بالرغم من أن الإدارة الأمريكية الراهنة عودتنا على خرق المسلمات في السياسة الدولية، بما في ذلك الخروج من اتفاقية المناخ، والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، وعدم التصديق الدوري على خطة العمل الشاملة المشتركة "الاتفاق النووي"، فإن المواجهة العسكرية المباشرة بين واشنطن وطهران تبدو بعيدة وغير منظورة في الأفق القريب، مع تأكيد أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ نجاح الثورة الإيرانية بعام 1979، اكتفت بحملات العلاقات العامة ضد طهران، ولم تنخرط في حرب معها، أخذا في الاعتبار توافر كل الظروف المواتية لتحقيق ذلك، وعلى رأسها أزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران عام 1979، وتفجير مقر جنود المارينز في بيروت عام 1983، وغيرها.
ومع وجود دونالد ترامب على قمة السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة الأمريكية، تبقى كل الاحتمالات مطروحة على الطاولة، ولا يمكن تجاهل أي خيار، أيا كانت تداعياته على طرفي الصراع، وعلى الأطراف الأخرى المتأثرة به، كما لا يمكن غض الطرف عن أي سيناريو.
- السيناريو الأول: الحرب الدعائية:
يقوم هذا السيناريو على تحليل الخبرة الأمريكية في كل المواجهات السابقة، تلك التي تستخدم فيها الحروب الدعائية، وحروب العلاقات العامة كمرحلة مبدئية تمهيدية لشن الحرب، والتي تبدأ بالتصريحات الإعلامية الرسمية، عبر المسئولين الحكوميين، وعبر الشخصيات المقربة من دوائر السلطة وصناعة القرار، وتنتهي بالتحركات الدبلوماسية في المحافل ذات الصلة.
ويستند هذا السيناريو إلى التصريحات التي أطلقها وزير الدفاع الأمريكي الذي قال فى 15 ديسمبر 2017 إن "الرد الأمريكي على نفوذ إيران في الشرق الأوسط سيكون دبلوماسياً وغير عسكري"، وللتدليل على هذا المنحى فقد صدّرت الإدارة الأمريكية سفيرتها لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، فى 14 ديسمبر الراهن؛ للحديث عن محتوى عسكري، وهو تورط إيران في دعم الميليشيات الحوثية بالصواريخ، ولم يتحدث في هذه المناسبة مسئول من الاستخبارات المركزية أو البنتاجون.
يمكن القول إن الإدارة الأمريكية لجأت إلى هذا النوع من الحرب مع إيران، استنادا إلى ثلاثة عوامل:
أولا: الرغبة الأمريكية الجادة في الانسحاب من الشرق الأوسط، وعدم الانخراط في حرب جديدة، في ظل خطط الانسحاب من العراق وأفغانستان، ووقف مد أكراد سوريا بالسلاح، والتخلي عن دعم أربيل، وهي حليفة تاريخية لواشنطن.
ثانيا: التوازن الحالي بين المحورين العربي والإيراني الذي يخدم الاستراتيجية الأمريكية، تلك التي تستهدف تأمين مصالح إسرائيلية لإبقائها خارج نطاق الصراع في الشرق الأوسط، وتحويل دفة الصراع العربي - الإسرائيلي إلى صراع إسلامي - إسلامي.
ثالثا: غياب الاصطفاف الدولي المؤيد لأي حملة من أمريكا على إيران، في ظل انحسار قدرة واشنطن على الحشد، كما كان الحال في خبرات تحرير الكويت، وغزو العراق، والتحالف الدولي ضد داعش، وظهر ذلك من خلال الرفض الدولي والإقليمي بالإجماع لقرار ترامب الاعتراف الأحادي بالقدس عاصمة لإسرائيل.
- السيناريو الثاني: تكوين تحالف دولي:
يحاول هذا السيناريو التحقق من تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، والسفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة، نيكي هيلي، تلك التي أعربا فيها عن رغبة أمريكية في "إنشاء تحالف دولي ضد إيران لمن يرغب في ذلك".
