عاد تنظيم "داعش" من جديد إلى منطقة الساحل والصحراء، بعد اختفاء ما يقرب من عامين، عبر بيان جديد لزعيمه عدنان أبو الوليد الصحراوي، أعلن فيه مسئولية التنظيم عن عدة عمليات إرهابية استهدفت قوات أمريكية وفرنسية في مالي، كما أبدى استعداده للتعاون مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، صاحب النفوذ القوى في تلك المنطقة، لمواجهة قوة الساحل المشتركة، مما يطرح تساؤلاً مهماً حول أهم الأبعاد المحتملة لعودة نشاط التنظيم من جديد خلال المرحلة القادمة.
كان الصحراوي قد أعلن، في بيانه الصادر في الثاني عشر من يناير الماضي، مسئوليته عن الهجمات التي استهدفت القوات الفرنسية في مالي في اليوم السابق للبيان، والتي أدت إلى مقتل عدد من الجنود، وتدمير آليات عسكرية، كما أعلن أيضا مسئوليته عن استهدف مجموعة من قوات الكوماندوز الأمريكية في الرابع من أكتوبر 2017 بالنيجر، خلال دورية حدودية مشتركة لهم مع قوات من النيجر. وأسفر الهجوم عن مقتل أربعة جنود أمريكيين، وخمسة من النيجر.
ملامح "الداعشية":
نشأ تنظيم "داعش" في منطقة الساحل والصحراء بالأساس من مجموعة مقاتلين منشقين عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، على رأسهم أبو الوليد الصحراوي، وذلك عقب مبايعة الأخير لأبي بكر البغدادي زعيم "داعش" في مايو 2015، عندما كان يتولى قيادة تنظيم "المرابطون"، الذي يعد واحدة من أهم المجموعات القاعدية في تلك المنطقة، مما أدى إلى الإطاحة بـ"الصحراوي" من قيادة التنظيم على يد الرجل الثاني "مختار بلمختار"، والذي تولى قيادة التنظيم بديلاً عنه، بعد تجديد البيعة لزعيم القاعدة أيمن الظواهري.
وما إن بدأ تنظيم "داعش" في تشكيل هيكله التنظيمي وممارسة نشاطه الإرهابي، معتمداً على دعم المجموعات الداعشية في ليبيا ونيجيريا(ولاية غرب إفريقيا)، حتى شن تنظيم القاعدة بمجموعاته المختلفة حربا شعواء ضد التنظيم الجديد، بعد أن استشعر خطره على نفوذه، لاسيما وأنه بدأ في جذب أعداد كبيرة من مقاتليه، إضافة إلى التمدد والانتشار في مناطق نفوذه، مما أدى إلى تشتت التنظيم وتفرق مقاتليه.
ولم يكتف تنظيم القاعدة بذلك، بل إنه أنشأ في عام 2016 مجموعة مسلحة أطلق عليها "كتيبة الفتح المبين"، لمطاردة فلول "داعش" والقضاء عليهم، مما أدى إلى اختفاء التنظيم عن الساحة ما يقرب من عامين، حتى إن "أبا هشام أبو أكرم" أحد قيادات تنظيم القاعدة، وعضو مجلس مشورته، قد صرح في يناير 2017 بأن تنظيم "داعش" انتهى من المنطقة إلى الأبد.
بالتالي، فإن عودة "داعش" إلى ممارسة نشاطه في الساحل والصحراء مجددا تشير إلى حالة الهشاشة الأمنية والسيولة الحدودية التي تتسم بها تلك المنطقة، فضلاً عن أن توجه أعداد من الدواعش في ليبيا إلى تلك المنطقة تحمل أبعادا مهمة، خاصة أن عودت التنظيم جاءت عبر شنه هجمات إرهابية نوعية.
