أنشطة السياسة الدولية - مؤتمرات وندوات

الديمقراطية المخيفة:|آلان جريش يحلل تأثيرات الثورات العربية فى إسرائيل

جريش - داخلي
طباعة

جملة من التداعيات الداخلية والاقليمية تطرحها الثورات العربية التي اجتاحات المنطقة ، لاسيما أنها أحدثت خلخلة في نماذج القيم والعلاقات السياسية يما سيؤثر فى صياغة جيوسياسية  جديدة في المستقبل. وفى هذا السياق ، سعى المفكر الفرنسى ألان جريش- خلال ندوة التى نظمها مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية فى 5 يونيو 2011  تحت عنوان "الثورات العربية رؤية تحليلية"- إلى الإمساك بتلابيب تلك التداعيات، في ضوء خبرته كمناضل متحمس من أجل مصالح وحقوق العالم الثالث والمناهض للعولمة الرأسمالية والإمبريالية العالمية، ونائب رئيس مجلس إدارة صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" العريقة، ورئيس تحريرها فى سنوات عديدة سابقة، ورئيس رابطة الصحفيين الفرنسيين المتخصصين فى شئون المغرب العربى والشرق الأوسط.

وصف آلان جريش ما يحدث في العالم العربي ‬بأنه " خطوة تاريخية تعود به إلى الوجود مرة أخرى،‮ ‬بعد ما يقرب من أربعين سنة كانت فيها المنطقة خارج التاريخ‮.‬ ففي أمريكا اللاتينية، سقطت الديكتاتوريات العسكرية خلال الثمانينيات.‮ ‬وفي إندونيسيا وماليزيا والفلبين، حدثت تغيرات سياسية عميقة،‮ ‬وأيضا في أوربا الشرقية،‮ ‬وفي بعض بلدان إفريقيا،‮ ‬لكن المنطقة العربية هي الوحيدة التي ظلت فيها الوجوه نفسها تقريبا منذ السبعينيات،‮ ‬وحتى التغيير أتى بأبنائهم،‮ ‬لذا ما يحدث الآن هو بالفعل صناعة تاريخ جديد للمنطقة‮".‬

ورأى المفكر الفرنسي أن ثمة مناخا جديدا في العالم على عكس ما توقعه البعض، وقال "لقد جاءت الثورات العربية فى إطار عالم متغير ، فالسياسة الدولية منذ‮ ‬200‮ ‬عام ‬كانت في يد أوروبا والولايات المتحدة‮. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، اعتقد الناس أن العالم سوف يدخل قرنا ‬أمريكيا‮، لكن هذا لم يحدث‮، فنحن نشهد قرناً‮ ‬فيه تعددية. ‬‬الآن الصين لها سياسة خاصة مثلا،‮ ‬توالي الولايات المتحدة وتعاديها حسب مصالحها،‮ ‬البرازيل أيضاً‮ وتركيا. كما أن ‬هناك الآن إمكانية قيام علاقات مع الصين والهند،‮ ‬وهذا مهم جدا ، ويخلق مناخا إيجابيا من التغيير فى العالم العربى‮".

وقال جريش إن مرحلة الحرب العالمية ضد الإرهاب لم يكن لها معني، والإرهاب وسيلة استخدمها الجميع،‮ و‬المشكلة هي عندما يتصور الأوروبيون أن هناك علاقة بين تنظيم القاعدة والمسلمين، وأن القاعدة تمثل الإسلام الحقيقي‮.

" موت بن لادن "

ما حدث في العالم العربي من ثورات – والكلام لجريش- يغير هذا الأمر (علاقة المسلمين بالإرهاب) بعض الشىء‮، وأكد أن بن لادن كان قد مات‮ ‬مع الثورة في مصر‮، لأن ‬وزنه الوحيد كان في باكستان، و‬هناك بعض القوة له في المغرب، لكن فكره ‬فقد فعلياً ‮كل‮ ‬قوته الأيديولوجية مع الثورات‮. ففي التسعينيات، كان هناك من يرى أن فكر بن لادن هو البديل الوحيدة للأنظمة المتحالفة مع الغرب‮. أما ‬الآن، فالوضع ليس هكذا‮". ‬

جريش قال أيضا إنه لا الدوائر الغربية ولا غيرها أمكنها التنبؤ باندلاع الثورات التي تجري الآن في العالم العربي، مشيرا إلى أن ما يحدث في المنطقة العربية من ثورات أمر جيد لا يمكن أن يعود للوراء مهما حدث ومهما واجهت هذه الثورات من مصاعب.

ورفض اعتبار الولايات المتحدة وراء ما يحدث في العالم العربى‮، ولكنه قال " عندما تقع هذه الأحداث ، فمن الطبيعي أن تفكر دولة مثل الولايات المتحدة أو فرنسا فى كيفية استغلالها لصالحها‮، و‬الأمريكان فقط يلعبون دورهم،‮ ‬يضغطون على مصر في موضوع علاقاتها بإسرائيل وبإيران، ومصر تحديدا نظرا للمكانة التي تحظي بها ، وهو أمر طبيعي".

