بدأ الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" يوم 4 فبراير 2018 جولة خليجية تتضمن زيارة تاريخية هي الأولى له لسلطنة عمان، تعقبها زيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وسوف تتناول المباحثات المصرية في مسقط وأبوظبي مجمل الأوضاع العربية والإقليمية، والإعداد للقمة العربية المقبلة المقرر عقدها في العاصمة السعودية الرياض.
أهمية زيارة عمان:
تكتسب زيارة الرئيس "عبد الفتاح السيسى" لسلطنة عُمان أهمية استراتيجية، حيث إنها الزيارة الأولى له لمسقط، والأولى لرئيس مصري منذ عام 2009، كما أنها "زيارة دولة" تستمر لثلاثة أيام، يلتقي خلالها الرئيس كبار المسئولين العمانيين على المستويين السياسي والاقتصادي، ويقوم بجولة في مسقط لزيارة معالم المدينة. وقد حظي الرئيس "السيسي" باستقبال حافل ومميز، استقبله خلاله السلطان "قابوس بن سعيد"، رغم أزمته الصحية، كما رحبت السلطنة على المستويين الرسمي والشعبي به، وتصدرت افتتاحيات الصحف العمانية مقالات عدة حول دور مصر الإقليمي، والعلاقات المتميزة بين القاهرة ومسقط. وهناك العديد من العوامل التي تؤكد أهمية هذه الزيارة التي تمثل نقطة محورية في العلاقات بين القاهرة ومسقط، من بينها:
*علاقات مميزة: ترتبط القاهرة ومسقط بعلاقات تاريخية مميزة تمتد لأكثر من 3500 عام مضت. وتتنوع تلك العلاقات على الصعد كافة، كما كانت المواقف العمانية دائما مؤيدة لنظيرتها المصرية. ففي عام 1979 ، خالفت مسقط الإجماع العربي بمقاطعة القاهرة، عقب توقيع اتفاق "كامب ديفيد"، كما أن السلطنة، حكومة وشعبا، دعمت اختيارات الشعب المصري في ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013.
*خصوصية السلطنة: سلطنة عمان لها وضع خاص بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتعتمد على مبدأ "الحياد الإيجابي" في سياستها الخارجية، فهي تدعم تطوير وتعزيز العلاقات الخليجية الثنائية، رغم كونها تحافظ على علاقات جيدة مع إيران بدأت منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي عندما قدمت طهران الدعم السياسي واللوجيستي للسلطنة لمواجهة التمرد المسلح "لجبهة ظفار" التي كانت تسعى للسيطرة على الحكم بالسلطنة. ومنذ ذلك التاريخ، والعلاقات العمانية- الإيرانية متميزة. وبهذا، حافظت مسقط على علاقاتها الجيدة مع الدول الإقليمية كافة، مما أهلها لتصبح وسيطا إقليميا متميزا. فقد توسطت بين إيران ومجموعة (5+1) للتوصل للاتفاق النووي الإيراني، وربما يتم تكرار تلك الوساطة مرة أخرى، حال تم التوافق بين القوى الإقليمية الممثلة في (السعودية، ومصر، وإيران) للاعتماد على الحوار كأداة لحل الملفات الإقليمية الشائكة في (اليمن، وسوريا، والعراق، ولبنان) التي أصبحت الرياض وطهران أطرافًا فيها.
*تفاقم الأزمات الإقليمية: تفاقمت الأزمات العربية، منذ مطلع العام الجاري، بإقدام ميليشيات الحوثى باليمن على قتل الرئيس السابق "على عبدالله صالح"، تبع ذلك تصاعد المطالب الانفصالية للحراك الجنوبي في عدن، وكذلك الأزمة السورية التي تشهد تدخلاً عسكريًا مرفوضا من قبل تركيا في عفرين شمال شرق البلاد، فضلا عن الأوضاع في ليبيا والعراق، مما يتطلب استمرار التشاور العربي لإيجاد حل سلمي سريع لتلك الأزمات. وقد طرحت جميع تلك القضايا على المباحثات الثنائية بين الرئيس "السيسي" والسلطان "قابوس".
نتائج قمة "السيسي - قابوس":
عقد الرئيس "السيسي" لقاء قمة مع السلطان "قابوس بن سعيد" الأحد 4 فبراير 2018 وصف بأنه "قمة الحكمة"، وقد أصدرا بيانا مشتركا دعَوَا فيه لتضافر جهود المجتمع الدولي للتوصل إلى تسوية سياسية لأزمات بعض دول المنطقة، خاصة اليمن. وقد أسفرت القمة الثنائية عن عدة نتائج، من بينها:
*تقدير متبادل: أكدت المواقف المصرية والعمانية تقدير كل دولة للاخرى والحرص على وجود علاقات متميزة معها، وأكد الرئيس"السيسي" تقدير مصر قيادة وشعباً للمواقف العمانية التاريخية تجاه مصر وشعبها. فقد أشار السلطان"قابوس"إلى المكانة التى تحظى بها مصر وشعبها لدى الشعب والحكومة العمانيين، باعتبارها دعامة رئيسية لأمن واستقرار دول الخليج والوطن العربى، وجدد دعم السلطنة لمصر ومساندتها فى حربهاعلى الإرهاب، وكشف عن حرصه على تعزيز العلاقات الثنائية مع القاهرة. كما وصف وزير الشئون الخارجية العماني "يوسف بن علوي بن عبدالله" مصر بأنها " عكاز الأمة العربية"، وهو وصف بليغ يفسر الوضع العربي الحالي الذي يعتمد على الدور المصري الإقليمي بشكل شبه كامل لحل الأزمات الراهنة.
