عُقدت الدورة الاستثنائية الحادية عشرة لقمة الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا وذلك يومى 17، 18 نوفمبر 2018، وهى القمة الرابعة التى تعقد في العام نفسه، والتى ركزت بشكل مباشر علي الإصلاح المؤسسي للاتحاد الإفريقي، في ضوء تكليف الرئيس الرواندى، بول كآجامي، في قمة كيجالي فى يوليو 2016 بمهمة الإصلاح المؤسسي والمالي للاتحاد الإفريقي .
سبق القمة اجتماعات لجنة الممثلين الدائمين في الفترة من 5 إلى 7 نوفمبر أعقبها اجتماع المجلس التنفيذى (يضم وزراء خارجية دول الاتحاد الإفريقي) خلال الفترة من 14 إلى15 نوفمبر.
وقد جاءت هذه القمة الاستثنائية نتيجة وجود تباين في وجهات النظر بين الدول الأعضاء فيما يتعلق بالإصلاح المؤسسي. ويأتي علي رأس هذه التباينات اعتماد بروتوكول حرية التنقل لمواطنى الدول الإفريقية، حيث إن هذا الموضوع يثير نقاشاً حاداً بحسبانه من القضايا المهمة لتحقيق اندماج فعلي في القارة .
وقد التقي وزير الخارجية المصري نظيره الإثيوبي على هامش مشاركته في اجتماعات المجلس التنفيذى الذى سبق القمة، حيث تناول الوزيران آخر التطورات المتعلقة بسد النهضة، وشدد شكرى على أهمية التنفيذ لمخرجات الاجتماع الوزارى التاسع، وتجاوز تباطؤ الجانب الإثيوبي، والتأخير في تسليم ملاحظات الجانبين المصري والسوداني للمكتب الاستشارى الفرنسي .
كما تناول جهود إنشاء الصندوق الثلاثي للتنمية بين مصر، والسودان، وإثيوبيا، حيث أكدا ضرورة البناء علي النجاح الذى تحقق في الاجتماع الأول بالقاهرة .
وتولي مصر الشأن الإفريقي أهمية قصوى علي رأس سياستها الخارجية، خاصة اهتمامها بالكثير من القضايا، ضمن استراتيجيات رئاستها للاتحاد الإفريقي، بدءاً من عام 2019، وبالتحديد من 7 فبراير المقبل، والتى يتم العمل عليها والتحضير لها منذ يناير الماضي، والتى تحظى باهتمام بالغ من القيادة السياسية، وأهمها التنمية والإعمار عقب النزاعات المسلحة، خاصة أن مصر لديها مشروعات طموح فى مجالى البنية التحتية والطاقة .
وقد صدقت القمة على عدد من القرارات بشأن القضايا الرئيسية – تتلخص فيما يأتي:
• تقليص عدد أعضاء مفوضية الاتحاد الإفريقي من 10 أعضاء إلى 8 ، وهم الرئيس، ونائب الرئيس، وستة مفوضين تكون محافظهم على النحو التالي:
أ- الزراعة والتنمية الريفية والاقتصاد الأزرق والبيئة .
ب- التنمية الاقتصادية، التجارة والصناعة والتعدين .
جـ- التعليم والعلوم والتكنولوجيا والابتكار .
د- البنية التحتية والطاقة .
هـ- الشئون السياسية والسلم والأمن .
و- الصحة والشئون الإنسانية والتنمية الاجتماعية .
• على أن يكون هيكل القيادة العليا للمفوضية سارية المفعول حتى نهاية الفترة الحالية للمفوضية في عام 2021 .
ولا شك فى أن هذا القرار سوف يُمكن الاتحاد الإفريقي من توفير 500 ألف دولار سنوياً.
كما أقرت القمة عدداً من المعايير والمبادئ الأساسية لاختيار القيادة العُليا للمفوضية، يأتي في مُجملها:
أ- التمثيل الاقليمى العادل والتكافؤ بين الجنسين (50% رجال، 50% سيدات).
ب- عملية الاختيار يجب أن تتم بشفافية ومبنية على الجدارة والكفاءة .
جـ- يطبق مبدأ التناوب بين الجنسين علي وظائف رئيس المفوضية، ونائب الرئيس، أى إذا كان الرئيس ذكرا، فيجب أن يكون نوع نائب الرئيس أنثى، والعكس صحيح .
د- توزع وظائف المفوضين الست بصورة متساوية بحسب الجنس، وعلي الأقاليم الثلاثة غير الممثلة علي مستوى رئيس المفوضية ونائب الرئيس .
