نستطيع أن نفسر الكثير من الظواهر الإعلامية حولنا إذا نظرنا بشىء من التحليل الى الإعلام الصهيونى. فالإعلام الصهيوني في حقيقته دعاية، وليست هناك فروق عند الصهيونية بين الدعاية والإعلام، كما أن الدعاية جزء لا يتجزأ من السياسة المؤسسية للكيان الصهيوني. ولا شك فى أن العبء الأكبر في إقامة الكيان الصهيوني وقع علي عاتق الدعاية الصهيونية، فقد مرت الدعاية الصهيونية بست مراحل حاسمة في تطورها من حيث طبيعة القوي التي تتعامل معها والغرض أو الهدف التكتيكي لكل مرحلة من المراحل. تمثلت المرحلة الأولى في مساعي الحركة الصهيونية لاستصدار وعد من دولة من الدول الكبري يتيح لها الانطلاق في مشروعها، ( وقد حصلت علي هذا الوعد في 2 نوفمبر 1917 والذي أصبح وعد بلفور ) وكان الشعار الدعائي الذي رفعته آنذاك " فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". أما المرحلة الثانية، فكانت الاتحاد والتآزر بين الحركة الصهيونية والانتداب البريطاني لتأسيس الدولة اليهودية. وقد كثفت الدعاية اليهودية من نشاطها الدعائي وتوجهت به إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والقوي الدولية سعياً إلي الإقرار بحقها في إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين. وفى المرحلة الثالثة، وهى مرحلة الهدنة، ركزت فيها إسرائيل دعايتها علي تأكيد رغبتها متجاهلة في تلك الدعاية النتائج المترتبة علي اغتصابها لفلسطين، ومركِّزة علي صراع سياسي بين دول متجاورة ويمكن حله بالتفاوض، ومركزة علي أن الدول العربية لا تهدف إلي السلام بل إلي القضاء علي الشعب اليهودي، ومستفيدة من الدعاية التى أقامتها حول المجازر النازية بحق اليهود. اما المرحلة الرابعة، فهي المرحلة التي بدأت بالعدوان الإسرائيلي في الخامس من يونيو 1967، وانتهت بالهزيمة العربية. وفي هذه المرحلة، ركزت الدعاية الصهيونية علي عامل التفوق الإسرائيلى، مستفيدة من انتصارها العسكري لتحول الدعاية إلي حرب نفسية ضد العالم العربي لكسر إرادته وتحطيم روحه المعنوية. وبدأت المرحلة الخامسة بحرب أكتوبر 1973 حيث أمكن كسر التفوق العسكري الإسرائيلي وتحقيق إنجازات عسكرية مهمة وإلحاق الهزيمة بإسرائيل في أكثر من موقع استراتيجي. وكانت آخر المراحل، وهى المرحلة السادسة، والتى بدأت بتولي السفاح شارون مقاليد الحكم في إسرائيل، وهو لا يجيد إلا لغة العنف والمذابح. وقد سعت الدعاية الصهيونية إلي تجميل وجه الحقبة الشارونية القبيح، ولكن دون جدوى ، وقد فقدت في هذه المرحلة الأرضية التي وقفت عليها طوال السنوات الماضية .
أيديولوجية الإعلام الصهيوني :
اعتمدت الحركة الصهيونية على ملامح شبه أيديولوجية في عملها الدعائي، وشملت عدة اتجاهات ربما من أهمها الادعاء بأبدية العداء للسامية في كل زمان ومكان، والقول بحتمية لجوء اليهود إلي وطن خاص بهم يكفل لهم الحماية، وأن فلسطين هي الوطن الموعود، والادعاء بوجود حضارة عبرية قديمة في فلسطين، وأن الثقافة العبرية أفضالها علي العالم وحضارته أجمع، والتأكيد علي تميز العنصر اليهودي علي غيره من العناصر، وأن العالم مدين له بإنجازاته العلمية، والفنية المعاصرة ، وبالطبع كان لهذه الايديولوجية اهداف.
أهداف الدعاية الصهيونية:
تنوعت أساليب الدعاية الصهيونية وتغيرت وفقاً للظروف، ولكن تمثلت أهداف الدعاية الصهيونية فى هدف استراتيجى اساسى تجاه ما يسمونه "الأغيار" وهم غير اليهود بصفة عامة والعرب بصفة خاصة، وهو تحطيم الآخر والهيمنة عليه والسعي إلى إلغاء جميع قدراته أو شل فاعليتها. وتمثلت باقى الاهداف فى استمرار دعوة اليهود للعودة إلي فلسطين بما ينسجم مع أيديولوجيتها، وتبرير التوسع الإقليمي واحتلال الدول العربية تحت ذريعة الأمن الإسرائيلي، وان تقدم نفسها للعالم على أنها واحة الديمقراطية وسط بيئة شرق أوسطية محكومة بأنظمة قديمة، وأنها القادرة على الدفاع عن مصالح الغرب، وان تتكامل هذه الأهداف مع تنمية هذه الوظيفة الاتصالية للدولة الإسرائيلية بعد قيامها، وبالأخص فيما يتعلق بتحقيق التمسك القومي والاتصال بين الجماعات اليهودية .
