بعد الجدل الدائر حول موعد إجراء الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في العراق في 12 مايو المقبل، يبدو أن معالم الخوف باتت واضحة في وجوه أقطاب العملية السياسية، حيث رسمت الأيام القليلة الماضية خريطة التحالفات للكتل السياسية العراقية التي ستخوض انتخابات، حيث اتسمت ملامحها الأولى بالانقسام والتشظي والاستقطاب الطائفي. فبعد أكثر من عقد ونصف العقد على بناء الدولة الجديدة، لم تزل القوى السياسية العراقية أسيرة علاقاتها الخارجية، وتأثير القوى الأجنبية، الإقليمية والدولية.
ائتلافات قيد التشكيل:
قد يدخل الشيعة الانتخابات ليس بائتلاف أو ائتلافين سياسيين رئيسيين، كما حدث في الانتخابات البرلمانية الثلاثة السابقة، بل بأربعة ائتلافات، يضم كل منها عدَّة أحزاب وجماعات سياسية. حزب الدعوة سيخوض الانتخابات لصالح قائمتين إحداهما لنائب رئيس الجمهورية، نوري المالكى، والأخرى لرئيس الوزراء، حيدر العبادي. فقد اختار الأول شعار الأغلبية السياسية لقائمته المسماة دولة القانون، وهو يقصد بالطبع الأغلبية الشيعية. وأعلن الثاني تشكيل تحالف جديد مع قادة من الحشد الشعبي سماه تحالف النصر والإصلاح، والذي ضم أيضا، كما يزعم، أشخاصاً من السنة والكرد والتركمان.
أما باقي الكتل السياسية، فقد اختلفت باختلاف ولاءاتها الداخلية والخارجية. فعمار الحكيم، تبنى العلمانية وتبرأ من مجلسه الإسلامي الذي انشق عنه سابقًا، وأعلن تنظيما جديدا، سماه تيار الحكمة الوطني، وسليم الجبوري اعتزل كتلته “السنية” وأسس حزبا سماه التجمع المدني للإصلاح، وأسامة النجيفي شكل حزب سماه ”للعراق متحدون”، كبديل عن حزب “متحدون للإصلاح”، وأياد علاوي تحول إلى وطني ومقاوم عنيد ضد الوجود الأمريكي بالعراق، وركز كذلك على إنهاء النفوذ الإيراني، لدغدغة مشاعر العراقيين التي عبروا عنها بشعار، “إيران بره بره بغداد حرة حرة”.
أما مقتدى الصدر تحول من رجل دين الى داعية للإصلاح وابتعد عن إيران سنتيمترا واحدا وتوجه إلى إعادة العراق إلى حضنه العربي، وكما قال العرب " أفلح إن صدق". ونظرًا لاستبعاده من كافة القوى ذات الصلة بإيران، يخوض التيار الصدري، الذي ينضوي في حزب الاستقامة، الانتخابات بائتلاف "سائرون"، بمشاركة الحزب الشيوعي، وبعض المجموعات المدنية التي نظَّمت احتجاجات 2016.
أما المجموعات المسلحة التي أسست ميليشيا الحشد الشعبي في بداية المعركة مع تنظيم الدولة (داعش) في صيف 2015، فقد اختارت دفع بعض عناصرها، بعد الاستقالة الصورية من قوات الحشد، لخوض الانتخابات، وتعتبر قوات بدر وعصائب أهل الحق أهمها، فدفعت بقائمة مختلفة. يقف هادي العامري، زعيم قوات بدر، والقيادي النافذ في الحشد الشعبي، على رأس ائتلاف "الفتح المبين"، الذي يضم 8 فصائل من الحشد، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، و13 حزبًا، وكيانات سياسية أخرى، والذي سيخوض الانتخابات على أساس أنه وريث الدور الذي لعبه الحشد في المعركة ضد داعش، ناهيك عن ظهور عدد لا يحصى من الأحزاب والتنظيمات الكارتونية .
