استقبل الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" نظيره الإريتري "أسياسي أفورقي" يوم 9 يناير خلال زيارته للقاهرة التي تستغرق يومين، ورافقه فيها وفد رفيع المستوى، ضم مستشاره السياسي "اليماني جبر آب"، ووزير الخارجية "عثمان صالح". وقد تصدرت الملفات الأمنية مباحثات الرئيسين، حيث أكدا ضرورة الحفاظ على أمن البحر الأحمر، وباب المندب، ومنطقة القرن الإفريقي، في ظل التحديات الأمنية، الآنية والمستقبلية، كما بحثا سبل تطوير العلاقات الثنائية والارتقاء بها.
نتائج الزيارة:
تأتي زيارة الرئيس "أفورقي" للقاهرة استمرارا لنهج الرئيس "السيسي" والسياسة الخارجية المصرية القائم على تعزيز العلاقات المصرية الإفريقية مع مختلف دول القارة السمراء، مما يؤدي لتعزيز مكانة مصر إفريقيًا وإقليميًا ودوليًا. وقد أبرزت الزيارة ثوابت العلاقات بين القاهرة وأسمرة، من خلال تأكيد الرئيسين حرصهما على استمرار التنسيق والتشاور بينهما، في ظل تطابق وجهات النظر بين البلدين إزاء كافة الملفات المتعلقة بالأمن الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي، ودور أسمرة فيها وانعكاسات ذلك على أمن البحر الأحمر ومنطقة باب المندب، وهو إحدى دوائر الأمن القومي المصري مباشرة، وقد أكد الرئيسان:
*الموقف المصري: أكد الرئيس "السيسي" أن مصر تولى اهتمامًا كبيرًا بترسيخ التعاون الاستراتيجي مع إريتريا في شتى المجالات، وإرساء شراكة مستدامة بين البلدين لتنفيذ عدد من المشروعات الاستراتيجية المشتركة في عدة قطاعات منها (الزراعة والكهرباء والصحة والتجارة، وفي قطاع الثروة الحيوانية والسمكية) التي تمتاز بها إريتريا، بالإضافة لمواصلة برامج الدعم الفني المقدمة لأسمرة من خلال الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، فضلا عن تطابق وجهات نظر الدولتين إزاء الأوضاع والقضايا المتعلقة بحفظ الأمن في القرن الإفريقي والبحر الأحمر، والعمل على إحلال السلام والاستقرار والتصدي للتحديات المشتركة، وفي مقدمتها الإرهاب.
*الموقف الإريتري: أبدى الرئيس "أفورقي" اعتزاز بلاده بما يربطها بمصر من علاقات تاريخية ممتدة وتعاون استراتيجي، وأشاد بدور مصر الريادي في المنطقة وحرصها على تحقيق التنمية والأمن والاستقرار في القارة الإفريقية. وأشاد "أفورقي" بما تقدمه مصر من دعم فني لبلاده، فضلاً عن التعاون القائم بينهما في المحافل الدولية.
علاقات متميزة:
تعد العلاقات بين مصر وإريتريا من أكثر العلاقات الإفريقية تميزًا ويمكن وصفها بالعلاقات الاستراتيجية المبنية على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في شئون الدول الأخرى، وكان لها العديد من الأبعاد، منها:
*البعد التاريخي: كانت القاهرة من أولى الدول الداعمة للحراك الثوري في إريتريا. ففي عام 1954، أنشأت القاهرة أول إذاعة موجهة للثورة الإريترية، وتم تكوين كيان طلابى إريترى بالقاهرة عام 1955 تحت اسم (الجمعية الخيرية لأبناء إريتريا)، كما كانت القاهرة مقرًا لتأسيس جبهة التحرير الإريترية في 1960، ثم أنشئ النادى الإريترى بالقاهرة عام 1964، وقدمت وزارة التعليم العالي المصرية للطلاب الإريتريين منح منفصلة عن الطلاب الإثيوبيين. كما أيدت مصر في منتصف السبعينيات فكرة الحكم الذاتي في إطار اتحاد فيدرالي مع إثيوبيا. وعقب استقلال إريتريا في 24 مايو 1991، كانت مصر من أولى الدول التي اعترفت بها وأقامت علاقات دبلوماسية معها وافتتحت سفارتها بأسمرة عام 1993. وكان للدبلوماسية المصرية دور بارز عندما نشأ النزاع بين إريتريا وإثيوبيا (1998-2000).
*البعد الأمني: إريتريا لها موقع استراتيجي هام لمصر كدولة إفريقية مؤثرة، حيث تمتد سواحل إريتريا لأكثر من 1000 كم على البحر الأحمر، وتتحكم بذلك في مدخله الجنوبي، وتطل بذلك على مضيق باب المندب باليمن وتصبح في مواجهة السواحل السعودية على البحر الأحمر، كما ترتبط بحدود برية مع إثيوبيا والسودان وجيبوتي، وبهذا تكون أسمرة عنصرا فاعلا وهاما في تأمين سواحل البحر الأحمر وهو إحدى دوائر الأمن القومي الخليجي والمصري والإفريقي بشكل عام. كما أنها تمثل عمقا استراتيجيا إفريقيا لمصر، لاسيما فيما يخص العلاقات المصرية مع دول حوض النيل.
*البعد السياسي: الرئيس الإريترى "أفورقي" كانت له مواقف داعمة للتحركات السياسية والدبلوماسية المصرية في المنطقة، وبصفة خاصة ما يتصل بحوض النيل. وفى أغلب المحافل الدولية، دعمت دوما أسمرة المواقف المصرية. وقد زار "أفورقي" مصر أربع مرات، ثلاث منها خلال السنوات الأربع الأخيرة، حيث كانت زيارته الأولى عام 1993، ثم في 2014 وكان أول رئيس أفريقي يزور القاهرة عقب حفل تنصيب الرئيس "السيسي" رئيسًا، ثم كرر زيارته لمصر في نوفمبر 2016. كما تحرص الدولتان علي التنسيق المستمر بينها في المحافل الدولية، حيث إنهما عضوان في الاتحاد الإفريقي وتجمع دول حوض النيل، والامم المتحدة، كما تشارك إرتيريا بصفة مراقب في جامعة الدول العربية.
*البعد الاقتصادي: تبلغ نسبة السلع المصرية الموجودة بالسوق الإريترى أحياناً 60%، وتحظى بقبول كبير لدى المواطن الإريترى، كما تقيم مصر معارض المنتجات المصرية هى الآلية الأكثر أهمية فى عملية التبادل التجارى، حيث أقيمت 5 معارض للمنتجات المصرية منذ استقلال إريتريا، كان آخرها فى يوليو 2008. وهناك العديد من المجالات الاقتصادية التي يمكن أن يتم تطوير العمل فيها بين القاهرة وأسمرة، منها التعدين والطاقة، وحفر الآبار وإنشاء السدود وتخزين مياه الأمطار، واستخدام تكنولوجيا الصوبات الزراعية فى الزراعات. والمجال الطبى والعلاجى.
تحديات مشتركة:
هناك العديد من التحديات الأمنية والسياسية المشتركة التي تواجه مصر وإريتريا، وعلى الدولتين استمرار التشاور والتنسيق بينهما لمواجهتها، ومنها:
*أمن البحر الأحمر: يتعرض أمن البحر الاحمر ودوله للعديد من التحديات الآنية التي لم يشهدها من قبل ومن بينها تحكم ميليشيات الحوثيين المدعومة من إيران بمضيق "باب المندب" باليمن، والوجود العسكري التركي بسواحله بعد تولى أنقرة إدارة جزيرة "سواكن" السودانية بالبحر الأحمر، فضلا عن الوجود الإسرائيلي على شواطئه من خلال ميناء إيلات. كل تلك العوامل تمثل تهديدات مباشرة لأمن الدول المشاطئة على البحر الأحمر ومنها مصر وإريتريا، وبهذا لم يعد البحر الأحمر "بحيرة عربية" لأن الدول الإقليمية الصاعدة تعتزم التحكم في أمنه وفق مصالحها المتعارضة مع نظيرتها العربية والإفريقية.
*مكافحة الإرهاب: هناك العديد من التهديدات الامنية التي تنذر بتصاعد التوتر في دول القرن الإفريقي (إريتريا، والصومال، وجيبوتي)، لعل أولها هو وجود التنظيمات الإرهابية التي هزمت في العراق وسوريا كـ "داعش، القاعدة" وتبحث عن موطن جديد لها، وربما تجد في دول القرن الإفريقي بطبيعتها الجغرافية الصحراوية موقعها القريب من ليبيا التي تؤكد المصادر الاستخباراتية وجود "داعش" بها، هذا الموطن مما يمثل تهديدًا لدول المنطقة، ويتطلب وجود تنسيق أمني مستمر بينها للتصدي لتلك التنظيمات.
* الوجود العسكري: تشهد دول القرن الإفريقي صور عدة من الوجود العسكري الأجنبي، حيث افتتحت الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي عام 2017، ومثلها فعلت تركيا التي افتتحت قاعدة عسكرية في الصومال 2017. وهذا الوجود العسكري يمثل نوعا من التحدي الأمني لدول المنطقة، فضلا عن استمرار علميات القرصنة التي تهدد حرية الملاحة بالبحر الأحمر وقناة السويس.
*التنافس الإقليمي: تروج بعض الدوائر الإثيوبية والسودانية أن تعزيز العلاقات المصرية- الإريترية سيكون موجها ضد الدولتين، وأن القاهرة تسعى لتشكيل محور إفريقي ضد الخرطوم وأديس أبابا، خاصة بعد تزامن زيارة رئيس أركان الجيش السوداني "عماد الدين عدوي" لإثيوبيا مع زيارة "أفورقي" للقاهرة.
بيد أن هذا غير صحيح، لأن زيارة "أفورقي" للقاهرة كانت محددة قبل التوتر الآني بين أسمرة والخرطوم الذي بدأ مطلع يناير 2018 إثر حشد السودان لقواتها العسكرية بولاية "كسلا" الحدودية مع إرتيريا، عقب إعلان الرئيس السوداني "عمر البشير" حالة الطوارئ بالولاية وإغلاق المعابر مع إريتريا. وتؤكد مصادر بالخرطوم أن الهدف من الإجراءات السودانية هو السيطرة على عصابات تهريب البشر والسلع والمخدرات والسلاح، وهي إجراءات تتخذ كل فترة لمواجهة تلك العصابات. كما أن هناك ترجيحات عن عزم رئيس الوزراء الإثيوبي زيارة القاهرة قريبا لبحث ملف "سد النهضة".
خلاصة القول إن زيارة الرئيس الإريتري "أسياسي أفورقي" للقاهرة قد دشنت لبدء تحالف استراتيجي بين البلدين، لاسيما في ظل التهديدات والتحديات الأمنية المشتركة التي تواجه القاهرة وأسمرة معا، ولذا يتوجب على الدولتين استمرار التنسيق والتشاور لمواجهتها، بما يحقق مصالحهما القومية والأمن والسلم بالقرن الإفريقي.