تحليلات - قضايا عالمية

قراءة مسبقة لكلمة السيد الرئيس في اجتماعات الدورة الـ 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة

طباعة
اختتمت يوم 18 سبتمبر 2018 أعمال الدورة الـ 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة بعد انتهاء مدتها، وذلك قبل ساعات من انطلاق أعمال الدورة الجديدة الـ73. وتعد الاجتماعات محفلا دوليا يجتمع فيه وفود أكثر من 190 دولة لبحث القضايا الملحة على الساحة الدولية. وبالطبع، سيكون لقضايا الشرق الأوسط مساحة كبيرة من المناقشات، لاسيما التطورات بالملفات السورية، والفلسطينية، والليبية، وما يرتبط بها من قضايا أخرى كالإرهاب والهجرة غير الشرعية. ومن المقرر أن يشارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الاجتماعات، وسيلقي كلمة أمام الجمعية العامة، لتصبح هذه هي الدورة الخامسة التي يشارك فيها مما يعزز الوجود المصري علي الساحة الدولية. 
القضايا المطروحة:
سيشارك في اجتماعات الدورة الـ 73 للجمعية العامة رؤساء 95 دولة على الأقل، وتشمل عددا من اللقاءات والاجتماعات الموسعة التى تتناول مختلف القضايا العالمية، وسيكون من أبرزها اجتماع الصين ومجموعة دول الـ 77، والمنتدى العالمى لمكافحة الإرهاب. كما ستركز الاجتماعات على قضايا التنمية وحفظ الأمن والسلم الدوليين، والقضايا الإنسانية وحقوق الإنسان. وقد تم انتخاب وزيرة خارجية الإكوادور "ماريا فيرناندا جارسيس" لتكون رئيسة هذه الدورة، حيث إنه من المعروف أن الجمعية العامة تنتخب رئيساً جديداً لكل دورة لها بالتناوب بين إفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، والدول الغربية والدول الأخرى. ومن المنتظر مناقشة وبحث عدد كبير من القضايا الآنية على الساحة الدولية، ومنها:
*فلسطين: أكد السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة رياض منصور مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وكشف عن عزم الأخير تقديم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في المنظمة الأممية خلال إلقاء خطابه أمام الجمعية العامة، لكي يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى حدود 1967، إلى جانب المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي من تلك الأراضي. كما سيطالب بالحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وتطبيق القرارات المتخذة من جانب الأمم المتحدة بهذا الشأن، إلى جانب أنه سيُطالب بتطبيق جميع القرارات الأممية الخاصة بالقضية الفلسطينية. ومن المنتظر أن يوضح في خطابه ملابسات القضية الفلسطينية، لاسيما بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده من تل أبيب للقدس، وهو اعتراف ضمني بالقدس كعاصمة لإسرائيل، فضلا عن التوسع الاسرائيلي الاستيطاني المستمر وأزمة قرية "الخان الاحمر" التي تعتزم تل أبيب هدمها وإقامة مستوطنة جديدة. وفى إطار جهود حل القضية الفلسطينية، تشهد الجمعية العامة عدداً من الاجتماعات التى تتناول القضية فى إطار اجتماعات منظمة المؤتمر الإسلامى وحركة عدم الانحياز التى تنعقد على المستوى الوزارى، والاجتماع الوزارى الخاص بلجنة تنسيق المساعدات للشعب الفلسطينى الذى تشارك فيه مصر سنويا.
*القضايا العربية: بالطبع ستحتل القضايا العربية حيزا كبيرا من النقاشات العامة والخاصة ورفيعة المستوى في اجتماعات الدورة الـ 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لاسيما في ظل التطورات المتلاحقة الميدانية والسياسية التي تشهدها عدة دول عربية، ومنها الملف السوري الذي بدأت اللجنة الأممية اجتماعاتها لبحث صياغة الدستور الجديد للبلاد، في حين أعلنت دمشق موافقتها على "اتفاق سوتشي" بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، الذي يقضي بوقف أى عملية عسكرية في مدينة إدلب، وذلك بعد تحذيرات أممية ودولية متعددة من حدوث كارثة إنسانية، حال تم الهجوم علي المدينة. ولا يقل أهمية عن ذلك الملف الليبي، لاسيما بعد الاشتباكات التي شهدتها مدينة طرابلس، وتحذيرات المبعوث الأممي لليبيا غسان سلامة من عدم إمكانية إجراء انتخابات برلمانية قبل نهاية العام الحالي، مما يعقد الوضع السياسي والميداني بليبيا في ظل استمرار الانقسام السياسي والعسكري هناك، فضلا عن تعثر تشكيل الحكومتين اللبنانية والعراقية، الأمر الذي يهدد الدولتين بحالة من الفراغ السياسي. وكذلك سيكون لليمن جانب مهم من النقاشات. وربما يتم طرح قضية جبهة "البوليساريو" والخلاف الحدودي المستمر بين المغرب والجزائر. 
