جذبت سياسة تركيا الخارجية الكثير من الانتباه أخيرا، سواء علي صعيد الاتحاد الأوروبي أو الشرق الأوسط أو الولايات المتحدة. وبالفعل، فقد مرت هذه السياسة بمرحلة تحول عميق، كان لها تأثير كبير علي درجة ونوعية نشاط أنقرة في منطقة الشرق الأوسط.
لقد أعادت تركيا اكتشاف الشرق الأوسط، بعد أن تجاهلته المؤسسة التركية العلمانية الموالية للغرب لعقود. وخلال مرحلة الحرب الباردة، بل وعقبها، كان النشاط التركي في المنطقة محدودا، وعادة ما يتم في إطارالسياسات الخارجية للولايات المتحدة. أما اليوم، فإن تركيا في سبيل إنهاء انفصالها المفتعل عن منطقة الشرق الأوسط. ورغم أن الدور التركي في هذه المنطقة يتصاعد، منذ تسعينيات القرن الماضي، فإن تغييرا نوعيا قد طرأ علي طبيعة هذا الدور أخيرا.
في التسعينيات، كانت علاقة تركيا بالمنطقة تسير في إطار رؤية واقعية لموازين القوي في الشرق الأوسط، فكان تركيزها علي تطوير علاقاتها العسكرية بإسرائيل، كما مارست ضغوطا علي سوريا، وشاركت في فرض العقوبات الغربية ضد العراق. أما اليوم، فإن تركيا تسعي إلي تطوير علاقاتها مع جميع اللاعبين بالمنطقة بغرض دعم فرص السلام والتكامل الإقليمي. وفي إطار هذا الهدف، بادرت تركيا بلعب دور الوسيط بين إسرائيل وسوريا وحركة حماس وإسرائيل. وكذلك توسطت بين الفرقاء المختلفين داخل لبنان والعراق، وبين الولايات المتحدة وإيران. وفي هذا السياق، جاءت اتفاقيات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيعة المستوي التي أبرمتها تركيا عام 2009 مع كل من سوريا والعراق كتطور غير مسبوق. وكذلك الحال بخصوص الاتفاق الذي عقدته السلطات التركية في يونيو عام 2010 مع حكومات لبنان وسوريا والأردن لإقامة مناطق حرة بين هذه الدول تجاريا وسياحيا. الاستثناء الوحيد لهذا التوجه التركي يتمثل في العلاقات مع إسرائيل.
فقد تعثرت العلاقات التركية - الإسرائيلية منذ عملية 'الرصاص المصبوب' ضد قطاع غزة، وذلك بفضل الاعتراضات التركية علي ممارسات تل أبيب في إطار الصراع العربي - الإسرائيلي، والخطاب الإسرائيلي الحاد في الرد علي هذه الانتقادات. تصاعدت هذه الأزمة في يونيو 2010، عندما قتلت قوات الدفاع الإسرائيلي تسعة مواطنين أتراك كانوا علي متن سفينة تركية، ضمن أسطول دولي ينقل مساعدات إنسانية إلي قطاع غزة، في تحد للحصار الإسرائيلي المفروض علي القطاع...(ملخص)