وقع وفدا حركتى "فتح" و"حماس" يوم 13 أكتوبر 2017 اتفاقا لإنهاء المصالحة الفلسطينية رسميا في القاهرة بحضور وزير المخابرات المصرية خالد فوزي. تم توقيع أول بروتوكول من بنود المصالحة، ويتعلق بتمكين الحكومة من العمل في غزة، كما فى الضفة الغربية. وقد مثل "فتح" في التوقيع القيادي عزام الأحمد، و"حماس" صالح العاروري. ويكلل توقيع الاتفاق الجهود المصرية لإنهاء الانقسام الفلسطيني بالنجاح، ويؤكد محورية الأمن الفلسطيني كجزء من الأمن القومي المصري.
قراءة في بيان المصالحة:
ألقي وزير المخابرات العامة المصرية، اللواء خالد فوزي، بيانا قبيل توقيع الاتفاق، حدد فيه ملامح المرحلة المقبلة من إتمام المصالحة الفلسطينية، وإنهاء الانقسام. وقد أكد البيان:
*الدعم المصري الكامل للقضية الفلسطينية: استهل البيان بتأكيد الدعم المصري الكامل للقضية الفلسطينية، وحرص القيادة السياسية المصرية على إنهاء الانقسام، وتعزيز الجبهة الداخلية، وتحقيق الوحدة الفلسطينية من أجل إنجاز المشروع الوطني، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين. ولم يتأثر هذا الدعم المصري بأى أحداث داخلية مصرية، بل استمر بكفاءة ونجاح رغم فترة عدم الاستقرار السياسي التي مرت بها الدولة المصرية(2011-2014). كما تعهدت القاهرة في البيان باستمرار تلك الجهود للنهاية حتى تنفيذ جميع بنود المصالحة، لاسيما حال ظهور أى خلافات مستقبلية بين حركتي فتح وحماس حول آليات تنفيذ الاتفاق.
*المرجعية لاتفاق القاهرة 2011: سبق لحركتى فتح وحماس توقيع اتفاق لإنهاء المصالحة في القاهرة باسم "الوفاق الوطني" في 4 مايو 2011. وقد وقع الاتفاق معظم الفصائل الفلسطينية، ومنها (الجهاد الإسلامي، والنضال الشعبى الفلسطينى، والتحرير الفلسطينية، وجبهة التحرير العربية، والجبهة العربية الفلسطينية). وقد وفر الاتفاق آنذاك أساسا لتشكيل حكومة انتقالية للتكنوقراط للتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية للسلطة الوطنية الفلسطينية في سنة واحدة، كما سمح بدخول حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وإجراء انتخابات لهيئة صنع القرار التابعة للمجلس الوطني الفلسطيني. بيد أنه لم ، وتم تعليق المفاوضات في يونيو 2011 لنشوب خلاف بين "فتح وحماس" على تسمية رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني. وقد بيان المصالحة الصادر يوم 13 أكتوبر 2017 الاعتماد على بنود اتفاق القاهرة 2011 كأساس ، وكذلك وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الدعوة لجميع الفصائل الفلسطينية الموقعة على اتفاق القاهرة 2011 للاجتماع بالقاهرة يوم 21 نوفمبر 2017 المقبل لإجراء مشاورات فيما بينها حول إتمام المصالحة الفلسطينية. وبهذا، تكون القاهرة قد ضمنت وجود توافق فلسطيني بين مختلف الفصائل، وكذلك تكون قد ضمنت موافقة ودعم الرأي العام الفلسطيني، بمحتلف فئاته ومكوناته وفصائله، للمصالحة الفلسطينية، وهو ما سيكون له أثر إيجابيا على نجاح جهود إتمام المصالحة.
*تحديد جدول زمني: فشلت المحاولات السابقة لإتمام المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس"، وبلغت نحو 10 اتفاقيات في إنهاء الانقسام، لأنها لم تحدد جدولا زمنيا لانتقال السلطة، وهذا ما تجنبه اتفاق القاهرة 2017 ، حيث إنه حدد في نص البيان الرسمي جدولا زمنيًا لإنهاء إجراءات تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها والقيام بمسئولياتها الكاملة في إدارة شئون قطاع غزة، كما في الضفة الغربية، بحد أقصى يوم 1 ديسمبر 2017.
ترحيب فلسطيني وإشادة بالدورالمصري:
رحبت جميع القوى الرسمية والشعبية الفلسطينية بالإعلان عن توقيع "فتح" و"حماس" رسميًا اتفاقا للمصالحة الفلسطينية، ومن بين تلك القوى:
*السلطة الفلسطينية: رحب رئيس السلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتوقيع حركتي "فتح" و"حماس" اتفاقا نهائيا لإنهاء الانقسام المستمر بينهما منذ عقد من الزمن، وأصدر توجيهاته للحكومة والأجهزة والمؤسسات بالعمل السريع لتنفيذ اتفاق القاهرة. وأكد أنه سيتوجه لقطاع غزة، في زيارة تاريخية خلال شهر كجزء من تسلم السلطة الفلسطينية مهامها في غزة. كما رحب رئيس الوزراء الفلسطينى رامى الحمد الله، وأعضاء حكومة الوفاق الوطنى باتفاق القاهرة بين حركتى "فتح" و"حماس"، مقدما شكره البالغ للرئيس عبد الفتاح السيسي، والدور المصرى المحورى فى إنهاء هذا الانقسام.