* يذكر أن الاتحاد الإفريقي يقسم القارة إلى 5 مناطق جغرافية (شمال – جنوب – شرق – غرب – وسط)، كما توجد منطقة سادسة اقترحها المجلس التنفيذى، وهى خاصة بالأفارقة المغتربين الشتات African diaspora".
وقد أقرت الجمعية العامة للاتحاد الإفريقي بأهمية حضور ممثلي المغتربين الأفارقة دورات الجمعية بصفة مراقبين، طبقاً للقرار الصادر في يناير 2008، وبعد أن اعترفت الجمعية العامة بالشتات ككيان موضوعى يسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للقارة .
كما تناولت القرارات أيضاً التصديق علي تعديل المادة 38 من النظام الداخلي لمؤتمر الاتحاد الإفريقي، والتى تتعلق بانتخاب رئيس المفوضية ونائب الرئيس من خلال وضع بعض المعايير والضوابط لعملية الانتخاب، وكذلك تعديل المادة 13 من النظام الأساسي للمفوضية، والخاص بانتخاب مفوض مفوضية الاتحاد الإفريقي .
أجاز المؤتمر ولاية وكالة تنمية الاتحاد الإفريقي (النيباد)، والتى تعد مصر إحدى الدول المؤسسة لها، والذراع التنموية للاتحاد الإفريقي علي النحو التالى:
أ- تنسيق وتنفيذ المشاريع الإقليمية والقارية ذات الأولوية لتعزيز التكامل الاقليمى من أجل التعجيل في تنفيذ أجندة 2063 .
ب- تعزيز قدرة الدول أعضاء الاتحاد الإفريقي والهيئات الإقليمية، وتقديم الدعم الاستشارى القائم علي المعرفة، والقيام بتعبئة الموارد على نطاق كامل، والعمل كواجهة فنية للقارة مع جميع أصحاب المصلحة الإنمائية في إفريقيا وشركاء التنمية .
جـ- دعت القمة الى إبرام اتفاقية استضافة دائمة للوكالة الإنمائية للاتحاد الإفريقي مع حكومة جنوب إفريقيا.
كما تم تقسيم العمل بين الاتحاد الإفريقي، والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، والآليات الإقليمية والدول الأعضاء، والمنظمات القارية، والشركاء الاستراتيجيين .
شددت القمة علي ضرورة عقد منتدى الآلية الإفريقية لاستعراض الأقران دورته العادية علي هامش قمم الاتحاد الإفريقي، فضلاً عن قرار بدمج ميزانية الآلية الإفريقية لاستعراض الأقران في ميزانية الاتحاد الإفريقي الرئيسية التى تمولها الدول الأعضاء .
شدت القمة على أهمية تعزيز قدرة الآلية الإفريقية لاستعراض الأقران بالتعاون مع هيكل الحوكمة الإفريقي لتنفيذ ولايتها الموسعة وتعزيز استقلالها الوظيفي. كما طلب منها تقديم تقرير دورى حول حالة الحكم في إفريقيا، وتقديم التقرير إلى الدورة العادية الثانية والثلاثين للمؤتمر المقرر عقدها في فبراير 2019.
وتعد الآلية الإفريقية لاستعراض الأقران أداة للتقييم تهدف إلى تعزيز نظرة الاتحاد الإفريقى، والقيم المشتركة للحوكمة الديمقراطية الرشيدة، والتنمية المستدامة والشمولية من خلال عملية للرصد الذاتى من قبل البلدان والاستعراض من قبل الأقران، وتهدف الى تعزيز السياسات والمعايير والممارسات التى تؤدى إلى الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادى المتين، والتنمية المستدامة والتكامل الاقتصادى على مستوى القارة. كما أنها تعمل كإنذار سريع يبين الصعوبات التى تنشأ. وقد أنشئت الآلية عام 2003 من أجل تعزيز النظرة المشتركة للحوكمة الديمقراطية، والتنمية الشمولية والمستدامة، والتى تمكن البلدان من رصد حصيلة تطورها فى أربعة أبعاد أساسية هى: الديمقراطية، والحوكمة السياسية، والإدارة الاقتصادية، والتدبير، وحوكمة الشركات، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهذه الحصيلة والتدابير التصويبية تضعها البلدان المرشحة بنفسها، مع دعم قريناتها من الدول الأخرى .
الجدير بالذكر أن الآلية الإفريقية لمراجعة النظراء هى فى غاية الأهمية لكونها تعنى أن الدول الإفريقية لا تنتظر دروساً من الخارج، وأنها تستطيع القيام بعملية التطوير بنفسها، مع عدم الممانعة فى تبادل الخبرات مع بقية العالم.
