أنشطة السياسة الدولية - مؤتمرات وندوات

مؤتمر "كانكون" للتغير المناخي .. حدود النجاح والإخفاق

كانكون داخلي
طباعة

 رغم خطورة تداعيات المشكلات البيئية علي العالم، فلا تزال أغلبية الدول لا تعيرها الاهتمام الكافي والضروري، وهو الأمر الذي تجلي واضحا في نتائج مؤتمر " كانكون" بشأن التغير المناخي، الذي عقد في المكسيك خلال الفترة من 29 نوفمبر وحتي 10 ديسمبر 2010، وشارك فيه نحو 193 دولة وقرابة 15 ألف شخص من الوفود الحكومية وخبراء البيئة والمنظمات غير الحكومية ورجال الأعمال والإعلاميين.

ففي الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، حث الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" ممثلي الدول المجتمعين علي الاتفاق علي خطوات لمكافحة الاحتباس الحراري وعدم الانتظار إلي أن يتم التوصل لاتفاق كامل، قائلا "لا نستطيع أن ندع الكمال يكون عدوا للخير، لأن صحة الكوكب في خطر".

وكما هو معروف، فإن مؤتمر "كوبنهاجن"، الذي عقد في عام 2009، لم ينجح في التوصل إلي صيغة ملزمة لحماية الأرض من التغيرات المناخية، ولكن تم التوصل بدلا من ذلك إلي اتفاق سياسي غير ملزم، رفض بغضب من العديد من الدول النامية التي وجدته غير كاف لمواجهة خطر التغيرات المناخية.

تأتي أهمية المؤتمر من أنه يعد استكمالا للجهود التي بذلتها الأمم المتحدة من خلال العديد من المؤتمرات لمواجهة قضية التغيرات المناخية التي يشهدها الكون، خلال السنوات الماضية، انطلاقا من مؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ الذي عقد في "بالي" بإندونيسيا في ديسمبر عام 2007، الذي تبني خريطة طريق حول كيفية الوصول إلي اتفاق ما بعد كيوتو، مرورا بنظيره الذي عقد في مدينة "بوزنان" البولندية في الفترة من 1  إلي 12 ديسمبر 2008، والذي بحث سبل تعزيز التفاهم حول "رؤية مشتركة " لنظام جديد لتغير المناخ، انتهاء بمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوبنهاجن) الذي عقد في 19 ديسمبر 2009، وانتهي إلي اتفاقية غير ملزمة قانونيا،أطلق عليها "معاهدة كوبنهاجن.

تأتي أهمية المؤتمر في إطار ما كشفت عنه إحدي الدراسات الصادرة عن المنظمة الدولية للأرصاد الجوية من أن عام 2010 المنصرم قد يصنف كواحد من بين الأعوام الثلاثة الأشد حرارة منذ بدء المجتمع البشري، خاصة في إفريقيا ومناطق من آسيا. وأضافت المنظمة أن معدلي درجات حرارة سطح الأرض والبحر زادا علي معدلاتهما في الفترة ما بين عامي1961 و1990 بمقدار نصف درجة مئوية، ومن المتوقع أن يرتفعا بنحو أربع درجات مئوية بحلول عام 2060، أي بمقدار ضعف السقف الذي حددته 140 دولة بمعدل درجتين مئويتين في قمة الأمم المتحدة حول المناخ في كوبنهاجن عام 2009 . ومن المحتمل، بحسب الدراسة، أن يؤدي هذا الارتفاع السريع إلي تعطيل إمدادات الغذاء والماء في أجزاء كثيرة من العالم.