ملامح العملية السياسية:
انقسامات وتشظي قبل بدء معركة الانتخابات القادمة هو انقسام جاء ليؤكد الصورة الحقيقية للعملية السياسية التي أوجدها الاحتلال الأمريكي. فمنذ تشكيل مجلس الحكم، بعد أشهر قليلة من الاحتلال في عام 2003، على أساسيين: طائفي - مذهبي، وإثني – قومي، بعيدا عن سياسة المواطنة وإعلاء شأنها، يأتي اليوم وتكشف الائتلافات التي تشكَّلت لخوض انتخابات مايو 2018 عن تداعٍ مستمر في التماسك الطائفي والإثني على السواء، ليس بالضرورة لمصلحة كيانات سياسية وطنية، ولكن نحو مزيد من التشظي داخل المكونات الطائفية والإثنية الرئيسية.
الحديث اليوم في العراق عن التحولات والترتيبات التي ستجري في الأشهر القليلة القادمة على هامش الانتخابات النيابية لعام 2018، وامكانية بقاء الرئيس العبادي لولاية ثانية في ظل ارتياح واضح في المحيط الوطني والإقليمي – إرتياح نسبي إلى حدٍ ما- ويكاد الكل يجمع على دورة ثانية للرئيس العبادي لاستكمال مرحلة بناء الدولة، عبر كشف الفساد، وإيداع الفاسدين في السجون، وإصراره على إقامة محاكمات علنية عادلة، ومحاكمة من تواطئوا وأهملوا وتكاسلوا وتسببوا في “نكسة” حزيران 2014. كل هذه الوعود التي لم يتحقق منها إلا القليل في الولاية الأولى و كأنه ذر الرماد في العيون، وهذا جهد المقل والمتخوف ليس إلا.
والبعض يتحدث عن القدرة السياسية والكفاءة الإدارية التي تميز بها الرئيس العبادي خلال السنوات الأربع الماضية، وماحققه من مكاسب، في ظل مفاسد ومخلفات الأنظمة والإدارات السياسية السابقة .
ربما تتفرد التجربة العراقية على مستوى العالم بخاصية "تكرار المكرّر"، وبحسب مراقبين ومحللين، فإن هذا الأمر سيستمر إلى ما لا نهاية، مادام شعب العراق لم يفرز قوى يمكن أن تستثمر ما أطلق عليها "الديمقراطية"، وما دام يخرج مع شقيقه إلى ساحات الاحتجاجات والاعتصامات، من دون أن يخطر بباله كون هذا الشقيق شيعياً أو سنيّاً، كردياً أو عربياً أو تركمانياً، لكنه حين يكون موسم الانتخابات يقدم نفسه بسهولة ويسر لأبواق الطائفية والعرقية.
نتائج محتملة:
ففي انتخابات 2010، نجحت القائمة العراقية، ذات التوجه الوطني، المدعومة من تركيا وعدد من الدول العربية، في أن تكون الكتلة الأكبر في البرلمان، ولكن الضغوط الإيرانية، والموافقة الأمريكية المستبطنة، عصفت بنتائج الصناديق، وصنعت تحالفًا شيعيًّا برلمانيًّا بعد الانتخابات، أعاد المالكي رئيسًا للحكومة. والواضح أن الأمور لم تختلف كثيرًا في عام 2018، وأن استمرار النفوذ الأجنبي الفعَّال في الشأن العراقي يشير بوضوح إلى أن نتائج الانتخابات المقبلة ليست وحدها ما يُعوَّل عليه في تحديد من سيحكم.
المتوقع، بصورة عامة، وبالرغم من الضرر الذي أصاب صورة العبادي، فإن الائتلاف الذي يقوده سيكون الكتلة الأكبر في البرلمان المقبل، خاصة بعد نجاحه في قيادة الحكومة خلال العامين الماضيين لوضع نهاية لسيطرة داعش على أكثر من ثلث البلاد، وفي مواجهة تحدي استفتاء الاستقلال الكردي. ولكن هذه الكتلة لن تتجاوز الخمسين مقعدًا في أفضل الأحوال. ولذا، فإن أراد العبادي العودة إلى رئاسة الحكومة، فعليه البحث عن عدد من التحالفات مع كتل أخرى، تكون كفيلة بتحقيق الأغلبية البرلمانية. لذلك، فالسؤال الذي لابد أن يبرز عندها يتعلق باتجاه أي من الخيارات سيقرر العبادي الذهاب إليه؟ إلى الكتل ذات التبعية الإيرانية، أم تلك المستقلة عن النفوذ الإيراني، أم المعادية له؟ وهنا سيكشف بجلاء عن حجم النفوذ الأمريكي والإيراني في العراق، وعن مدى استقلال العبادي وتحرره من الضغوط والارتباطات الإيرانية.