تطرح المشاركة المصرية في فعاليات المنتدى الصيني – الإفريقي ( فوكاك)، المنعقد تحت شعار "الصين وإفريقيا"، أبعادا سياسية واقتصادية مختلفة. إذ تدشن تلك القمة مرحلة أكثر تطورا يتم من خلالها ترسيم خريطة الطريق، والتي من شأنها أن تعزز آفاق التعاون "الصيني - الإفريقي" بمختلف مستوياته ومجالاته.
تأتي تلك المشاركة المصرية في المنتدى، في ضوء سعي القاهرة كقوة إقليمية إفريقية لتنسيق الأهداف المشتركة بين أجندتي الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة والاتحاد الإفريقي2063 ، وانطلاقا من رئاستها للاتحاد الإفريقى في دورته المقبلة في 2019، ولكون القاهرة نقطة الالتقاء ما بين المستويين الوطنى والقارى لأغلب خطط التنمية المستدامة بالمنطقة.
محورية المشاركة:
على الرغم من مشاركة مصر في جميع دورات منتدى التعاون الصيني - الإفريقي منذ القمة الأولى عام 2000 في بكين، وصولا إلى القمة السادسة في مدينة جوهانسبرج بجنوب إفريقيا 2015، فإن القمة السابعة لهذا المنتدى في بكين 2018 تعد تحديا استثنائيا مختلفا تزداد أهميته تزامنا مع الدلالات الآتية:
1) دعم الأجندة التنموية للدولة المصرية، حيث تأتى القمة بالتزامن مع بداية التحرك المصرى نحو تنفيذ أجندة الولاية الثانية للرئيس عبدالفتاح السيسى، والتى يتمثل بعدها الإفريقي في سعى مصر إلى بناء تكتلات اقتصادية إفريقية قوية، والعمل على ربط الدول الإفريقية، من خلال شبكة من مشروعات البنية التحتية، مستفيدة من مبادرة الحزام والطريق التي تنفذها الصين، والتى ستتم إعادة تأكيدها، ودراسة عناصرها السياسية والاقتصادية واللوجيستية بقمة فوكاك 2018.
2) استضافة القاهرة لفعاليات اقتصادية إفريقية، حيث تنطلق استثنائية المشاركة المصرية مع رغبة الصين لترتيب الملفات الاقتصادية القارية والإفريقية مع مصر، خاصة أن القاهرة ستستضيف في نهاية عام 2018 فعاليتين مهمتين على مستوى التكامل الاقتصادي الإفريقي، هما: مؤتمر الاستثمار في إفريقيا في شرم الشيخ، والمعرض التجاري الإفريقي الأول في القاهرة.
3) تعظيم فعالية القاهرة في رئاسة الاتحاد الإفريقي، حيث تتزامن قمة فوكاك 2018 مع الترتيبات الإقليمية الإفريقية لرئاسة مصر للاتحاد الإفريقي في دورته الجديدة عام2019، خاصة أنها أصبحت عضوا في الترويكا الرئاسية للاتحاد (تضم رئاسة الاتحاد القائمة والسابقة عليها والتالية لها). ويعني ذلك أن عامي 2018 و2019 يمثلان نقلة نوعية في مسار العلاقات المصرية- الإفريقية. ومن هنا، تأتى استثنائية مشاركة مصر التي ترغب في تعزيز المصالح الإفريقية وتأكيد دورها الفاعل، كعضو في ترويكا رئاسة الاتحاد في الوقت الحالي، ولتعظيم فرص نجاحها في رئاسة الاتحاد الافريقي بدءا من يناير 2019.
4) التنسيق الثنائى الصيني- المصرى، وذلك نظرا لمحورية موقع مصر الاستراتيجى كمرتكز للإنتاج والتصدير إلى دول العالم، خاصة الإفريقية. حيث إن القاهرة تتمتع بمزايا نسبية في إطار الاتفاقيات التجارية الموقعة بينها وبين السوق الإفريقية ، بخلاف تفاعلها بشكل وثيق مع التجمعات الإفريقية الثلاثة "الكوميسا" و"السادك" و"شرق إفريقيا".
5) شرعنة الانتشار للشريك التجارى الصيني، وذلك عبر "الشراكة الاقتصادية الصينية- المصرية"، حيث إن هناك حضورا متزايدا للشركات الصينية في العديد من أسواق منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث تتركز استثماراتها بشكل كبير في قطاع الموارد الطبيعية، خاصة النفط، بجانب الإنشاءات والمقاولات والصناعات التحويلية.