وقد هدف المؤتمر إلي تحقيق العديد من المطالب، أهمها تقليل الانبعاث الحراري المسبب للتغير المناخي لمنع حدوث ارتفاع خطير في درجات حرارة الأرض، حيث حذر العلماء من أن درجات الحرارة قد ترتفع في القرن الحادي والعشرين إلي بضع درجات مئوية، مما يؤدي إلي اضطراب مناخي حاد يؤثر في الحياة نفسها، بسبب ذوبان الجليد، وارتفاع منسوب مياه البحار والجفاف والتصحر واتساع موجات الحر، وكذلك الفيضانات والحرائق في الغابات، وكذلك البحث في توفير الأموال اللازمة للتعامل مع ما سيأتي من كوارث بسبب الارتفاع المستمر في درجات الحرارة، وكذلك محاولة التوصل إلي حلول ترضي مختلف الأطراف، خاصة الدول الصناعية الكبري، مثل الولايات المتحدة، حول بروتوكول "كيوتو" والتي لم توقعه وترفض باستمرار السعي الجاد لخفض انبعاثات الغازات، خاصة غاز ثاني أكسيد الكربون.

مواقف عربية ودولية :

ليس بجديد القول إن الدول العربية في طليعة المناطق المهددة بتأثيرات تغير المناخ، وبالتالي فإن الدول العربية كانت لديها مصلحة حقيقية في التوصل إلي اتفاق دولي ملزم للحد من تغير المناخ ومواجهة مضاعفاته، وخصوصا بعد التقرير العلمي الذي أصدره المنتدي العربي للبيئة والتنمية أخيرا بأن البلدان العربية من أكثر المناطق تعرضا لتأثيرات تغير المناخ المحتملة، وأبرزها الإجهاد المائي، وتراجع إنتاج الغذاء، فضلا عن ارتفاع مستوي البحار، وتردي الصحة البشرية.

ويذكر أن مصر ترأست المجموعة العربية، وتحدث باسمها وزير البيئة المصري السابق ماجد جورج، الذي أبلغ المفاوضين الموقف الموحد لوزراء البيئة العرب وجامعة الدول العربية، بضرورة الالتزام ببروتوكول "كيوتو"، وبنوده التي لا تلزم البلدان النامية (والعربية بينها)، وضرورة الإبقاء علي مقولة المسؤولية التاريخية للبلدان المتقدمة.

أما الدول الصناعية، فقد حاولت خلال المفاوضات تقليص التزاماتها لتجنب أية أعباء اقتصادية عليها، وإعطاء وعود غير ملزمة بتقديم مساعدات مالية أو تقنية للدول النامية والمتضررة. وقد دخلت الدول الصناعية في مؤتمر "كانكون" وهي علي علم بالمواجهة القائمة منذ فترة طويلة بين أكبر بلدين متسببين في انبعاثات الغازات، وهما الولايات المتحدة والصين، إذ تطالب واشنطن بفرض قيود أكبر علي الانبعاثات في الصين.

وخلال أروقة هذا المؤتمر، خطفت اليابان موقع صدارة الرافضين لتمديد العمل ببروتوكول "كيوتو" من الصين، التي عرقلت مؤتمر " كوبنهاجن" عام 2009، حين رفضت أن تخرج المفاوضات بأية أرقام ملزمة لتخفيض الانبعاثات، مع العلم بأن الولايات المتحدة تعد أحد الأطراف الدولية المهمة في فشل بروتوكول "كيوتو" بعد انسحابها منه، قبل أن يبدأ تطبيقه. ولكن الحقيقة تقتضي الاعتراف بأن اليابان كانت مجرد واجهة في " كانكون"، إذ لم تكن روسيا وكندا أقل إصرارا منها علي رفض التجديد لبروتوكول "كيوتو"، لكنهما اختارتا الاختباء وراء اليابان.

فاليابان من الدول التي رفضت صراحة تمديد العمل ببروتوكول " كيوتو"، كما حذرت من أنها لن توقع الالتزام بالبروتوكول لمرحلة ثانية، حيث قال "هيديكي ميناميكاوا" أحد المفاوضين اليابانيين :إنه لا معني للانطلاق في مرحلة ثانية، كما أن بروتوكول "كيوتو" لا يغطي سوي 27 بالمائة من الانبعاثات الشاملة من أكسيد الكربون. وتري طوكيو أن المعاهدة الصحيحة يجب أن تشمل كل المتسببين في الانبعاثات، كما أنها لا تمثل سوي 3 بالمائة من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم. وقد أدي هذا الرفض إلي قلق العديد من الدول، إذ صرح سفير البيئة الفرنسي "بريس لالوند"، المدافع بشدة عن مرحلة ثانية من الالتزام بإطار المعاهدة المبرمة سنة 1997، بأنها مفاجأة سيئة.

ومن جانبها، اعتبرت البرازيل، أكبر المفاوضين في "كانكون"، هذه القضية أساسية، وقال المفاوض "لويز فيجيريدو" إن تسوية هذه المشكلة أمر أساسي من أجل التوصل إلي نتيجة إيجابية في "كانكون". كما أضاف "فيجيريدو" أن إعلان اليابان لا يساعد، وأن عددا من الدول أعربت عن قلقها إزاء ما أعلنته اليابان. كما أعرب مفاوض بنجلادش، قمر الإسلام شودهوري، عن قلقه لأن "كيوتو" و"كانكون" مرتبطان ببعضهما.

الجدير بالذكر أن بروتوكول "كيوتو" أقر مبدأ المسؤولية المشتركة ولكن المتفاوتة، الذي يعترف بالمسؤولية التاريخية للدول الصناعية في تراكم الكربون خلال السنوات ال- 150 الأخيرة، ويضع عليها المسؤولية الكبري في الالتزام بتخفيض الانبعاثات وتحمل التكاليف، بينما يعطي الدول النامية، ومنها الصين والهند، فترة سماح لا تفرض عليها خلالها تخفيضات ملزمة. وهذا ما يفسر محاولة الصين عرض تخفيضات طوعية في انبعاثات الكربون لفترة غير محددة، واتخذت الولايات المتحدة من هذا ذريعة للخروج علي "كيوتو"، ورفضت باستمرار إعطاء الصين والاقتصادات الناشئة الأخري الإعفاءات نفسها مثل بقية الدول النامية.

ومن ناحية أخري، تمثلت مطالب الدول النامية في تمديد بروتوكول" كيوتو"، ما دام لم يتم التوصل إلي أي اتفاق آخر أكثر شمولا ليحل محله. فالدول النامية تعتبر أن هناك مسئولية تاريخية علي الدول المتقدمة لتراكم ثاني أكسيد الكربون في الجو، وتسببه في الاحتباس الحراري، هذه المسئولية يجب أن تتحملها هذه الدول التي قام نموها الاقتصادي منذ الثورة الصناعية علي استنزاف الموارد والتلويث. وقد أخذ بروتوكول" كيوتو" هذا في الاعتبار حين تم وضعه عام 1997، إذ فرض تخفيضات في الانبعاثات علي الدول المتقدمة، وأعطي فترة سماح للدول النامية، مع مساعدتها علي تخفيف انبعاثاتها من خلال ما يسمي آلية التنمية النظيفة، التي تدعم البرامج والمشاريع المخففة للانبعاثات في هذه الدول.

ويذكر أنه منذ عام 1997، تغيرت الأوضاع، فأصبحت الصين عملاقا اقتصاديا، وتطورت اقتصادات دول، مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، علي نحو غير مسبوق، مما ضاعف من انبعاثاتها. ويمكن أن نتفهم تخوف اليابان وروسيا من إعطاء جارتهما اللدودة، الصين، فترة سماح جديدة بعد عام 2012 من دون التقيد بتخفيضات ملزمة في الانبعاثات، وهذا يؤدي بالتأكيد إلي تقدم ضخم في الاقتصاد الصيني علي حساب اليابان وروسيا خاصة. ويحتج البعض بأن الصين تستخدم تقنيات ملوثة في تطوير منتجات قليلة الانبعاثات تبيعها إلي الدول الأخري، مثل الألواح الشمسية، وكأن الصين تستغل الاستثناء من التزامات بروتوكول" كيوتو" لتسريع إنتاجها، استعدادا لسوق عالمية تضع قيودا علي الكربون، فهي تطلق المزيد من الانبعاثات الملوثة لصنع منتجات خضراء تبيعها إلي العالم بأسعار منافسة، مما حدا بفرنسا إلي التهديد بوقف استيراد الألواح الشمسية من الصين واليابان.