كانت مصر من أوائل البلدان التى التحقت بالآلية الإفريقية لمراجعة النظراء عام 2004، وإنها تدعم هذه العملية، كما عملت على تطوير وتحسين الحوكمة الوطنية، فضلاً عن إنشاء اللجنة الوطنية للحوكمة، ومراكز للبحث عالية المستوى للمتابعة فى هذا الميدان على الصعيد الوطنى.
كما قررت قمة الاتحاد الإفريقي فرض نظام عقوبات علي الدول الأعضاء التى لا تدفع إسهاماتها المالية وتشمل العقوبات، وعدم السماح لها بالحديث أمام القمم، ومنعها من التصويت والتقدم بمرشحين لمناصب الاتحاد .
كما ناقش الاتحاد قراراً يتعلق باقتصار الإسهامات المقدمة من الأطراف المانحة علي نسبة 40% من الميزانية وألا تقل إسهامات كل دولة من الدول الأعضاء عن 200 ألف دولار سنويا، وذلك حتى يتمكن الاتحاد الإفريقى من اتخاذ قراراته باستقلالية تامة بعيداً عن الشركاء الدوليين (لم تتجاوز نسبة الدول التى دفعت إسهاماتها حتى الآن ٥٠% من المبلغ المتوقع).
كما يعول الاتحاد الإفريقي على أن يفرض نسبة 0,2% علي واردات دولة الأعضاء لتمويل 75% من برامجه، و25% على عمليات حفظ السلام، ولم تستجب بعد لهذا المقترح سوى 24 دولة فقط .
كما قرر الاتحاد دمج وكالتي "الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا والآلية الإفريقية لاستعراض الأقران في الاتحاد .
وقد التزم الاتحاد الإفريقي خلال السنوات الـ 10 المقبلة بان تشغل المرأة نسبة 50% من المناصب، ويشغل الشباب 35% منها .
أدت احداث الربيع العربى إلى تراجع واضح فى دعم ميزانية الاتحاد الإفريقى. فقد دعمت مصر وليبيا خطة الإصلاح المالى للاتحاد الإفريقي عام ٢٠٠٦. وبموجب تلك الخطة، أصبحت كل من الجزائر، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى مصر وليبيا، تسهم بنحو ٦٦% من إجمالى الميزانية السنوية للاتحاد الإفريقي، كما اعتمدت دول إفريقية عدة على المساعدات والاستثمارات الليبية، خاصة فى المجالات الاقتصادية. مقابل ذلك التراجع العربى الواضح، ظهرت قوى إقليمية إفريقية، مثل جنوب إفريقيا وإثيوبيا، وعكفت دول أخرى، مثل الجزائر ونيجيريا، على مشكلاتها الداخلية، ومواجهة العديد من التحديات التى قد تهدد استقرارها ووحدة أراضيها.
لقد ظهرت جنوب إفريقيا كقوة إفريقية صاعدة، وامتلاكها لأقوى اقتصاد فى القارة، بالإضافة إلى أن عضويتها فى كل من "بريكس" ومجموعة العشرين قد مكنتها من ممارسة دور رئيسي فى سباق الاتحاد الإفريقي. على جانب آخر، استطاعت إثيوبيا الصعود هى الأخرى، وبقوة وحققت معدلات نمو اقتصادي عالية خلال السنوات الماضية. وقد ارتبط هذا الصعود الإثيوبي بدرجة كبيرة بشخصية رئيس الوزراء الإثيوبي، ميلس زيناوى، فقد استطاع توظيف تنظيم الإيجاد والاتحاد الإفريقى لتمثيل إفريقيا فى المحافل الدولية، مثل مجموعة العشرين، ومجموعة الثمانى الكبار، ومنتديات التغير المناخي، والشراكة الجديدة من أجل التنمية فى إفريقيا (النيباد)، كما أسهمت إثيوبيا فى صياغة توجهات الاتحاد الإفريقى، والشراكة مع كل من الهند وكوريا الجنوبية، وقد برز صعود إثيوبيا فى الاتحاد الإفريقي فترة ثورات الربيع العربى، والإعلان عن بناء سد النهضة.
فى النهاية، إذا لم تعتمد الدول الإفريقية على نفسها، وتقم كل دولة بدفع مشاركتها بالكامل لدعم الاتحاد الإفريقى، وتصر على الاعتماد على المؤسسات الأجنبية فى التمويل المالى، وإذا تقاعست الدول عن عملية الإصلاح المالى والمؤسسي للاتحاد الإفريقى، فستظل هذه الدول خاضعة لإملاءات وتدخلات الدول الأجنبية، وبالتالى لن تسطيع أن تحصل على استقلالها.