منذ أن نشبت المظاهرات في إيران مساء الأربعاء 27 ديسمبر الماضي، في مدينة مشهد المقدسة، عاصمة محافظة خراسان رضوي، حيث مرقد الإمام علي الرضا، الإمام الثامن لدى الشيعة الاثني عشرية، تكتسب يوميا زخما جديدا من خلال انضمام المزيد من المدن والمحافظات، وهو ما يمنحها طابعا ثوريا خالصا لتوافر عاملين جوهريين، هما:
أولا: اتساع النطاق الجغرافي للمتظاهرين حيث شمل نحو 70 مدينة في 21 محافظة من أصل 31.
ثانيا: سقف المطالب المرتفع الذي لا يستهدف إصلاح النظام بل إسقاطه بالكامل وتغييره من الجذور.
ومن خلال هذا الحدث الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الجمهورية الإسلامية الممتد منذ 39 عاما، تبقى كل السيناريوهات مفتوحة، ومع ذلك تطل أربعة سيناريوهات رئيسة برأسها كمحددات محتملة لمآلات الوضع الراهن.
السيناريو الأول- قمع الاحتجاجات:
يقوم هذا السيناريو على ترجيح نجاح النظام الحالي في قمع الثورة، وإعادة خبرة عام 2009 وقت أن أخمد ما وصف في حينها بأكبر حركة احتجاجية في تاريخ النظام، على خلفية اعتراض الحركة الخضراء على نتيجة انتخابات الرئاسة تلك التي أفرزت فوز الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وذلك لاعتبارات ثلاثة تتمثل في:
أولا: استعداد النظام الإيراني مبكرا لمواجهة السخط الشعبي إزاء السياسات الاقتصادية التقشفية، وظهر ذلك من خلال انتشار وتمركز الأجهزة الأمنية في الشوارع بمحافظات البلاد منذ اليوم الأول للأحداث.
ثانيا: عدم وجود قائد للثورة على غرار ما حدث في تجربتي ثورتي الدكتور محمد مصدق 1953 وثورة الخميني 1979. وتخبر تجارب الثورات التي شهدتها المنطقة في السنوات الاخيرة بغياب شخصية موحدة تتجمع عندها مطالب الجماهير.
ثالثا: غياب رؤية ما بعد إسقاط النظام وعدم توحد مطالب المتظاهرين وتعدد الآراء حول المعارضة بالخارج ومنها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية والحركات الكردستانية والأحوازية في أوروبا.
السيناريو الثاني- إقالة الحكومة وتعديل السياسات:
يفترض هذا السيناريو أن يتعامل النظام مع الأحداث وفقا لاستراتيجية "الانحناء للعاصفة" من خلال اتباع عدد من الخطوات المتتالية، ومنها إقالة حكومة الرئيس حسن روحاني وتحميله مسئولية تردي الأوضاع وتعديل السياسات الاقتصادية والخارجية ويستمد هذا السيناريو وجاهته من عدة عوامل:
أولا: تراجع النظام عدم خطوات إلى الخلف واعترافه بأحقية المتظاهرين في مطالبهم بعد أن كان يصف تحركهم وتظاهرهم بالمؤامرة في اليومين الأولين.
ثانيا: الصراع الداخلي بين تيار روحاني وتيار المرشد وتحميل كل منهما الطرف الآخر مسئولية الأحداث وتجلى ذلك من خلال التحقيقات التي أجراها المجلس الأعلى للأمن القومي، مع آية الله علم الهدى، ممثل خامنئي في مدينة مشهد، بتهمة تحريض الفقراء على التظاهر ضد الحكومة.
ثالثا: حديث رئيس البرلمان الإيراني المحافظ، علي لاريجاني، المقرب من المرشد، عن أن البرلمان سيدعم مطالب الشعب ويرفض موازنة العالم المالي الفارسي الجديد، تلك التي طرحها روحاني على المجلس يوم 19 ديسمبر الماضي.
السيناريو الثالث- سقوط النظام:
ينهض هذا السيناريو على احتمال نجاح المتظاهرين الإيرانيين في إسقاط النظام الحالي وانتخاب حكومة جديدة تحقق نداءات الثورة. ويتوافر لهذا السيناريو عدد من عوامل التحقق، منها:
أولا: اتساع نطاق التظاهرات على المستويين الكمي والنوعي إذ نزل إلى الشوارع نحو مئة ألف مواطن، وفقا لتقدير المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، ومقره العاصمة الفرنسية باريس، موزعين على 70 مدينة مركزية في 21 محافظة.
ثانيا: تصاعد النداءات الثورية المطلبية من حقوق اقتصادية إلى أخرى تتعلق بالسياسات الداخلية والخارجية، وتماشي تلك الشعارات مع الانتقادات الحادة التي يواجهها النظام الإيراني في الإقليم على خلفية انخراطه في الملفات العربية السائلة وتأزيمه الأوضاع في اليمن وسوريا ولبنان والعراق وغزة.
ثالثا: تهيؤ البيئة الدولية والإقليمية المناهضة للنظام الإيراني وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فضلا عن أغلب الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، مع نجاح المعارضة في الخارج في حشد المزيد من أنصار الثورة وتجلى ذلك من خلال مطالبات وزراء خارجية أوروبا- الحليفة لطهران- بالاستماع إلى مطالب الشعب وعدم استخدام العنف وقمع المسيرات والتظاهرات.
السيناريو الرابع- انقلاب الحرس الثوري:
يتصور هذا السيناريو احتمال انقلاب مؤسسة الحرس الثورى (الباسداران) على نظام الجمهورية الإيرانية المتمثل فى مبدأ "ولاية الفقيه" وتعطيل العمل بالدستور الذي تم إقراره في عام 1979 بتعديلاته التي أقرت في عام 1989 وتشكيل مجلس رئاسي يضم جنرالات في المؤسسة فضلا عن أحد رجال الدين إلى جانب أحد المدنيين المقبولين من طبقة المثقفين والتكنوقراط.
كما لا يمكن استبعاد أن يتبع الانقلاب تشكيل حكم عسكرى بحت على غرار تجارب الانقلابات التى شهدتها إيران عبر التاريخ، ولعل أبرزها انقلاب عام 1925 الذى قاده رضا خان بهلوى، والد الشاه المخلوع، محمد رضا بهلوى. ويمكن التدليل على ذلك من خلال عدد من الاعتبارات، هي:
أولا: الحفاظ على المكتسبات الاقتصادية والاستراتيجية، تلك التي كونها الحرس الثوري في السنوات التسع والثلاثين الأخيرة والتي سيطر فيها على ما قرابة 40% من الاقتصاد الرسمي للبلاد، إضافة إلى التمسك بتموضعه في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن وقطر وغزة.
ثانيا: تجنب محاكمات ما بعد نجاح الثورة، إذ إن التجارب الثورية السابقة لم تقم محاكمات مدنية لرموز النظام وقادته، كما هو الواقع في الحالة المصرية بعد 25 يناير 2011 أو 30 يونيو 2013م، بل يلجأ الإيرانيون عادة إلى التصفية والإعدامات السريعة المباشرة. ويمكن تتبع ذلك من خلال ما عرف في التاريخ الإيراني المعاصر بـ"القضاء الأحمر" الذي رأسه رجال الدين آية الله صادق خلخالى.
ثالثا: الحفاظ على رأس المال السياسي والعسكري، ذلك الذي أنفقته المؤسسة على تثبيت تموضعها بالداخل والخارج، فضلا عن الحفاظ على المؤسسة من التحلل، حال نجاح الثورة، لأن أي حكومة جديدة لن تقبل بأن يكون بالبلاد تنظيما موازيا للجيش الوطنى.