على عكس ما توقعه، على الأقل، بعض من مهندسى الشراكة الأورو-متوسطية، لم تتمكن هذه الشراكة من المساهمة فى إرساء الحريات السياسية أو الديمقراطية فى دول جنوب المتوسط. وفيما تتراوح المسارات المختلفة التى حددها الاتحاد الأوروبى لدعم الإصلاح، من حوار سياسى إلى برامج متخصصة للترويج للديمقراطية، إلى دعم المجتمع المدنى والقطاع الخاص، فلقد انتهت جميعها حتى الآن إلى طريق مسدود. أما سياسة الجوار الأوروبى الجديدة، التى قامت على أسس مشابهة لعملية الشراكة، فقد تنجح فى تحسين ظروف الحوكمة ضمن الحدود التى يفرضها الحكم السلطوى، ولكنها لن تؤدى إلى دعم عملية إصلاح سياسى جادة.
ففى مصر على سبيل المثال، أخفق إعلان برشلونة فى الوقوف أمام الاتجاه المتزايد لفرض قيود إضافية على الحريات السياسية، والذى أدى خلال التسعينيات من القرن الماضى إلى إدخال تعديلات متصاعدة قمعية على القانون الجنائى، وزيادة أحكام الإعدام، وفرض المزيد من الرقابة على النقابات المهنية، والتلاعب فى الانتخابات. ولقد تم تخفيف بعض من تلك القيود بنهاية ذلك العقد، بعد هزيمة الجماعات الإسلامية المسلحة، ولكن تم اعتماد إجراءات أخرى أقل وضوحا لضمان بقاء الحكم السلطوي.
أخذت تلك الإجراءات أشكالا مختلفة من "الديكور" الديمقراطى، مثل عملية تعديل الدستور فى عام 2005، التى تمت بعد نحو عام من بدء سريان اتفاق الشراكة الجديد بين مصر والاتحاد الأوروبي. أتاح هذا التعديل لأكثر من مرشح دخول الانتخابات الرئاسية عام 2005. إلا أن الإشراف على الانتخابات قد تم تحويله من القضاء إلى لجنة جديدة شكلها النظام، بينما ظلت الجهات الأمنية وغيرها من الإدارات التابعة للنظام تسيطر بشدة على النتائج. ووفقا للتوقعات، فلقد فاز الرئيس مبارك بأغلبية ساحقة للبقاء فى الحكم لفترة ولاية خامسة، بينما كانت النتيجة بالنسبة لأيمن نور، الذى كان أبرز منافسيه وحصل على 7% من الأصوات، أنه قد وجد نفسه ملقى فى السجن بسبب تهم ملفقة بالتزوير. كما أن الشروط المشددة، التى نصت عليها المادة 76 المعدلة من الدستور، تجعل إمكانية ترشح شخص لا يحظى بدعم النظام شديدة الصعوبة. وهذه المادة هى التى سوف تتحكم فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، المزمع إجراؤها عام 2011.
أما بالنسبة للانتخابات التشريعية، فلقد تمكن ثمانية وثمانون عضوا من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة من النجاح فى انتخابات عام 2005، بعد ترشحهم باعتبارهم مستقلين، وبالتالى حصلوا على 19% من مقاعد البرلمان. فى حين فاز أعضاء الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم بنسبة 68% من المقاعد ليضمن مرة أخرى الأغلبية بثلثى المقاعد. وقد أعقب هذه الانتخابات إجراء تعديلات دستورية أخرى، أتت بلجنة جديدة شكلها النظام للإشراف على الانتخابات البرلمانية المقبلة. ورغم أن المجتمع المصرى قد شهد، خلال السنوات الماضية، حوارا جماهيريا أكثر صراحة، حيث أصبح بالإمكان الاعتصام والقيام بالمظاهرات فى الساحات العامة -على الرغم من الوجود الأمنى المكثف للشرطة- فإنه فى الوقت ذاته تمت زيادة القيود على المجتمع المدنى، والتحقيق مع وتهديد القضاة المستقلين، وملاحقة الصحفيين من أصحاب الآراء المنتقدة للنظام.
ولم يكن مصير الأردنيين أفضل كثيرا، منذ أن انضمت المملكة الهاشمية إلى عملية برشلونة. ففى عام 2001، أى بعد مرور أربع سنوات على توقيع اتفاق الشراكة الأورو-متوسطية، قام الملك عبد الله الثانى بحل البرلمان، واعتمد على صلاحياته الدستورية لإصدار قوانين وتشريعات فى أثناء عدم انعقاد البرلمان. وكان من أوائل القوانين التى سنها فى هذا الإطار قانون جديد للانتخابات، والذى تم إجراء تعديلات عليه فى عام 2003، قبل أن يدعو الملك أخيرا إلى إجراء الانتخابات التشريعية. ضمن هذا القانون حصة ضئيلة للنساء والأقليات، ولكن أهميته تكمن فى أنه أعطى وزنا أكبر للناخبين من الدوائر الانتخابية الريفية على حساب المدن، وبهذا أعطى الأفضلية لزعماء القبائل على حساب الأحزاب السياسية، مما عزز من قوة الملك.
وبينما تم فى عام 2007 تعديل جزئى للقانون الصادر فى عام 2001، والذى تسيطر الحكومة عن طريقه على تعيين السلطات المحلية، فإن تشريعا جديدا صدر فى التوقيت نفسه بفرض قيود إضافية على الأحزاب السياسية. ويعتبر التشريع الخاص بقضايا الأحوال الشخصية هو المجال الوحيد الذى حصلت فيه المرأة على الأقل على بعض الحقوق الإضافية، وإن كان هذا التشريع غير مطبق فعليا على أرض الواقع...(ملخص)