في مناسبات عدة هدد وزير الحرب “الإسرائيلي” إيهود باراك بأنه في حال وصول أسلحة “كاسرة للتوازن” إلى أيدي المقاومة اللبنانية فإن “إسرائيل” ستدرس إمكانية تنفيذ عملية عسكرية لإحباط نقل هذه الأسلحة . وفي الأسبوع الماضي كتبت صحيفة “هآرتس” أن اللواء أفيف كوخافي رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “الإسرائيلية” زار سراً الولايات المتحدة للتحذير من وصول أسلحة متطورة موجودة بحوزة سوريا إلى أيدي المقاومة اللبنانية في حال سقوط نظام الرئيس بشار الأسد . في الوقت نفسه نشرت الصحيفة نقلاً عن صحيفة “الفيجارو” الفرنسية أن المقاومة اللبنانية تنقل أسلحة، وخصوصاً الصواريخ، من سوريا إلى لبنان .
هل هذا يعني أن “إسرائيل” باتت تتشكك في قدرة نظام الرئيس الأسد على البقاء، وأن “سيناريو السقوط” بات محتملاً؟ السؤال مهم لسببين، أولهما أن هناك من يعتقد في “إسرائيل” أن حرباً استباقية سورية لبنانية يمكن أن تحدث ضد “إسرائيل” لمنع سقوط النظام في سوريا، يكون هدفها الانحراف بمسار التغيير المطلوب الآن في سوريا من إسقاط النظام إلى إبقائه عبر هذه الحرب، حيث يعتقد هؤلاء “الإسرائيليون” أن تلك الحرب سترمي إلى نقل المعركة من الداخل السوري إلى الخارج مع “إسرائيل” وعندها لن يستطيع سوري المجاهرة بالعداء لنظام يقاتل “إسرائيل” وقد يزعم أنه يقاتل من أجل حرية سوريا واستقلال إرادتها وشرفها وكرامتها . أما السبب الثاني فيرتبط بالعقيدة العسكرية “الإسرائيلية” القائمة على مجموعة من الثوابت سبق أن أعاد تأكيدها إيهود باراك عقب الحرب على لبنان صيف 2006 .
فالحرب “المثالية” بالنسبة إلى “إسرائيل” حسب إيهود باراك أن تكون “استباقية” أي بمبادرة من “إسرائيل” وليست رد فعل، لسبب مهم هو في ذاته الشرط الثاني وهو أن تقع خارج أرض “إسرائيل” وليس على أرضها، وأن تكون سريعة وهذا هو الشرط الثالث، الذي له علاقة مباشرة بالشرط الرابع والأهم وهو أن تكون سريعة ولا تمتد زمنياً حتى لا تصل إلى “إسرائيل” وإلى الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” التي هي أهم نقاط الضعف “الإسرائيلية” . فالحرب طويلة المدى أو الاستنزافية تفرض على قوات الاحتياط أن تدخل المعركة، وهذا معناه أن الحرب وصلت فعلاً إلى الجبهة الداخلية، وأن الرأي العام “الإسرائيلي” سيتحول إلى قوة ضاغطة لوقف الحرب قبل أن تكون قد حققت أهدافها .
ماذا يمكن أن يفعله “الإسرائيليون” في ظل هذه “الورطة” السورية . ورطة انتظار حرب قد تقع ضدها تهدف إلى الحفاظ على نظام الأسد من السقوط، وورطة المبادأة في شن حرب ضد سوريا أو ضد لبنان أو حرب شاملة ضد سوريا ولبنان، وعندها يصعب التكهن بردود الفعل الإيرانية، حيث يصعب استبعاد احتمال التورط الإيراني في مثل هذه الحرب “الإقليمية” .
الورطة “الإسرائيلية” تتسع في ظل ثلاثة اعتبارات شديدة الأهمية . أبرزها السيناريوهات “الإسرائيلية” المعقدة للتغيير المحتمل في سوريا، وهي سيناريوهات يمكن وصفها ب”سيناريوهات اليقين الغامض” .
أول السيناريوهات الغامضة يتعلق بحدود التغيير المحتمل في سوريا، هل هو إسقاط للنظام بكامله، أم إسقاط لأبرز مرتكزات النظام في ظل معادلة توازن القوى الصعبة بين الحكم والمعارضة، والحوارات الداخلية التي بدأت تجري داخل سوريا بين أطراف علمانية معارضة يبدو أنها أضحت مذعورة من إمكانية سيطرة تيارات الإسلام المتطرف على السلطة في حالة سقوط النظام، ومن ثم فرض نظام إسلامي لا يريده مثل هؤلاء العلمانيين، ولذلك فإنهم قد يفضلون سيناريو التغيير داخل النظام وليس إسقاط النظام، أي إعادة تأسيس النظام نفسه على أسس ديمقراطية وعلمانية حتى لا يتحول إلى نظام إسلامي . هذا يعني أننا أمام أحد سيناريوهين إما إسقاظ النظام وإما إصلاح النظام، لكن هناك داخل سيناريو إسقاط النظام أحد احتمالين، إما ظهور نظام ليبرالي ديمقراطي أقرب إلى الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً ومن ثم يمكن اعتباره صديقاً محتملاً ل”إسرائيل” وإما مجيء نظام إسلامي معتدل أو متشدد، وفي كلتا الحالتين ستكون “إسرائيل” مستهدفة سواء على المدى الطويل أو على المدى القريب .
وبشكل عام، فإنه في ظل سيناريوهات هذا اليقين الغامض، سوف يكون من الصعب على “إسرائيل” أن تتبنى خيار الحرب في مثل هذه الظروف ضد سوريا، لأن الحرب ستزيد من تعقيد وإرباك كافة الحسابات، وقد تكون في غير مصلحة القوى والتيارات السورية التي يراهن “الإسرائيليون” عليها كصديق محتمل في المستقبل .
الاعتبار الثاني له علاقة بتركيا، فالتخطيط “الإسرائيلي” يرتكز على تفكيك علاقة سوريا بتركيا وتفكيك علاقة سوريا بإيران وتفكيك علاقة سوريا بإيران كانت له الأولوية في الأعوام الماضية ضمن سيناريو احتواء إيران . الآن يرتكز “الإسرائيليون” على استعادة تركيا كحليف، واستغلال التوتر في العلاقات التركية السورية بسبب رفض الأخيرة لسياسة القمع السورية ضد المعارضة وانحيازها إلى سيناريو الإصلاح الجذري للنظام . لذلك فإن شن حرب “إسرائيلية” ضد سوريا الآن قد يربك التقارب التركي “الإسرائيلي”، ويعيد تركيا كطرف إقليمي مناهض للسياسة “الإسرائيلية” نظراً لأن تركيا ليست مع إسقاط نظام الأسد ولكن مع الإبقاء عليه وإصلاحه لتأمين الأمن والاستقرار في سوريا، خشية أن يمتد التوتر السوري إلى الداخل التركي من منظور سياسة “البيوت الخشبية” التي ابتدعها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو .
الاعتبار الثالث له علاقة بتيار الثورة العربية خاصة في مصر ف”الإسرائيليون” الذين روعهم سقوط حسني مبارك ونظامه حريصون على حصر حركة الثورة والتغيير في مصر على الأوضاع الداخلية المصرية، وعلى ألا يمتد التغير الثوري إلى دور مصر العربي والإقليمي، وعلى علاقات مصر مع “إسرائيل” وشن حرب “إسرائيلية” ضد سوريا الآن قد يصور على أنه موجه لحركة الثورة في سوريا، ويجعل من “إسرائيل” عدواً مباشراً للتغيير ومن ثم يدفع الثوار في مصر إلى مراجعة حساباتهم وأولوياتهم، وربط التغيير داخل مصر بالتغيير خارجها وبالذات تجاه الموقف مع “إسرائيل” .
اعتبارات ثلاثة إذا أضفنا إليها الاعتبار الإيراني كطرف قد يدخل الحرب ضد “إسرائيل” إذا ما شنت الحرب ضد سوريا والمقاومة اللبنانية، أو كطرف سوف يستفيد في حالة رد الفعل المصري الرافض لأي عدوان ضد سوريا، حيث ستعود مصر إلى دورها العربي والإقليمي، وعندها قد تجد أن التقارب مع إيران أضحى ضرورياً لحسابات توازن القوى مع الأطراف الأخرى تجعل من خيار الحرب ضد سوريا رهاناً خاسراً، لكن الانتظار السلبي قد يكون خياراً أكثر صعوبة لا تستطيع “إسرائيل” أن تدفع أثمانه المحتملة .
=======================
(*) نقلا عن صحيفة الخليج الإماراتية