*اعتماد الحلول السياسية: أوضحت القمة بين الرئيس "السيسي" والسلطان "قابوس" وجود تطابق في وجهتي نظر القاهرة ومسقط حول الاعتماد على التسوية السياسية كسبيل لحل كافة أزمات المنطقة العربية، ورفض الحل العسكري بكافة صوره. وهذا ينطبق على الأوضاع في اليمن تحديدًا التي أصبحت تعاني أزمة إنسانية متفاقمة تهدد بمجاعة إنسانية. كما أن الأوضاع في سوريا وليبيا تتطلب تعزيز الجهود العربية للتوصل لتسويات شاملة بوقف القتال من كافة الاطراف والبدء في بحث الحلول السياسية التي تنهي تلك الأزمات. وكذلك نجد أن الاستقرار الهش في العراق ولبنان يتطلب وجود دعم عربي قوي لهما قبل إجراء الانتخابات البرلمانية في البلدين منتصف العام الحالي لضمان إنجاح المسار الديمقراطي فيهما.
*خريطة طريق: حددت القمة الثنائية خريطة طريق لحل القضايا العربية تعتمد على الحفاظ على الدولة الوطنية ورفض تقسيم أى دولة عربية، ثم العمل على إعادة إعمار وبناء الدول التي تعرضت للتدمير (سوريا، واليمن، وليبيا، والعراق) وهذا لا يتوقف على الجانب المادي فقط، بل يجب الحفاظ على الهوية والثقافة العربية لتلك الدول، مما يتطلب تضافر الجهود والتنسيق المستمر بين دولتين كبيرتين كمصر وسلطنة عمان لبناء تلك الدول ماديًا ومعنويًا.
*الحفاظ على أمن الخليج العربي: جددت القمة الثنائية الحرص المصري على الحفاظ على أمن الخليج العربي باعتباره جزءا أصيلا من الأمن القومي المصري، وهذا يتطلب مواجهة معضلتين آنيتين هما: الأزمة القطرية التي تهدد باستمرار الانقسام الخليجي – الخليجي، مما سينعكس سلبًا على التعاون الخليجي، كما أن وجود قواعد عسكرية تركية وإيرانية بالدوحة يمثل تهديدًا للأمن القومي الخليجي، والسبيل الوحيد لحل الأزمة هو تنفيذ قطر لمطالب الدول الأربع المقاطعة لها. والمعضلة الثانية هي تصاعد النفوذ الإيراني الإقليمي الذي يمثل تهديدًا للأمن القومي العربي ككل، وليس أمن دول مجلس التعاون الخليجي فقط، وهذا يمكن مواجهته عبر تعزيز التعاون العربي، والاتفاق على آليات محددة لمواجهة طهران عبر الطرق السياسية والدبلوماسية، لأن الحلول العسكرية لن تكن فاعلة في تلك المواجهة، ويمكن لمسقط أن تكون وسيطًا فاعلاً بين طهران والدول العربية.
*وضع القدس: رفضت كل من مصر وسلطنة عمان قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الخاص بالاعتراف بمدينة القدس كعاصمة لدولة إسرائيل، ودعمت مسقط التحركات المصرية في مجلس الامن والجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار يقر القدس عاصمة لفلسطين، كما تدعم مسقط كافة التحركات المصرية لإتمام المصالحة الفلسطينية، واستئناف عملية السلام فى الشرق الأوسط بناء على "اتفاق أوسلو" والمرجعيات الدولية.
*تعزيز التعاون الاقتصادي: أكدت القمة الثنائية ضرورة الاعتماد على تطوير التعاون بين البلدين، خاصة على الصعيد الاقتصادي، من خلال عمل اللجنة المشتركة بين الجانبين، لاسيما وأن التبادل التجاري بين مصر وسلطنة عمان لا يعكس تميز العلاقات السياسية بينهما، فبلغ عام 2017 (300) مليون دولار أمريكي فقط، فيما تستثمر السلطنة في مصر 77 مليون دولار أمريكي. ومن المقرر أن يلتقي الرئيس "السيسي" 44 من رجال الأعمال العمانيين، خلال زيارته لمسقط، لتوضيح خطوات الاصلاح الاقتصادي بمصر لهم وبحث سبل تعزيز استثماراتهم بالبلاد، حيث تبلغ حاليا الاستثمارات العمانية فى مصر 77 مليون دولار فقط بواقع 70 مشروعًا عمانيًا موزعة فى محافظات مختلفة، ويستثمر العمانيون في 5 قطاعات اقتصادية بمصر هى "الصناعة والزراعة والسياحة والخدمات والإنشاءات". ويسعى البلدان لمضاعفة تلك الاستثمارات خلال فترة وجيزة. ويبلغ عدد الشركات المصرية فى السلطنة 142 شركة تعمل فى مجالات مختلفة، كما تعدى عدد المصريين بسلطنة عمان الـ 59 ألف مصرى.