تخطيط الدعاية الصهيونية :
تقوم الدعاية الصهيونية الإسرائيلية الخارجية علي أساس تصنيف الجمهور الخارجي المستقبل لها إلي ثلاث فئات وهى الجمهور الموالى ( ومعظمه من اليهود )، والجمهور المعادى (ومعظمه من العرب والمسلمين )، والجمهور المحايد وهو يختلف من منطقة جغرافية إلي أخري، ومن شعب إلي شعب حسب التراث الحضاري الذي يحمله، وحسب نوع العلاقة القائمة بين إسرائيل وجمهور هذه الدولة. وفى كل هذه التصنيفات، اتسمت الدعاية الصهيونية بعدة خصائص أصبحت تميزها وتعمل من خلالها نفسياً وإعلامياً، ومنها المركزية التي تعني أيضاً الاستقلالية فهي تعمل من خلال جهاز يضم خبراء متخصصين، حسب تعدد المجالات من حيث المؤهلات والخبرات الشخصية، والتركيز علي الهدف المنشود ثم التكرار دون ملل، والإعتماد على التوقيتات المناسبة، لأن الإعلام الدعائي النفسي الناجح يجب أن ينطلق في الوقت المناسب دون سبق أو إبطاء، ومحاولة اكساب الدعاية نوعا من المصداقية وهي مصداقية نسبية ظاهرية بهدف كسب ثقة المتلقي الصديق والعدو علي حدٍ سواء، فضلا عن تمتع هذه الدعاية بقدر كبير من المرونة، حيث لكل مرحلة أسلوبها وظروفها ومرتكزاتها وأهدافها، فيجب أن يطوع العمل الدعائي بحسب كل مرحلة، ويلزم ان يتصف التخطيط للدعاية الصهيونية بعنصر الهجوم، سواء بالتحريض أو الاستفزاز ، بل والعمل العدواني، والتكامل، خاصة في المراحل النهائية.
أدوات الإعلام والدعاية الصهيونية :
يستخدم الإعلام والدعاية الصهيونية مجموعة من الأساليب الإعلامية والدعائية المبنية علي التحليل العلمي والخبرات المتراكمة في مجال الاتصالات والإعلام والدعاية من خلال أجهزة الإعلام الجماهيرية ( إذاعة – تليفزيون – صحافة )، ووسائل الإعلام الإلكترونى، ومنصات التواصل الاجتماعى، ووسائل الاتصال المباشر، والجاليات اليهودية المنتشرة في كل أنحاء العالم ، والمنظمات غير الحكومية. ويتم ذلك من خلال عدة وسائل، اهمها اجهزة الإعلام الجماهيرية التى تسيطر الجماعات الصهيونية عليها، واهمها وسائل الإعلام الأمريكية، ووسائل قنوات الإتصال المباشر، كي يتحقق أكبر قدر من التأثير والإقناع من خلال عقد المؤتمرات وتبادل الزيارات، والمهرجانات، والسياحة، والرحلات، والمعارض، والجاليات اليهودية التي تتوزع في أغلب القارات، ويوجد القسم الأكبر في أمريكا الشمالية ثم روسيا وبعض دول أوروبا الغربية، ثم باقي القارات ، والاستفادة منها في السيطرة علي مراكز الثقافة والإعلام والسطوة في مجال المال وقطاع المصارف والأعمال، والمنظمات غير الحكومية، ويقصد بها جماعات الضغط اليهودية التي تسعي لتحقيق مصالح إسرائيل وعلي رأسها (اللوبي اليهودي) الذي يتمركز في الولايات المتحدة الأمريكية، ويضم مئات الشخصيات الداعمة لإسرائيل، ويهدف إلي تنمية الشعور المعادي للعرب عن طريق نشر ما يحط من قدرهم، وتحويل الرأي العام من موقف التفهم والتأييد للوجود الإسرائيلي إلي الدفاع عن هذا الوجود والتحالف معه وتبرير كل تصرف إسرائيلي .
والخلاصة أنه ربما كان ذلك هو تأثير الإعلام الإسرائيلي قديما، لكنه في العقدين الأخيرين، أصبح مثل «الواقع». واصبح للإعلام الإسرائيلي هذا الحضور والمساحة في الصحف الفلسطينية، والعربية بسبب تراجع الإعلام المحلي والعربي.
ولا يعد الإعلام الإسرائيلى منافسا قويا بالنسبة للإعلام الغربي. ولكنه أمام تراجع مستوى الإعلام العربي، يعد مصدرا قويا، وعادة ما يتم تجنيد الإعلام الإسرائيلي فى أثناء الحروب لدعم جيشه، ويحاول الإعلام الإسرائيلي تحويل كل معاركه إلى رابحة، من خلال التأثير المباشر في المتلقين، وإطلاق روايته ومصطلحاته ببراعة وتكرار، حتى يصدقها ويرددها المتلقون.