اختتم وزير الخارجية المصري "سامح شكري" زيارته لمملكة البحرين التي استمرت يومين (10-11) نوفمبر 2018 لحضور اجتماع اللجنة المشتركة العليا العاشرة بين الدولتين (تعقد كل سنتين وعقدت التاسعة عام 2016) والتي أكدت في بيانها الختامي تمسكها بالشروط الـ 13 لحل الأزمة القطرية، كما عقد "شكري" عدة لقاءات مع القيادة السياسية البحرينية وجدد خلالها حرص مصر على دعم أمن المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي كافة لمواجهة أى تهديدات أمنية خارجية، لاسيما في ظل التحديات الإقليمية الراهنة.
علاقات متميزة:
عقد "شكري" مباحثات ثنائية مع نظيره البحريني "خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة"، وكذلك استقبله الملك "حمد بن عيسي" ملك مملكة البحرين ورئيس الوزراء الأمير "خليفة بن سلمان آل خليفة"، كما رأس الوفد المصري باجتماع الدورة العاشرة لأعمال اللجنة المصرية- البحرينىة بالمنامة، حيث:
*تنسيق ودعم سياسي: جدد "شكري" دعم مصر الكامل لمملكة البحرين ووقوفها مع المملكة في كل ما تتخذه لضمان أمنها واستقرارها، كما أكد الملك "حمد" أن مصر تمثل العمق الاستراتيجى والأمنى لمملكة البحرين والمنطقة العربية ككل. وأوضح "شكري" لرئيس الوزراء البحريني الأمير "خليفة" حرص مصر على استثمار المزايا النسبية في البلديّن، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة وريادة الأعمال وخدمات التكنولوجيا التقنية والمالية في إطار رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة ورؤية البحرين الاقتصادية 2030. وبدوره، أكد الأخير حرص القيادة البحرينية على تكثيف آليات التشاور والتنسيق مع مصر لتطوير العلاقات الثنائية.
*تعزيز التعاون الاقتصادي: وقع بختام أعمال اللجنة العاشرة المشتركة المصرية- البحرينية 8 اتفاقيات ومذكرات تفاهم تضمنت التعاون فى المسائل الجمركية والإعفاء من التأشيرة لحاملى جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة ولمهمة ومذكرة تفاهم بشأن إنشاء لجنة مشتركة للشئون القنصلية وفى مجال الكهرباء والماء والطاقة المتجددة ومجال التعاون البرلمانى لجهات التنسيق الحكومية مع السلطة التشريعية والتعاون الثقافي. كما تم الاتفاق علي بدء برنامج تنفيذي لعامي 2019 -2020 لتبادل الخبرات بين وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني بمملكة البحرين ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بمصر، بغية مضاعفة الاستثمارات البحرينية في مصر حيث تحتل حاليا المرتبة رقم 14 في قائمة الدول المستثمرة بعدد شركات بلغ 183 شركة.
*تنسيق دولي مشترك: جدد الجانبان حرصهما على تنسيق العمل والتشاور معا فى المنظمات والمحافل الإقليمية والدولية، ولاسيما جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وضمن منظومة الأمم المتحدة، من أجل تحقيق مصالحهما ودعم العمل العربى المشترك، بما يحقق آمال وتطلعات شعبى البلدين. وفى هذا الإطار، قدم الجانب المصرى التهنئة لمملكة البحرين بمناسبة فوزها بعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للفترة 2019 - 2021 ، بعد حصولها على 165 صوتا.