وتابع: "الأمريكان كانوا ضد أي تدخل،‮ ‬وأن ساركوزي والبريطانيين كانوا يعتقدون أنهم‮ ‬خسروا في تونس ومصر، لأنهم أيدوا بن علي حتى آخر دقيقة،‮ ‬وأيدوا‮ ‬مبارك حتى آخر ساعة‮، مشيرا إلى ‬أنه ضد التدخل في العالم العربي. لكن فى الحالة الليبية، يلاحظ أنه لم تكن هناك مظاهرة واحدة خرجت ضد التدخل في ليبيا،‮ ‬لأن القذافي مكروه فعلا‮، بعكس الرئيس الراحل صدام حسين،‮ فقد خرج ملايين إلى الشارع تضامنا معه ، ولكن هناك تخوفا، في حالة استمرار بقاء النظام الليبي، من أن تتحول ليبيا إلى أفغانستان جديدة"‮.

" النموذج يقرره الشعب"

ورفض جريش فكرة تبني نموذج للديمقراطية، نظرا لتمتع كل دولة بظروف تختلف عن أي دولة أخري، " فلا يمكن مثلا اتخاذ النموذج التركي وتجربتها في الديمقراطية مثالا يجب أن يحتذى به في مصر، خاصة أنه مع مرور الوقت بدأ الشعب التركي نفسه في الشعور بأهمية التغيير ومطالبة الجيش بتقليص دوره".

إسرائيل تخشي الديمقراطية – كما يقول جريش - لكن لا يمكن القول إن الولايات المتحدة تخشي الديمقراطية،‮ ‬حتي وإن كان موقفها منحازاً‮ ‬ كما حدث في البحرين‮. واستطرد قائلا " هناك فكرة واضحة جداً،‮ ‬وهي أنه لو كانت هناك ديمقراطية، فسيكون موقف العرب أقوي ضد إسرائيل،‮ ‬ليس بمعنى الحرب، وإنما الصراع‮. ‬ما فعله مبارك في السنوات العشر الماضية لخدمة إسرائيل لم يكن أحد يفعله‮، ‬وهذا كان ضد الغالبية الكاسحة من الشعب،‮ و‬إسرائيل تخاف من هذا‮".

وأشار إلى أن المشكلة أن إسرائيل تنتهج سياسة أكثر تطرفاً‮ ‬في السنوات العشر الأخيرة‮، ‬فالأحزاب أكثر يمينية، وكذلك المجتمع نفسه، وقواعد نتنياهو للحل معناها حرب للأبد‮، والاحتجاجات تخيف إسرائيل بالطبع. ‬فسقوط نظام الأسد قد يعني- ‬على عكس الحال في مصر-‮ ‬حرباً‮ ‬أهلية،‮ ‬وقد يفتح الأبواب لاضطرابات كثيرة على حدود إسرائيل. ‬أعتقد أن أكثر ما يخيف إسرائيل هو ما حدث بالفعل في يوم‮ ‬15‮ ‬مايو - ‬أي مظاهرات موسعة علي حدودها - ‬لأن هذا مرعب بالنسبة لها‮.

" دروس الثورات"

ووصف جريش ما يحدث في المنطقة العربية من ثورات بأنه " أمر جيد، وأنه لا يمكن العودة للوراء مهما حدث ، ومهما واجهت هذه الثورات من مصاعب.لأن التجربة أثبتت أن الشعوب هي صاحبة القرار في النهاية، وأن المستقبل في يد الشعوب، وهو الدرس الذي تعلمناه من الثورة العربية".

وقد رأى جريش أن هذه الثورات تكتسب أهميتها من كونها عربية، لذلك فإن الأمل فى التغيير أمر وارد بقوة فى كل البلدان العربية، خصوصا أن محاولات احتواء تصاعد مطالب التغيير- سواء بمقايضة الناس على حريتهم عبر الرشوة المالية ، كما حدث فى الخليج، أو الالتفاف على مطالب الشباب عن طريق إصلاحات سياسية ، كما حدث فى المغرب الغربى- فى الحقيقة كلها لم تكن تعبيرا عن الإرادة الفعلية للمجتمعات".

ونبه جريش إلى الدور التعريفي الكبير الذي لعبته قناة‮ “‬الجزيرة‮” ‬في الثورات العربية، حيث تعرفت الجماهير العربية على ما يحدث من بلد إلى بلد، وقد خلق هذا تبادلا للخبرات،‮ ‬يجعل الجميع يصدق أنه يستطيع هو الآخر أن يقوم بالتغيير. فالناس خرجت في مصر عندما شاهدت على الشاشة نجاح التجربة التونسية‮.‬

وعد الصراع الدائر فى البلدان التى قامت بها الثورة " عاديا وطبيعيا فى مثل هذه المراحل من الثورات، وأن السؤال المطروح الآن عن الدولة الدينية أم الدولة المدنية ليس السؤال الصحيح، فهو يخلق حوارا ليس له معنى، لأن المفترض أن الحوار الأساسى يدور حول المستقبل، حول المشكلات الأساسية: الاجتماعية والاقتصادية وبناء الديمقراطية".

وأضاف أن مصر قد تكون مستقبلا إحدى القوى المهمة على الساحة الدولية،‬ لكنه رهن هذا بتحسين الوضع الاقتصادي لمصر ، لأنه سيعطيها استقلالية سياسية، واتخاذ قرار سياسي حر. وأعطي تركيا كمثال، فهي دولة لديها موقف قوي وواضح تجاه إسرائيل، نظرا لتمتعها باستقلالية سياسية نتجت عن اقتصادها القوي.

طباعة

    تعريف الكاتب

    محمود حمدى أبو القاسم

    محمود حمدى أبو القاسم

    باحث بمركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية