أخيرا، تسلمت السلطة الفلسطينية المعابر، التي كان أولها معبر رفح، وبذلك تكون السلطة، التي يرأسها ويديرها الرئيس محمود عباس، هي من تشرف على المرور من وإلى قطاع غزه. تحقيق هذا يشير إلى أن نجاح الدور المصري في لمّ شمل الشعب الفلسطيني، الذي أدي الانقسام والتناحر بين أطرافه إلى تراجع القضية الفلسطينية، ليس دوليا فحسب، بل وعربيا أيضا.
الآن بفضل الجهود المصرية، استجابت الأطراف الفلسطينية، وقدمت تنازلات، سواء جبهة الضفة الغربية بقيادة حركة فتح، أو منظمة التحرير الفلسطينية، أو جبهة قطاع غزه، التي تتكون من عدد كبير من الفصائل، وتقودها حركة حماس بمكتبها السياسي، ثم تأتي حركة الجهاد الإسلامي، التي كانت الأقل في تحالفاتها من حماس، والأكثر ثباتا في المواقف. التقاربات والتفاهمات بين الأطراف سابقة الذكر، واستجابتهم لمضمون الرؤية المصرية في المصالحة بينهم، تشير إلى أن الحاضر أفضل من الماضي فيما يتعلق باستقرار الداخل الفلسطيني، الذي ينعكس بالضرورة على الأمن القومي المصري.
ما يعنينا هو تأكيد أن المصالحة ستعيد الأهمية للقضية الفلسطينية، وتعيد ترتيبها على جدول أعمال المجتمع الدولي، وقبله على جدول أعمال الأمة العربية وجامعتها بالقاهرة. فلم يكن أبداً التناحر والاقتتال ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني، والآن أصبح هناك ممثل واحد للقضية، وهو ما يصب في مصلحتها، وهو ما يجعلنا أن نطرح السؤال: هل انتهت الأزمة الآن؟
الإجابة عن السؤال السابق تقتضي الاعتراف بأن المشوار لم يزل طويلا للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل. ويقتضي الأمر المصارحة بأن أي مفاوض لا يستطيع الحصول علي أي مكاسب إلا بقدر قوته في ساحات القتال، وهذا أيضا يجعلنا أن نطرح سؤالا آخر، هو: هو كيف يمكن أن تنجح مفاوضات بين قوى غير متكافئة؟ ولماذا تهتم مصر بالمصالحة ثم المفاوضات رغم صعوبتها؟. الإجابة أن القضية الفلسطينية ستبقى على قيد الحياة، مهما يكن مستوى المفاوضات بين أطرافها.
إن إشغال المنطقة والعالم بالمفاوضات أو حتى السعي إليها أفضل كثيرا جدا من حالة موات مفجعه، تكون الختام النهائي والحزين لقضية الشعب الفلسطيني، الذي لم يحصل علي أي شيء منذ أوسلو حتى اليوم. فلم يتم حق الحصول على العودة، ولم يعد القدس الشريف، ولم تستقل المعاملات المالية، إذ تخضع بالكامل للجانب الإسرائيلي، ولم تعد فلسطين دوله مستقلة بأركانها المعروفة. لو كان القائد التاريخي لنضال الشعب الفلسطيني الرئيس ياسر عرفات موجودا، وكان الاتحاد السوفيتي، بل والكتلة الشرقية بكامل عنفوانها، وكانت الصين بانحيازها الكامل للحقوق العربية، وكذلك الهند، وكان العراق بقوته، وسوريا بقوتها، وليبيا بقوتها، والجزائر بدورها- لكانت القضية الفلسطينية أخذت مسارا آخر. ومن هنا، تبدو المهمة شاقة، ومن الضروري أن تستكمل مصر دورها دون إضاعة أي وقت، قبل أن يتجاوز الزمن الجميع.
ولذلك، فلا ننتظر حلولا سريعة، بل ربما ننتظر تدخلات من أطراف عديدة، منها إسرائيل نفسها لإفساد الأمر كله، وهو ما يتطلب الصبر، وسياسة النفس الطويل، وهيمنة "أبو مازن" على كل الأرض الفلسطينية في الضفة وغزة، في حين تبدأ عملية حشد الأوراق العربية وترتيبها، وليس بين أيدي العرب إلا قرارات دولية بهت بريقها، وتراجع مع مبادرات أخرى تطرح التعاون، وتقدم حوافز للجانب الإسرائيلي لقبول السلام، واسترجاع الأرض.. فهل سيكفي ذلك؟ الأيام وحدها عندها الإجابة.