أعلن عبدالملك الحوثي الأسبوع الماضي مقتل صالح الصماد مع عدد من مرافقيه، فى غارة جوية لطيران التحالف العربي استهدفته في محافظة الحديدة غرب اليمن، والصماد الذي يعد أبرز قادة الحوثيين السياسيين، يأتي في المرتبة الثانية ضمن قائمة أعلنتها المملكة العربية السعودية، وتضم أربعين مطلوبا، مسئولين عن تخطيط وتنفيذ ودعم الأنشطة الإرهابية المختلفة في اليمن، وقد رصدت قوات التحالف مكافآت كبيرة لمن يدلي بأي معلومات تؤدي إلى القبض على أي منهم، أو يحدد مكان وجودهم.
وكان الصماد الذراع اليمنى لعبدالملك الحوثي، ويمثل واجهته السياسية فى أثناء عمليات التفاوض، سواء مع القبائل اليمنية، أو مع الحكومة الشرعية والمبعوث الأممي؛ كما سعى لاحتواء الخلافات بين جماعته وحزب المؤتمر الشعبي- قبل وبعد مقتل الرئيس السابق على عبدالله صالح – وذلك لما تمتع به من مرونة في إدارة الملفات السياسية، وتفضيله الخيار السياسي، إلا أن الخلافات التي كانت بين الصماد وبعض القيادات الحوثية النافذة داخل الجماعة، حالت دون أن يكون له دور مؤثر في صناعة القرار.
- ضربة موجعة:
قد لا يشكل مقتل الصماد تأثيرا ذا معنى فى العمليات العسكرية للحوثيين، لكنه يمثل هزيمة معنوية كبرى، بصفته كان قائدا سياسيا، ورئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى، الذي يعد أعلى سلطة إدارية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مما يعني أن مقتله يمثل ضربة موجعة للحوثيين، عكستها صورة عبدالملك الحوثي الذي بدا مهزوزا وهو ينعيه في خطاب تليفزيوني تلاه من ورقة على غير ما اعتاد عليه فيما مضى.
أيضا جاء تأخير الإعلان عن مقتل الصماد دليلاً على تضييق الخناق على زعيم الحوثيين، سواء فيما يتعلق باختيار من يخلف الصماد، أو الخشية من أن يفت مقتله في عضض القيادات الحوثية، في ظل تواتر الأنباء التي تتحدث عن انشقاقات في صفوف الحوثيين، والتي لم يكن آخرها لجوء المتحدث الرسمي للحوثيين إلى سلطنة عمان، وهو ما يعكس مدى الخوف الذي انتاب الصف الأول للقيادات الحوثية، التي تخشى ملاقاة مصير الصماد.
كما يعكس التهديد الحوثي بالانتقام لمقتل الصماد موقف ضعف أكثر منه قوة، فإعلان حالة الاستنفار ورفع الجاهزية في صنعاء يشير إلى تعرض الحوثيين لضغوط كبيرة داخل المناطق التي يسيطرون عليها، اضطرتهم لتشديد القبضة الأمنية، خشية اختراق صفوفهم واغتيال قياداتهم.
ويأتي تعيين "مهدي المشاط"، خلفا للصماد، دليلا على انحصار خيارات الحوثيين، ومحدودية ما يمتلكونه للمناورة به، مما يعني انحصار أوراقهم في الخيار العسكري الذي يعجزون عن تحقيق إنجاز بشأنه أمام تقدم القوات الشرعية وقوات التحالف، الأمر الذي يعكس بداية تراجع الحوثيين فعليا على الأرض.
- ما بعد مقتل الصماد:
يشير مقتل الصماد إلى قدرة قوات التحالف على الوصول إلى كبار القيادات الحوثية، والذي يأتي في إطار تنفيذ خطتها، الرامية إلى تفكيك الحوثيين من الداخل، وأن المرحلة القادمة من الحرب؛ ستختلف عما قبلها، فقد تشهد تكثيف العمل الاستخباراتي لتتبع القيادات الحوثية، مع توجيه ضربات جوية مركزة لأماكن وجودهم، يترافق ذلك مع فرض حصار قوي على مناطق سيطرتهم، وهو ما يعني أن وتيرة حسم الحرب بدأت تمضي بأسرع مما سبق. حيث يعد سقوط القيادات الحوثية، سواء السياسية أو العسكرية؛ من أهم عوامل الضغط على القيادات المتبقية، كونها تستنزف صمودهم، وتعجل بسقوطهم، وهو ما يخشاه الحوثيون؛ الذين قد يتجهون نحو التصعيد العسكري في المرحلة القادمة، مما يصعب مهمة المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن "مارتن جريفيث"، الذي وعد بإحياء فرص السلام مجدداً.
وأمام ضغط قوات التحالف، والإصرار على عودة الشرعية إلى جميع الأراضي اليمنية؛ قد يلجأ الحوثيون إلى القيام بعمليات غير محسوبة، في حال ما بدت الهزيمة ماثلة أمامهم، وعجزهم عن الحفاظ على ما حققوه على الساحة السياسية، أو قد يجبرون على تقديم تنازلات مؤلمة بالنسبة لهم، ويقبلون بالحل السياسي، خشية خروجهم من المشهد اليمني برمته.
لكن يظل الوصول إلى زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، الهدف الأصعب، الذي دون شك سيمثل ذروة الانهيار الحوثي، ويدفع القيادات المتبقية إما إلى التفاوض، أو الهرب خارج اليمن، للإفلات من العقاب المؤكد الذى ينتظر كل من شارك في الانقلاب على الشرعية.