طالب رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" بنزع سلاح الميليشيات العراقية، خاصة "الحشد الشعبي" (الشيعية)، تفعيلًا للدعوة التي أطلقها المرجع الشيعي الأعلي بالبلاد "على السيستاني" يوم 15 ديسمبر 2017، نظرًا لانتفاء الحاجة لوجودها بعد إعلان "العبادي" الانتصار على تنظيم "داعش" الإرهابي في 10 ديسمبر 2017.
دعوات مماثلة:
في يونيو 2014، أعلن رئيس الوزراء العراقي السابق "نوري المالكي" تشكيل قوات "الحشد الشعبي" تنفيذًا لفتوى من "السيستاني" بضرورة "الجهاد الكفائي" ضد "داعش"، عقب سيطرة التنظيم الإرهابي على مدن شمال العراق. وتشكلت تلك القوات من 42 فصيلاً، وتضم نحو 140 ألف عنصر من الشيعة، مزودين بأسلحة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة. كما تشكلت الميليشيات المسيحية من (4آلاف عنصر) باسم "وحدات حماية سهل نينوي".
ورغم أن قوات "الحشد الشعبي" هي الأكبر عددًا والأكثر قوة وتأثيرًا داخل العراق، نظرًا لتمويلها من قبل الحكومة العراقية وإيران بشكل مستمر، فإن هناك مطالبات عديدة بضرورة نزع سلاحها ودمجها بالمجتمع العراقي، ومن أبرزها:
ضرورة حصر السلاح، حيث دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق "علي السيستاني" في 15 ديسمبر 2017 إلى حصر السلاح بيد الدولة العراقية فقط، وطالب بدمج المتطوعين العراقيين الذين شاركوا في الحرب على "داعش" في هيئات الدولة العراقية أى في الجيش العراقي. كما دعا "السيستاني" بعدم استغلال مقاتلي الحشد سياسياً.
تسليم السلاح، حيث أعلن زعيم اليتار الصدري بالعراق "مقتدى الصدر"في 22 نوفمبر 2017 تسليم سلاح ميليشيات "سرايا السلام" للدولة، بعد انتهاء الحرب على "داعش".
إرساء الاستقرار، حيث دعا رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق "يان كوبيش" بنوفمبر 2017 لحصر سلاح المييلشات العراقية بيد الدولة تمهيدا لإرساء الاستقرار بالبلاد.
تفكيك الفصائل، حيث استقبل الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" في ٣ ديسمبر٢٠١٧ رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني بباريس، وبحث معه الأزمة بين بغداد وأربيل، ودعا "ماكرون" إلى تفكيك كل الفصائل المسلحة بالعراق بما في ذلك قوات "الحشد الشعبي". وتمثل دعوة "ماكرون" اهتماما فرنسيا متزايدا بالشأن العراقي في الفترة الأخيرة.
أهداف "العبادي":
الهدف الأساسي الذي أعلنه "العبادي" هو ضرورة إبعاد المؤسسات الأمنية عن العمل السياسي عبر حصر السلاح بيد الدولة فقط، لتحقيق السلم المجتمعي والتصدي للإرهاب، بيد أن هناك العديد من الأهداف التي سيحققها "العبادي" حال نجاحه في نزع سلاح الميليشيات العراقية، ومن بينها:
- انتصار سياسي: استطاع رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" تحقيق إنتصارين هامين هذا العام، الأول عسكرى تمثل في الانتصار على "داعش". والثاني سياسي تمثل في احباط انفصال كردستان العراق وتقسيم البلاد. وفي حال تمكنه من نزع سلاح الميليشيات، لاسيما الشيعية منها، فإنه سيظهر كرئيس وزراء وطني حارب أبناء طائفته، وتصدي لهم، مما سيضيف لرصيده السياسي قبل الانتخابات. والحقيقة أن "العبادي" لا يعادي الميليشيات بل هو من شجعهم على توحيد جهودها ومدها بالسلاح والعتاد لمحاربة "داعش"، وتعهد بدمجها بقوات الجيش العراقي ومشاركتها بالانتخابات البرلمانية بعد هزيمة "داعش"، وكل تحركاته السياسية الآن تأتي في إطار الإعداد المبكر للمعركة الانتخابية المقبلة.
- إنهاء الميليشيات: بعد الانتصار على "داعش"، تضاعفت قوة "الحشد الشعبي" حيث نسب لنفسه الفضل في تحقيق الانتصار، وفي هزيمة داعش وتحرير المدن التي احتلها التنظيم الإرهابي، ولذا يجب إنهاء هذه الاسطورة التي تهدد قوة الحكومة المركزية، ولمنع تكرار سيناريو "حزب الله" اللبناني في العراق عبر وجود ميليشات مسلحة مدربة تفوق في قوتها قوة الجيش العراقي نفسه، مما يؤدي لعدم استقرار أمني وسياسي لأنها ستصبح خارج سيطرة الدولة، وتدين بالولاء لدولة إقليمية توسعية هي إيران، وتعمل وفق أجندتها السياسية والعسكرية.
- نزع سلاح البشمركة: تعد قضية نزع سلاح قوات البشمركة الكردية إحدى القضايا الخلافية بين بغداد وأربيل، حيث طالب "العبادي" إقليم كردستان في 31 أكتوبر 2017 بضم "البشمركة" للجيش العراقي حتى تلتزم بغداد بدفع رواتبهم شهريًا، أو يتم تقليص عددها وتحويلها إلى قوة محلية تتولى أربيل دفع رواتبها. وهو ما رفضته آربيل وما زال مثار جدل بين الطرفين حتى الآن. بيد أنه حال إصرار "العبادي" على نزع سلاح كافة الميليشيات العراقية بما فيها الشيعية فإن ذلك سيشكل ورقة ضغط على أربيل للقبول بوضع حل نهائي لمشكلة "البشمركة".