*الفصائل الفلسطينية: أشاد رئيس وفد "فتح" عزام الأحمد بحرص مصر على الأمن القومي العربي الذي أدى لإنهاء الانقسام الفلسطيني، وكشف عن مضمون الاتفاق الذي سيعمل على آلية تمكين الحكومة الوطنية الفلسطينية برئاسة رامي الحمدلله من إدارة جميع المعابر، ونشر الحرس الفلسطيني على امتداد الحدود الفلسطينية مع مصر والأردن. ومن جانبه، أكد نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، صالح العارورى، أن الحركة جادة وصادقة فى إنهاء الانقسام الفلسطينى، وتحقيق المصالحة الوطنية، وأشاد بدور القيادة السياسية المصرية، والرئيس عبد الفتاح السيسى، والوزير خالد فوزى، والمسئولين فى جهاز المخابرات العامة على صبرهم وعملهم الدءوب لإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة.
وبدورها، رحبت حركة الجهاد الإسلامى، في بيان أصدرته، بما تم التوصل إليه بين حركتى "فتح" و"حماس" فى القاهرة، وتوجهت بالشكر لمصر على جهودها ورعايتها للحوارات الفلسطينية. ودعت إلى استكمال الحوارات حول باقى الملفات الوطنية المهمة، وبناء استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الاحتلال، وتحقيق الأهداف الوطنية المتمثلة بالعودة، والتحرير، والاستقلال.
*ترحيب شعبي: نظمت مسيرات حاشدة بقطاع غزة والضفة الغربية ترحيبا بإنهاء الانقسام الفلسطيني، حيث توافد مئات المواطنين والناشطين إلى ساحة الجندي المجهول وسط مدينة غزة، حاملين الأعلام الفلسطينية والمصرية بالتزامن مع عقد مؤتمر حركتي "فتح" و"حماس" بالقاهرة. وقدم منظمو المسيرات الشكر للقيادة المصرية التي بذلك جهودًا كبيرة لإنهاء الانقسام.
*تقييم الاتفاق:
*أنهى توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" الانقسام الفلسطيني والجمود اللذين أصابا عملية السلام التي ستتم إعادة التفاوض بشأنها، بعد الانتهاء من تنفيذ جميع بنود اتفاق المصالحة. ورغم أنه لم يتم الكشف بشكل كامل عن تلك البنود، فإن مطالب حركة "حماس" واضحة، وتتمثل في رفع كل الإجراءات العقابية عن قطاع غزة التي فرضها الرئيس محمود عباس على القطاع منذ مطلع عام 2017، وعقد جلسة الحوار الفلسطينى بالقاهرة، تقوم على عدة أسس، أبرزها تطبيق اتفاق القاهرة 2011، والشراكة الوطنية، وشمول الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة بالمصالحة، وإعادة بناء منظمة التحرير، وتفعليها كمرجعية وطنية، وتفعيل المجلس التشريعى للرقابة على الحكومة.
*إتمام نجاح الاتفاق مرهون بأمرين، الأول: تمكين الحكومة الفلسطينية من تسلم جميع المرافق الحكومية والرسمية فى غزة، وهذه الخطوة قد بدأت بالفعل، ويتم حاليًا استكمال تسلم وتسليم السلطة من حركة "حماس" للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة. والثاني: نجاح مؤتمر الفصائل الفلسطينية الذي سيعقد بالقاهرة في 17 نوفمبر 2017 لبحث تشكيل حكومة وحدة وطنية.
*نجاح الجهود المصرية في تحقيق المصالحة بين "فتح وحماس" جاء نتيجة ما تتمتع به مصر من ثقل إقليمي ودولي، وكوادر سياسية ومخابراتية ماهرة استطاعت إدارة المفاوضات بين "فتح" و"حماس" حتى تحقيق المصالحة، حيث استمرت الجلسة الثانية للحوار بين "فتح" و"حماس" أكثر من 13 ساعة متواصلة، استطاع خلالها المفاوض المصري تذليل العقبات، وإقناع الطرفين بإتمام المصالحة، وتوقيع الاتفاق النهائي لها.
* استطاع تحرك القاهرة إعادة الزخم الإقليمي والدولي للقضية الفلسطينية بعدما عانت التهميش لمصلحة قضايا دول الربيع العربي منذ عام 2011. وهذه المصالحة هي خطوة أولى وضرورية لإحياء عملية السلام، واستئناف التفاوض الإسرائيلى- الفلسطيني حول التسوية النهائية لإيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وذلك على أساس مبادرة السلام العربية التى أطلقها الملك السعودى الراحل "عبد الله" عام 2002 في القمة العربية التي عقدت ببيروت، وهى المبادرة التى أكدت آلية التنسيق الثلاثية الترويكا العربية (مصر، والأردن، وفلسطين) كونها الأساس والمرجعية خلال الدخول فى أى عملية تفاوضية مع الجانب الإسرائيلى.
وختاما، نجد أن النجاح المصري في إتمام المصالحة الفلسطينية، والإعلان بالتزامن مع ذلك عن نجاح مصري آخر في التوصل لاتفاق تثبيت هدنة جديد بسوريا، يجددان الثقة في استعادة مصر لدورها الإقليمي كدولة رائدة راعية للأمن القومي العربي، تدير الملفات المهمة بقوة وكفاءة بالغتين.