عضواً في لجنة الانتخابات. وإذا كان الرقم مضاعفاً، فتحصل على مندوبين آخرين. وتحصل كتلة ممثلة بأقل من أربعة أعضاء على مندوب واحد في لجنة الانتخابات على الأقل. ويوجد لرئيس لجنة الانتخابات أربعة نواب من أكبر أربع كتل في الكنيست. ويحق للجنة الكنيست أن تزيد عدد النواب حتى ثمانية، وهى التى تقرر هوية الكتل التى تحصل على منصب نائب إضافى.
في الوقت الراهن، تتعرض الأحزاب الإسرائيلية لتغييرات كثيرة في تركيبتها القيادية والتنظيمية. فمنذ إعلان حل الكنيست، ظهرت على الخريطة السياسية الإسرائيلية عدة كيانات سياسية، تتمحور حول شخصيات عسكرية وسياسية لطرح سياسى جديد، أو لعمل تحالفات جديدة إثر انشقاقات من أحزاب قائمة أو تكتلات.
فقد تم إعلان عدد من الأحزاب الاندماج معا للحصول على عدد أكبر من المقاعد خاصة بعد استطلاعات الرأى التى أظهرت لبعض الأحزاب عدم قدرتها على اجتياز نسبة الحسم، مما دفعها للاندماج مع أخرى.
وهناك أحزاب أخرى حدث بها تشظ، كـ "القائمة العربية المشتركة" التى تحولت إلى تحالف "الجبهة الديمقراطية-العربية للتغيير" بعد انسحاب أحمد الطيبى منها، وخوض الانتخابات منفردا بحزبه.
ثانياً- السيناريوهات المحتملة للاندماجات الجديدة ووضع القضية الفلسطينية فيها:
جرت العديد من استطلاعات الرأى التى يتم الاعتماد عليها قبل الانتخابات الإسرائيلية لتحديد شكل الكنيست، والتمثيل النسبى به. وبغض النظر عن تعددها، فإنها اشتركت في بعض نتائجها وتفاوتت في أخرى. وأظهر آخر استطلاع رأى، نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في عددها الصادر يوم الأحد الموافق ٢٤ فبراير ٢٠١٩، أنه من المحتمل أن تكون هناك منافسة شديدة بين معسكرى اليمين والوسط الأساسيين في الكنيست المقبلة، وهما "الليكود" والأحزاب الداعمة له -بعد دعوة نتنياهو لأحزاب اليمين الصغيرة للتكتل- لمواجهة معسكر الوسط "القائمة الموحدة" التى أعلن عن تكتلها كل من "بينى غانتس"، و"يئير لبيد"، رئيسى حزبى "الصمود الإسرائيلي"، و"يش عتيد".
فوفقا للاستطلاع، حصلت قائمة الوسط "القائمة الموحدة" على ٣٥ مقعدا مقابل ٢٥ "لليكود". وعزز حزب العمل من قوته ليحصل على ٩ مقاعد، ويحصل كل من "الجبهة الديمقراطية العربية للتغيير" و"يهدوت هتوراه" على ٧ مقاعد لكل منهما، كما يحصل "اليمين الجديد" على ٦ مقاعد، وشاس (الحريديم) وتحالف القوى اليمنية على ٥ مقاعد لكل منهما، أيضا تحالف "العربية الموحدة - التجمع الوطنى". أما عن "يسرائيل بيتينو"، و"كولانو"، و"ميرتس اليساري"، فحصلت على نحو ٤ مقاعد لكل منها.
في ضوء هذه الاستطلاعات، يمكن عرض سيناريوهين في حال فوز معسكر اليمين (الليكود)، ومعسكر الوسط (القائمة الموحدة) في إطار قضايا الصراع الفلسطينى-الإسرائيلى، وذلك على النحو التالى:
السيناريو الأول- (فوز الليكود): من المتوقع مزيد من تدهور تجاه قضايا العرب، فمن الصعب أن رئيس الحكومة الذى مرر "قانون القومية" الذى لا يشير نصه إلى المواطنين العرب كجزء من البلاد، ويرفض بعناد إدراج عنصر المساواة، ويخفض مكانة اللغة العربية من وضعها كلغة "رسمية"، أى لغة خاصة، بالإضافة إلى استخدام شعار مزيد من المستوطنات كنوع من جذب المواطنين الإسرائيليين للانتخابات- أن ينهى انتهاك الأراضي. فجميع مبادئ الحزب منذ إنشائه تشير إلى حق إسرائيل في كامل أرض إسرائيل التاريخية: فلسطين وشرقى الأردن، "وفقا للتصور اليهودي"، واستمرار عمليات الاستيطان واسعة النطاق في كل أرض إسرائيل المحررة "حسب تعبير حزب الليكود". فبطبيعة الحال، متوقع أنه في حال فوز "الليكود"، سوف يزداد الوضع الفلسطيني سوءًا أكثر مما عليه.
السيناريو الثانى- (فوز القائمة الموحدة): ركز برنامج القائمة على فكرة تقديم طاقم جديد من قادة أمنيين واجتماعيين، مما يحافظ على أمن الوطن، ويوحد العناصر المتنافرة في المجتمع الإسرائيلى دون توضيح ما هى تلك العناصر، والإشارة إلى قانون القومية دون توضيح موقفهم تجاهه بـ (مع أو ضد). كما أنه لم يتم التطرق نحو قضايا عرب فلسطين ووضعهم، كما لم يتم الإعلان عن موقفهم تجاه الحكومة في حال فوز "الليكود"، ووضعهم من الانضمام، نظراً لأنه في حال فوز (الليكود)، سوف يكون هذا التحالف هو ثانى أكبر حزب في الكنيست، وفقاً للاستطلاعات الرأى. فموقف القائمة ليس واضحا حتى الآن، على الرغم من أن نتنياهو يستخدم وسيلة تشويهية للحزب عن طريق إصدار فكرة بأنه حزب تحالف يسارى يدعم العرب. ولكن في حقيقة الأمر، فإن فوز القائمة الموحدة لم يثر بكثير في الوضع الفلسطينى، فقد افتتح "غانتس"، رئيس حزب "الصمود الإسرائيلي"، دعايته على ركام غزة، كما أنه قائد حربها تحت إشراف نتنياهو.
في الأخير، يمكن القول إن الصراع الانتخابى في إسرائيل بين يمين ويمين، بعد أن ضعف اليسار فيها "حزب العمل". فالصراع الانتخابى الآن بين يمين يعرض التوجهات العلمانية التى تخص المجتمع الإسرائيلى، ويمين اجتماعى متشدد. ولكن في كلتا الحالتين، لم يكن الملف الفلسطينى جزءاً من النقاش العام في إسرائيل، فقد أصبح مصطلح يمين ويسار له علاقة بالرؤية الاجتماعية، وليست السياسة تجاه الفلسطينيين.