- تجنب الملاحقة القانونية: تم تصنيف حركة "النجباء" الشيعية المنضوية "بالحشد الشعبي" كمنظمة إرهابية من قبل واشنطن في نوفمبر 2017 وهو ما استنكره المالكي"، وأعلنت بعض الدول الأوربية بدء دراسة وضع الميليشيات العراقية وعلاقتها بطهران وممارساتها داخل العراق وضد بعض الاقليات العراقية، لاسيما الإيزيديين، مما ينذر بفرض عقوبات دولية على بعض المنظمات والأفراد بالعراق المرتبطين بالحشد الشعبي حال استمرت الميليشات على وضعها الحالي.
- احتواء غضب السنة: تم اتهام "الحشد الشعبي" بارتكاب جرائم طائفية وانتهاكات لحقوق الانسان في المدن والمناطق السنية والكردية التي شاركوا في تحريرها من "داعش". بيد أنه لم تتم ملاحقة أي من عناصر تلك الميليشيات. وبعد إعلان هزيمة "داعش"، ألمح بعض النواب السنة بالبرلمان العراقي إلى عزمهم المطالبة بمحاكمة من ارتكب تجاوزات من عناصر "الحشد الشعبي"، واعلان العبادي عن نزع سلاحهم سيؤدي لاحتواء الغضب السني المتصاعد ضدهم وضد الحكومة العراقية التي ما زالت مصرة على عدم الكشف عن مصير آلاف المعتقلين السنة بمحافظات وسط العراق.
- منع المد الإقليمي: مثّل بث فيديو مسجل لوجود زعيم ميليشيات "عصائب أهل الحق" العراقية المنضوية "بالحشد الشعبي" "قيس الخزعلي"، مطلع ديسمبر الحالي في قرية بجنوب لبنان، إحراجًا سياسيًا بالغًا للحكومة العراقية، لاسيما بعد اعتراض رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" عليه وتعهده بمحاسبة المسئولين عن الواقعة، التي أثارت المخاوف من وجود مخططات لوجود "الحشد الشعبي" العراقي في الدول العربية، وتكرار تجربة "حزب الله" اللبناني الذي توجد عناصره في العراق واليمن وسوريا، ولذا فإن نزع سلاح الميليشيات سينهي تلك الإشكالية.
- تلبية مطالب دولية: رهنت الأمم المتحدة وبعض دول الاتحاد الاوروبي كفرنسا تحقيق الاستقرار بالعراق بنزع سلاح الميليشيات ووجود جيش وطني موحد، يعمل على إرساء الاستقرار بالبلاد بعد هزيمة "داعش"، وهو ما يحتمل أن يعمل "العبادي" على تحقيقه، مما سيكسبه مزيدا من الدعم الدولي والاقليمي.
ردود الفعل:
*"الحشد الشعبي": أعلن المتحدث باسم "الحشد الشعبي" النائب "أحمد الأسدي" أن دعوة "السيستاني" تؤكد الاحتفاظ بقوات الحشد الوطنية لأنها جزء من المنظومة الأمنية بالعراق، وأعلنت بعض الفصائل المسلحة المنتمية للحشد والمقربةً من إيران سعيها إلى تشكيل جبهة سياسية جديدة تخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة تفعيلا لمبدأ فصل التيارات السياسية عن العسكرية، كما تعهدت بتسليم سلاحها إلى الدولة.
*الفصائل المسلحة: أعلن الأمين العام "لعصائب أهل الحق" "قيس الخزعلي" وضع مقاتليه في تصرف "هيئة الحشد الشعبي". بينما أصدر الأمين العام لمنظمة "بدر""هادي العامري" بياناً مماثلاً بعد حل زعيم فصيل "أبو الفضل العباس" "أوس الخفاجي" تنظيمه العسكري. كذلك، أعلنت حركة "النجباء" أنها ستسلم أسلحتها الثقيلة إلى الجيش بعد هزيمة "داعش".
والهدف الأساسي لتلك الميليشيات والفصائل المسلحة من الموافقة على قرار "العبادي" وتسليم سلاحها للدولة العراقية، هو رغبتها في استيفاء شروط خوض الإنتحابات البرلمانية المقبلة حيث إنه وفق الدستور العراقي، يمنع أى حزب سياسي له جناح مسلح من خوض الانتخابات. كما أن انصياعها "للعبادي" سيؤدي لارتفاع شعبيتها والحصول على أصوات أعلى بين الناخبين الشيعة، حيث من المنتظر أن تنضم تلك الكتل في قائمة "انتخابية موحدة" ومن المرجح أن يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق نائب رئيس الجمهورية الحالي حليف إيران (ويوصف بأنه رجل إيران في العراق) "نوري المالكي".
مما سبق، نستنتج أن "العبادي" سينجح في نزع سلاح الميليشيات بالعراق، خاصة "الحشد الشعبي". بيد أن ذلك لن ينهي قوتها ونفوذها، بل سيضاعفه عبر اختراقها للبرلمان والجيش العراقي، وبهذا ستصبح جزءا من مؤسسات الدولة بشكل قانوني، مما سيسفر عن وجود جيش وبرلمان طائفي، وهو ما يهدد باستمرار عدم الاستقرار بالبلاد، وسيطرة النزعة الطائفية على مؤسسات الحكم، وينذر بتصاعد النفوذ الايراني بالعراق عبر حلفائها المنتشرين في كافة مؤسسات الدولة من (الجيش، والبرلمان، والحكومة)، مما يعرقل بناء دولة عراقية وطنية تضم كافة مكونات المجتمع دون تمييز.