أضاف الرئيس عبدالفتاح السيسي في كلمته في منتدى شباب العالم فضيلة جديدة تضاف إلى الفضائل التي نعرفها، وهي فضيلة الحوار، ولكن ماالفضيلة وماكنهها كمعنى نتداوله ووصف نقي نخلعه على الأشياء القيمة في حياتنا ؟! " ليست الفضيلة وسيلة من وسائل العيش أو كسب المال وإنما هي حالة من حالات النفس، تسمو بها إلى أرقى درجات الإنسانية وتبلغ بها غاية الكمال " . رحم الله الأديب /مصطفى لطفي المنفلوطي قائل هذه العبارة في كتابه "العبرات" . وهو الذي برع في سبر أغوار النفس البشرية؛ فكتب رواية "ماجدولين" أو "تحت ظلال الزيزفون"، وهي رواية من الأدب الرومانسي، عرَّبها المنفلوطي، فأسبغ عليها بعباراته الخاصة جمالاً أدبيًا له نكهته الخاصة التي يتميز بها؛ والتي زادت المعاني شفافية، والإحساس رهافة، وهي قصة الحياة بكل منعطفاتها حب وشقاء، انكسار وانتصار، وولادة وموت. فهي قصة تقرأ من صفحات الحياة المؤثرة نسجها "ألفونس كار" فأبدع وعرَّبها المنفلوطي ليطلع القارئ العربي على هذا العمل الذي يجمع بأجوائه ومناخاته بين سمتي الأدب العالمي بروحه الغربية، والأدب العربي بعباراته ومعانيه المعبرة وذلك من خلال أسلوب المنفلوطي الجميل .
وبالفعل ..لاتستطيع جحافل جيوش العالم مجتمعة بعدتها وعتادها؛ أن تزرع فسيلة "الفضيلة" في تربة النفس الإنسانية؛ لأنها لابد أن تكون نابعة من أعماق الذات؛ وأتت معجونة في صُلب الجينات الوراثية للنفس البشرية التي خلقها الله على فطرتها النقية، ونجد أن الفيلسوف "سقراط" قد قام بإيضاح أكثر لمعنى "الفضيلة" حين وصفها بأنها هي المعرفة في حقائق الوجود، ورفع شعارًا لفلسفته ورؤيته يتلخص في عبارة: "إعرف نفسك بنفسك" وأراد بتلك العبارة أن يغوص الإنسان في أعماق ذاته باحثًا عن مكنون دُرَرْ الأخلاق الحميدة السامية التي تمتلىء بها جوانحه .
ولكن تظل " الفضيلة" كمعيار إنساني هي الغاية المرجوَّة؛ والهدف الذي يجب أن نسعى إليه ونمارسه بتلقائية في كل علاقاتنا الإنسانية قدر الإمكان والطاقة، كي نحافظ على ديمومة النقاء والصفاء في جدار الروح، ومنح الصفح الجميل دونما مساس برهافة المشاعر والكرامة التي يجب أن تكون العمود الفِقَري للشخصية السويَّة، ولعلني أختلف مع مقولة سقراط : "من الأفضل أن نعاني الظلم من أن نمارس الظلم" .. فلا نحن نقبل الظلم على أنفسنا، ولا نستسيغ أن نمارسه تجاه الآخرين، ولكن ربما أراد هذا الفيلسوف تقريب المعنى للدارس أو القارىء، فالفضيلة هي الاعتزاز بالنفس .. دون كبرياء أو غرور، والتسامح الممنهج .. دون رضوخ أو قبول لعنفوان قوى خارجية مهما كانت سطوتها، فإسباغ السعادة والبهجة والفرح على من حولك ـ دونما غرض ٍ أو مرض ـ هو شكل من أشكال الفضيلة في النفس والجسد، وسمو للروحانيات التي تكاد تصل إلى ملامسة أهداب السلوكيات الصوفية المحلقة في غلالة من الشفافية.. تعطي الطمأنينة لنفوس من يعطي ويمنح، ولمن يأخذ ويسعد بهذا العطاء، فيمنحه بدوره للآخرين بكل التلقائية والعفوية، لتتشابك الحلقات في سلسلة طويلة رائعة من تبادل تلك الهبات الربانية المخلصة .