قضايا محورية:
هناك عدد من القضايا الرئيسية المحورية التي سيطرت على الإجتماعات ومباحثات "شكري" بالمنامة، لعل أبرزها:
*أمن الخليج: أكد "شكري" خلال لقائه مع القيادة السياسية البحرينية محورية الحفاظ على أمن واستقرار دول المنطقة والحفاظ على سيادتها واستقلالها، لأن أمن الخليج العربى جزء لا يتجزأ من الامن القومي المصري والعربي، وهو ما نص عليه البيان الختامي المشترك للجنة العليا. ويأتي هذا الموقف اتساقا وتفعيلا مع الرؤية المصرية التي يتبناها الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" وأكدها خلال منتدى "شباب العالم" 2018 (عقد بشرم الشيخ من 3-6 نوفمبر 2018)، حيث أكد "السيسي" في تصريحاته بالمنتدى أن أمن دول مجلس التعاون الخليجي (المملكة العربية السعودية، وقطر، والبحرين، ودولة الإمارات، والكويت، وسلطنة عمان) جزء من الأمن القومى المصرى وأن المساس بأمنه يعد خطًا أحمر وأى اعتداء خارجي عليها سيكون الجيش المصري مدافعا قويا عنها، وهذا لأن الأمن القومى العربى يعانى حالة "انكشاف" بعد ثورات الربيع العربي 2011 مما أدي لخروج دول عربية مهمة من موازين قوى المنطقة. وقد تزامن مع حديث "السيسي" انطلاق مناورة "درع العرب 1" التي تشارك فيها 6 دول عربية هي (مصر، والسعودية، والأردن، والكويت، والبحرين، والإمارات) وكان مقرها قاعدة "محمد نجيب" العسكرية بغرب مصر التي تعد من كبرى القواعد العسكرية بالشرق الأوسط، مما يعد تأكيدا عمليا علي أهمية التنسيق الأمني المشترك والمستمر بين مصر والدول الخليجية والعربية.
*الأزمة القطرية: شدد البيان المشترك الصادر عن اجتماع اللجنة البحرينية- المصرية العاشرة على التمسك بالمطالب الثلاثة عشر والمبادئ الستة للدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب كأساس لحل الأزمة مع دولة قطر، وانتقد كل المحاولات القطرية للالتفاف على هذه المطالب التي لن تقود إلا إلى إطالة أمد الأزمة، لاسيما في ظل استمرار السياسيات القطرية للإضرار بالأمن القومي لتلك الدول ومنها مملكة البحرين. ففي25 أكتوبر 2018، أعلنت المنامة إحباط محاولة قطرية لاختراق الانتخابات النيابية عبر تمويل مرشح بحريني بمبالغ مالية ثبت أن الغرض منها استخدامها في أمور من شأنها الإضرار بمصالح الدولة، من خلال التأثير في عمل المؤسسات التشريعية على نحو يخدم التوجيهات القطرية. وفي 4 نوفمبر 2018، أعلن الحكم بالمؤبد على ثلاثة معارضين بارزين بالبحرين بتهمة التجسس لمصلحة قطر، وهم الأمين العام لجمعية الوفاق المعارضة "علي سلمان" (شيعي)، و"حسن سلطان"، و"على الأسود" العضوان بالجمعية نفسها لإفشائهم معلومات حساسة وتلقيهم دعما ماليا من قطر، مما يؤكد أن الاخيرة تصر على الاضرار بأمن مملكة البحرين والتدخل في شأنها الداخلي.
*الأزمات العربية: جددت المنامة والقاهرة حرصهما على دعم القضية الفلسطينية بحسبانها القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية، ونادتا بضرورة استئناف عملية السلام بناء على حل الدولتين، وأكدتا حرص الدولتين على محاربة الإرهاب بشتى صوره. كما جددتا موقفهما الثابت والداعم لجميع الجهود الرامية لإعادة بناء الدولة وتوحيد المؤسسة العسكرية فى ليبيا، والتصدى لكل أشكال الإرهاب ودعم وحدة واستقرار وسلامة اليمن ودعم حكومته الشرعية وأهمية التوصل إلى حل سياسى بحسبانه السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة، فضلا عن ضرورة الحل السياسى للأزمة السورية بمشاركة فعالة ودور عربى قوي، وبما يضمن تمكين الدولة من فرض سيطرتها وسيادتها على جميع أراضيها، والتخلص من جميع الجماعات المسلحة والإرهابية.
