عرض : د.مروة نظير
Joseph P. Quinlan, The Last Economic Superpower: The Retreat of Globalization, The End Of American Dominance, And What We Can Do About It, New York: McGraw-Hill،2011.
يبحث الكتاب الذي أعده الأمريكي "جوزيف كوينلان" -كبير استراتيجيي السوق في بنك أوف أمريكا- خلال فصوله التسعة تأثيرات الأزمة المالية لعام 2008 في طبيعة التفاعلات الاقتصادية والسياسية في منظومة العلاقات الدولية، مع التركيز بشكل خاص علي العولمة التي شكلت الإطار الذي تتم خلاله هذه العلاقات في السنوات المنصرمة.
العولمة وعدوي الأزمة المالية :
ينطلق الكتاب من أن العولمة التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي اقتصرت فوائدها عليها وعلي الدول الغربية، ساعدت علي تعجيل حدوث الأزمة المالية لعام 2008، والتي ارتبطت بشكل خاص بقطاع العقارات السكنية في الولايات المتحدة، حيث حدث انفجار في إجمالي ديون الرهن العقاري السكني لتقفز من 5 تريليونات دولار في 2000 إلي 11 تريليون دولار في 2007.
وقد ساعدت العولمة أيضا علي انتقال تأثيرات الأزمة المالية من الاقتصاد الأمريكي إلي الاقتصاد العالمي. فبعد رصده في الفصل الأول لعملية صعود العولمة تحت قيادة الولايات المتحدة، وكيف بدأت بتحرير أسواق رأس المال العالمية، مع محدودية القيود علي تدفقات رأس المال، مما شجع التجارة والاستثمار العابرين للحدود، أجمل الكتاب أهم مؤشرات انتقال الأزمة للاقتصاد العالمي في أربعة مؤشرات رئيسية عرضها الكتاب في فصله الثاني الذي حمل عنوان "العاصفة المتراكمة".
أول تلك المؤشرات: تدهور الموقف المالي للولايات المتحدة التي أبدت سلوكا غير حريص في الاقتراض من الدول الأخري، وفي الإنفاق. وثانيها: زيادة التدفقات المالية العابرة للحدود بين دول العالم المختلفة، علي نحو غير آمن. أما ثالثها، فهو تزايد الصادرات الصينية للولايات المتحدة وإصرار الصين علي تكريس هذا الوضع عبر شراء الدولار والعمل علي رفع قيمته. وآخرها تمثل في تكرر حدوث الأزمات المالية علي مستوي العالم.
وعلي العكس مما كان يعتقده عديد من المستثمرين وصناع السياسة من أن الأزمة لن تتجاوز الحدود الأمريكية، والحديث عن فك الارتباط بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي، أكد الفصل الثالث من الكتاب -من خلال تركيزه علي الصدمات المترتبة علي الأزمة المالية في الدول المختلفة- انتقال الأزمة لمختلف دول العالم، مع انخفاض الطلب العالمي علي الصادرات، وهبوط الأسعار وتدفق رأس المال.
وفي فصله الرابع، رصد الكتاب خمسة متغيرات من المتوقع أن تختبر قدرة الولايات المتحدة الأمريكية علي التكيف في المستقبل، وهي: تبلور مكانة مجموعة العشرين باعتبارها اللجنة التنسيقية الجديدة لإدارة شئون العالم، صعود دور الدولة علي حساب القطاع الخاص، صعود التوجهات الإقليمية في العلاقات الدولية، ظهور قوي جديدة كلاعب علي المسرح العالمي (الصعود الاقتصادي للصين).
لماذا انتهت القيادة الأمريكية للاقتصاد العالمي؟
لمعرفة لماذا تحولت الولايات المتحدة من دولة دائنة في منتصف ثمانينيات القرن العشرين إلي أكثر دول العالم اقتراضا حاليا، ركز الفصل الخامس الذي حمل عنوان "المارد المعاق .. الأسباب والنتائج" علي السياسات المالية للولايات المتحدة. ويتوصل الفصل إلي أن السبب وراء ذلك هو معاناة الاقتصاد الأمريكي من أعباء حربي العراق وأفغانستان، فضلا عن الأزمة المالية في عام 2008، إذ إن فاتورة كل من هذه العوامل تصل علي الأقل إلي تريليون دولار. بالإضافة لتآكل قدرات كل من أوروبا واليابان.
ولم يغفل الكاتب الحديث عن صعود القوي الاقتصادية الجديدة التي كانت محور تركيزه في الفصل السابع الذي جاء تحت عنوان"أصحاب النفوذ الجدد واستعراض العضلات"، في ضوء حديثه في الفصل الرابع "الإسراع نحو عالم فوضوي متعدد الأقطاب" عن عالم متعدد الأقطاب. ويتساءل كيف أمكن لدول مثل الصين والبرازيل إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي? مشيرا إلي أن الموارد الأكثر أهمية (أي المصادر الطبيعية، رأس المال، والأيدي العاملة) تخضع الآن لسيطرة الدول النامية، الأمر الذي يقوض مكانة الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عظمي. فلا يمكن وصف الاقتصاد الأمريكي بأنه اقتصاد قوة عظمي، في حين أنه يعتمد علي النفط والمصادر الطبيعية التي تملكها دول أخري، كما أنه غارق في الديون، ويقوم علي مستهلكي دول أخري.
رؤية استشرافية :
عرض الكتاب سيناريوهين للمستقبل، يتنبأ بأن يمر بأحدهما الاقتصاد العالمي. السيناريو الأول يوضحه الفصل الثامن المعنون "الحرب الباردة الاقتصادية القادمة". وفيه تتجه الولايات المتحدة لرفض التكيف مع المشهد العالمي الجديد، والقبول بانحسار دورها في الاقتصاد العالمي، وتلجأ لسياسات لن تكون مقبولة لدي الدول النامية. ونتيجة لذلك، تنشأ العديد من التوترات بين كتلة العالم المتقدم بقيادة الولايات المتحدة من ناحية، وكتلة الدول النامية بقيادة الصين من ناحية أخري، مما يؤدي لأشكال مختلفة من السياسات الحمائية، والموانع الحدودية، الأمر الذي يعيق فكرة التدفق غير المقيد للأشخاص والسلع ورأس المال. ومع وصول التوترات إلي نقطة حرجة واندلاع حرب باردة اقتصادية، سيكون المستهلك هو الخاسر الأكبر، مع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وغيرها من السلع الحيوية.
ويتحدث الفصل التاسع الذي جاء بعنوان "الميلاد الجديد للعولمة" عن سيناريو مغاير، تصل دول العالم المختلفة عبره لتفاهم فيما بينها، وتتجه نحو التعاون، بحيث تصبح مجموعة العشرين الحاكم للاقتصاد العالمي، وتقبل الولايات المتحدة وأوروبا بانحسار دورهما، ويصبح للدول النامية الرئيسية دور حقيقي كفاعلين علي الساحة العالمية. وهنا، يطرح الكتاب سؤالا حول قدرة الدول النامية علي لعب دور في قيادة العالم، وهل ستقبل أن تكون مصالحها الوطنية تابعة للصالح العام العالمي.