6) مواجهة القيود التجارية الدولية، حيث إن ما يشهده الاقتصاد العالمي من ظروف استثنائية، بعد الإجراءات الحمائية الأمريكية الموجهة ضد العديد من الدول، والتي تتناقض مع قواعد منظمة التجارة العالمية، تفرض على القاهرة وبكين تعاونا تجاريا وثيقا، خاصة أنهما ستتأثران بهذه الإجراءات. لهذا، تسعى القيادة الصينية إلى تنسيق مواقف الدول النامية، وفي مقدمتها مصر، من أجل تبني موقف موحد يدافع عن حرية التجارة والتنمية الاقتصادية في عصر العولمة، ويواجه الإجراءات أمريكية الأخيرة، مثل فرض رسوم جمركية إضافية على وارادت العديد من الدول- ومن ضمنها مصر والصين - من الحديد الصلب والألومنيوم.
مكاسب متنوعة:
لا تقتصر المشاركة المصرية بالمنتدى الصيني- الإفريقي "فوكاك 2018" على تحقيق المصلحة الوطنية فقط، ولكن كذلك لتفعيل وتعزيز المصالح القارية الإفريقية وتلك الشرق أوسطية، وذلك من خلال الآتي:
1) المكاسب الوطنية: انعكست المكاسب الوطنية لمصر جراء المشاركة بقمة فوكاك 2018 على توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الخاصة بتطوير التعاون المشترك بين الجانبين المصرى والصيني، في عدد من المجالات التي تتضمن قطاع النقل (تنفيذ مشروع القطار الكهربائي للربط بين المدن الجديدة والمناطق الصناعية لإيجاد المزيد من فرص العمل)، وقطاع تطوير التعليم، إلى جانب قطاع الكهرباء (إنشاء محطة لتوليد الكهرباء باستخدام الفحم النظيف بالحمراوين، فضلاً عن اتفاقية لتمويل مشروع إنشاء المرحلة الثانية من منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة)، دون إغفال تعزيز ملف تأمين التجارة الدولية، والحديث عن استكمال محاور مبادرة "الحزام والطريق"، وهو ما تمت بلورته في الاهتمام الصيني بمشروع قناة السويس الجديدة والمشاركة الفعالة في المشروعات التنموية الكبري بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
2) المكاسب القارية الإفريقية: حيث استطاعت مصر تعزيز المصالح الإفريقية كأولوية قصوى بقمة الـ "فوكاك 2018" وذلك انطلاقا من الإعداد لرئاستها للاتحاد الإفريقي في 2019 حيث قدمت القاهرة رؤيتها التى تضمنت بعض الأفكار والمبادرات حول رغبة القاهرة في تنفيذ مشروعات تستهدف ربط دول القارة من خلال شبكة سكك حديد من القاهرة إلى كيب تاون، وكذلك تطوير منطقة حوض النيل من بحيرة فيكتوريا حتى البحر المتوسط عن طريق مشروعات للبنية التحتية، وذلك في إطار رؤية مصر حول دعم إفريقيا لمواجهة تحديات التنمية وتحقيق أجندة "إفريقيا لعام 2063".
3) المكاسب الشرق أوسطية: انطلاقا من تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسى أهمية مشروع "الحزام والطريق" لإعادة إدراج المنطقة في خريطة ممرات "التجارة الدولية"، تأتى المكاسب الشرق أوسطية وفقا لرؤية الرئيس المصرى وبالتوافق مع الرئيس الصيني، على أن يكون السلوك المتبع بمنطقة الشرق الأوسط سلوكا واقعيا وفقا لأجندة برجماتية تستهدف إقامة تعاون على نمط "1 + 2 + 3"، والذي يعني أن يكون التعاون في مجال الطاقة بمنزلة الأساس، وأن يكون تطوير البنية التحتية، والتجارة والاستثمار بمنزلة الجناحين، وأن تكون المجالات الثلاثة المتمثلة في التكنولوجيا الجديدة عالية الدقة للطاقة النووية، والأقمار الاصطناعية، والطاقة الجديدة، مساحات لتحقيق إنجازات جديدة في الإقليم الشرق أوسطى.
وفقا لما سبق، يمكن القول إن المشاركة المصرية في منتدى التعاون الصيني- الإفريقى "فوكاك 2018" مثلت مشاركة محورية انطلاقا من مركزيتها الإفريقية والشرق أوسطية، أكدت من خلالها أهمية الدعم لنظام التجارة متعدد الأطراف، وإصلاح نظام الحوكمة الاقتصادية العالمية، وزيادة تمثيل الأسواق الناشئة والنامية، وذلك استنادا إلى أهداف الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة، وكذا أجندة الاتحاد الإفريقي2063 ، وهو ما ينبئ بالكثير من المستويات المتشابكة والمتشعبة لتعاون دول "الجنوب- الجنوب"، انطلاقا من القاهرة.