من النقاط الحيوية التي لم ينتبه لها أحد في سياق مقالات الرأي العديدة التي دُبجت حول الحادي عشر من سبتمبر، تلك المتعلقة بالتحول في العلاقة الأميركية الصينية، والذي كان قد بدأ يبرز عام 2001 قبل أن تجهضه هجمات 11 سبتمبر من ذلك العام، والتي ضربت مراكز القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية للولايات المتحدة.
كانت إدارة بوش حينذاك في طور التأكيد على موقف رادع أقوى تجاه أي اعتداء صيني محتمل ضد تايوان الديمقراطية، لكنها هرعت بعد وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر كي تعتبر الصين حليفاً من حلفائها في الحرب على الإرهاب، ومن ثم عادت لذات الموقف التقليدي التصالحي السابق تجاه الصين باعتبارها "شبه شريك استراتيجي"، ومساهماً مسؤولاً في تلك الحرب وغيرها من الشؤون العالمية، وهو الموقف الذي عادة ما كانت تتبناه السياسة الأميركية الخارجية.
وبينما تبدأ الولايات المتحدة العقد الثاني بعد الحادي عشر من سبتمبر، وتلوّح الصين بما يطلق عليه هنري كيسينجر الآن "اليقينية الانتصارية"، فإن واشنطن مضطرة لإعادة النظر في تلك العلاقة، وإجراء ما يلزم من تغيير عليها.
وكان عام 2001 قد بدأ بتنصيب بوش، الذي تعهد -مثله في ذلك مثل كافة الرؤساء الأميركيين- بإعادة ضبط علاقات بلاده مع النظام الشيوعي الصيني، بعد أن كانت تلك العلاقات قد شهدت توتراً خلال الولاية الأولى لكلينتون على خلفية تطورات عديدة كان من أبرزها مذبحة ميدان "تيانانمين". وفي منتصف تلك الولاية، رد كبير دبلوماسيي الشؤون الآسيوية في إدارة كلينتون على سؤال لمسؤول عسكري صيني حول الطريقة التي سترد بها واشنطن إذا ما هاجمت بلاده تايوان، فأجابه المسؤول الأميركي، بأن ذلك "سوف يتوقف على الظروف". ومنذئذ أصبحت تلك العبارة هي المستخدمة باستمرار في التعبير عن عقيدة "الالتباس الاستراتيجي" التي استمرت خلال الإدارات الأميركية التالية المتعاقبة.
وبعد أن تولى بوش منصبه، وضعته الصين أمام اختبار مبكر لقياس درجة عزمه وتصميمه على مواجهتها، وذلك عندما تعقبت طائرة مقاتلة صينية طائرة استطلاع أميركية تحلق قريباً من حدود الصين، واصطدمت بجناحها، وأجبرتها على الهبوط في إحدى الجزر التابعة لها، وانتزعت بعد ذلك اعتذاراً من أميركا، واحتجزت طاقم الطائرة لمدة أسبوع، والطائرة نفسها لشهور، ثم سلمتها مفككة بعد ذلك في صناديق للولايات المتحدة.
تضايق بوش بشدة من التصرف الصيني، وعندما سُئل عما سيفعل إذا ما هاجمت الصين تايون، رد بالقول: "سوف أفعل كل ما يستلزمه الأمر للدفاع عنها"، وهي إجابة كانت تعني أن بوش يضع علاقة بلاده بالصين في موضع من "الوضوح الاستراتيجي". وعندما قرن بوش ذلك بتصدير شحنة أسلحة كبيرة لتايوان، فقد بدا بمثابة رسالة رادعة منه موجهة ضد نزعة الصين للمغامرة وإساءة التقدير.
وعندما وقعت هجمات 11 سبتمبر كان هناك من هلل في الصين لأن "أميركا المتغطرسة قد نالت ما تستحقه". ورغم أن الصين لم تشارك بشكل مباشر في الحربين اللتين شنتهما الولايات المتحدة كرد على الهجمات، حربي أفغانستان والعراق، فإنها ساهمت على الأقل في الخطاب المصاحب للحملة ضد الإرهاب، وإن كانت قد ركزت جهودها العملية في هذا الشأن على مواجهة "الانفصاليين" و"الانشقاقيين" الصينيين في إقليمي "التبت" و"شنجيانج" ولم تتجاوز ذلك لما عداه.
وفي البيئة الاستراتيجية التي سادت بعد 11 سبتمبر، أقنعت إدارة بوش نفسها بأن الصين كانت حليفاً يعتمد عليه في حملتها المضادة للإرهاب، ولم يكرر بوش مرة أخرى تعهده الواضح بالدفاع عن تايوان.
اكتفت الصين بهذا الموقف من جانب الإدارة الأميركية التي اعتبرتها "شريكا مسؤولاً"، ولم تقدم أي إسهام آخر يذكر سواء فيما يتعلق بموضوع الإرهاب أو موضوع كوريا الشمالية، كما لم تقدم ما يثبت حسن نيتها في أي مجال من المجالات التي كانت موضع خلاف مع واشنطن، مثل التجارة، والتلاعب بالعملة، وانتهاكات حقوق الإنسان.
واستمرت الصين في نشر الصواريخ البالستية الموجهة لجزيرة تايوان. وفي عام 2005 هدد جنرال صيني آخر بشن هجمات نووية ليس على تايوان فحسب وإنما على "مئات" المدن الأميركية أيضاً.
وحتى بعد أن أفرزت انتخابات 2008 في تايوان، إدارة تعد هي الأكثر موالاة للصين في تاريخ الجزيرة، فإن الصين حافظت على موقفها التهديدي نحوها، سواء من خلال الاستمرار في الحملة الكلامية ضدها أو عبر الشروع في إجراء استعدادات عسكرية وبحرية.
وفي الآونة الأخيرة، وبينما تستعد تايوان للاستحقاق الانتخابي الرئاسي 2012 ، بدأ الدبلوماسيون الصينيون التدخل في مسار الحملة الانتخابية التايوانية، كما فعلوا في المرات السابقة، وذلك بتحذير الناخبين التايوانيين من انتخاب أي شخصية لا تتبنى مسألة الاندماج مع الصين الأم.
واختارت إدارة أوباما مواصلة النهج التصالحي، الذي اتبعه بوش في ولايته الثانية بديلاً عن الموقف الصدامي الذي كان قد شرع فيه قبل 11 سبتمبر.
ومرة أخرى، تتجه الولايات المتحدة والصين نحو وضع يمكن فيه لأي خطأ استراتيجي أن يقود البلدين لصراع مسلح حول تايوان، أو حول مزاعم الصين بملكيتها لجزر في بحري الصين الجنوبي والشرقي.
وفي شهر مارس الماضي، طلبت لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي من "جيمس كلابر"، مدير الاستخبارات الوطنية، تعريف" التهديد الأخطر الذي يواجه الولايات المتحدة". ورغم أن بن لادن كان لا يزال حياً في حينه، فإن إجابته لم تكن هي "القاعدة" وإنما "الصين".
أرى أننا يجب أن نمسك بهذا الخيط غير المعتنى به، ونقوم بإعادة تقييم سياسات واشنطن تجاه الصين على مدى العقد الماضي، كي نقرر التغييرات التي نحتاج لإدخالها خلال العقد القادم.
---------------------------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية الأحد 25-9-2011.