وإذا كانت ثورتا مصر وتونس اللتان نجحتا في خلع نظامين، اتسما بالتسلط والقمع الأمني والفساد المنهجي، وذلك في مدي زمني محدود نسبيا، تمثل في 28 يوما من الاحتجاجات المتتالية في تونس و18 يوما من الاعتصام الشعبي المتتالي في مصر ، فإن ثورة الشعب اليمني التي مر عليها أكثر من شهرين يبدو أنها ستأخذ مسارا أكثر عنفا، نظرا لطبيعة دور الجيش والقوات الأمنية اللذين انحازا لنخبة الحكم ضد الشعب اليمني.
لقد قامت الأجهزة الأمنية بأكثر من محاولة لفض اعتصام ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء بالقوة والعنف وإطلاق النار وقتل وجرح المئات ، وصولا إلي قرار الرئيس عبد الله صالح إعلان حالة الطوارئ يوم 19 مارس 2011 ، بعد قيام تلك القوات الأمنية بقتل 44 شهيدا، وإصابة المئات من المعتصمين بساحة التغيير، وهو التطور الذي أجج التوتر في البلاد، وعكس حالة الانسداد السياسي القائمة، وفتح الباب أمام مشاهد أكثر سوءا.
ورغم الطبيعة 'الجمهورية' لنظام الحكم في اليمن ، فإنه يستند إلي معادلات وتوازنات قبلية في الجوهر، سوف تحدد المسار المنتظر في إنهاء نظام الرئيس صالح، خاصة أن الجيش في اليمن هو مؤسسة أسرية، يسيطر عليها أبناء الرئيس صالح وأبناء أشقائه وإخوته، وهو ما يجعل انحياز الجيش لمطالب الشعب المشروعة مسألة مشكوكا فيها، علي عكس موقف الجيش في الحالتين المصرية والتونسية، والذي اتسم بأنه مؤسسة وطنية جامعة تنحاز للشعب في مطالبه المشروعة.
وإن حدث انحياز الجيش في اليمن للشعب ، فسيكون مصحوبا بانقسام بين قطاعات ومعسكرات مؤيدة للرئيس وضد ثورة التغيير الشعبية، وأخري تنحاز للثورة، وتري فيها الأمل لنهضة البلاد. ولعل هذا الوضع غير الصحي للمؤسسة العسكرية اليمنية يفسر تلك المطالب الرئيسية التي تدعو إلي إقصاء هذه القيادات الأسرية من الجيش والمؤسسة الأمنية فورا، كما يفسر أيضا وقوع اشتباكات بين وحدات من الجيش والحرس الجمهوري.
وبجانب طبيعة المؤسسة العسكرية ، فإن هنالك عوامل أخري تحفز العنف في الحالة اليمنية، والذي قد يصل إلي حرب أهلية مصغرة، منها أن هناك انقساما اجتماعيا وقبليا، يظهر في وجود شريحة اجتماعية قبلية تؤيد الرئيس صالح، وترفض مقولات التغيير والرحيل، وتقوم بدورها في التظاهر والاعتصام من أجل بقاء النظام والدفاع عنه.