واقع الأمر أن هذا السيناريو قابل للتحقق؛ لأنه لم يلمح إلى أن هذا التحالف سيكون عسكريا، ولأنه بُني على أساس الخرق الإيراني للقانون الدولي المتمثل في إمداد جماعة غير شرعية بأسلحة باليستية، وهنا إشارة إلى دعم طهران الحوثيين بصواريخ قاهر، وبركان، وغيرهما.
وترمي الولايات المتحدة الأمريكية من هذا الاتجاه إلى ثلاثة أسباب جوهرية:
أولا: إمكانية الحصول على تحالف إقليمي ودولي موسع لمواجهة النفوذ الإيراني في اليمن، خاصة أن الساحة اليمنية تحظى بشبه إجماع دولي، على العكس تماما من ساحات الصراع الأخرى في لبنان، والعراق، وسوريا، تلك التي تشهد انقساما دوليا حادا.
ثانيا: استباق حصار النفوذ الإيراني في الملفات السائلة بالإقليم، من خلال استراتيجية هجومية في مجالات الدبلوماسية، وحروب الجيل الرابع، وهو الأمر الذي يرجح أن يلقى قبولا دوليا، استنادا إلى الموقف الفرنسي الأخير المناهض لسلوك إيران في الإقليم.
ثالثا: منع إيران من تضمين قاعدة نفوذ دائمة في اليمن، وسوريا، والعراق، في مرحلة ما بعد التسوية السورية، والعمل على الحيلولة دون تحويل سوريا إلى عراق جديد، أو تحويل اليمن إلى لبنان جديد، تكون فيه حركة أنصار الله جزءا بالحكومة.
- السيناريو الثالث: المواجهة العسكرية المباشرة:
يستند هذا السيناريو إلى توافر البيئة الإقليمية المواتية لشن حرب على إيران تكون الولايات المتحدة محركها الرئيسى، إلى جانب إسرائيل وعدد من الحلفاء الإقليميين، بناء على قرار المجلس الوزاري للجامعة العربية فى 19 نوفمبر الماضي، الذي دان.ـ فيما يشبه الإجماع.ـ السلوك الإيراني في الإقليم.
وترغب واشنطن في إدراج مؤسسة الحرس الثوري على قوائم الجماعات الإرهابية، وتقويض الاتفاق النووي، وفرض عقوبات أكثر حزما ضد إيران، وفي تلك الحالة، سيكون من صلاحيات الرئيس الأمريكي استخدام سلطات قوات مكافحة الإرهاب الأمريكية؛ للتصدي لميليشيات فيلق القدس، وهو الذراع العسكرية الخارجية لمؤسسة الحرس الثوري.
يعتمد هذا السيناريو على قيام إيران بخرق الخطوط الحمر بالنسبة للسياسات الأمريكية والإسرائيلية في سوريا تلك التي تتضمن بناء قاعدة جوية عسكرية بالقرب من العاصمة السورية دمشق، واستخدام القاعدة البحرية الخاصة فى ميناء طرطوس، مما يعني أن يكون لإيران وجود عسكري في منطقة شرقي المتوسط، وهو الأمر المرفوض أمريكيا وإسرائيليا؛ لذلك لجأت تل أبيب إلى قصف مركز الدراسات والأبحاث العلمي فى مدينة مصياف، وسط سوريا، وهو موقع عسكري يشتبه في أنه ينتج أسلحة كيميائية وقنابل موجهة.
وتهدف تلك الحملات الإسرائيلية، التي استهدفت مواقع فى سوريا نحو 100 مرة خلال السنوات الخمس الأخيرة، إلى ثني إيران عن نقل خبراتها العسكرية إلى حلفائها في دمشق وجنوبي لبنان وثنيها عن نقل معداتها عالية التقنية إلى حزب الله، وهو الأمر الذي يعد نواة لحملة عسكرية محتملة موسعة تكون فيها إسرائيل شريكا أساسيا.
يستمد هذا السيناريو واجهته من نجاح إسرائيل في تحييد حليف إيران القوي، المتمثل في اللاعب الروسي، مع ملاحظة أن موسكو لم تعترض ـ ولو على لسان وزير خارجيتها، سيرجي لافروف، على كل الحملات الإسرائيلية ضد المواقع الإيرانية في سوريا، بالرغم من التحكم الروسي المطلق في الأجواء الجوية السورية، وقدرة روسيا على إيقاف أي عمل عسكري فيها.