أهمية زيارة الإمارات :
بدأ الرئيس "السيسي" يوم 6 فبراير 2018 زيارته لدولة الإمارات العربية التي تأتي في إطار تدعيم التحالف الاستراتيجي بين البلدين الذي بدأ بعد ثورة 30 يونيو 2013 لما قدمته أبوظبي من دعم سياسي واقتصادي للثورة المصرية، وسيلتقي الرئيس "السيسي" ولى عهد أبوظبي "محمد بن زايد آل نهيان" وكبار مسئولي الدولة. وسوف تتناول المباحثات المصرية- الإماراتية مختلف الملفات الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، ومن أبرزها:
*تعزيز الدعم العسكري: خلال الزيارة، سيعقد الرئيس "السيسي" مباحثات مع الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان" ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كما أن الزيارة تأتي بعد اختتام عدد من المناورات العسكرية المصرية- الإماراتية المشتركة، مما يؤكد الحرص المصري على رفع كفاءة جيوش دول مجلس التعاون للحفاظ على أمن دول الخليج في أجندة السياسة الخارجية المصرية والاستعداد المصري للتدخل العسكري للدفاع عنها في أى وقت، ويؤكد استمرار الدعم المصري السياسي والعسكري لأبوظبي في ظل التهديدات الإيرانية والقطرية المستمرة ضدها.
*الأزمة اليمنية: دولة الإمارات عضو في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وأصدرت بيانًا يؤكد العمل على احتواء الأزمة الانفصالية المتصاعدة في عدن. جدير بالذكر أن الحفاظ على أمن اليمن ووحدة أراضيه وحل الأزمات السياسية والإنسانية المتصاعدة بالبلاد منذ منتصف 2014 ، بعد سيطرة ميليشيات الحوثى على صنعاء، هو أساس الحفاظ على أمن الخليج العربي وأمن المضايق الملاحية في البحر الأحمر، مما يضمن سلامة الملاحة في قناة السويس، واستمرار تدفق النفط الخليجي للخارج.
*الأزمة القطرية: منذ بدء الأزمة القطرية، تتعمد الدوحة التعنت ورفض تنفيذ مطالب الرباعي العربي (مصر، والسعودية، والبحرين، والإمارات)، ولجأت دوما للتصعيد الذي أخد عدة صور، كان آخرها تصريحات وزير الدفاع القطري عن توقع غزو سعودي- إماراتي لبلده، فضلاً عن المغالطات التي تروج لها قطر في وسائل الإعلام والمنظمات الدولية حول تعرضها لحصار، مما يتطلب استمرار التشاور بين دول الرباعي العربي لتجديد موقفها القائم على مطالبة الدوحة بتنفيذ المطالب الـ 13 التي تتضمن وقف أى تدخل في الشأن الداخلي لها، ووقف دعم المنظمات الإرهابية.
*الأزمة السورية: مثل التدخل العسكري التركي في شمال شرق سوريا بعفرين نقطة تحول في الأزمة السورية، وتصعيدًا جديدًا أضفى بظلاله على الجهود السياسية الرامية لوضع خريطة طريق لتسوية سياسية للأزمة، وقد اعلنت كل من القاهرة وأبوظبى رفضهما لتلك العملية العسكرية، وطالبتا أنقرة بوقفها والحفاظ على سيادة الدولة السورية.
*مكافحة الإرهاب: تتخذ مصر والإمارات موقفًا مماثلًا ومميزًا من مكافحة الإرهاب، يتمثل في ضرورة عدم التسامح والتساهل مع ممولي الإرهاب في المنطقة، أو من يقدمون غطاء سياسيا أو دعما لوجيستيا لهم، وهو موقف يتطابق مع الإجماع العربي والدولي من قضية مكافحة الإرهاب، وهي قضية جد مهمة. فعلي الرغم من الاعلان عن هزيمة تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، فإن جيوبه وخلايا لا تزال مستمرة في تهديد امن الدولتين، وتتصاعد المخاوف الدولية من عودة التنظيم لقوته مرة أخرى.
ولذا، فإن تكرار وتيرة الزيارات بين كبار مسئولي الدولتين إنما يؤكد حرصهما على استمرار التنسيق المتواصل بينهما بشأن كيفية مواجهة التحديات التى تشهدها المنطقة فى المرحلة الراهنة التى تتطلب تضافر الجهود من أجل حماية الأمن القومى العربى، والتصدى لمحاولات التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية وزعزعة استقرارها.
وختامًا، نؤكد أن جولة الرئيس "السيسي" الخليجية وزيارته لسلطنة عمان ودولة الإمارات تؤكد حرصه على الاضطلاع بدور مصر الإقليمي كدولة قائدة رائدة تعمل على احتواء الأزمات العربية الراهنة، وفق السبل السياسية والدبلوماسية، لإقرار الأمن والسلم الإقليمي والدولي.