*القضايا الدولية: لا تزال قضيتا الإرهاب والهجرة غير الشرعية تتصدران الساحة الدولية، حيث إنهما تمثلان تهديدا للأمن القومي لجميع الدول القريبة من مناطق النزاعات والصراعات، لاسيما الاتحاد الأوروبي الذي يخوض انقسامًا حادًا بين أعضائه حول سبل مواجهة الهجرة غير الشرعية. وقد حققت مصر نجاحًا كبيرًا في مكافحة القضيتين، حيث إنها نجحت في القضاء علي الجماعات الإرهابية بعد نجاح عملية "سيناء 2018"، كما ستشارك مصر فى الدورة التاسعة للمنتدى العالمى لمكافحة الإرهاب التى تُعقد يوم 26 سبتمبر 2018. ويعقد المنتدى سنوياً على المستوى الوزارى فى نيويورك على هامش الجمعية العامة، وسيركز على ظاهرة الإرهابيين الأجانب والعلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة ومحاكمة المتهمين بالإرهاب، وستعرض مصر تجربتها في مكافحة الإرهاب أمام المنتدى. كذلك، لم تسجل أى حالة هجرة غير شرعية من مصر لدول الاتحاد الاوروبي منذ عامين. ومن القضايا الدولية الأخرى التي ستطرح للنقاش قضية الاتفاق النووي الإيراني، وما يرتبط به من تمدد النفوذ الإيراني الإقليمي وتطوير طهران لبرنامج الصواريخ الباليسيتي، وكذلك التطورات الأخيرة حول الوضع بشبه الجزيرة الكورية، والتقارب بين سول وبيونج يانج. 
*إصلاح الأمم المتحدة: اعترف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بوجود مشكلات هيكلية في نظام عمل مجلس الأمن الدولي، الذي بات لا يعكس توازن القوى في العالم حاليا، ولا يتفق مع الوضع الراهن، لاسيما في ظل وجود دول بالمجلس تسئ استخدام حق الفيتو (هناك 5 دول لها حق الاعتراض علي أي قرار يتخذه المجلس مما يؤدي لإلغائه، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين)، مما أدي لفشل المجلس في حل القضية السورية أو اتخاذ قرار ملزم بشأنها. وقدم جوتيريش مبادرة لإصلاح المنظمة الأممية ربما تتم مناقشتها خلال أعمال الدورة الـ 73، ورهن إصلاح المنظمة الأممية بتغيير آلية عمل مجلس الأمن. وهناك دعوات متعددة تطالب بإصلاح المنظمة الأممية ومنها الصادرة عن واشنطن، حيث ترى الأخيرة أن المنظمة تنفق أموالا كثيرة لكن فعالية عملها منخفضة. وكذلك دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سابقا لضرورة إجراء إصلاحات للمنظمة. 
ولذا، فإن إصلاح المنظمة الأممية أصبح أمرا حتميًا، لاسيما طريقة عمل مجلس الأمن، وربما توسيع عضويته ليضم في عضوية الدائمة ممثلين عن القارة الإفريقية والشعوب الاسلامية (وقد طالبت مصر بالترشح لهذا المقعد حال استحداثه). كما أن المنظمة يتم التعامل معها من قبل واشنطن بعدّها أداة للعقاب والثواب، حيث قررت واشنطن الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان، ووقف دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطيين "الأونروا" كنوع من العقاب للشعب العربي والفلسطيني، مما يؤدي "لتسييس" عمل المنظمة المنوط بها أن تكون منبرا عادلا لبحث القضايا الدولية. 
المشاركة المصرية:
من المقرر أن يرأس الرئيس عبدالفتاح السيسي الوفد المصري المشارك في الاجتماعات الأممية، كما سيصاحبه وزير الخارجية سامح شكري، وسيلقي الرئيس السيسي كلمة مصر في جلسات المناقشة العامة التي تبدأ يوم 25 من سبتمبر 2018. وخلالها، سيؤكد الرئيس السيسي ثوابت السياسة الخارجية المصرية القائمة على رفض التدخل في الشأن الداخلي للدول والحفاظ على السيادة الوطنية والدولة الوطنية كسبيل لمواجهة الأزمات في سوريا وليبيا والعراق واليمن. كما من المنتظر أن يجدد الرئيس السيسي رفض مصر لتمويل الجماعات الإرهابية والإصرار علي مواجهة الإرهاب ومن يموله ويدعمه فكريًا ولوجيستيًا وماديًا، خاصة في ظل الحرب الضروس التي واجهتها مصر ضد الجماعات الإرهابية، وكللت بنجاح عملية (سيناء 2018) للقضاء على الجماعات الإرهابية بسيناء. وبالطبع، سيجدد السيسي في كلمته دعم مصر للقضية الفلسطينية ورفضها للتهديدات الإيرانية للدول الخليجية والاحتلال التركي لشمال سوريا والعراق. كما أنه من المقرر أن يعقد الرئيس السيسي عشرات اللقاءات مع كبار القادة والمسئولين المشاركين بالاجتماعات لبحث مختلف القضايا الإقليمية والدولية والعلاقات الثنائية بين مصر ودولهم، وتتميز مشاركة مصر في الدورة الـ 73 بأهمية خاصة، حيث إن..
- مصر ستترأس اجتماعات مجموعة الـ(77 والصين) التي تضم حاليا 134 دولة وتعد أكبر قوة تفاوضية فى الأمم المتحدة، وسيشارك الوفد المصري كذلك في عدة اجتماعات وفعاليات، حيث من المنتظر أن تعقد مباحثات بين وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامى، ووزراء خارجية حركة عدم الانحياز.  
-مصر ستكون رئيس الاتحاد الإفريقى عام 2019، وستشارك في اجتماعات مجلس السلم والأمن الإفريقى خلال الدورة الـ 73. كما سيشارك الرئيس السيسي في "قمة نيلسون مانديلا للسلام" التي ستعقد يوم 24 الشهر الحالي، بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد الزعيم الجنوب الإفريقى نيلسون مانديلا، وسيتم اعتماد إعلان سياسى، ومن المنتظر أن يبرز بيان مصر فى هذه الاحتفالية مسيرة مانديلا، مع تأكيد دوره التاريخى إزاء قضايا التحرر الوطنى، ومناهضة العنصرية وتحقيق التنمية للشعوب الإفريقية.
-مصر ستشارك فى اجتماعات "رفيع المستوى" التي تجرى على هامش اجتماعات الدورة الـ 73، ويشارك فيها قادة ورؤساء الدول المشاركة. وقد تم اختيار موضوع "جعل الأمم المتحدة وثيقة الصلة والأهمية للجميع: القيادة العالمية والمسئوليات المشتركة لتهيئة مجتمعات يسودها السلام والتكافؤ" كمحور للنقاش العام للدورة الـ 73. ومن المقرر أن يلقي الرئيس السيسي كلمة أمام الاجتماعات.
- مصر ستعرض الجهود الوطنية الجارية لحشد الموارد الداخلية من أجل تمويل التنمية من خلال برنامج الإصلاح الاقتصادى خلال الاجتماع رفيع المستوى حول تمويل أجندة التنمية 2030 الذى يعقد بناءً على دعوة من أمين عام الأمم المتحدة يوم 24سبتمبر الحالى.
-كما ستشارك في الاجتماع الوزارى الذى يعقده الاتحاد الأوروبى بشأن سوريا، وهي المشاركة الثانية لمصر في شهر واحد باجتماعات حول الأزمة السورية، حيث شاركت في مطلع سبتمبر باجتماعات بروكسل، لأن مصر ضمن المجموعة المصغرة للعمل من أجل سوريا التي تضم (مصر، والسعودية، وبريطانيا، والأردن، وألمانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية)
-وقد تلقي الوفد المصري دعوة للمشاركة فى منتدى تعقده المبعوثة الخاصة للشباب والأمين العام للأمم المتحدة لإطلاق "استراتيجية الشباب 2030". كما تشارك فى حوار رفيع المستوى حول "تنفيذ اتفاق باريس للتغير المناخى والطريق إلى مؤتمر الدول الأطراف الرابع والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ".
 
ولذا، فإن حرص الرئيس السيسي على المشاركة في فعاليات اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كل عام، ولقاءاته المستمرة مع القادة والفاعلين على المستوىين الدولي والإقليمي، إنما يعزز دور مصر كدولة إقليمية لها دور مؤثر ورؤية واضحة لمواجهة التحديات والأزمات العربية الراهنة.
وختاما، فإن الكثيرين يعولون على نتائج اجتماعات الدورة الـ 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لأنها ستتعلق بعدد من القضايا العربية والشرق أوسطية، وكذلك ستتعلق بتطورات توازن القوى في  جنوب شرق آسيا، ومنطقة البلقان، وعدد من الأقاليم الأخرى التي شهدت تنافسًا شرسًا بين الدول الكبرى، والذى أخذ صورًا شتى، منها العسكرية، والتجارية، والسياسية، مما يؤكد حتمية بحث مبادرة إصلاح الأمم المتحدة لتصبح منظمة دولية فاعلة.
 
طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منى سليمان

    د. منى سليمان

    باحث أول ومحاضر فى العلوم السياسية