الكل يطالب بمكافحة الإرهاب، ولا أحد يدري أين البداية والطريق. إن قراءة التاريخ "المرضى"، والإلمام به أمر ضروري لتشخيص العلة، إذ كيف يركز البعض خالطا بين اتهام الدين الإسلامي بالإرهاب والتأويلات المتشددة للنصوص الدينية، عبر تناقل اتهامات غربية جاهزة ومقولبة من دون وعي، ويتجاهل أدوارا أخرى، ربما يكون لها علاقة سببية بالظاهرة الإرهابية؟
بل كيف نكتفي بالتحليل الإعلامي على شاشات التلفاز، والتراشق الكلامي السطحي في فهم واحد من أخطر التحديات التي تواجه عالمنا العربي والإسلامي؟.
ألا تستحق منا دولنا وشبابنا وأجيالنا بالملايين أن نجلس في غرف مغلقة، وندرس ونبحث بجدية الباحثين عن الأسباب العميقة الحالية للظاهرة الإرهابية، ثم نخرج ببدائل، وحلول، وخطط واقعية قابلة للتطبيق من أجل الخروج من هذا المأزق؟.
ألا يعد تطوير التعليم وتحديثه، والقضاء على ثقافة الحفظ والتلقين، بما تكرسه من تبعية واعتياد على السمع والطاعة العمياء، تصديًا مبكرًا لفكر إرهابي محتمل؟ ألا تعد مراجعة الأفكار التي تقدم في السينما والمسرح، وتخليصها من أي ميل للإقصاء والتهميش مكافحة للإرهاب؟
ألا تعد التوعية الثقافية، وتخليص المجتمعات من الجهل، والأمية، والصور النمطية السلبية تجاه الآخر مكافحة للإرهاب؟ ألا تعد مكافحة الفساد، والمحسوبية، والفقر، والبطالة تصديًا ضروريًا للإرهاب؟
إن من ضمن الأسباب، التى تؤدى إلى تغذية التطرف، فقدان مبنى المدرسة لمعناه، حيث تحول من مؤسسة تبنى الفرد فى جميع جوانبه إلى مجرد عنابر تضم فصولا، يجبرها التزايد السكانى على أن تعمل بنظام الورديات، وتهاوى أحد أهم رموز أى دولة، وهو"المعلم"، على يد مؤسسة الإعلام، من خلال أعمال هابطة، ومناقشات سطحية، ونظرة مجتمعية غير مسئولة، فضلا عما يصدر من بعض المعلمين، ويساعد فى تكوين هذه الصورة.
لا بد أن تُقرع أجراس الخطر إلى كون المناهج طاردة للتعلم لسوء تقديمها، ولبعدها عن حياة المتعلمين، وكذلك فقدان المؤسسة الجامعية–لأسباب عديدة- قدرتها على قيادة الفكر فى الدولة، وكونها "بيت خبرة" للمجتمع.
كذلك هناك مشكلة أخرى لا تقل خطرا، هى تصنيف أبناء المجمتع الواحد، وتمايز أفراده على أساس مجاميع الثانوية العامة، وعلى التحاقهم بمؤسسات تعليمية حكومية وتجريبية، خاصة ودولية، فضلا عن مهزلة كليات القمة والقاع، وإلغاء حصص الأنشطة الرياضية والفنية، وفى الوقت ذاته: نسأل كيف تكون صناعة النجم الرياضى أو المبدع؟ ونتساءل: لماذا ينقلب بعضهم لإرهابيين؟.
وبالإضافة إلى ما سبق ذكره، يأتى ابتعاد أبنائنا عن اللغة العربية، ومعاداتهم للقراءة، وانعزالهم عن الأسرة والمجتمع بأجهزة وبرامج إلكترونية، وقضاء المساء والسهرة على المقاهى، واستيراد مفاهيم تربوية، وصبغ معان ودلات عليها ليست منها، فتفقد معناها، ودلاتها، ودورها فى العملية التعليمية، كما تُعاقب الاختبارات المتعلمين الذين يميلون للتأمل، والفهم، والتطبيق لمصلحة هؤلاء الذين يعتمدون على الحفظ، وبهذا نرسخ لثقافة النقل مقابل ثقافة العقل.
فإذا لم ندرك أن أدوات أى مجتمع نحو القوة تكمن فى المعرفة والتفكير، وإذا لم نُعد للمؤسسة التعليمية دورها فى كونها خط الدفاع الأول للأمن القومى المصرى التى تُكون الانتماء، وتمنح الأفراد أدوات التفكير، والتأمل، والمعرفة، وتكشف عن قدراتهم، ومواهبهم، وتشكل عقل الأمة، فسنظل فى دائرة الخوف من تغييب العقل، وماذا يبقى إذا ذهب؟
يقول البعض إن الحلول الأمنية ليست كافية للقضاء على الإرهاب، وهناك حاجة للمفكرين، والكتاب، والمثقفين ليلعبوا دور رأس الحربة، وخط الدفاع الأول في محاربة الإرهاب، لأنها فى المقام الأول حرب أفكار.