أبعاد استراتيجية:
*العقوبات على إيران: تعد الزيارة هي الأولى لمسئول مصري للبحرين منذ توقيع العقوبات الأمريكية على إيران في 4 نوفمبر 2018، مما سيكون له تأثير سلبي فى الاقتصاد والمجتمع الإيرانيين، وستمثل هذه العقوبات ضغطًا متزايدًا على طهران، مما سيدفعها لخيارين، الأول تصعيد الوضع الإقليمي عبر اتخاذ إجراءات عدة لتخفيف هذه الضغوط، من خلال افتعال أزمات إقليمية وتأجيج الأزمات الحالية من خلال إشعال الوضع في اليمن، وسوريا، ولبنان، والعراق، وتغذية الفتن في دول أخرى كمملكة البحرين، وهي الدول التي يتمدد فيها النفوذ الإيراني عبر فاعلين من غير الدول مؤيدين لطهران مثل (الحوثيين باليمن، وحزب الله بلبنان، وحماس بقطاع غزة، والحشد الشعبي بالعراق)، ولذا فيجب بحث آليات التعامل المبكر مع طهران، وسبل تقليص نفوذها الإقليمي الممتد بعدة دول عربية من خلال التنسيق والتعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين، والسعودية، والإمارات) تحديدًا ومصر، وكذلك يجب التنسيق مع بعض القوى الكبرى التي ترغب في تقليص النفوذ الإيراني كالولايات المتحدة الأمريكية. وهنا يجب الإشارة لمساعى تشكيل ناتو عربي- أمريكي من الدول السابقة لمواجهة النفوذ الإيراني عسكريًا. والخيار الثاني أمام إيران هو الخضوع للضغوط الامريكية عليها والقبول طواعية بتقليص نفوذها الإقليمي مقابل رفع العقوبات عنها.
*تحالف عربي: تزامن مع الزيارة عقد "منتدى أبوظبي الاستراتيجي" بالعاصمة الإماراتية الذي ينظمه "مركز الإمارات للسياسات". وقد دعا وزير الدولة للشئون الخارجية في الإمارات الدكتور "أنور قرقاش"، في كلمته أمام المنتدى، "لإنشاء تحالف عربي حديث"، لمواجهة التهديدات في المنطقة التي تمرّ باضطرابات وتحديات غير مسبوقة تحدث في سياق تحولات يشهدها النظام العالمي، وتهديدات جديدة، مثل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل. وربما تكون تلك فرصة للبدء في هذا التحالف بالفعل من خلال أربع دول تشهد العلاقات بينها أعلى مستوى من التنسيق والتشاور والتوافق في الرؤى الخارجية وهي (مصر، والإمارات، والسعودية، والبحرين).
*القمة الخليجية: تأتى الزيارة قبل شهر من عقد القمة الخليجية السنوية، حيث أكد البيان الختامي لأعمال اللجنة العاشرة المصرية- البحرينية تمسك الرباعي العربي بالشروط الـ 13 لحل الأزمة القطرية، مما يؤكد استمرار تمسك تلك الدول بموقفها من قطر نتيجة لمواقف الدوحة الرافضة على مدى عام ونصف عام تنفيذ أي شرط يسهم في حل الأزمة، ولذا فالمنتظر هو عقد قمة خليجية سنوية في ديسمبر 2018 يقاطعها ملوك وأمراء السعودية، والبحرين، والإمارات، حال أصر أمير قطر على حضورها، أو ربما يتم إرجاء أو إلغاء عقدها حال استمرت الأزمة القطرية. جدير بالذكر أن (البحرين، والسعودية، والإمارات، ومصر ) قد أعلنت في 5 يونيو 2017 مقاطعة قطر لاتهامها بدعم الإرهاب والتدخل في الشأن الداخلي لتلك الدول بما يضر أمنها القومي وحددت للدوحة 13 مطلبا لإلغاء المقاطعة، لم تنفذ أيا منها.
مما سبق، نجد أن هناك حرصا مصريا دائما على استمرار التنسيق والتشاور مع دول مجلس التعاون الخليجي، للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية والدفاع عن دولها، وهذه الرؤية تعد جزءا أصيلا من السياسة الخارجية المصرية التي تسعى للحفاظ على أمن الخليج العربي كجزء من الأمن القومي المصري والعربي.