لا شك في أن السقوط الوشيك للعقيد الليبي معمر القذافي سيعطي دفعة مجددة للربيع العربي، الذي يتحرك مثقلا بكلام كثير عن الإصلاحات والانتخابات الحرة – وسط جميع أعمال العنف والاضطرابات – ولكن لم يحدث الكثير من الأشياء الملموسة بالفعل حتى الآن.
ولكن من الواضح أنه على ضوء الاختلافات الطائفية والإثنية في المنطقة، فإن من بين أول الأسئلة التي ستطرح في حقبة ما بعد القذافي سؤال عند مدى قدرة المجتمعات المتنوعة عرقيا ودينيا في منطقة الشرق الأوسط على البقاء من دون الانزلاق إلى صراعات أهلية، بل وربما حروب أهلية.
ولنطرح الأمر بصيغة أخرى؛ إن التخلص من حكام ديكتاتوريين مكروهين مجرد بداية لحقبة جديدة ما زالت في حاجة إلى قيادة سياسية حكيمة وتوجيه متأن كي تتجنب دول الربيع العربي المزيد من أعمال العنف. وفي مقال رأي بـ«فايننشيال تايمز» (في 22 أغسطس/ آب)، وضع فيليب زيليكو، أستاذ التاريخ في جامعة فيرجينيا، إصبعه على هذه النقطة عندما تناول هذا الموضوع فقال: «ستجرب المجتمعات متعددة الإثنيات في دول مثل ليبيا والعراق وسوريا حلولا فيدرالية، بل وربما كونفدرالية، تتوفر فيها مساحات أكبر وتفوض في إطارها سلطات. في هذا الجزء من العالم سيتفتت نموذج (الدولة الكاملة)، الذي يعد ابنا ضعيفا لنهاية الاستعمار. لقد كان هذا النموذج الوحدوي والدولاني وسيلة للمحسوبية، وهو يفسح المجال حاليا لشيء جديد».
وسيرى ما إذا كانت عملية «تفتت» نموذج الدولة ستحدث بسلام أم ستصبح شيئا فوضويا وأليما من الناحية السياسية والاجتماعية. وبالطبع، تعد تركيا الديمقراطية الوحيدة الفاعلة بين الدول الإسلامية في المنطقة. ولكن فيها مشاكل تأتي في إطار توصيف زيليكو، وأبرزها القضية الكردية التي عادت إلى منحى عنيف من جديد، رغم أنها ليست القضية الوحيدة داخل تركيا.
ورغم ديمقراطيتها، تواجه تركيا أيضا تفتت قالب «الدولة الكلية» حيث إن تنوعها الاجتماعي والديني والإثني يتضح أكثر مع كل يوم يمر. وبالطبع، يرحب البعض بذلك. ولكن تركيا من بين الدول الأكثر «دولانية» في العالم.
ولكن من الواضح أن صيغة «الدولة الواحدة المركزية للجميع» التي لدينا منذ تأسيس الجمهورية تواجه وضعا صعبا حاليا، مما يتطلب قرارات شجاعة وقيادة حكيمة، ولا سيما إذا كانت هناك رغبة في تجنب المزيد من أعمال العنف في الخلاف التركي الكردي.
ورغم أنه لا يزال من المحظور الحديث عن «تركيا فيدرالية»، ناهيك عن «كونفدرالية» عند مناقشة القضية الكردية – وليس واضحا أن هذه النماذج السياسية يمكن أن تحل المشكلة – فإنه من الواضح أنه يجب تحقيق بعض اللامركزية إذا كانت هناك رغبة في تحقيق سلام واستقرار في نهاية المطاف.
وليست القضية الكردية وحدها التي تجعل هذا ضروريا اليوم. وعلى ضوء صعوبة إدارة دولة متنامية ومتنوعة وكبيرة من المركز، يبدو التحرك تجاه اللامركزية شيئا حتميا في التحليل النهائي. وليس معروفا بعد ما هي الصيغ التي سيكون حزب العدالة والتنمية قادرا على إنتاجها للتعامل مع هذه القضية التي تواجه البلاد. وستكون صياغة دستور جديد نقطة محورية في هذا النقاش.
والواضح في هذه المرحلة أن الربيع العربي مستمر – سواء بمنحى إيجابي أم سلبي – ولن تكون تركيا محصنة من التداعيات فيما يتعلق بالسؤال المهم حول كيفية تلبية المجتمعات المتنوعة احتياجات مواطنيها المنتمين لإثنيات وأديان وطوائف وطبقات اجتماعية مختلفة.
------------------------------
* نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية