في الوقت الذي ينحسر فيه الإرهاب نسبيا في سوريا، بعد تراجع قدرات تنظيم "داعش" الإرهابي، فإن هنالك معضلات أربعا أخرى تهدد مستقبل جسد الدولة السورية، وسلامتها أراضيها. ويمكن طرحها على النحو الآتي:
أولا- هضبة الجولان، حيث تحتل إسرائيل قرابة ثلثي مساحة هذه الهضبة، وتسعى للسيطرة الكاملة عليها، مستغلة استنزاف الجيش السوري على مدى سبعة أعوام من الحرب، وهو الأمر الذي عرضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فى أثناء زيارته الأخيرة إلى موسكو، إلا أن ذلك واجه رفضا روسيا.
لقد سعت إسرائيل منذ بداية التسعينيات للهيمنة الكاملة على الجولان، إبان عهد رؤساء الوزراء السابقين، أمثال إسحاق شامير، وإسحاق رابين، لكنها واجهت موقفا سوريا رافضا لذلك، ومتمسكا بعودة الجولان كاملة، وهو ما أدى إلى تعثر المفاوضات، عندما ألقى رابين جملته الشهيرة "عمق الانسحاب من الجولان كعمق السلام".
إثر اغتيال رابين، وصعود نتنياهو في منتصف التسعينيات، سعى الأخير إلى ترسيخ قاعدة "لا سيادة على الجولان إلا لإسرائيل"، ثم أعاد التنقيب عن الغاز والنفط في الهضبة بمعدل أكثر اتساعا.
مع اشتعال الفوضى في سوريا، تعمدت تحركات "جبهة النصرة" التمركز على الحدود السورية - الإسرائيلية بالقنيطرة. اللافت أن إسرائيل لم تواجه تلك التحركات مطلقا، بل كانت قنواتها التليفزيونية تعرض على شاشاتها مصابي "جبهة النصرة" وهم يتلقون العلاج في مستشفيات حيفا.
بل إن القذائف الموجهة لمواقع الجيش السوري بالقنيطرة كانت تنطلق من راجامات صواريخ "جبهة النصرة" المتمركزة بجبل الشيخ بالجولان، وهى منطقة تحت سيطرة دولة الاحتلال.
لذا، يربط البعض بين دولة الاحتلال و"جبهة النصرة"، خاصة بعدما وجهت الأخيرة ضربات للقوات الدولية متعددة الجنسيات التابعة للأمم المتحدة، كي تنسحب أغلب الدول المشاركة بقواتها بالمنطقة، مما يتيح لإسرائيل قيام شركاتها باستخراج واستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في الجولان. جدير بالذكر أن عدة دراسات أوروبية أشارت إلى أن الجولان يحمل كميات هائلة من النفط، ربما تعادل ما هو موجود في دول الخليج العربي.
إذن، فقد تشعل هضبة الجولان حربا جديدة بين إسرائيل وسوريا، في ظل الاستعدادات والمناورات التي أقدمت عليها تل أبيب في الآونة الأخيرة، إذ أعادت هيكلة البنية التحتية في شمال إسرائيل، وأضافت العديد من الخنادق بالمنطقة.
وإذا كانت تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قد أجلت حربا إسرائيلية على لبنان في يوليو الماضي بعد تهديده بضرب خزانات الأمونيا بشمال إسرائيل، فإن ثمة احتمالات لنشوب حرب بين دمشق وتل أبيب ربما قبل الصيف القادم.
ثانيا- قاعدة التنف الأمريكية، حيث تقع القاعدة في منطقة تحمل الاسم نفسه بين الحدود السورية - العراقية – الأردنية. وقد مثل ذلك الموقع نقطة مهمة كطريق للمواصلات بين الدول الثلاث.
كان الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين قد أطلق من هذه المنطقة 39 صاروخا على تل أبيب وحيفا، فى أثناء حرب تحرير الكويت. ولذلك، فإن أعين واشنطن تهتم بهذه النقطة الحدودية، التي ثبتت بها قاعدة التنف الأمريكية التي تتخطى مساحتها أكثر من ألف كم، واستخدمتها واشنطن لتوجيه ضربات للجيش السوري.
ويزداد تهديد تلك المنطقة للدولة السورية، وكذلك الأردنية، مع وجود معسكر التنف داخل حدود الأردن للاجئين الفلسطينيين القادمين من العراق.
ثالثا- معضلة أدلب، حيث تعد تلك المنطقة مهمة للأكراد لاستكمال حزامهم الشمالي بين الحدود السورية والتركية. في الوقت نفسه، فإن تركيا تخشى من تحول المنطقة لبؤرة للمشروع الكردي.
وكانت دمشق عندما تقوم بهدنة مع الإرهابيين، أو السماح بالخروج لهم عند تحرير كل بلدة سورية، يذهبون إلى أدلب، حتى باتت المنطقة عاصمة الإرهابيين في الشام. إذ يحتشد بالمنطقة أكثر من 128 فصيلا من أكثر من 60 جنسية تقريبا يتناحرون فيما بينهم.
وتبحث هذه الفصائل عن تمويل بعد أن جف التمويل القطري إثر المقاطعة التي دشنتها الدول الأربع ( مصر، والسعودية ، والإمارات، والبحرين) في يونيو الماضي. كذلك توترت علاقات الفضائل المسلحة مع تركيا، وباتت تناصب أنقره العداء. ولعل ذلك ما دفع تركيا إلى استشعار الخطر، والتدخل في إدلب بعد الاتفاق مع روسيا وإيران في الأستانة.
لكن يظل السؤال هنا: هل تكون إدلب مدخلا لاستنزاف النظام التركي، والصراع مع كل من روسيا وإيران، خاصة أن أنقره موجودة الآن في كل من إعزاز، وجرابلس، ومارع، والباب في حلب؟ وهل ينفذ رجب طيب أردوغان مشروع لواء إسكندرونة جديدا بالاتفاق مع موسكو؟
رابعا- معضلة الأكراد، حيث بات تلك المعضلة تهدد الدولة السورية، خاصة مع صعود الزخم الكردي في مواجهة "داعش"، سواء في العراق أو سوريا. ولعل الأطراف المتنازعة، سواء الكردية أو الجيش السوري، تسعى للسيطرة على دير الزور حاليا لما تملكه المنطقة من موارد نفطية.
والأكثر تعقيدا ما يتعلق بالحزام الكردي الشمالي بين حدود سوريا وتركيا، والتي تتجسد خطورته في وجود قواعد عسكرية أمريكية به. وباتت تلك الرقعة تمثل لدى البعض سيناريو دولة كردية في سوريا، على غرار دولتهم المحتملة في العراق، برغم ما أظهره الرفض الإقليمي والدولي لنتائج الاستفتاء الأخير في كردستان العراق.
ويرى البعض أن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا يرجح في المستقبل قيام دولة كردية، حتى لو أعلنت في الآونة الأخيرة رفض انفصال الأكراد، خاصة أن واشنطن لم تخرج من دولة دخلتها من قبل، فما بالكم بسوريا، وما تشكله من أهمية في المنطقة؟