تُثار العديد من علامات الاستفهام حول مضمون اتفاقية إدارة الدولة التركية لجزيرة سواكن السودانية والتي وقعت اثناء زيارة الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، للسودان أول أمس ( الاثنين 25 ديسمبر 2017) حيث أعلن الرئيس التركي أن دولة السودان سلمت جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر شرقي السودان لتركيا لتتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية لم يحددها .
وتقع جزيرة سواكن علي بعد أقل من 60 كيلو مترا من بورت سودان مقابل مدينة جدة السعودية، وهي تعتبر نقطة التقاء بين مصر والسعودية وموقع استراتيجي من الناحية العسكرية لقربها من اليمن وإريتريا وتبعد ما يقرب من 350 كيلو متر من مثلث حلايب المصري.
كان الرئيس التركي قد صرح علي هامش ختام الملتقى الاقتصادي بين رجال أعمال سودانيين وأتراك أن الدولة التركية "طلبت تخصيص جزيرة سواكن لوقت معين لتعيد إنشاءها وإعادتها إلى أصلها القديم والرئيس البشير قال نعم". وأضاف أن "هناك ملحقا للاتفاقية لن أتحدث عنه الآن".
هذا التصريح الأخير الذي يشير إلى غموض في بعض جوانب الاتفاقية يطرح العديد من التساؤلات حول مضمون وأبعاد تلك الاتفاقية، فهل يقتصر الاتفاق علي إعادة تأهيل الجزيرة والميناء؟ أم أن هناك ابعاد عسكرية اخري لم يتم أعلانها ؟ وهل هناك علاقة بين تلك الاتفاقية وتنامي النفوذ العسكري التركي في الشرق الأوسط وإفريقيا؟
أولا: أبرز الأدوار العسكرية التركية الأخيرة:
التمدد العسكري بالمنطقة العربية : في سبتمبر 2017 افتتح الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو القاعدة العسكرية التركية في الصومال، والتي وصفها بأنها (اكبر القواعد العسكرية التركية في العالم)، حيث تبلغ تكلفة القاعدة العسكرية التركية نحو 50 مليون دولار، وتضم القاعدة ثلاث مدارس تعليمية عسكرية، وثلاثة مجمَّعات سكنية ووحدات تعليمية يتدرب فيها نحو 1500 عسكري، ويمكن أن يرتفع الرقم الي أكثر من 10آلاف عسكري متدرب. وتقع هذه القاعدة في شرق إفريقيا على المحيط الهندي، وتطل على خليج عدن، وتبلغ مساحتها 4 كيلومتر مربع، وتضم أيضا 200 عسكري تركي يمكن أن يزيدوا ويصلوا إلى ألف.
وتعد القاعدة العسكرية التركية في الصومال الثانية خارجيا، بعد إنشاء تركيا (قاعدة الريان) في قطر التي تعد أول قاعدة عسكرية تركية في الشرق الأوسط.
وجاءت قاعدة الريان بناء علي اتفاق ثنائي بين قطر وتركيا في أبريل 2016 وينص علي تطوير المؤسسات العسكرية القطرية، ورفع كفاءتها وقدراتها القتالية، إلى جانب نشر قوات ومعدات عسكرية تركيا علي الأراضي القطرية وهو ما حصل عقب الأزمة الرباعية (مصر، الامارات، السعودية، البحرين) مع قطر لدعم الاخيرة لبعض الجماعات المتطرفة بدول الصراع وداخل الدول الأربع تلك الأزمة سرعت من وتيرة التحالف العسكري القطري التركي، حيث قامت تركيا بنشر الالاف من القوات العسكرية التركية داخل قطر.
الأمر نفسه تكرر في منتصف عام 2016 بنشر تركيا مئات الجنود الأتراك إلى قاعدة عسكرية شمال العراق، بموجب اتفاق بين تركيا وحكومة إقليم كردستان العراق، والتي أدت لتوتر العلاقات بين الحكومة الاتحادية العراقية وتركيا.تلك التحركات المتسارعة للدولة التركية لتعزيز وجودها بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا تدل علي رغبة حقيقية من جانب تركيا لمزيد من نشر جنودها ببعض دول المنطقة لتكون علي مقربة من مناطق الصراع القائمة، والمحتملة، حيث يعزز هذا الوجود العسكري التركي من نفوذ أنقرة بعد توتر العلاقات التركية مع العديد من الدول المؤثرة والرئيسية بالمنطقة العربية، إلى جانب تصاعد حدة الخلاف مع المجموعة الاوروبية.
فتح سوق جديدة للأسلحة التركية: قد تضمنت الاتفاقات التي وقعت بين الجانب التركي والسوداني بعض الاتفاقات الخاصة بالجوانب العسكرية، حيث صرح الرئيس التركي بأنه تم التوقيع علي اتفاقية للصناعات الدفاعية دون أن يقدم أية تفاصيل حولها. وهو ما يعزز من احتمالية فتح سوق للسلاح التركي في السودان، وخصوصا إذا تم الربط بين زيارة الرئيس التركي للسودان، ثم تشاد، والتي تم الحديث عن مزيد من التعاون العسكري بين الجانبين.
ثانيا: أسباب التوجه العسكري التركي نحو المنطقة العربية:
ينطلق التوجه التركي نحو تعزيز التعاون العسكري مع بعض دول المنطقة لتحقيق هدفين:
• الضغط علي الدول الرئيسية في المنطقة: حيث توترت العلاقات التركية مع مصر في عقب إسقاط الإخوان في 30 يونيو، وهو ما دفع الجانب التركي لشن هجوم مستمر ومتكرر علي الدولة المصرية ادي الي خفض مستوي العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين الجانبين. ومع انحياز تركيا للجانب القطري في الأزمة الأخيرة توتر العلاقات الخليجية والسعودية الإماراتية بشكل خاص مع الجانب التركي، مما أضعف من نفوذ ودور تركيا في الخليج خلال عام 2017، وهو ما نتج عنه التحرك التركي الأخير بتوقيع تركيا اتفاقية إدارة جزيرة سواكن (الغامضة) أبعاد أخري تتمثل فى مزيد من الضغط علي الدول الرئيسية بالمنطقة ( مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات).
• فتح قنوات موازية للضغط على المجموعة الأوروبية: مع تراجع مستوي الثقة بين الجانب التركي وأغلب دول الاتحاد الأوروبي، وخصوصا ألمانيا، يسعي الرئيس التركي من تحركاته الإفريقية، خصوصا دول الساحل والصحراء، والتي تم جزء منها في زيارة العام الماضي 2016، والتي شملت بعض دول غرب إفريقيا وتحركاته خلال الزيارة الأخيرة بزيارة تونس وتشاد يسعى أن يكون لتركيا موضع قدم في هذه المنطقة، والتي تعتبر منطقة نفوذ لبعض الدول الأوروبية جانب اهتمام أوروبا بتلك المنطقة، باعتبارها نقطة عبور وانطلاق للعديد من اللاجئين، أو ما يطلق عليه ظاهرة الهجرة غير الشرعية .ومع تعزيز التعاون التركي مع تلك الدول يمكن ان تكون ورقة ضغط للتفاوض مع الجانب الأوروبى.