نتائج المؤتمر:

اختتمت محادثات المؤتمر باعتماد حزمة من القرارات لمساعدة الدول علي التقدم نحو مستقبل منخفض الانبعاثات، وهو ما وصفه كبار المسؤولين الأمميين بنصر في معركة ضد أحد أبرز تحديات العصر. وقد أطلق علي حزمة القرارات اسم "اتفاق كانكون"، والتي تضمنت تعهدات بالتخفيف من حدة الانبعاثات وضمان زيادة المساءلة بشأنها، فضلا عن اتخاذ إجراءات ملموسة لحماية الغابات في العالم، وضمان عدم وجود فجوة بين فترتي الالتزام الأولي والثانية من بروتوكول" كيوتو". علما بأنه من المقرر أن تنتهي الفترة الأولي للالتزام به في 2012، وضرورة الإبقاء علي ارتفاع درجات حرارة الأرض عند درجتين مئويتين، وإنشاء صندوق لتمويل المناخ علي المدي الطويل لدعم البلدان النامية (الصندوق الأخضر)، بهدف تعزيز أسواق الطاقة النظيفة في مختلف أنحاء العالم، ومساعدة الدول النامية في التكيف مع انعكاسات تغير المناخ ، وتسهيل الوصول إلي أحدث التقنيات والتمويل الدولي للعديد من المشاريع والمبادرات التي تقوم بها العديد من الدول لخفض انبعاثات الكربون وحماية البيئة، وتعزيز التعاون في مجال التكنولوجيا.

هذا فضلا عن تعزيز قدرة السكان المعرضين للخطر علي التكيف مع تغير المناخ، مع إدخال مشاريع تجميع الكربون وتخزينه ضمن آلية التنمية النظيفة. ومن ثم، فإن هذه المشاريع أصبحت مؤهلة للحصول علي تمويل، وهذا لم يكن منتظرا علي الإطلاق. فالدول العربية النفطية أمامها فرصة تاريخية للاستفادة من الدعم لتطوير مشاريع تجميع الكربون وتخزينه، مما يخفض الانبعاثات ويعطي البترول فسحة للاستخدام الأنظف.

إلا أن تطبيق هذه التعهدات يبقي رهنا بمدي تطبيق هذه الدول لاتفاقاتها، حيث ينظر للبيئة نظرة غير متحمسة في عدد من دول العالم، خاصة أن ما تمخض عنه مؤتمر "كانكون" لا يتضمن أي جديد بشأن الطموحات إلي انخفاض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون التي يري الخبراء أنها متواضعة إلي درجة لا تسمح بتحقيق هدف الحد من الإبقاء علي ارتفاع الحرارة بمقدار درجتين.

ومما تجدر الإشارة إليه أن كثيرين من المشاركين في المؤتمر اعترفوا  بأن البيان الختامي لا يعد وثيقة مثالية، لكنه يشكل - بحسب رأي الغالبية -  أساسا لاتخاذ المزيد من الخطوات التقدمية في مجال مواجهة التغيرات المناخية، والبت بمستقبل "كيوتو أثناء انعقاد المؤتمر الدوري القادم في "دربان" بجنوب إفريقيا أواخر عام 2011 .

وقد أوجز تصريح الأمين العام للأمم المتحدة ما تحقق في كانكون بقوله "لقد أثمرت مفاوضات التغير المناخي في" كانكون" بالمكسيك عن نجاح مهم نحن في العالم في حاجة إليه، فقد تعاونت الحكومات في قضية مشتركة، من أجل المصلحة العامة، واتفقت علي المضي قدما للتصدي للتحدي المؤكد في عصرنا، وأن نجاح مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في" كانكون" وضع العالم علي مسار أكثر أمانا وازدهارا، وعالم مستدام للجميع".

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. هشام بشير

    د. هشام بشير

    مدرس العلوم السياسية والقانونية، جامعة بني سويف