انطلاقا من شعار قمة مجموعة العشرين والمُنعقدة فى الأرجنتين "بناء توافق من أجل التنمية العادلة والمستدامة"، جاءت مشاركة ولى عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، ضمن دول المجموعة، والاتحاد الأوروبى، وكل من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، للتشاور والتوافق حول عدد من الملفات الدولية والإقليمية المهمة ذات الأبعاد المتشابكة اقتصاديا وسياسية، وهو ما دفع بولى العهد، قبيل انعقاد القمة، لزيارة دول التحالف، وفى مقدمتها مصر بهدف التنسيق ومراجعة الملفات ذات الاهتمام المشترك واستشراف مستقبل التحالف، وكذلك مراجعة نتائج المخرجات الاقتصادية للتنسيقات العربية المشتركة، وذلك فى ظل جُملة من التحديات الاقتصادية، والسياسية، والأمنية، التى تواجه المنطقة والنظام الدولى ككل بما يُشكل عمق الأهمية و"المحورية الزمنية" لتلك القمة الأرجنتينة.
محورية القمة الأرجنتينة:
على الرغم من كون تلك القمة تحمل دلالة سياسية تتمثل فى "المصالحة الرمزية" بين الأرجنتين وبريطانيا، فبعد 36 عاماً على حرب المالوين في جزر فوكلاند، ستكون تيريزا ماي أول رئيسة وزراء بريطانية تتوجه إلى بوينس آيرس، فإن الأهمية الاقتصادية والدولية السياسية لقمة مجموعة العشرين 2018، والتى تعقد منذ تأسيسها عام 1999 على هامش قمة الثماني بواشنطن، تكمن فى كونها ساحة لـ "العصف الذهنى" حول الأزمات المالية التى تضرب العالم، وإيجاد مساحات اقتصادية مشتركة بين الشركاء، مستهدفة بذلك إنقاذ وتعزيز الاقتصاد العالمي، وتطويره، وإخراجه من أي مأزق قد يُحاك بالدول المتقدمة، ويُحدث خللا بالدول النامية. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه القمة معنية بمخرجات من شأنها إصلاح وتحسين النظام المالي، فضلًا عن دعم النمو الاقتصادي العالمي، وتطوير آليات فرص العمل، وتفعيل مبادرات التجارة الحرة.
انطلاقا من ذلك، تأتى محورية ذلك الاجتماع لمجموعة العشرين بالأرجنتين 2018، والذى يمثل تحديا اقتصاديا مهما على المستوى الدولى بشكل عام، والإقليمي العربى بشكل خاص، فهو أول اجتماع للمجموعة، بعد سلسلة الإجراءات الحمائية الأمريكية وفرض الرئيس الأمريكى "ترامب" رسوما جمركية إضافية على منتجات دول في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى كندا، والمكسيك، والصين وعدد من الدول النامية، وهو ما ردت عليه هذه الدول بالمثل عبر فرض ضرائب إضافية، فى إشارة نحو تصعيد "نزاع تجاري"، مما قد بتسبب فى خسائر متعددة بالاقتصاد العالمى، وخسائر مختلفة ذات تأثيرات متباينة فى اقتصادات الدول النامية والناشئة، نتيجة احتمالية أن يؤدى ذلك التصعيد إلى فقدان مئات مليارات الدولارات من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
وفقا لذلك، تكمن أهمية اجتماع مجموعة العشرين بالأرجنتين وبمشاركة دولة عربية فى ضرورة التوافق وإيجاد المساحات المشتركة بين الفرقاء حول إعادة إنتاج السياسات الاقتصادية لأبرز ملفات الساحة والتى بلا شك تمثل تحديا مهما لدول المنطقة العربية وأولوية مهمة على أجنداتها الاقتصادية الساعية لإنجاز متطلبات "التنمية المستدامة" وفى مقدمتها مصر والسعودية، والمتمثلة فى :
- ملف مستقبل "أسواق العمل وهياكل السلم الاجتماعى": فإحدى أهم "الأولويات" التي دونتها الأرجنتين بتلك القمة ما يتعلق بـ "مستقبل العمل"، فضلا عن التقدم التكنولوجي وتزايد الاعتماد على الآلات والاستغناء عن العنصر البشري، فضلا عن تحدي تأهيل القوى العاملة بالمهارات التي ستتطلبها وظائف المستقبل، وتوفير الحماية الاجتماعية للفئات التي ستتضرر مستقبلا.
- ملف تداعيات "التغيرات المناخية" : تسعى فرنسا من خلال المنصة الأرجنتينية لجمع الحلفاء لدعم قضية "التغيرات المناخية"، فضلا عن محاولة كسب تأييد ترامب - بعد إعلان انسحابة من اتفاق باريس- لقرار أممى جديد يهدف إلى خفض الاحتباس الحرارى، وذلك قبل افتتاح مؤتمر المناخ الكبير، في بولندا، بالثاني من ديسمبر الجارى.
- ملف "موازنة أسعار النفط " : ثمة سجال قد يتعلق بملف "أسعار النفط" عند طرحة بالقمة الأرجنتينية، خاصة فى ظل الحديث عن إمكانية قيام كل من السعودية وروسيا– أكبر دولتين مصدرتين للنفط- بخفض إنتاجهما للحد من تراجع أسعار النفط، وذلك استناداً لاجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وروسيا، بالإضافة إلى منتجين آخرين، في فيينا يومي السادس والسابع من ديسمبر الجارى، في محاولة لدعم أسعار النفط، ووسط توقعات بالإعلان عن خفض الإنتاجية، مقابل أطروحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن خفض أسعار النفط ، حيث يُعد ذلك موازنة لـ "الخفض الضريبى للاقتصاد الأمريكي".
- ملف "النزاعات التجارية ومستقبل التجارة البينية": فقد كان على رأس أولويات القمة الأرجنتينة التوصل إلى أرضية مشتركة نحو رأب النزاع التجارى الأمريكي- الصينى، وبحث فرص تبادل فرض الرسوم الجمركية بين البلدين، فضلا عن محاولات استعادة توازن التجارة البينية بين الدول، ومعالجة أوجه الخلل في التجارة الدولية الذي نتج عن الاعتماد على اتفاقيات اقتصادية غير صالحة لتحديات الحاضر والمستقبل.
دلالات المشاركة السعودية:
تزامنت مشاركة ولى العهد الأمير محمد بن سلمان لقمة مجموعة العشرين بالأرجنتين مع عدد من الإرهاصات الإقليمية والدولية، والتى انعكست على إدارة الزخم المتتالى بأجندة الأحداث السياسية والأمنية بإقليم الشرق الأوسط، وذلك من خلال:
- سبقت مشاركة ولى العهد السعودى الامير محمد بن سلمان لقمة العشرين زيارتة لدول التحالف العربى، واختتمها بالقاهرة قبل الانطلاق للأرجنتين، والتى مثلت الزيارة "السادسة" خلال السنوات الثلاث الماضية بهدف المراجعة والتنسيق بالملفات ذات الاهتمام المشترك إقليميا ودوليا، وليؤكد أن مصر - كانت ولا تزال- مركزاً للحركة العالمية، وتشكل العمق الاستراتيجى للنظام الإقليمي العربي.
- تزامنت مشاركة السعودية للقمة الأرجنتينية مع بدء فرض الحزمة الجديدة من العقوبات الأمريكية على إيران بداية من 4 نوفمبر 2018، ولبحث الترتيبات المشتركة فى ذلك الملف.
- تأتى المشاركة وسط تداعيات ما أسفرت عنه انتخابات التجديد النصفى الأمريكية لمجلسى الشيوخ والنواب، التى قال عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – الحليف الدائم للمملكة السعودية والقاهرة- إنها مثلت أداء أفضل لحزبه الجمهورى، بينما وصفتها المعارضة الديمقراطية بأنها: "تحول فى الصوت الشعبى لصالح الحزب الديمقراطى".
- أكدت المشاركة بقمة مجموعة العشرين بـ "دلالاتها الزمنية" الخروج عن سجالات "الابتزاز السياسي" إقليميا ودوليا للمملكة السعودية جراء تداعيات حادث مقتل جمال خاشقجى، وإعادة الاهتمام للتنسيقات المشتركة لمواجهه تحديات المنطقة، وتوجيه رسائل حول استمرارية ثقل المملكة وولى عهدها، فضلا عن مواجهه الشائعات حول ضعف موقف بن سلمان ووجود خلافات داخل الأسرة الحاكمة، على خلفية قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
تفاهمات عربية مشتركة:
حرص ولى العهد، قبيل مشاركتة بقمة مجموعة العشرين، على زيارة القاهرة - مركز الثقل الاستراتيجى بالشرق الأوسط - لمراجعة عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، واستيضاح مساراتها الحالية والمستقبلية مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، والتى تتمثل فى :
- مراجعة ما تم إنجازه من قبل المجلس المصرى السعودى المشترك فى إطار خطة العمل التى وُضعت بين الدولتين وتتضمنت تنمية العلاقات الاقتصادية على المستوى الثنائى، بالإضافة إلى الانطلاق نحو التعاون الثلاثى لمشاريع مشتركة فى إفريقيا، استنادا لرئاسة مصر لاتحاد الغرف الإفريقية، ورئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسى القادمة للاتحاد الإفريقى، خاصة فى مجالات المقاولات، والبنية التحتية، والزراعة، والتصنيع المشترك، بالإضافة لتعظيم الاستفادة المشتركة من اتفاقيات التجارة الحرة الإفريقية.
- مراجعة تطورات ملف"قضايا الأمن العربى" فى ضوء التنسيق المستمر مع المحور الإستراتيجي الذي يضم كلا من: "مصر والسعودية والإمارات والبحرين" في مواجهة الإرهاب بالمنطقة وردع إيران.
- مراجعة المخرجات الاقتصادية لمنتدى "دافوس الصحراء"، فضلا عن توقيع عدد من البروتوكولات الاقتصادية بين البلدين، وتأكيد إنجاز مشروع الربط الكهربائى المصرى- السعودى لتبادل الطاقة بين البلدين فى إطار منظومة الربط بين شبكات الدول العربية، والذى يمثل أحد المشروعات المهمة بين القاهرة والرياض، ويعززه فى ذلك مشروع إقامة جسر برى عملاق للمرور والسكك الحديد، يربط بين البلدين عبر البحر الأحمر"جسر الملك سلمان بن عبد العزيز"، والذى أعلن عنه الرئيس السيسى خلال القمة المصرية- السعودية التى عقدت بالقاهرة في عام 2016.
- مراجعة وبحث فرص التسوية السياسية للحرب اليمنية في ضوء قرار الأمم المتحدة والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، وإيجاد مساحات أمنية وسياسية مشتركة، فى ظل تعنت الحوثى الذى يمثل إحدى الأذرع الإيرانية بالإقليم.
- تأكيد توحيد الموقف العربى من قضايا الإرهاب بمختلف أشكاله وضد داعميه، وهذا ما عكسته تدريبات "درع العرب-1" التي استضافتها مصر أخيرا، وشارك فيها البلدان فى قاعدة محمد نجيب بالساحل الشمالى قبل أسابيع.
- بلورة رؤية شاملة وخطة مُهيكلة لتطوير وإصلاح منظومة العمل العربي المشترك، بما يكفل تعزيز القدرات العربية على مواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، والتهديدات المتزايدة للأمن الإقليمي.
فى النهاية، نخلص من ذلك إلى أن هناك تفاهمات عربية- سعودية، تترأسها التنسيقات الثنائية بين القاهرة والرياض حول عدد من الملفات المشتركة، والتى سعى ولى عهد المملكة السعودية لمراجعة ثوابتها مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، قبيل المشاركة باجتماعات قمة مجموعة العشرين فى العاصمة الأرجنتينية 2018، لتوضيح مرتكزات "أجندة الإقليم العربى" فى إطار التنسيقات الثنائية بين ولى العهد، وكل من الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، والفرنسى "إيمانويل ماكرون"، والألمانية "آنجيلا ميركل"، وغيرهم، ليؤكد من خلالها أهمية الدور العربى فى دعم توازن قوى النظام الدولى.