أبعاد محتملة:
ثمة أبعاد محتملة لعودة تنظيم داعش خلال تلك المرحلة التي تسعى فيها القوى الإقليمية والدولية إلى القضاء على التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، والحد من خطورتها، فى ظل تصاعد نشاطها، حتى إنها أضحت خطرا حقيقيا يهدد المنطقة بأكملها. ومن أبرز هذه الأبعاد:
(*) تزايد الهجمات الإرهابية: حيث تعانى منطقة الساحل والصحراء من تعدد التنظيمات الإرهابية، التي يغلب عليها الطابع القاعدي، بسبب الانتماء أو التحالف والتعاون مع القاعدة، وهو ما جعل المنطقة تشهد العديد من الهجمات الإرهابية، سواء ضد القوات الحكومية أو الأجنبية، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا.
وعليه، فإن عودة تنظيم داعش من جديد قد يؤدى إلى تزايد معدل العمليات الإرهابية، خاصة في "منطقة المثلث الحدودي" بين مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وهى المنطقة التي ينشط فيها تنظيم القاعدة وحلفائه، بسبب ما يسمى بـ"التنافس الجهادي" بين القاعدة وداعش، والذي يرتكز على أن تعدد العمليات الإرهابية وتنوعها، هو معيار القوة والوجود.
(*) تصاعد استهداف القوات الأجنبية: أشار أبو الوليد الصحراوي فى بيانه بأنه سيركز جهوده على استهداف القوات الأجنبية التي وصفها بـ"الكفار"، والتي تمثل عدوا مشتركا بين كل التنظيمات الإرهابية في المنطقة، مما يعنى أن الفترة القادمة قد تشهد تصاعداً ملحوظاً في استهداف القوات الأجنبية، خاصة إذا ما تمكن "داعش" من التنسيق العسكري مع المجموعات القاعدية المنتشرة في هذه المنطقة، وربما هذا ما دفع الصحراوي إلى استخدام مقولة "لمكافحة الكفار نتعاون"، وذلك في ظل رغبته حالياً بعدم الاصطدام بالسكان المحليين.
(*) التعاون مع القاعدة: يفضل تنظيم داعش وفروعه المختلفة عدم الدخول في أي تحالفات، والعمل بشكل منفرد، بسب الموانع الفكرية والتنظيمية، لذا، فإن إعلان زعيم داعش عن رغبته في التعاون مع "إياد أغ غالى" وجماعته "نصرة الإسلام والمسلمين"، والتي تعد أكبر تحالف قاعدي في الساحل والصحراء، يشير إلى رغبة تنظيم داعش العائد إلى اتباع سياسية جديدة تقوم على مراعاة مقتضيات الواقع وموازين القوة في هذه المنطقة، وعدم التقيد بالنهج الداعشى، حتى يتجنب الصدام مع القاعدة ويمنع ضرباتها المتوقعة.
(*) تحد لقوة الساحل: يمثل ظهور تنظيم "داعش" تحديا لقوة الساحل المزمع إنشاؤها من دول الساحل الخمس (موريتانيا- مالي- بوركينافاسو- تشاد- النيجر) لمواجهة التنظيمات الإرهابية المنتشرة بقوة في تلك المنطقة، والمدعومة من عدد من الدول، منها السعودية والإمارات، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى فرنسا التي ترعى تشكيل تلك القوة، وبالتالي فإن عودة داعش ستصعب من مهمة تلك القوة خلال المرحلة القادمة، نظراً لأنها ستواجه أكثر من تنظيم، فضلاً عن هجمات أكثر شراسة.
أخيرا، وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إنه برغم تعدد التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، فإن عودة تنظيم "داعش" إلى الساحة من جديد قد تسهم في تصاعد الإرهاب في هذه المنطقة، خاصة إذا ما تمكن من إقناع تنظيم القاعدة التحالف معه، لأنه سيؤدى تلقائياً إلى تصاعد الهجمات الإرهابية، الأمر الذى يفرض ضرورة التعاون بشكل جدي من أجل القضاء على نفوذ "داعش" مبكراً، قبل أن يتمكن من إقامة شبكة تحالفات تجعل من الصعوبة بمكان القضاء عليه مستقبلياً.