ولعلنا ـ بنظرة سريعة ـ نستطيع أن نقوم بتقسيم الفضائل إلى نوعين لاثالث لهما؛ فمنها ماهي"فكرية"، ومنها ماهي "خُلقية" .. فالحكمة والفهم والعقل : فكرية، والحرية والعفة : خُلقية.. فإنا وصفنا خلق الإنسان لم نقل أنه حكيم أو فهيم، لكنا نقول إنه حليم أو عفيف. وقد يُمدح الحكيم بالهيئة التي له، وما كان من الصفات ممدوحًا سميناه: فضائل، إذن .. الفضائل مما يمدح في حين أن السعادة ليست مما يمدح، ونستنتج من ذلك أيضًا أن كل الفضائل تعد أمورًا تتعلق بنتائج النفس الناطقة في كل أحوالها سواء كانت فضائل فكرية أم خلقية، ولا ترتبط السعادة بالفضيلة فحسب بل أنها ترتبط أيضًا باللذة الشعورية المعنوية .. لا المادية . وحتى الحُزن ـ عند بعض الفلاسفة ـ رغم قسوته إلا أنه خيرٌ للنفس وفرصة لتنقية الروح وارتقاءً بمعدلات الفضيلة داخل الذات وتغسلها من أدران الصلف والغرور .
إذن .. فالفضيلة هي استعداد دائم للرغبة في أداء نوع محدد من الأعمال الأخلاقية، فليس الانتظام والالتزام الممنهج بينك وبين نفسك بكاف ٍ في المعاملات مع أفراد المجتمع، ولكنه يُعد قاعدة انطلاق جيدة ومتينة؛ تعيد استعدادات العقول للمجتمع من حولك للقناعة بممارسة الفضيلة كسلوكيات ومقاصد راقية تسمو بالبشر فوق كل رذيلة . ونجد أن تعبير "فضيلة" لا يعني سوى ” الفضائل بالمعنى الأخلاقي” لتمييز هذا عن معنى "نقص" أو نقيصة" وهي مايدل جملة على "الرذيلة" أو "الرذائل"، فالفضائل الأخلاقية ـ بتصرف عن بعض مقولات أرسطو ـ هي التي يكون موضوعها أفعال الحياة العملية: العدل، الشهامة، العطاء، الشجاعة، الصداقة، والفضائل العقلية هي التي يكون موضوعها العلم والتأمل، فهي لجمالها استعداد دائم لإرادة فعل الخير.
هل تجدون أنه من العسير أن نعتنق "الفضيلة" بمعانيها السامية الرفيعة منهجًا لحياتنا ؟
وهل أجد نفسي بدعوتي هذه؛ أنني أبدأ بالانتظام في طليعة صفوفكم وأحمل معكم مشعلاً؛ يضيء دروب الحياة من حولنا؛ ولنثبت للقاصي والداني أننا أول من حمل هذا اللواء ونقشناه بإزميلنا على جدران المعابد ؟ تعالوا بنا لننقش تعاليم "الفضيلة" على جدران أرواحنا العطشى إلى احتضان كل هذا الجمال الروحي والعقلي لنرتقي؛ لنكون القدوة والمثل الأعلى للأجيال الصاعدة ؛ لأنها هي من ستحمل الراية لتغرسها في أعالي قمم الحضارة الإنسانية .وها قد جاء المصري الأصيل والوطني حتى النخاع رئيسنا المُلهم عبدالفتاح السيسي ليطالبنا بالتحلي بفضيلة الحوار الذي يقرب وجهات النظر ويؤدي إلى تذويب الخلافات والوصول إلى حلول للمشكلات المعوقة لمسيرة السلم المجتمعي والسلام العالمي ليكون الفهم والإفهام هو المبتغى من كل تفاعل عقلي وفكري بعيدًا عن الفرقة والخصومة فهلاّ لبينا النداء؟!